مدار: 07 كانون الأول/ ديسمبر 2025
تحولت المكاتب الصحفية إلى ساحة للمبيت والاعتصام المفتوح لأكثر من 200 صحفي، داخل أروقة مؤسسة “البوابة نيوز” بمصر. وبعد مرور واحد وعشرين يوماً على بدء اعتصامهم، لا يزال هؤلاء الصحفيون يواجهون ما يصفونه بـ”التعنت الإداري” ورفض تطبيق القانون، في معركة تتجاوز المطالب المالية لتشمل جوهر الحقوق المهنية والإنسانية.
تصاعدت الأزمة في 17 تشرين الثاني/ نوفمبر 2025، حين قرر الصحفيون، في المؤسسة الإعلامية المذكورة، الدخول في اعتصام مفتوح بعد سنوات مما وصفوه بـ “المعاناة الصامتة”.
ووفقاً لبيانات المعتصمين، فإن الأزمة لا تقتصر على عدم تطبيق الحد الأدنى للأجور الذي أقرته الدولة مؤخراً، بل تمتد إلى عام 2018 حيث بدأت الأجور في التدني، لتتفاقم الأوضاع بعد عام 2020 بتخفيضات تجاوزت 60% من الرواتب، فضلاً عن تجميد الترقيات والمكافآت لبعض العاملين منذ عام 2012، وافتقار بيئة العمل للتغطية الصحية أو الاجتماعية.
ردت المؤسسة على الاحتجاجات بطرح ما سمته “تصفية ودية”، مقترحة منح العاملين راتب شهرين عن كل سنة خدمة وشهر إنذار، ثم إغلاق المؤسسة نهائياً، بل وقامت بإصدار عدد ورقي يوم الاثنين الماضي حمل عبارة “العدد الأخير. تزامنا مع ذلك، مارست ضغوطاً ميدانية شملت محاولات منع المعتصمين من دخول المقر، وبث شائعات حول سعي الصحفيين لإغلاق الجريدة.
وقد قوبل هذا الطرح برفض قاطع من نقيب الصحفيين خالد البلشي، الذي أكد عدم قانونية إجراءات الغلق أو التصفية أثناء فترات النزاع والمفاوضات الجماعية، معتبراً أن الحد الأدنى للأجور “استحقاق لا تنازل عنه”.
ويرى مراقبون أن لجوء الإدارة لخيار التصفية يمثل محاولة للهروب للأمام وتجاوز الاستحقاقات المالية المتراكمة، في وقت تتهمها فيه وزارة العمل صراحة بمخالفة التشريعات.
خيار الإضراب العام
وكان لوّح الصحفيون المعتصمون بالدخول في إضراب عن الطعام، إلا أن تدخل نقيب الصحفيين وزيارته لمقر الاعتصام يوم الأربعاء 4 كانون الأول/ ديسمبر، أدى إلى تأجيل هذه الخطوة “مؤقتاً”، وحسب بيان الصحفيين، لا يعني هذا التأجيل التراجع، بل استجابة لمناشدات النقابة لحماية سلامة الصحفيين وإفساح المجال للمسار التفاوضي والقانوني، مع الاحتفاظ بجميع أدوات الضغط المشروعة.
وكانت وزارة العمل، ممثلة في مديرية عمل الجيزة، نفذت حملة تفتيشية وحررت محضر جنح ضد المؤسسة لعدم التزامها بالحد الأدنى للأجور.
وفي الوقت ذاته، أصدر أكثر من 13 حزباً ومنظمة حقوقية ونقابة عمالية، بما في ذلك “الاشتراكيون الثوريون” و”حزب الكرامة” و”المبادرة المصرية للحقوق الشخصية”، بياناً تضامنياً في 30 تشرين الثاني/ نوفمبر، يطالبون فيه المجلس الأعلى للإعلام بتفعيل صلاحياته لردع الإدارة، معتبرين أن ما يحدث هو “استغلال للصحفيين لسنوات دون رقابة”.
ويمثل صمود صحفيي “البوابة نيوز” لليوم الواحد والعشرين، وافتراشهم الأرض بعيداً عن أسرهم، سابقة في الوسط الصحفي المصري. ويقول المعتصمون إن معركتهم “جرس إنذار للوسط الصحفي بالكامل”، تكشف الهوة الشاسعة بين القرارات الرسمية والواقع في المؤسسات الخاصة، وتضع الدولة والنقابة في اختبار حقيقي لانتزاع حقوق العاملين.

