مدار+ مواقع: 01 نيسان/ أبريل 2021
أثار نجاح عملاق التكنولوجيا، أمازون، إعجاب الملايين من البشر، وأصبحت سيرة جيف بيزوس مثالا يدرّس في الجامعات واسما يتردّد في كتب التنمية الذاتية، هو مثال لمن استطاع تشييد الصّرح العالي، من مكتب صغير، كذا؛ لا عجب أن تنسب الآلات الإعلامية العالمية الفضل إلى ذكاء الرجل وحنكته، واستثماره للفرص في بلاد الحلم، لكنها لم تتجرأ على أن تسلط الضوء، حتى يوم قريب، على حجم المعاناة التي يتكبدها العمال والمستخدمون حتى تصعد العلامة التجارية المبتسمة نحو القمة. والآن، قرر صنّاع الثروة الحقيقيين أن يأسسوا نقابة تدافع عن حقوقهم، بعد أن تحولت وديان عرقهم إلى كثبان من الآلام.
وأعلنت أمازون تحقيق أرباح ضخمة بلغت 38 مليار دولار في الربع الثالث فقط من السنة الماضية، بينما بلغ إجمالي إيراداتها خلال الربع الأخير 125.6 مليار دولار. لكن ذلك لم يكفي الشركة التي حشدت الملايين حتى تجهض المشروع الذي أطلقه عمّالها من أجل تأسيس نقابتهم، بعد أن تصاعدت شكاويهم من الاستغلال المكثف والرقابة الصارمة وقصر مدد الراحة، تنضاف إلى أخرى تتعلق بحقوق الإنسان؛ واستهجن بربني ساندرز، السيناتور الأمريكي الشهير، في خطاب ألقاه أمام عمال الشركة، محاولات بيزوس التضييق على مشروع تأسيس الاتحاد النقابي لعمال أمازون، وقال مخاطبا أغنى رجل في العالم: “لماذا؟ عندما يكون لديك كثير من المال، ومالا أكثر مما يمكنك إنفاقه في حياة مليون شخص، فلماذا تنفق الملايين لمحاولة هزيمة العمال هنا، العمال الذين لا يطلبون سوى بحقوقهم الاجتماعية وظروف عمل ملائمة”.
وتبلغ الثورة الشخصية لجيف بيزوس، الرئيس التنفيذي للشركة حوالي 70 مليار دولار، بعد أن استغل الإغلاق العام الذي شهدته أغلب دول العالم لمواجهة انتشار الفيروس التاجي، ليقفز بسرعة على قمة هرم أثرياء الكون.
ويشتكي عمال أمازون البالغين أكثر من 800 ألف، من أن مشغلتهم تتخذ إجراءات عدائية ضدهم، إذ ندد مئات المستخدمين في المستودعات من حوالي 50 موقعًا على الأقل في جميع أنحاء العالم، بظروف العمل القاسية أثناء انتشار الجائحة، وطالبو بالحصول على الرعاية الصحية ومعدات الحماية كالكمامات وسياسات أكثر إنسانية تجاه المستخدمين.
وقام موقع “ديلي بيست الأمريكي” بنشر تحقيق كشف عن سجلات 189 حادثة طوارئ، وقعت في 46 منشأة تابعة لشركة أمازون في الولايات المتحدة اتصل الموظفون بها بالطوارئ 911 للإبلاغ عن رغبة بالانتحار بين ديسمبر/ “كانون الأول” 2013 وديسمبر/ “كانون الأول” 2018، واصفا الشركة بـ “مستعمرة الجحيم”.
وأثناء محاولتهم تأسيس نقابتهم، أبلغ العديد من العمال أنهم تلقوا اتصالات ورسائل من الشركة تبلغهم بطريقة التصويت ضد قرار تأسيس الاتحاد، إجراءات من بين أخرى اتخذتها الإمبراطورية، التي يوقدها بيزوس، في السر لإجهاض فكرة تأسيس تنظيم يحمي الحقوق الاجتماعية لآلاف المستخدمين بالولايات المتحدةّ.
ورغم إنفاقها الملايين من الدولارات لتحسين صورتها أمام الرأي العام، إلا أن أمازون اسم وجد طريقه سريعا نحو أسوأ القوائم، ومنذ سنة 2018، وضعت الشركة على قائمة أسوأ 12 شركة، التي تسمى بـ”ديرتي دازن”، من قبل المجلس الوطني للسلامة والصحة المهنية، بسبب ارتفاع معدل محاولات الانتحار، تبول الموظفين في زجاجات مياه، والمعاملة السيئة للعقود والعاملين المؤقتين، والتي تعتمد عليها أمازون بشكل كبير في جميع العمليات. وأكد المجلس بأنه لم يتحسن أي شيء منذ ذلك الحين، ومازالت تصنف إلى جانب أسوأ علب الإستغلال الشديد للعمال، وفق تقارير صدرت سنة 2021.
وبعد أن صوت العمال يوم الإثنين الماضي على تأسيس اتحاد نقابي، يستمر عد الأصوات للحسم في قرار العمال المنهكين، في الولايات المتحدة الأمريكية، في خطوة أرعبت عمالقة الأعمال، من أن يحذو مستخدموها أيضا نفس الخطوة، مما سيؤدي حتما إلى الحد من أرباحها، دون أن تبالي بسلامة وحقوق العمال، في بلد تتغنى إداراته المتعاقبة بتمثيل حقوق الإنسان، وتحريك الآلة العسكرية الضخمة للدفاع عنها، شعارات زائفة كشفت عنها الأرقام المهولة لأعداد الوفيات خلال انتشار فيروس كورونا، على سبيل المثال، في نظام فضّل أن يدفع مواطنيه نحو الهلاك، مقابل استمرار العجلة الاقتصادية في الدوران.