المراسلة 1: نعيش في مرحلة طارئة تتطلب إجراءً عاجلا (مذكرة كتبت مع نعوم تشومسكي)

مشاركة المقال

معهد القارات الثلاث للبحوث الاجتماعية / مدار:  07 يناير/ كانون الثاني 2021

فيجاي براشاد ونعوم تشومسكي

لقد كتبت المراسلة الأولى للعام الجديد بالتعاون مع صديقنا، عالم اللسانيات والصوت النبوئي، نعوم تشومسكي. وفي ما يلي بيان أعددته بمعية نعوم تشومسكي.

ثلاث مهددات رئيسية للحياة على الأرض يجب أن نتصدى لها في العام 2021: مذكرة من نعوم تشومسكي وفيجاي براشاد.

تواجه أجزاء كبيرة من العالم- خارج الصين وبضعة بلدان أخرى- فيروسا سريع الوتيرة، لا يتوقف انتشاره بسبب جريمة عجز الحكومات، التي تقوم في الدول الغنية بكل وقاحة بنقض البروتوكولات العلمية الأساسية التي أصدرتها منظمة الصحة العالمية والمنظمات العلمية، بما يفضح ممارساتها المؤذية. ما دون تركيز الانتباه على الحد من الفيروس عبر الاختبار، تعقب المخالطين والعزل- وما لم يكن ذلك كافيا- فإن فرض إغلاق مؤقت اعتبر مجازفةً. من المحزن أيضا أن هذه الدول الغنية انتهجت سياسة “قومية اللقاحات” من خلال تخزين اللقاحات المرشحة عوضا عن انتهاج سياسة لأجل تصنيع “لقاح شعبوي”. لأجل الإنسانية، سيكون من الحكمة تعليق حقوق الملكية الفكرية وتطوير إجراء بديل لإنتاج لقاحات عالمية لجميع الشعوب.

يوشيكو ميتشوسوجي(اليابان)، ركضت باتجاه منزلي عبر بحر من اللهب،1974 (مقدمة من متحف هيروشيما التذكاري للسلام).

رغم أن الجائحة تشكل قضية أساسية تشغل كل ذوات تفكيرنا، الا أن قضايا أخرى رئيسة تهدد ديمومة أجناسنا وكوكبنا. هذا يشمل:

الإبادة النووية. في يناير من العام 2020، أشارت مجلة علماء الذرة إلى ساعة القيامة للعام 2020 نحو 100 ثانية بعد منتصف الليل، قريبا للغاية من الراحة الأبدية. الساعة التي أنشئت بعد عامين من تطوير أول أسلحة نووية في عام 1945 يجري تقييمها سنويا من قبل مجلة علماء الذرة ومجلس الأمن بالتشاور مع لجنة رعاياها، التي تقرر ما إذا كان يجب تحريك عقرب الدقائق أو إبقاءه بمكانه. بمرور الوقت الذي يضبطون فيه عقارب الساعة من جديد، قد يكون الأمر أقرب إلى الفناء. لقد جرى سابقا تمزيق معاهدات الحد من التسلح، مع وضع القوى العظمي ما يقارب 13,500 سلاح نووي (أكثر من 90% منها تمتلكها روسيا والولايات المتحدة الأمريكية وحدهما). إن التوسع في إنتاج هذه الأسلحة بإمكانه بكل سهولة أن يجعل الكوكب غير قابل للسكن، فقد قامت البحرية الأمريكية بنشر رؤوس حربية نووية تكتيكية منخفضة القوة من طراز السلاح النووي W76-2. لا بد أن يكون فرض تحركات فورية تجاه انتزاع السلاح النووي مطروحا على الأجندة العالمية، إذ يجب أن يصبح يوم هيروشيما الذي يُحتفل به في السادس من أغسطس كل عام يوما أكثر قوة للتفكر والاحتجاج.

ألين عمارة (تاهيتي)، عائلة بوماري،1991.

الكارثة المناخية. نشرت ورقة علمية في العام 2018 حملت عنوانا رئيسيا لافتا: “ستكون معظم الجزر المرجانية غير صالحة للعيش بحلول منتصف القرن الواحد والعشرين، ويعزى ذلك إلى ارتفاع منسوب المياه البحرية بما يفاقم حدوث الفيضانات الناجمة عن الأمواج”. وجد المؤلفون أن الجزر المرجانية من سيشيل إلى جزر مارشال معرضة للاختفاء. وفي تقرير للأمم المتحدة لعام 2019 قدّر أن مليون نوع من الحيوانات والنباتات مهددة بالانقراض. أضف إلى ذلك حرائق الغابات الكارثية والابيضاض الشديد للشعاب المرجانية.

ومن والواضح أننا تعدينا مرحلة التراخي في المواقف التقليدية حول أمر أو آخر يكون مؤشرا على أن مناجم الفحم ستسبب كارثة مناخية..الخطر لا يكمن في المستقبل، إنه في الحاضر. إذ بات من الضروري للقوى العظمى- التي تفشل تماما في التحول عن استخدام الوقود الأحفوري- الالتزام بنهج “المسؤوليات المشتركة وليس المتباينة” الوارد في إعلان ريو الصادر عام 1992 بشأن البيئة والتنمية.. إنه يشير إلى أن دولا مثل جمايكا ومنغوليا حدثت خططها المناخية للأمم المتحدة قبل نهاية العام 2020- وفقا لما نصّت عليه اتفاقية باريس- على الرغم من أن هذه البلدان تنتج نسبة ضئيلة من انبعاثات الكربون العالمية. فقد نضب معين الأموال التي تعهدت بها البلدان النامية لمشاركتها في العملية كاملا، في حين تضخمت الديون الخارجية. هذا ما يظهر الافتقار إلى الجدية الأساسية من جانب “المجتمع الدولي”.

كريم سيفو (العراق)، بغداد في اليوم التالي،2003

التدمير النيوليبرالي للعقد الاجتماعي. أصبحت دول في أمريكا الشمالية وأوروبا مسلوبة من وظائفها العامة فور تسليم الدولة إلى المستفيدين وتسليع المجتمع المدني من قبل المؤسسات الخاصة. هذا يعني أن السبل للتحول الاجتماعي في هذه الأقطار من العالم قد أعيقت بشكل كبير. إن فظاعة التفاوت الاجتماعي كان نتيجة الضعف السياسي النسبي الذي تعاني منه الطبقة العاملة. إنه الضعف الذي يمكّن المليارديرات من وضع سياسات تؤدي إلى ارتفاع معدلات الجوع. لا ينبغي الحكم على البلدان من خلال الكلمات المكتوبة في دساتيرها القانونية، وإما من خلال ميزانياتها السنوية؛ على سبيل المثال، تنفق الولايات المتحدة ما يقارب تريليون دولار(إذا أضفتم ميزانية الاستخبارات المقدرة) على آلتها الحربية الخاصة، بينما تنفق حسبة بسيطة من هذه الميزانية على الصالح العام (مثل الرعاية الصحية، وهو أمر اتضح خلال تفشي الوباء).

يبدو أن السياسات الخارجية للدول الغربية تقوم أساسا على صفقات الأسلحة؛ فقد وافقت كل من الإمارات العربية المتحدة والمغرب على الاعتراف بإسرائيل وفق شرط يقضي بشراء أسلحة أمريكية بقيمة 23 مليار دولار و1 مليار دولار على الترتيب. في حين لا تدخل حقوق الفلسطينيين، سكان الصحراء، والشعب اليمني في هذه الصفقات. كما أضحى استخدام العقوبات غير الشرعية من قبل الولايات المتحدة ضد ثلاثين دولة، منها كوبا، إيران وفنزويلا، جزءا طبيعيا من الحياة، حتى في غضون هذه الأزمة الصحية العامة التي يواجهها العالم جرّاء تفشي وباء كوفيد-19.

 إن أحد أوجه القصور للنظام السياسي حينما يكون السكان في مجمع رأسمالي غير قادرين على إجبار حكوماتهم- التي هي في نواح كثيرة ديمقراطية بالاسم- على اتخاذ منظور عالمي في ما يخص هذه الحالة الطارئة. يكشف ارتفاع معدلات الجوع أن النضال لأجل البقاء هو الأفق الكامن لمليارات الناس على الكوكب (كل ذلك في حين أن الصين قادرة على القضاء على الفقر المدقع والتخلص من الجوع بشكل كبير إلى حد ما).

كل من الإبادة النووية والانقراض بفعل الكارثة المناخية يشكلان تهديدا مزدوجا للكوكب. من جهة أخرى، بالنسبة لضحايا الهجوم النيوليبرالي الذي ألمّ به الجيل الماضي، فإن المشاكل قصيرة المدى المتمثلة في الحفاظ على مجرد وجودهم تحل مكان الأسئلة الجوهرية التي تتعلق بمصير أطفالنا وأحفادنا.

تي بي تي: نعوم تشومسكي

تتطلب المشكلات العالمية بهذا الحجم تعاونا عالمياً. بضغط من دول العالم الثالث في عام 1960، وافقت قوى عظمى على معاهدة عدم انتشار الأسلحة النووية (1968)، على الرغم من رفضها الإعلان المهم للغاية بشأن إقامة نظام اقتصادي عالمي جديد(1974). إن توافر توازن القوى لتحريك أجندة الطبقة العاملة على المسرح العالمي لم يعد موجودا؛ القوى السياسية المحركة في دول الغرب على وجه التحديد، وكذلك في الدول الكبرى في العالم النامي (مثل البرازيل، الهند،

إندونيسيا وجنوب إفريقيا)، التي تعد ضرورة لتغيير طابع الحكومات. إن وجود أممية قوية لازمة لإيلاء الاهتمام الكافي والفوري لمخاطر الانقراض: الانقراض بفعل الحرب النووية، بفعل الكارثة المناخية، والانهيار الاجتماعي. إن المهام التي تنتظرنا شاقة ولا يمكن تأجيلها.

شيانغ وانغ (الصين)، الأممية،2020

هذه المذكرة من نعوم تشومسكي وأنا تأتي كنداء للتوحيد والنضال ضد قوى المال، الجيش، النفاق الأخلاقي. هذا العام، سنركز في معهد القارات الثلاث للبحوث الاجتماعية على هذه المخاطر، مع التأكيد بالأخص على التهديد الحربي. بعد هجوم الولايات المتحدة بالقنبلة الذرية على هيروشيما، بدأت شينوي شودا كتابة شعر تانكا حتى لا ننسى الهجوم أبدا. منذ أن فرض الاحتلال الأمريكي رقابة على العمل تماما كما حدث في بلادها، كانت لدى شودا 150 نسخة من هذا الكتاب الذي حصلت عليه من حارس سجن هيروشيما، وسلمته بعد ذلك إلى الناجين من الانفجار. من بين هذه القصائد، هذه القطعة القصيرة والغاية في الروعة:

ولمّا

تجمعت العديد من الجماجم الصغيرة هنا

لا بد لهذه العظام الكبيرة

أن تكون مخلصنا.

إن التمرد سمة الروح البشرية لمواجهة الانقراض.. يتعين عليها أن تثور ليس لأجل الحفاظ على الحياة فحسب، وانما لتحسين الحياة- كل من حياة الإنسان وحياة كوكبنا.

مشاركة المقال

مقالات ذات صلة