هل تستطيع الأمم المتحدة الوفاء بمهامها في ظل نظام عالمي تهيمن عليه الإمبريالية؟

مشاركة المقال

مدار + بيبلزديسباتش: 02 تشرين الأول/ أكتوبر 2024*

ستيفاني ويذربي بريتو

مع احتدام حرب الإبادة الجماعية متعددة الجبهات التي تشنها إسرائيل، تتضح بشكل صارخ محدودية قدرة المنظمة الدولية على الوفاء بوعدها في تعزيز السلام والتعاون.

تعقد الأمم المتحدة جمعيتها العامة التاسعة والسبعين خلال شهري سبتمبر وأكتوبر، ويعتبر الحدث، المساحة الأوسع مشاركة في الهيئة الدولية.

لقد فقدت الأمم المتحدة خلال العقود الماضية الكثير، بسبب الشكوك التي أثيرت حولها، من شرعيتها ومصداقيتها وقدرتها على الوفاء بمهمتها التأسيسية والقائمة على ضمان السلام والأمن، ولم يكن عام 2023-24 استثناءً؛ ومع ذلك، لم يشهد العالم من قبل إبادة جماعية تتكشف أمام عينيه. إن عدم قدرة الأمم المتحدة على فعل أي شيء لوقف هذه الإبادة يسلط ضوءا ساطعا لا يرحم على محدودية هذه الهيئة.

الأسس المهزوزة

تعرضت الأمم المتحدة طوال تاريخها لجهود مكثفة للسيطرة أو التخريب من قبل القوى الاستعمارية والمصالح الإمبريالية الأمريكية، وهذا ما جعلها عاجزة عن تحقيق السلام. إن ضمان استمرار الرأسمالية، وهي أولوية تتطلب نظاما إمبرياليا، جعل هدف الأمم المتحدة المتمثل في إقامة نظام حكم ديمقراطي يضمن المساواة والسلام، هدفا ثانويا في أحسن الأحوال.

أدت الحربان العالميتان الأولى والثانية إلى إعادة تنظيم العلاقات بين القوى الاستعمارية ومطالبات العديد منها بالأراضي، وهو الأمر الذي كان وراء تأسيس عصبة الأمم للجنة الانتداب الدائمة في عام 1920 لتوزيع الممتلكات الاستعمارية للإمبراطوريتين العثمانية والألمانية على المنتصرين في الحرب. شكل ذلك سابقة للحكام الاستعماريين الذين يستخدمون الهيئات الدولية لتحديد كيفية استمرار السيطرة على المستعمرات في عالم ما بعد الاستعمار، وفي عام 1922، منحت هذه الهيئة المملكة المتحدة الانتداب على فلسطين، التي كانت في السابق جزءًا من الإمبراطورية العثمانية.

جاء تأسيس الأمم المتحدة في عام 1945 نتيجة سنوات من الجهود السياسية والدبلوماسية التي بذلتها الدول الأكثر تضررا من الحربين العالميتين. بالنسبة للولايات المتحدة، واتباعا لرؤية وودرو ويلسون، اعتُبرت الأمم المتحدة وسيلة لتهيئة الظروف التي من شأنها تعزيز الرأسمالية والترويج لشكل من أشكال الديمقراطية الليبرالية المواتية لتراكم رأس المال، وقد عكست كل من عصبة الأمم والأمم المتحدة تطلع ويلسون إلى نظام عالمي بقيادة الولايات المتحدة، حيث يمكن للدول المتقدمة أن تسعى إلى تحقيق التنمية الرأسمالية دون قيود حمائية، وكل ذلك تحت ستار إنشاء إطار عالمي ديمقراطي لضمان السلام والازدهار. مع ذلك، وعلى الرغم من مبادئ المساواة المزعومة، فقد شارك في تأسيس الأمم المتحدة شخصيات مثل جان سموتس، وهو سياسي جنوب أفريقي كان يدعم الفصل العنصري، وهو الذي كتب في نهاية المطاف ديباجة ميثاق الأمم المتحدة.

نصّ ميثاق الأمم المتحدة على مبادئ وأساليب من شأنها، إذا ما تم مراعاتها وتطبيقها على النحو الواجب، أن ترسي السلام والتعاون والتنمية بين شعوب العالم، كما قدم الميثاق مفاهيم والتزامات معلنة كانت أساسية في التغلب على النظام العالمي الذي كانت تهيمن عليه مصالح القوى الاستعمارية الكبرى في ذلك الوقت. لا يزال مبدأ السيادة والمساواة بين الأعضاء، والدعوة إلى ضبط النفس في استخدام القوة المسلحة مهما وضروريا من أجل إقامة نظام عالمي أكثر عدالة.

إنهاء الاستعمار

كان أحد الاختبارات الأولى التي واجهتها الأمم المتحدة متعلقا بإنهاء الاستعمار والانتقال من الحكم الاستعماري للعديد من البلدان؛ لكن سرعان ما أصبحت الأمم المتحدة واحدة من المراحل العديدة التي شهدها الصراع من أجل إنهاء الاستعمار، حيث حاربت القوى الاستعمارية للدفاع عن حكمها، بينما كانت الولايات المتحدة والاتحاد السوفيتي والمناطق المستعمرة تنادي بالاستقلال. لم تتشارك الولايات المتحدة والاتحاد السوفيتي المصالح نفسها في دفع عملية إنهاء الاستعمار، وستظهر هذه الاختلافات في الدعم والتشجيع الذي سيقدمه الاتحاد السوفيتي للنضالات الثورية ضد الاستعمار، بينما كانت الولايات المتحدة تدعو إلى عمليات انتقالية تضمن نوعا جديدا من التبعية من جانب المستعمرات.

وضعت الجمعية العامة للأمم المتحدة، في عام 1946، قائمة ”الأقاليم غير المتمتعة بالحكم الذاتي“، وهي في الأساس مستعمرات سابقة في طور الحصول على الاستقلال التام، وقد نص الفصل الحادي عشر من ميثاق الأمم المتحدة، وهو الإعلان المتعلق بالأقاليم غير المتمتعة بالحكم الذاتي، على أن مصلحة سكان الأقاليم هي التي ستحظى بالأولوية. وسعت الأمم المتحدة في هذا الفصل إلى تعزيز استقلال سكان المستعمرات السابقة واحترامهم، إلا أن الإجراءات المتخذة ستصطدم بإصرار القوى البريطانية والفرنسية والبلجيكية على الاحتفاظ بالسيطرة وإبعاد الأمم المتحدة عن شؤونها الاستعمارية.

لعبت الولايات المتحدة دورا متناقضا في هذا الصدد، نظرا لضرورة الدفاع عن إنهاء الاستعمار ولكن فقط بقدر ما لا يعزز الشيوعية. فقد كانت الأجندة العالمية للولايات المتحدة تدعو إلى فتح الحدود لتوسيع الرأسمالية، الأمر الذي كان يتطلب انهيار الامتيازات والحماية الاستعمارية للميتروبوليس. كان الهدف هو ضمان أن يتماشى الانتقال من الحكم الاستعماري إلى الاستقلال مع المصالح الاقتصادية للولايات المتحدة وأن يؤسس لآليات الولايات المتحدة للتأثير والسيطرة على الدول الجديدة. وكان من شأن هذا النهج أن يمنع المستعمرات من أن تصبح دولا مستقلة تماما على طريق الاشتراكية وبالتحالف مع الاتحاد السوفيتي، وقد كانت كوبا والصين مثالين لما لا ينبغي أن يحدث في عملية إنهاء الاستعمار والاستقلال.

في نهاية المطاف، ستؤثر الوزارات الاستعمارية والخارجية الفرنسية والبلجيكية والبريطانية على الولايات المتحدة للدفاع عن مصالحها الاستعمارية في الأمم المتحدة، كما كان استمرار وجودهم وسيطرتهم في إفريقيا والشرق الأوسط حاجزا مهما لمنع تطور الاشتراكية. لقد أرست الولايات المتحدة ممارسة العمل مع المستعمرين السابقين لبناء إمبراطوريتها التوسعية، مستخدمةً الأمم المتحدة لتوفير نوع من الشرعية والديمقراطية والعدالة لأعمالها الإمبريالية.

فلسطين والأمم المتحدة: وعود لم تتحقق

توضح حالة فلسطين على وجه التحديد كيف يمكن تخريب عمليات الانتقال من المستعمرة إلى الاستقلال من خلال التحالف بين القوى الإمبريالية الصاعدة والحاضرة الاستعمارية القديمة، مما يجعل الأمم المتحدة عاجزة عن التدخل لصالح سكان المستعمرة السابقة. كانت الأمم المتحدة منذ تعاملها الأولي مع الوضع في فلسطين قد سمحت بتشكيل دولة جديدة – إسرائيل – دون أن تعترف بأن ما كان يتطور هو احتلال، وفي عام 1947، عندما تخلت المملكة المتحدة رسميا عن دورها وطرحت قضية فلسطين على الأمم المتحدة، نتج عن ذلك القرار 181 (2) الذي حدد الخطوط العريضة للتقسيم الذي أعطى فعليا شرعية وغطاءُ دبلوماسيا رسميا للتهجير الجماعي للفلسطينيين من ديارهم الذي أدى إلى النكبة عام 1948.

ومنذ ذلك الحين، قوبلت جهود الأمم المتحدة للتدخل نيابة عن الفلسطينيين بالتخريب والعنف من قبل الولايات المتحدة وإسرائيل، بدأت باغتيال وسطاء الأمم المتحدة في فلسطين ثم إلى الهجمات على وكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (الأونروا)، والتجاهل التام للتقارير التي أعدها المقررون الخاصون للأمم المتحدة، ورفض الامتثال لقرارات محكمة العدل الدولية. لقد تم القفز على الأمم المتحدة وتجاهلها في كل خطوة تقريبا من قبل الولايات المتحدة وإسرائيل.

30 قرارا للأمم المتحدة لا يمكنها إنهاء حصار غير قانوني

ليست فلسطين هي الحالة الوحيدة من حالات الظلم الفادح التي أشرفت عليها الأمم المتحدة دون أن تكون لها القدرة على التدخل، ففي عام 1962، فرضت الولايات المتحدة حصارا اقتصاديا كاملا على كوبا، وحظرت جميع الصادرات بما في ذلك الغذاء والدواء، انتقاما من سياسة كوبا المعادية للإمبريالية وعلاقتها بالاتحاد السوفييتي. وأثّر هذا الحصار منذ تطبيقه بشدّة على معيشة الشعب الكوبي وأدى إلى تخريب التنمية الاقتصادية للجزيرة. ويشكل الحصار جهدا أحاديا وقسريا لتحديد النظام الاقتصادي والسياسي لبلد أجنبي، وهي سياسة لا يمكن وصفها إلا بأنها استعمارية وإمبريالية بطبيعتها.

ولئن كان صحيحا أن الأمم المتحدة لم تسنّ الحصار الذي تفرضه الولايات المتحدة على كوبا أو تقره أو ترعاه، فمن الصحيح أيضا أنها لم تتمكن من وقفه.

في عام 1992، طرحت الجمعية العامة للأمم المتحدة قرارا يدعو إلى إنهاء الحصار الذي تقوده الولايات المتحدة على كوبا. وقد كانت الأصوات المؤيدة للقرار بأغلبية ساحقة. ففي عام 2023 لم يصوت ضد القرار سوى الولايات المتحدة وإسرائيل، وامتنعت أوكرانيا عن التصويت، ومع ذلك، لا يزال الحصار مستمرا. ومنذ 1992، فرضت الولايات المتحدة عقوبات على المزيد من البلدان في جميع أنحاء العالم.

ينبغي تنحية أي أوهام بشأن الطابع الديمقراطي للأمم المتحدة جانبا لصالح الاعتراف بسيطرة الولايات المتحدة على هيئة تأسست تحديدا لمنع هذا النوع من تركيز السلطة والقوة الذي تمثله الولايات المتحدة.

تشير الحرب على غزة والحصار المفروض على كوبا إلى التحدي الدائم الذي تواجهه الأمم المتحدة منذ إنشائها، وتعكس هذه الحالات قدرة القوى الإمبريالية والاستعمارية الجديدة، التي تؤمّن هيمنتها من خلال الوسائل العسكرية والاقتصادية، على رفض الخضوع للحكم أو الكبح من قبل أي هيئة دولية. ومن خلال الحشد العسكري، والسيطرة على البنية التحتية المالية للاقتصاد العالمي، وملكية المنصات الرقمية للاتصالات، تستطيع الولايات المتحدة التهرب تماما من أي نظام دولي يرعى مصالح الأغلبية.

إن تغيير حالة العالم والاندفاع الذي لا ينتهي نحو النزعة العسكرية لن يحدث في قاعات الأمم المتحدة، بل سيحدث في الشوارع ومن خلال تقدم الهيئات المناهضة للإمبريالية من أجل السلام والمساواة في نظام عالمي جديد.

ستيفاني ويذربي بريتو جزء من القمة العالمية للشعوب.

*نشر هذا المقال لأول مرة باللغة الإنجليزية بتاريخ: 26 سبتمبر/ أيلول 2024

مشاركة المقال

مقالات ذات صلة