[مقابلة]. برايان بيكر: انتخاب زهران ممداني “مقياس لوعي جديد يتشكل في الولايات المتحدة”

مشاركة المقال

Share on facebook
Share on twitter
Share on email

مدار: 06 تشرين الثاني/ نوفمبر 2025

فاز الديموقراطي زهران ممداني برئاسة بلدية نيويورك، مسجلا تقدما كبيرا أمام حاكم الولاية السابق الوسطي أندرو كومو والجمهوري كورتيس سليوا. حدث استقبلته جماهير المنطقة العربية والمغاربية بارتياح كبير، بسبب مواقف الشاب ذي الـ 34 عاما من القضية الفلسطينية ومجتمعات المسلمين، بينما تراوحت ردود الأفعال في الأوساط اليسارية بين مرحّب ومتأني في ظل تعقيدات المشهد السياسي الأمريكي.

ما الذي يعنيه انتخاب ممداني رئيسا تنفيذيا لحكومة بلدية هي مركز الرأسمالية العالمية وموطن أقوى طبقة حاكمة في العالم؟ كيف حصل ذلك؟ وما هي السيناريوهات المفتوحة أمام سياساته الاجتماعية في سياق طبقة رأسمالية ذات نفوذ كبير؟ ما علاقة ذلك بمناهضة الإمبريالية؟ وأي ارتباط بالقضية الفلسطينية والملفّين الكوبي والفنزويلي؟ 

لتسليط الضوء على هذه القضايا، أجرى “مدار” مقابلة مع عضو في اللجنة المركزية لحزب الاشتراكية والتحرير، برايان بيكر، أحد أبرز وجوه اليسار الأمريكي، والمعروف بتحليلاته المعمقة للقضايا الدولية والمشهد السياسي والاجتماعي في الولايات المتحدة، مناضل في الميدان رأيناه كثيرا في المظاهرات التضامنية مع فلسطين، وكلماته القوية وسط الجماهير.

وفيما يلي نص المقابلة:

مدار: قوبل نجاح زهران ممداني باحتفال كبير في المنطقة العربية. يرتبط ذلك بمواقفه السابقة التي ينظر إليها “كمؤيدة” للقضية الفلسطينية، بل والتزم باعتقال بنيامين نتنياهو في حال وطأت أقدامه نيويورك. من موقعكم كفاعلين في الساحة السياسية المحلية، وكنتم جزءََا أساسيا في التعبئة الشعبية المناهضة للإبادة الجماعية التي ترتكبها إسرائيل بحقّ الفلسطينيين. ما الذي يعنيه فوز ممداني في الواقع السياسي الأمريكي؟ وما الذي يعنيه للقضية الفلسطينية من وجهة نظركم؟

برايان بيكر: إن النصر الانتخابي لزهران ممداني هو مؤشر على عدة سمات جديدة هامة في السياسة الأمريكية. أحد أبرزها هو التغيير الجذري في الوعي – أي الانعكاس الكامل في الرأي العام – فيما يتعلق بفلسطين وقضية الشعب الفلسطيني. هذا التغير في الوعي موجود على المستوى الجماهيري. 

تعرض ممداني لهجوم شرس خلال الحملة، من قبل الإعلامَين الرأسمالي والصهيوني ومؤسستَي الحزبين الجمهوري والديمقراطي، بسبب دعمه للشعب الفلسطيني ومعارضته للإبادة الجماعية في غزة. في حقبة سابقة، كان هذا ليدمر حملته بالتأكيد. كان الدعم لإسرائيل قوياً في الولايات المتحدة، وخاصة داخل مدينة نيويورك، التي تضم جالية يهودية كبيرة جدًا وكانت محورًا للضغط السياسي والتأثير من قبل المنظمات الصهيونية الكبرى. ولكن في عام 2025، الهستيريا التي حاول اللوبي المؤيد لإسرائيل إثارتها ضد ممداني جاءت بنتائج عكسية تماماً. بل على العكس، فإن دعمه للشعب الفلسطيني أكسبه دعمًا إضافيًا. مرة أخرى، هذا مؤشر على تغير الوعي داخل جماهير السكان. 

حدث هذا التغيير لسببين؛ الأول، هو أن الناس تمكنوا من مشاهدة إبادة جماعية تتكشف في الوقت الفعلي بسبب الإنترنت والوصول إلى تكنولوجيا الهواتف الذكية. باختصار، بسبب وسائل التواصل الاجتماعي. والسبب الثاني هو أن الحركة الأمريكية المناهضة للحرب، بالشراكة مع المنظمات الفلسطينية-الأمريكية، نجحت في إطلاق حركة ضخمة غيرت الخطاب السياسي في جميع مجالات الحياة السياسية والاجتماعية والمدنية والأكاديمية. 

خلال الحملة، ركز الإعلام بشكل مفرط على استخدام ممداني لشعارات معينة في الماضي، مثل “عولموا الانتفاضة”. كان الإعلام يحاول بشكل أساسي محاصرته بالكلمات. فبدلاً من تفسير “عولموا الانتفاضة” على أنها دعوة محقة لتقرير المصير وإنهاء الفصل العنصري، حاول الإعلام الأمريكي تأطير الشعار على أنه شيء معادٍ للسامية أو لليهود بشدة. أصروا على أن يتبرأ ممداني من الشعار. بدلاً من ذلك، قال في خرجاته الإعلامية: “ليست هذه اللغة التي كنتُ لأستخدمها”. لكنه لم يخرج ويدين الشعار صراحة. لقد راوغ حوله بدلاً من ذلك. 

مرة أخرى، أهم ما في الأمر أن فوز ممداني، الذي جاء في خضم إبادة جماعية استمرت عامين، نفسره على أنه شيء يوضح النمو الهائل في التضامن مع شعب فلسطين.

مدار: أشرتم إلى أن اشتراكي ديمقراطي على رأس حكومة بلدية رأسمالية لا يمكنه تغيير الطابع الرأسمالي للولاية (State) – خاصة شرطة نيويورك العنصرية والتعسفية (NYPD)”. ومع ذلك، فإن الأخبار المتداولة تشير إلى أن ممداني عرض الإبقاء على جيسيكا تيش – وريثة المليارات – كمفوضة للشرطة. كيف يفسرون هذه الخطوة التي تبدو كتنازل استراتيجي هائل لصالح جهاز القمع الرأسمالي قبل بدء المعركة حتى؟ ألا يمثل هذا بالضبط خطر “الاحتواء” و”الاستيعاب” ضمن منطق الدولة الذي حذرتم منه، بتحويل الهدف من مواجهة جهاز الشرطة إلى مجرد “إدارته” بشكل أكثر فعالية؟

برايان بيكر: خطة ممداني المعلنة للإبقاء على مفوضة الشرطة جيسيكا تيش هي تنازل واضح. في الواقع، لا يهم من هو مفوض الشرطة. إن إدارة شرطة مدينة نيويورك أكبر من جيوش معظم البلدان. هناك 43 ألف ضابط شرطة يرتدون الزي الرسمي في المدينة. إدارة شرطة نيويورك هي إحدى أكثر إدارات الشرطة وحشية في البلاد. بغض النظر عمن هو مفوض الشرطة، فإن إدارة شرطة نيويورك تعمل كجيش احتلال داخل مجتمعات السود واللاتينيين وتعامل المتظاهرين السياسيين كمقاتلين أعداء بدلاً من “مواطنين يمارسون حقهم في حرية التعبير”. 

كان إعلان ممداني بأنه سيبقي على جيسيكا تيش إشارة للشرطة وللطبقة الرأسمالية بأنه ليس لديه نية جدية للتدخل في الأعمال اليومية لإدارة شرطة نيويورك. ما يحاول ممداني إيصاله هو أنه يعتزم أن تكون لديه إدارة ليبرالية، توسع البرامج الاقتصادية والاجتماعية للفقراء وذوي الدخل المنخفض من سكان نيويورك من الطبقة العاملة، ولكن دون التدخل في الهياكل والتسلسلات الهرمية الطبقية التي تجعل نيويورك مركز الرأسمالية الأمريكية. برنامجه ومقترحاته الاقتصادية مشابهة لتلك التي سنتها رئاسة فرانكلين دي روزفلت في الثلاثينيات خلال فترة الكساد الكبير. 

يبدو أن فريق ممداني السياسي الانتقالي من الآن وحتى توليه منصبه في كانون الثاني/ يناير مكون من كوادر الحزب الديمقراطي المخضرمين. قد يكونون أصغر سنًّا بعض الشيء، وأكثر ليبراليةً، لكنهم من المطلعين داخل الحزب الديمقراطي، أو هذا ما يبدو لنا. الاشتراكيون الديمقراطيون في أمريكا يدعمون ممداني، لكن لا يبدو أنهم الكيان الذي سيدير الإدارة الجديدة.

مدار: تحذرون من أن ممداني يتجه ليكون “لاعب فريق” ضمن الحزب الديمقراطي الذي يهيمن عليه رأس المال. رأينا تراجعا في مواقفه المبدئية من فلسطين، وسبق أن وصف قادة كوبا وفنزويلا بـ “الديكتاتوريين”. إلى أي مدى يمكن اعتبار هذا التكتيك الانتخابي ناجحاً إذا كانت كلفته هي التخلي عن المواقف الأممية والمبادئ الأساسية المناهضة للإمبريالية؟ وكيف يمكن بناء حركة مستقلة للدفاع عن برنامجه الاجتماعي، بينما رمزها الأبرز يقدم تنازلات أيديولوجية ليتوافق مع الإجماع السائد داخل ما يسمى مجازا بـ “مقبرة الحركات الاجتماعية”؟

برايان بيكر: لقد نجح ممداني وفاز بسباق رئاسة البلدية لأنه ترشح كديمقراطي. لم يترشح على يافطة الاشتراكيين الديمقراطيين في أمريكا (DSA). الـ (DSA) ليس حزبًا سياسيًا. هم منظمة عادة ما يترشح أعضاؤها للمناصب ضمن الحزب الديمقراطي. السبب في ذلك واضح تمامًا. فالطريقة التي تتم بها صياغة وتنزيل القانون الانتخابي الأمريكي تجعل من المستحيل فعليًا الفوز بأي انتخابات ما لم يترشح المرء كديمقراطي أو كجمهوري. الولايات المتحدة لا تملك نظامًا برلمانيًا. ونتيجة لذلك، لا يوجد حزب اشتراكي له أعضاء في الكونغرس الأمريكي. 

الحزب الديمقراطي هو حزب إمبريالي. والحزب الجمهوري هو أيضًا حزب إمبريالي. كلاهما حزبان للطبقة الحاكمة. وكلا الحزبين جعلا إسقاط الثورة الكوبية والمشروع الاشتراكي البوليفاري في فنزويلا مبدأً أساسيًا في سياستهما الخارجية. لم يكن بإمكان ممداني الفوز ولم يكن بإمكانه حقًا تولي المنصب لو كان معارضًا صريحًا لسياسات الحزب الديمقراطي الأساسية. 

هو لم يتبن التزام الحزب الديمقراطي بتغيير النظام في كوبا وفنزويلا، وربما لا يدعمه كفرد. ولكن في ظهوره أمام وسائل الإعلام الجماهيرية في الولايات المتحدة، طالب الإعلام بأن ينأى بنفسه عن كوبا وفنزويلا. للأسف، ولكن ليس بشكل غير متوقع، قرر استخدام لغة تفيد بأن كوبا وفنزويلا تمثلان أشكالًا دكتاتورية من الحكم.

نحن لا نتوقع من ممداني أن يتخذ موقفًا مناهضًا للإمبريالية بشأن كوبا أو فنزويلا، أو بشأن قضايا أخرى. ومع ذلك، نعتقد أيضًا أن الحكومتين الكوبية والفنزويلية تفضلان أن يكون هناك سياسيون أمريكيون في مناصبهم أقرب إلى التوجه السياسي لزهران ممداني من أندرو كومو. 

في الكونغرس الأمريكي، تاريخيًا، حتى أعضاء الكونغرس الذين كانوا أصدقاء لكوبا، والذين قدموا تشريعات لإنهاء الحصار الأمريكي على كوبا، كانوا يدرجون في قراراتهم لغة تدين كوبا كديكتاتورية. هذا مقياس لمدى الحرية الموجودة، أو بالأحرى انعدام الحرية داخل النظام السياسي الأمريكي، حيث إنه حتى أصدقاء تقرير المصير الكوبي اضطروا إلى تضمين لغة أمريكية لا مبرر لها تصفها بالديكتاتورية.

مدار: من الصعب تحقيق الإصلاحات من خلال “حركة جماهيرية دائمة التعبئة” خارج قاعات بلدية المدينة. ولكن، عملياً، عندما تصطدم إدارة ممداني بمعارضة شرسة من رأس المال، ألن يكون مغريا للمنتخب الجديد أن يحشد هذه الحركة الجماهيرية للدفاع عن إدارته وتمرير إصلاحاته، بدلاً من بناء سلطة طبقية مستقلة تتحدى هياكل الدولة نفسها؟ كيف ستعملون من موقعكم من أجل تجنب تحول هذه الطاقة الجماهيرية الهائلة إلى مجرد أداة ضغط في يد رئيس بلدية إصلاحي، بل تستمر في التطور كقوة مستقلة هدفها النهائي تجاوز الدولة وليس إصلاحها؟

برايان بيكر: من السابق لأوانه افتراض أن رأس المال الكبير سيصطدم بإدارة ممداني. قد يحدث ذلك، لكن عمالقة رأس المال قد يشعرون بأنهم يستطيعون “العمل مع” إدارة ممداني. قد يستنتجون أيضًا أن وجود بعض الإصلاحات الاقتصادية، التي يعارضونها الآن، قد يكون من الأفضل تبنيها بدلاً من تجربة صدام اجتماعي كبير يحدث في الشوارع. 

في الستينيات، قررت قطاعات كبيرة من الطبقة الحاكمة أنه من الأفضل تقديم تنازلات لجماهير الشعب بدلاً من المخاطرة بانتفاضات شعبية، والتي كانت تحدث بمدن في جميع أنحاء الولايات المتحدة بين عامي 1964 و1970. أعلن ترامب و”مشروع 2025″ الحرب على تلك الإصلاحات الاجتماعية والاقتصادية التي مُنحت خلال تلك الفترة. 

في تاريخ الولايات المتحدة، ضغطت الطبقة الحاكمة دائمًا ضد أي إصلاح اجتماعي أو اقتصادي مهم، لكن عندما ووجهت بحركات جماهيرية، تعلمت أن تتكيف مع هذه الإصلاحات. هكذا تم الفوز بيوم العمل المكون من 8 ساعات، وبنود السلامة في العمل، والضمان الاجتماعي للمسنين، وتأمين البطالة للعاطلين عن العمل. 

كانت نقطة بياننا هي التأكيد على أن مفتاح التغيير الاجتماعي في الولايات المتحدة، بما في ذلك داخل مدينة نيويورك، سيكون تعبئة جماهير الناس الذين يحتاجون بشدة إلى الإغاثة الاقتصادية والاجتماعية. يجب أن تكون مطالب هذه الحركة موجهة إلى جميع الهياكل الحكومية. مطالب للحكومة الفيدرالية، وحكومة الولاية، والحكومة المحلية لمدينة نيويورك مع ممداني كرئيس للبلدية. 

نعتقد أن ممداني سيرحب حتى بمثل هذا الضغط لأنه يعلم جيدًا أن أي مبادرة لتنفيذ إصلاحات ذات مغزى من مبنى البلدية ستكون مستحيلة بدون وجود جماهير من الناس هناك تقدم مطالبها إليه. نريد أيضًا أن نؤكد أنه من السابق لأوانه الإفراط في التنبؤ بكيفية تطور هذا الأمر بالضبط.

مدار: يمكن أن تسعى الطبقة الحاكمة إلى تحويل تجربة ممداني إلى “فشل مُدار” لإثبات أن “الاشتراكية لا تنجح”. هذا السيناريو محتمل جداً نظراً للقوة الهائلة لأعدائه. وهو ما يعني أن حركتكم ستتأثر أيضا. أمام هذه الاحتمالات، ما هي الاستراتيجية السياسية والإعلامية لحزبكم في مواجهة هذا السيناريو؟. في سياق متصل، حقق ممداني انتصاره عبر خطاب “ديمقراطي اشتراكي” يركز على تكاليف المعيشة ويستدعي سياسات “النيو ديل” الليبرالية، وهو ما اعتبرتهموه خطوة إلى الأمام مقارنة بالنيوليبرالية. لكن الانتقال من المطالب الاقتصادية المباشرة (خبز، سكن) إلى وعي سياسي أرقى هو التحدي الأكبر. ما هو الدور المحدد الذي سيلعبه حزبكم في الارتقاء بمطالب الحركة من مجرد “جعل الرأسمالية تطاق” إلى ضرورة تجاوزها؟ وما هي الآليات الملموسة التي ستقومون بها لربط نضالات عمال النظافة والممرضات وسائقي الحافلات في نيويورك بالنضال الأوسع ضد الإمبريالية وحكم رأس المال، حتى لا تبقى هذه الحركة ضمن الأفق الإصلاحي الذي رسمه ممداني في حملته؟

برايان بيكر: قد تسعى الطبقة الحاكمة، كما قلنا، إلى تحويل تجربة ممداني إلى “فشل مُدار” لإثبات أن الاشتراكية لا تنجح. هناك احتمال آخر وهو أن الطبقة الحاكمة ستحول تجربة ممداني إلى “نجاح مُدار” لتظهر أن الطبقة الرأسمالية الحاكمة لديها بعض القدرة على التغيير، وبعض المرونة، وبعض القدرة على التكيف. لذا، دون الإفراط في التنبؤ، نعتقد أنه من المهم لليسار الماركسي في الولايات المتحدة وعلى الصعيد الدولي تأطير المسألة بشكل صحيح. لم تتوقع لا الطبقة الحاكمة ولا ممداني أن يصبح ممداني رئيسًا لبلدية نيويورك حتى قبل ستة أشهر، أو بالتأكيد حتى قبل عام. كان تطورًا غير متوقع. 

كانت الأسباب الرئيسية للنصر المفاجئ لممداني هي خيبة الأمل الشديدة بين الشباب في الولايات المتحدة من الوضع الراهن، وهجوم إدارة ترامب على الحقوق الديمقراطية في الولايات المتحدة، وفشل مؤسسة الحزب الديمقراطي في مكافحة هجوم ترامب على الحقوق الديمقراطية بفعالية، وتعلق مؤسسة الحزب الديمقراطي بالمشروع الإسرائيلي للإبادة الجماعية في غزة، وفعالية ممداني كسياسي وفعالية جهود حملته الانتخابية للتواصل. 

من المشهور جدًا أن فريدريك إنجلز كتب في عام 1884: “الاقتراع العام هو بالتالي مقياس نضج الطبقة العاملة. لا يمكنه ولن يكون أبدًا أكثر من ذلك في الدولة الحديثة”. نقطة إنجلز مهمة جدًا لنتذكرها عند تأطير هذه المسألة. في وقت سابق، كان ماركس وإنجلز يعتقدان أن الطبقة العاملة، على الأقل في بعض البلدان، يمكنها أن تأخذ المجتمع في المسار نحو الاشتراكية من خلال الاقتراع العام. من خلال السيطرة على البرلمان، بعد الفوز بالحق في التصويت، يمكن للطبقة العاملة أن تشرعن الاشتراكية. لكن كلا من ماركس وإنجلز، بعد كومونة باريس عام 1871، توصلا إلى استنتاج مفاده أنه لكي تنجح الاشتراكية، كان من الضروري “تحطيم” الدولة القائمة بدلاً من استخدامها لتحقيق الأهداف الاشتراكية. وبالتالي، فإن تعليقات إنجلز بأن الانتخابات في ظل ظروف الاقتراع العام هي في أحسن الأحوال مقياس أو بارومتر للنضج السياسي. انتخاب ممداني هو مقياس من هذا القبيل. إنه تعبير عن وعي سياسي متغير نضج خلال الأحداث العاصفة جدًا في العامين الماضيين. لا يزال وعيًا في مستوى منخفض نسبيًا. الماركسية والاشتراكية بدأتا للتو في العودة في الولايات المتحدة، لكننا ما زلنا نتخذ خطواتنا الأولى. نحن لا نرى بالضرورة انتخاب ممداني، أو بلدية ممداني، كوسيلة للتغيير، بل كمقياس لوعي جديد يتشكل في الولايات المتحدة.

أخيرًا، ومن منطلق تكتيكي، نحن في حزب الاشتراكية والتحرير لا نريد أن نسبق العملية. لا نريد أن نفرط في التنبؤ. كما أننا لا نريد أن نقف على الهامش، مكتوفي الأيدي، منتقدين نقاط ضعف ممداني الواضحة بينما ينضم مئات الآلاف من الشباب بحماس إلى الحركة من أجل انتخابه. بدلاً من ذلك، نريد أن نكون مشاركين. نريد أن تكون لنا تجربة مشتركة مع جماهير الشباب. نريد أن نظهر أننا نأمل في نجاح ممداني مع إدراكنا للمأزق الضيق الذي يعمل ضمنه الآن بعد أن أصبح الرئيس التنفيذي لحكومة بلدية هي مركز الرأسمالية العالمية وموطن أقوى طبقة حاكمة في العالم.

مشاركة المقال

Share on facebook
Share on twitter
Share on email

مقالات ذات صلة