نحن عشب ينمو على كل شيء

مشاركة المقال

معهد القارات الثلاث للبحوث الاجتماعية / مدار: 03 ديسمبر/ كانون الأول 2020

فيجاي براشاد

كروتيكا سوسارلا (الهند)، احتجاجات المزارعين في الهند، 2020

نظم المزارعون والعمال الزراعيون مسيرة انطلقت من شمال الهند، وجابت مختلف الطرق السريعة الوطنية في اتجاه العاصمة الهندية نيودلهي، كجزء من الإضراب العام لـ26 نونبر/ تشرين الثاني، وحملوا لافتات عليها شعارات مناهضة للقوانين المستهدفة للمزارعين والمؤيدة للشركات التي أقرها لوك سابها الهندي (مجلس النواب بالبرلمان) في شتنبر/ أيلول الماضي، وتم التصديق عليها من طرف مجلس راجيا سابها (مجلس الشيوخ).

عرفت المسيرات حمل العمال الزراعيين والمزارعين المضربين أعلاما تحيل على انتمائهم إلى مجموعة من المنظمات الفاعلة، ممثلة في الحركة الشيوعية وجبهة واسعة من منظمات المزارعين، الذين عبروا عن موقفهم ضد خصخصة الزراعة، التي قالوا إنها تقوض السيادة الغذائية للهند كما تقلص من قدرتهم على الاستمرار في نشاطهم الحالي.

ما يقرب من ثلثي القوى العاملة في الهند تعتمد على الزراعة كمصدر قار للدخل، هذا القطاع الذي يساهم بنحو 18% من الناتج المحلي الإجمالي للبلاد. وتعتبر مشاريع القوانين الثلاثة المناهضة للمزارعين التي تم تمريرها في شتنبر/ أيلول خطوة في طريق الخطط الهادفة إلى الخصخصة الكاملة، التي من المتوقع أن تضع 85% من المزارعين الذين يمتلكون أقل من هكتارين تحت رحمة المساومة مع تجار الجملة الاحتكاريين، ما سيؤدي إلى تدمير نظام حافظ حتى الآن على الإنتاج الزراعي على الرغم من عدم انتظام أسعار المنتجات الغذائية. وفي تحرك من أجل إصلاح الأمور اجتمعت مائة وخمسون منظمة تمثل المزارعين في مسيرتهم إلى نيودلهي، متعهدين بالبقاء في المدينة إلى أجل غير مسمى.

أسواث (الهند)، لينين في مقابلة للهند، 2020

انضم ما يناهز 250 مليون شخص في جميع أنحاء الهند إلى الإضراب العام في 26 نونبر/ تشرين الثاني، ما جعله أكبر إضراب شهده العالم، لاسيما أنه إذا ما تم تجميع المضربين يمكن أن يشكل خامس تكتل بشري بعد الصين والهند والولايات المتحدة وإندونيسيا. وتوقفت المنشآت الصناعية في جميع أنحاء الهند – من تيلانجانا إلى أوتار براديش – كما توقف العمال في الموانئ من ميناء جواهر لال نهرو (ماهاراشترا) إلى ميناء باراديب (أوديشا) عن العمل، بالإضافة إلى إضراب عمال الفحم والحديد والصلب؛ بينما توقفت القطارات والحافلات عن العمل، وانضم عمال القطاع غير الرسمي، وكذلك عمال الرعاية الصحية وموظفو البنوك إلى الإضراب. لقد جاءت سلسلة الإضرابات التي همت كل القطاعات تعبيرا عن معارضة قوانين العمل التي تمدد يوم العمل إلى اثنتي عشرة ساعة، مع إلغاء تدابير حماية العمال لـ 70% من القوة العاملة. وقال تابان سين، الأمين العام لمركز نقابات العمال الهندية: “إن الإضراب اليوم مجرد بداية، سوف تتبعه خطوات أكثر حدة”.

لقد أدى الوباء إلى تعميق أزمة الطبقة العاملة والفلاحين الهنود، بمن فيهم الفلاحون الأكثر ثراء. على الرغم من مخاطر الوباء، ومن منطلق شعور كبير باليأس من الواقع الحالي، تجمع العمال والفلاحون في الأماكن العامة لإخبار الحكومة بأنهم فقدوا الثقة فيها. كما انضم الممثل السينمائي ديب سيندو إلى الاحتجاج، قائلا في انفعال ضد ضابط شرطة: “هذه ثورة، إذا سلبت أراضي المزارعين فماذا يتبقى لهم؟ فقط الديون”.

نهال أحمد (الهند)، ليال باردة ومعنويات عالية، مزارعون بنجابيون أثناء انضمامهم إلى المسيرات المناهضة لقانون حكومة مودي، حدود دلهي.

على طول الطرق المؤدية إلى نيودلهي، قامت الحكومة بوضع قوات للشرطة، وحاصرت الطرق السريعة، كما استعدت لمواجهة واسعة النطاق. مع اقتراب طوابير طويلة من المزارعين والعمال الزراعيين من المتاريس، قامت هذه الحشود بمناشدة أفراد الشرطة، إذ تعتبرهم إخوانها ممن وضعوا جانبا ملابس المزارعين ولبسوا زي الشرطة. وفي تجاهل تام لمطالب المتظاهرين قامت السلطات بإطلاق الغاز المسيل للدموع وخراطيم المياه على المزارعين والعمال الزراعيين.

درامبال سيل، أحد قادة كيساب سابها في البنجاب، وهو يستعمل علمه الأحمر لدفع عبوة الغاز، 27 نونبر 2020

صادف الإضراب العام للمزارعين والعمال في 26 نونبر/ تشرين الثاني الاحتفال بيوم الدستور في الهند، الذي يمثل إنجازا عظيما للسيادة السياسية. تمنح المادة 19 من الدستور الهندي (1950) بشكل واضح المواطنين الهنود “حرية الكلام والتعبير”، والحق في “التجمع سلميا وبدون أسلحة”، والحق في “تشكيل جمعيات أو نقابات”، بالإضافة إلى الحق في” التنقل بحرية في جميع أنحاء أراضي الهند”. وفي حالة نسيان هذه المواد من الدستور، فهناك سابقة، إذ قامت المحكمة الهندية العليا بتذكير الشرطة في قضية محاكمة عام 2012 (حادثة رامليلا ميدان ضد وزير الداخلية) بأن “للمواطنين الحق في التجمع والاحتجاج السلمي، وهو ما لا يمكن تقييده من خلال إجراء تنفيذي أو تشريعي تعسفي”. لقد قامت حواجز الشرطة باستخدام الغاز المسيل للدموع، وخراطيم المياه – وهو اختراع إسرائيلي يحتوي على الخميرة ومسحوق الخبز للحث على التراجع – في انتهاك لنصوص الدستور، وهو أمر قاومه المزارعون والعمال بصدور عارية.

 على الرغم من البرد في شمال الهند، قامت الشرطة بنقع المزارعين بالماء والغاز المسيل للدموع؛ لكن هذا لم يمنعهم، إذ قفز الشباب الشجعان على شاحنات خراطيم المياه وأوقفوا المياه، كما قاد المزارعون جراراتهم لتجاوز الحواجز، في تعبير عن مقاومة الطبقة العاملة والفلاحين للحرب الطبقية التي فرضتها عليهم الحكومة. إن ميثاق المطالب المكون من اثنتي عشرة نقطة الذي قدمته النقابات العمالية يعتبر ميثاقا صادقا ويمثل الحد الأدنى من المطالب، ويشمل إلغاء القوانين المناهضة للعمال والمزارعين التي أقرتها الحكومة في شتنبر/ أيلول، ووضع حد لخصخصة المؤسسات الحكومية الكبرى، والإغاثة الفورية للسكان الذين يعانون من ضائقة اقتصادية ناجمة عن الركود الذي واكب الجائحة وسنوات من السياسات النيوليبرالية. هذه مطالب بسيطة وإنسانية وحقيقية، فقط العقول المتحجرة هي التي تتجاهلها، وتستجيب بدلا من ذلك بخراطيم المياه والغاز المسيل للدموع.

أمريتا شيل غيل (الهند)، استراحة، 1939

هذه المطالبة بالإغاثة الفورية، والحماية الاجتماعية للعمال، والإعانات الزراعية، تروق للعمال والفلاحين في جميع أنحاء العالم. مثل هذه المطالب هي التي أثارت الاحتجاجات الأخيرة في غواتيمالا، والتي أدت إلى الإضراب العام في 26 نونبر/ تشرين الثاني في اليونان.

إننا أمام وضع من المرجح أن يعرف اضطرابات متزايدة، خصوصا في ظل الأوضاع التي أججتها الجائحة، إذ سئم المزيد من الناس في البلدان ذات الحكومات البرجوازية من السلوك الفظيع لنخبهم، ويظهر ذلك جليا من خلال التقارير التي تبرز ازدياد الانقسامات الاجتماعية تطرفا، وهو اتجاه بدأ قبل الوباء بوقت طويل ولكنه نما على نطاق أوسع وأعمق نتيجة له. من الطبيعي أن ينفعل المزارعون والعمال الزراعيون، فقد أظهر تقرير جديد صادر عن مبادرة عدم المساواة في الأراضي أن 1% فقط من مزارعي العالم يشغلون أكثر من 70% من الأراضي الزراعية في العالم، ما يعني أن مزارع الشركات الضخمة تهيمن على النظام الغذائي وتهدد بقاء 2.5 مليار شخص يعتمدون على الزراعة لكسب قوتهم. إن عدم المساواة في الأراضي يبرز بشكل قاطع في أمريكا اللاتينية وجنوب آسيا وأجزاء من إفريقيا (مع استثناءات ملحوظة مثل الصين وفيتنام، اللتين لديهما “أدنى مستويات عدم المساواة”).

قرأ الشاب أفتار سينغ ساندو (1950-1988) كتاب الأم لمكسيم غوركي (1906) في أوائل السبعينيات بالبنجاب، وينحدر من منطقة حيث سافر العديد من المزارعين والعمال الزراعيين إلى المسيرة التي جابت نيودلهي. وجد باشا نفسه فاعلا في الحركة الاشتراكية، ومع مضي الأيام أصبح يحضر الكتب الثورية إلى المنزل، وبشكل تدريجي أصبح كل من الأم والابن متطرفين. عندما سألته نيلوفنا، وهي مناضلة نسائية، عن فكرة التضامن، قال باشا: “العالم لنا! العالم للعمال! بالنسبة لنا، لا توجد أمة ولا عرق، بالنسبة لنا لا يوجد سوى الرفاق والأعداء”.

يقول باشا إن فكرة التضامن والاشتراكية هذه “تدفئنا مثل الشمس، إنها الشمس الثانية في سماء العدل، وهذه السماء تسكن في قلب العامل”. أصبح نيلوفنا وباشا ثوريين. أعاد بيرتولت بريخت سرد هذه القصة في مسرحيته الأم (1932).

أصبح باشا أحد أكثر الشعراء ثورية في عصره، حيث قُتل عام 1988 على أيدي الإرهابيين. ومن بين القصائد التي تركها وراءه أنا عشب:

إذا كنت ترغب في ذلك، قم برمي قنبلتك على الجامعة.

قم بتحويل النزل إلى كومة من الأنقاض.

ارم الفسفور الأبيض على عشوائياتنا.

ماذا ستفعل لي؟

أنا عشب، أنا أنمو في كل شيء.

هذا ما يقوله المزارعون والعمال في الهند لنخبهم، وهذا ما يقوله العاملون للنخب في بلدانهم، النخب التي لا تهتم لشيء سوى – حتى في الوباء – حماية سلطتها وممتلكاتها وامتيازاتها. لكننا عشب، فنحن ننمو في كل شيء

مشاركة المقال

مقالات ذات صلة