مدار: 06 كانون الأول/ ديسمبر 2025
موسى أبو هشهش
كان ترامب ممثل الفاشية الجديدة، وزعيم الإرهاب الدولي، وقد نجح وبسهولة في تحييد العالم تجاه أكبر جرائم الحرب والإبادة والتطهير العرقي في العصر الحديث، وذلك بطرح خطته الخبيثة لـ(السلام في غزة والشرق الأوسط)، وكأن العالم كان ينتظر، أو ما صدّق، أن يطرح ترامب خطته، ويتبعها بتأييد ودعم مجلس الأمن لها، ليُعفي نفسه من المسؤولية الأخلاقية قبل المسؤولية القانونية والدبلوماسية، وليظهر أمام الرأي العام المحلي والدولي أنه مع السلام وضد الحرب.
وفي ظل زخم الاحتجاجات الشعبية المتصاعدة حول العالم على ما كان يجري في غزة والمنطقة من تدمير وقتل بالجملة وتجويع، وتواصل جرائم إسرائيل المركّبة التي لم تتوقف عند غزة والضفة الغربية والاستيطان واعتداءات المستوطنين، لتطال لبنان وسوريا واليمن وإيران، وحيث امتدت يد إسرائيل الطويلة، وبدعم وتواطؤ وصمت المجتمع الدولي الرسمي الذي عبّر عن رفضه (إن كان حقًا رفضًا مبدئيًا) بالقلق أو الإدانة أو الدعوات الخجولة لوقف التوحش الإسرائيلي، دون اتخاذ إجراءات عملية تنتهي بوقف العدوان ومحاسبة المعتدي، أو تجبر الولايات المتحدة وأوروبا على وقف دعمها العسكري والاقتصادي والدبلوماسي اللامحدود للعدوان، والذي بدونه لم تكن تستطيع دولة صغيرة مثل إسرائيل أن تطيل العدوان لأكثر من عامين مستهترةً بمنظومات حقوق الإنسان والعدالة الدولية، وقلق المجتمع الدولي.
من هنا، فمن السذاجة بمكان أن نفترض أن العالم اقتنع بخطة (السلام) أو صدّق النوايا الحسنة للنرجسي ترامب، وقد قيل: “إن الطريق إلى جهنم مبلّط بالنوايا الحسنة”، وحيث يمثّل ترامب مصالح الدولة العميقة التي ما انفكّت تشن الحروب وتسقط الأنظمة وتنهب ثروات ومقدرات الشعوب، وتعتبر نفسها فوق القانون مثلما تفعل إسرائيل.
وإن كان ثمة من اقتنع بالخطة فهو سموتريتش (الفاشي الصريح) الذي طالما اعترض على وقف الحرب، وهدد بإسقاط حكومة نتنياهو، ولم يخجل بالمجاهرة بتهجير الفلسطينيين من أرضهم بالقتل والتجويع وتوسيع الاستيطان، ورأى في خطة ترامب الوسيلة البديلة لتحقيق أحلامه بالتهجير وإقامة دولة إسرائيل الكبرى، وحيث لم تستطع القوة الغاشمة والتوحش تحقيقها.
أما الفلسطينيون وبالتحديد الغزيون الذين ليس فقط لم يتغير حالهم بإعلان خطة ترامب، بل استمرت معاناتهم هذه المرة بتفويض من الأمم المتحدة والوسطاء في قطر ومصر وتركيا، وبتأييد 54 دولة للخطة كما تبجّح ترامب، فلم يكن لديهم خيار سوى أن يتقبّلوا قدرهم بانتظار الفرج، ومواصلة مناشدة المجتمع الدولي بإجبار إسرائيل على كفّ اليد عن غزة والضفة الغربية، ووقف خروقات جيشها لاتفاق وقف إطلاق النار، وإلزامها بالبروتوكول الإنساني بإدخال المساعدات ووقف القتل، والذي تسبب حتى الآن في مقتل 350 فلسطينيًا في غزة وإصابة 1000، بالإضافة إلى العشرات في الضفة الغربية. وبصمت صاحب الخطة الذي ما فتئ يكرر أن الاتفاق صامد، وأن السلام حلّ في غزة والشرق الأوسط، وأن المسألة مسألة وقت.
ما يحدث في غزة ليس أكثر من نسخة طبق الأصل لما يحدث في لبنان، حيث لم يوقف اتفاق وقف إطلاق النار القتل والاستباحة للأراضي اللبنانية، وحيث قتل أكثر من 400 لبناني، وحيث لم ينسحب الجيش الإسرائيلي من الأراضي التي احتلها في الجنوب، وكل هذا يحدث بموافقة وضوء أخضر من ترامب، وصمت الضامنين للاتفاق بل وبتواطؤهم بتقديم ذرائع واهية تتعلق بتنفيذ الحكومة اللبنانية تعهدها بنزع سلاح المقاومة اللبنانية، مع استحالة تحقيق ذلك مهما أبدعت الحكومة اللبنانية والمفاوض اللبناني في تقديم الحجج.
للتنويه، فليس الهدف هنا إلقاء اللوم على المقاومة في فلسطين ولبنان للانكفاء عن المواجهة، وهي التي لم يبقَ لها خيار سوى أن تقبل على مضض ما سماه المجتمع الدولي اعتباطًا بجهود الرئيس ترامب لوقف الحروب وإحلال السلام في غزة والشرق الأوسط، وبعد أن نجحت إسرائيل بالدعم الغربي اللامحدود في تحييد الجبهات السبعة التي حاربت فيها، ولكن لتوضيح مآلات خطة ترامب والتنبيه من مخاطرها العميقة والاستراتيجية على القضية الفلسطينية والمنطقة والعالم إلى حد ما، في وقت تعاني فيه الإمبريالية العالمية من أزمات بنيوية متفاقمة مع صعود قوى منافسة مهددة لهيمنتها كالصين وروسيا على سبيل المثال وليس الحصر.
وهنا وعليه، فلا بد من التأكيد والتنبيه أن خطة ترامب وتأييدها من قبل مجلس الأمن والمجتمع الدولي منحت الفاشية الصهيو-أمريكية الوقت والأدوات لما سماه نتنياهو بتحقيق بدائل الحسم والانتظار المطلق، وتحقيق أهداف لم تكن في حساباته مع بدء الحرب، وأخطرها توسيع حدود (دولة إسرائيل الصغيرة) على حد تعبير ترامب، وإخضاع كامل منطقة الشرق الأوسط للإدارة الأمريكية والإسرائيلية.
للتنويه أيضًا، فقد قدّر غوتيريش، الأمين العام للأمم المتحدة، أن خطة إعمار غزة تحتاج إلى أكثر من 70 مليار دولار، وقد يستغرق إنجازها عقودًا من الزمن. كما ذكرت الأخبار أن إسرائيل تفكر بفتح معبر رفح للمغادرين فقط، وأضافت أن ترامب سيلتقي بنتنياهو في نهاية الشهر لإقناعه بالانتقال للمرحلة الثانية من خطة سلام ترامب.
وحتى يحدث ذلك، يبقى السؤال الأهم: لماذا تنازل العالم بهذه البساطة لسموتريتش، ولا يهم هنا إن كان ذلك طوعًا أو مُكرهًا؟ وكيف لهذا العالم أن يستعيد زمام المبادرة ويعيد زخم المواجهة للفاشية المندفعة كثور هائج، قبل أن يكتشف أن الوقت بات متأخرًا جدًا، وحين تكون غزة قد مُحيت عن الخريطة، وحين ستجرى تعديلات كبرى على خريطة الشرق الأوسط الجيوسياسية؟

