معهد القارات الثلاث للبحث الاجتماعي/ مدار: 30 تشرين الأول/ أكتوبر 2025
فيجاي براشاد
صورة الواجهة: نغوين فان تشانه (فيتنام)، مشهد من السوق، 1937.
سيجتمع قادة من 21 دولة في منتدى التعاون الاقتصادي لآسيا والمحيط الهادئ (أبيك)، في اليوم الأخير من أكتوبر/تشرين الأول 2025، بمدينة كيونغ جو بجمهورية كوريا (كوريا الجنوبية) لحضور القمة الثالثة والثلاثين للمنظمة. منذ تأسيسه في عام 1989 في كانبيرا، أستراليا، شجع منتدى “أبيك” على بناء منطقة “تجارة حرة ومفتوحة” – وهو مفهوم تم تحديده في أهداف بوغور، التي انبثقت عن القمة المنعقدة في إندونيسيا عام 1994.
كان منتدى “أبيك” نتاجا لزمانه. أولاً، ظهر كأداة لمجلس التعاون الاقتصادي لمنطقة المحيط الهادئ الذي أسسته اليابان بهدف بناء سلاسل توريد إقليمية بعد أن رفع اتفاق بلازا (1985) قيمة الين مقابل الدولار. ثانياً، تم تصميمه خلال جولة الأوروغواي (1986-1994) للاتفاقية العامة للتعريفات الجمركية والتجارة، التي انتهت بتشكيل منظمة التجارة العالمية. كانت تلك حقبة تحرير التجارة، عندما دفعت الولايات المتحدة وشركاؤها في مجموعة السبع – الغارقين في شعور أن التاريخ قد انتهى وأن كل دولة ستدور في فلك الولايات المتحدة إلى الأبد – البلدان لفتح اقتصاداتها أمام شركات شمال الأطلسي واليابان. كانت الولايات المتحدة تأمل أن تؤدي معاهدة ماستريخت (1993)، التي أنشأت الاتحاد الأوروبي، إلى اتفاقية تجارة حرة عبر الأطلسي (رغم أن ذلك لم يحدث أبداً) وأن تربط اتفاقية التجارة الحرة لأمريكا الشمالية (1994) كندا والمكسيك بالولايات المتحدة إلى الأبد.

كانت الولايات المتحدة تأتي، لسنوات، إلى قمم “أبيك” وتضغط من أجل منطقة تجارة حرة تسمح لشركاتها بالهيمنة على المنطقة. كان من المفترض أن تخدم أهداف بوغور لعام 1994 هذا الغرض، لكنها فشلت لأسباب مختلفة – بما في ذلك المخاوف الداخلية من أن البراعة الصناعية المتنامية في آسيا ستتفوق على الولايات المتحدة في المنافسة. في عام 2005، وقعت أربع دول (بروناي وتشيلي ونيوزيلندا وسنغافورة) على اتفاقية الشراكة الاقتصادية الاستراتيجية عبر المحيط الهادئ، والتي أضافت ثماني دول أخرى (أستراليا وكندا واليابان وماليزيا والمكسيك وبيرو والولايات المتحدة وفيتنام) بحلول عام 2013. ولكن كان ذلك قليلاً جداً ومتأخراً جداً. فقد هزّت الأزمة المالية لعام 2008 الجنوب العالمي، الذي أدرك هشاشة اقتصادات شمال الأطلسي والحاجة إلى بناء بديل تجاري وتنموي بين بلدان الجنوب.
في عام 2007، عشية الأزمة المالية، كانت الصين بالفعل ثالث أكبر اقتصاد في العالم. وفي عام 2010، تجاوزت اليابان لتصبح ثاني أكبر اقتصاد. اليوم، تعد الصين أكبر شريك تجاري لمعظم البلدان في منطقة آسيا والمحيط الهادئ، بما في ذلك 13 من دول “أبيك” الـ 21. بعد الأزمة المالية عام 2008، قللت بلدان حافة المحيط الهادئ من أولوية السعي لإبرام اتفاقية تجارة حرة مع الولايات المتحدة. وعندما سحب الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بلاده من الشراكة عبر المحيط الهادئ في عام 2017، واصلت البلدان المتبقية المناقشات دون وجود واشنطن على الطاولة. عشرة من الموقعين الأحد عشر على الاتفاق الشامل والتقدمي للشراكة عبر المحيط الهادئ، الذي نتج عن هذه المناقشات، كانوا أعضاء في “أبيك”.

في قمة لرابطة دول جنوب شرق آسيا (آسيان) عام 2011، ناقش بعض الأعضاء إمكانية إبرام اتفاقية تجارة حرة تتمحور حول آسيا. سارت المفاوضات بثقة بأن أعضاء “آسيان” العشرة – بالإضافة إلى الصين والهند – سيرسخون شبكة تجارية مهمة. انسحبت الهند في النهاية، لكن جميع دول “آسيان” العشر، بالإضافة إلى الصين واليابان وكوريا الجنوبية وأستراليا ونيوزيلندا، بقيت في العملية. وفي عام 2020، وقعت هذه الدول على الشراكة الاقتصادية الإقليمية الشاملة (RCEP) – وهي أكبر تكتل تجاري في العالم يضم ما يقرب من ثلث سكان العالم (2.3 مليار) و28% من الناتج المحلي الإجمالي العالمي. وبالمقارنة، يمثل الاتحاد الأوروبي حوالي 18% من الناتج المحلي الإجمالي العالمي، بينما تمثل اتفاقية التجارة الحرة لأمريكا الشمالية (نافتا) ما يقرب من 30% من الناتج المحلي الإجمالي العالمي. حققت الشراكة الاقتصادية الإقليمية الشاملة شكلاً من أشكال “التجارة الحرة والمفتوحة” – وهو ما كان يطمح منتدى “أبيك” إلى تحقيقه بأهداف بوغور – بينما بقيت الولايات المتحدة معزولة.
لكن الولايات المتحدة تحتفظ بأداتين على الأقل لممارسة السلطة في منطقة آسيا والمحيط الهادئ: منتدى “أبيك”، الذي هو أقل من كونه منتدى اقتصادي وأكثر من كونه أداة للولايات المتحدة لضبط حلفائها الآسيويين، ومناورات حافة الهادئ (ريمباك)، التي هي ذراعها العسكري. تأسست هذه المناورات في عام 1971 كجزء من بنية الحرب الباردة ضد الاتحاد السوفيتي، لكنها تحولت إلى آلية لممارسة النفوذ البحري ضد الصين وغيرها من البلدان الساعية إلى السيادة. وتشمل مناورات “ريمباك”، التي تنظمها قيادة المحيطين الهندي والهادئ التابعة للبحرية الأمريكية ومقرها في هاواي، الآن أصولاً عسكرية إسرائيلية. وهذا من شأنه أن يخلق مشاكل لأعضاء مثل كولومبيا وتشيلي وماليزيا، التي اتخذت مواقف قوية ضد الإبادة الجماعية الإسرائيلية المستمرة ضد الفلسطينيين. تشارك جميع دول “أبيك” في مناورات “ريمباك” باستثناء الصين وروسيا وفيتنام (شاركت الصين حتى تم استبعادها في عام 2018).
يكشف التداخل بين عضوية “أبيك” و “ريمباك” عن محاولة الولايات المتحدة ممارسة الهيمنة بالقبول الاقتصادي (أبيك، الذي ينسق الدوائر الاقتصادية للرأسمالية) والإكراه العسكري (“ريمباك”، الذي يؤمن الظروف العسكرية لذلك النظام الاقتصادي). وفي حين يبدو أن “أبيك” يتعلق فقط بالاستثمار وسلاسل التوريد والاقتصاد الرقمي، فإنه في الواقع آلية لضمان بقاء الولايات المتحدة – التي تمتلك ما لا يقل عن 260 قاعدة عسكرية ومواقع تناوب، من قاعدة داروين الجوية التابعة لسلاح الجو الملكي الأسترالي إلى قاعدة كادينا الجوية في اليابان، إلى جانب مناورات “ريمباك” العسكرية – القوة المهيمنة في المنطقة. إن استراتيجية الولايات المتحدة لاحتواء الصين ترتكز الآن بقوة على ديناميكية “أبيك-ريمباك”. وبسبب عجزها عن منافسة الحيوية الاقتصادية للصين وجيرانها، تلجأ الولايات المتحدة إلى حملات الضغط العسكري والدبلوماسي.

ستكون القمة في كوريا الجنوبية محاطة بمظاهرات حاشدة تقودها نقابات عمال الصناعة والزراعة، وجماعات حقوق الإنسان، ومنظمات طلابية. كما ستكون هناك جيوب من المؤيدين القوميين المتطرفين للرئيس السابق يون سوك يول (2022-2025) من حزب سلطة الشعب اليميني، الذي أعلن الأحكام العرفية في عام 2024. لكن هذه المجموعات لن تشكل الجزء الأكبر من المظاهرات، التي تدعو إلى إنشاء اقتصاد محوره الشعب في كوريا الجنوبية وتعارض محاولة استخدام قمة “أبيك” لترسيخ النخبة السياسية في البلاد التي لا تزال مهزوزة بسبب سقوط يون.

مع انتقال مركز ثقل الاقتصاد العالمي إلى آسيا، ستستخدم الولايات المتحدة كل وسيلة ممكنة لتأكيد وجودها. لكنها ببساطة لا تملك الأدوات للسيطرة كما فعلت في السابق. أحد الاستخدامات المثمرة لمنتدى “أبيك” هو أنه يوفر منصة للقادة الأمريكيين والصينيين للقاء في وقت تتقلص فيه مساحات الحوار الثنائي. وهذا هو السبب في أن تركيز وسائل الإعلام كان على اللقاء بين ترامب والرئيس الصيني شي جين بينغ.
في عام 2013، استخدم الرئيس شي عبارة “مجتمع المستقبل المشترك للبشرية” (人类命运共同体)، والتي دخلت دستور الحزب الشيوعي الصيني لعام 2017. في قمة “أبيك” عام 2014 في بكين، قال شي إن منطقة آسيا والمحيط الهادئ يجب ألا تصبح “ساحة للمنافسة” بل يجب أن تكون موقعاً لـ”مجتمع المصير المشترك”. بدأ المسؤولون الصينيون يتحدثون عن “مجتمع المستقبل المشترك لآسيا والمحيط الهادئ” (亚太命运共同体)، والذي كان صدى لعبارة عام 2013. جوهر هذه العبارات هو أنه لا ينبغي للدول الآسيوية أن تسعى إلى سياسات الكتل أو التحالفات العسكرية، بل يجب أن تكون منفتحة على الحوار مع الجميع وبناء منصات تحافظ على كرامة جميع الشعوب. ورغم أن هذه عبارات مثيرة للاهتمام، فإن مشاعرها النبيلة لا يمكن أن تتحقق إلا في المسار الفعلي للتاريخ – عندما يرى الناس في جميع أنحاء المنطقة أن حياتهم تتحسن من خلال السلام والتنمية.
 
                                                                 
															
