المراسلة 12: ما تسمونه حباً هو في الحقيقة عمل غير مدفوع الأجر

مشاركة المقال

معهد القارات الثلاث للبحوث الاجتماعية/ مدار: 11 أيار 2021

فيجاي براشاد

آيلين بوساماي، العصيان المنزلي/ ما تسمونه حباً هو عمل غير مدفوع الأجر، كونسبسيون، تشيلي، 2019

تشير دراسة صادرة عن منظمة العمل الدولية عام 2018 إلى أن النساء حول العالم يقضين 4 ساعات و25 دقيقة في المعدل يومياً في أعمال الرعاية غير المؤدى عنها، بينما يقضي الرجال في المقابل ساعة و23 دقيقة في اليوم لنفس النوع من الأعمال. وهنا نسأل، ما هي أعمال الرعاية؟.. تعرّف الدراسة هذه الأعمال بـ”الأنشطة والعلاقات التي تأتي من أجل تلبية الاحتياجات المادية والنفسية والعاطفية للبالغين والأطفال، للكبار والصغار، للضعفاء والقادرين” على حد سواء.

هناك نوعان رئيسيان من أعمال الرعاية كما وصفتهما منظمة العمل الدولية؛ يتميز الأول بأنشطة الرعاية المباشرة (ويشار إليه أحياناً بالحضانة أو الرعاية العلائقية)، مثل إطعام طفل وتمريض شريك مريض ومساعدة شخص مسن في الاستحمام وإجراء الفحوصات الطبية أو تدريس طفل صغير؛ فيما يتميز النوع الثاني بالرعاية غير المباشرة، ولا يتضمن رعاية شخصية وجها لوجه، مثل التنظيف والطهو والغسيل ومهام الصيانة المنزلية الأخرى (ويحال عليها في بعض الأحيان بأعمال الرعاية غير العلائقية أو بالأعمال المنزلية)، التي توفر الشروط المسبقة للرعاية الشخصية. وتعمل أعمال الرعاية المباشرة وغير المباشرة جنباً إلى جنب، وتربط كل من الأعمال المادية والعاطفية معاً النسيج المجتمعي.

“نحن نحرك العالم ، نحن نوقفه” ، تدخل حدث خلال 8 مارس بناءً على صورة التقطت لرفيقات من حركة العمال المستبعدين، لا بلاتا، الأرجنتين، كوليكتيفو واتشا.

تُظهر دراسة منظمة العمل الدولية أن النساء والفتيات يتحملن أعباء ثلاثة أرباع أعمال الرعاية غير المؤدى عنها اللازمة للحفاظ على العائلات والمجتمع. لو تلقى أولئك الذين يقومون بهذه الأعمال غير المؤدى عنها الحد الأدنى من الأجور المحددة في بلدانهم فإن فاتورة الأجور سوف تبلغ 11 ترليون دولار (أو ما يقارب 15% من الناتج المحلي الإجمالي العالمي أو حجم الاقتصاد الرقمي بمجمله). إن ضرورة هذا العمل غير مدفوع الأجر- بما يشمل رعاية الأطفال والكبار- حرمت النساء وبعض الرجال من الدخول إلى القوى العاملة المأجورة. فوفقاً لمنظمة العمل الدولية، أفصحت 606 ملايين امرأة عام 2018 أن أعمال الرعاية غير المؤدى عنها جعلت سعيهن إلى الحصول على عمل مأجور خارج المنزل أمراً غير ممكن، وعبر 41 مليون رجل عن الأمر ذاته.

خسرت 64 مليون امرأة خلال الجائحة وظائفهن المأجورة، وفي الوقت نفسه وجدت معظم النساء أنفسهن مضطرات لقضاء المزيد من الوقت في أعمال الرعاية غير المأجورة مقارنة مع الفترة التي سبقت الإغلاق الكبير في 2020-2021. لقد لاحظنا في دراستنا صدمة كورونا والبطريايكية في نوفمبر 2020 أن “أعمال الرعاية زادت أضعافاً مضاعفة خلال فترة الجائحة، وقد واصلت أعباء إضافية السقوط على كاهل النساء”. إن النساء هن من يقمن بشكل كبير بالإشراف على تعليم أطفالهن والحفاظ على الأسر التي تصارع مع المداخيل المتآكلة، كما يعتنين بكبار السن في وقت يكونون فيه الأكثر عرضة لمخاطر فيروس كورونا. وقد أشارات اليونسيف إلى أن 186 مليون طفل لم يذهبوا إلى المدرسة لأكثر من عام.

كذلك فإن العديد من عمال الرعاية الأمامية في مجتمعاتنا، بدءاً بالممرضات إلى عاملات النظافة، هن من النساء. إنهن النساء اللواتي يجدن أنفسهن وقد تمت الإشادة بهن لكونهن “عاملات أساسيات”، في وقت تتدهور ظروف عملهن وتتراجع أجورهن، ما يعرضهن لخطر الإصابة في الفيروس. لقد وثّقنا في ملفنا في يونيو المنصرم بعنوان “الصحة خيار سياسي” كيف كافحت عاملات الصحة النساء في كل من الأرجنتين والبرازيل والهند وجنوب إفريقيا من أجل تحسين شروط عملهن ومن أجل أن يتقاضين ما يكفي لإعالة أسرهن. وقد خرجت قائمة الـ16 مطلبا التي ينتهي فيها ملفنا من نضالات النقابات في تلك البلدان، تلك المطالب التي ظلت على حالها منذ يونيو المنصرم. لقد كشف هذا الوباء وعمّق إحساسنا بكيفية عرقلة النظام الأبوي للتقدم الاجتماعي. 

أيلين بوساماي، بدون عنوان، غونزاليس كاتان (بوينس آيرس، الأرجنتين)، 2019.

أنجز فريقنا في الأرجنتين، بتعاون مع لجنة المسح النسوي، بودكاست للكشف عن الأثر غير المتكافئ للوباء من وجهة نظر نسوية. وقد قاد هذا التوثيق للأزمة ونضالات الشعب في الأرجنتين إلى نشر ملفنا الأخير، بعنوان كشف الأزمة: أعمال الرعاية في زمن كورونا. (ملف عدد 38، مارس 2021). 

لقد فرض الوباء ضغطاً هائلا على العائلات، وكانت النساء في قلب هذا العبء المتزايد. وجاء هذا الضغط نتيجة فترة طويلة من التخفيضات التقشفية لمؤسسات الدولة، التي أدت إلى تدهور الأجور الاجتماعية (بما في ذلك رعاية الأطفال في سن ما قبل المدرسة والطعام المغذي في المدرسة). وقد تم التعبير عن هذه المشكلة طويلة الأجل بعبارة “أزمة الرعاية”، التي صاغتها اللجنة الاقتصادية لأمريكا اللاتينية ومنطقة البحر الكاريبي التابعة للأمم المتحدة (CEPAL) عام 2009.

أدى نظام التقشف إلى توسيع مفهوم العائلة، إذ يستمد مقدمو الرعاية المصادر من آخرين في مجتمعاتهم. إن هذه الشبكات الأوسع من العائلة تتجاوز القرابة، وقد ظهرت كأساس مركزي للصمود أثناء الوباء. 

أعلنت لويز بيجيرانو من حركة المتحولين جنسياً في البرازيل أن رفيقاً متحولا جنسياً فتح مطبخاً خارجياً لإطعام الناس وتوفير وجبات خفيفة للأطفال. ووضحت سيلفيا كامبو من ائتلاف المنظمات كيف تعمل منظمتها على تتبع حالات كوفيد-19 وتنشر معلومات للعموم حول العيادات والخدمات الصحية. كذلك نظمت ماريا بينتيز من اتحاد المنظمات القاعدية جيرانها من أجل الذهاب إلى ملاك الأراضي وإعلامهم بأنهم لا يستطيعون طرد العائلات خلال الجائحة (وهو الأمر الذي تم بنجاح). ورغم كل الصعاب، حافظت لويز وسيلفيا وماريا ومنظماتهن على النسيج الاجتماعي متماسكاً.. إن قصصهن ملهمة ومفيدة.

باور بولا، بدون عنوان، نُشر في فبراير في لاس دوسي، ملحق بيجينا 12، 2020

إليزابيث جوميز ألكورتا هي أول وزيرة للمرأة والنوع الاجتماعي والتنوع في الحكومة الأرجنتينية. وقد أنشأت وزارتها في ديسمبر 2019 مديرية الرعاية الوطنية التي عملت وفقاً لأربعة محاور رئيسية. أولاً، رسم خريطة اتحادية لمنشآت الرعاية والتدريب الخاصة بأعمال الرعاية. ثانياً، نظمت المديرية في فبراير 2020 مائدة مستديرة حول سياسات الرعاية جمعت 14 وزارة يتقاطع عملها مع أعمال الرعاية.. ثالثاً، بدأت حملة في أغسطس 2020 بعنوان “الرعاية مع المساواة: الضرورة، الحقوق والعمل”، إذ تعقد “برلمانات الرعاية” من أجل الاستماع لعمال ومقدمي الرعاية للتعرف على وجهة نظرهم بشأن القضايا الرئيسية. وأخيراً، شكل فريق جوميز الكورتا في أكتوبر 2020 لجنة صياغة مؤلفة من تسعة خبراء سيكتبون مشروع قانون لنظام رعاية شاملة للبلاد. 

ويلخص شعار الحملة: “الرعاية مع المساواة” جزءاً كبيراً من مفهومنا عن الرعاية، هذا ما أخبرتني به جوميز ألكورتا، وأضافت: “الرعاية ضرورة، حيث نحتاج جميعاً في مرحلة ما من حياتنا إليها؛ وبما أنها ضرورة يجب أن تكون هناك حقوق لمقدمي الرعية. أمامنا تحد كبير متمثل في إرساء أسس نظام رعاية شامل بمنظور جنساني. ويجب أن يأخذ هذا النظام في الحسبان الواقع المعقد وغير المتجانس” للأرجنتين؛ كما قالت: “إن هذا السبب في كون الحوار الذي تجريه لجنة الصياغة مهم للغاية…نعلم أن التكوين الحالي للعائلات متنوع، لذلك نعمل من ناحية على مراعاة التنوع والهويات المختلفة في محاولة للتفكير في جميع المواقف. ومن ناحية أخرى فإن بلادنا لديها ديون اجتماعية كبيرة، ومعدلات فقر عالية. ونعلم أن النساء هن الأكثر تضرراً من الأزمات الاقتصادية؛ لذلك نؤكد أن إعادة توزيع مهام الرعاية بشكل أفضل لا تؤدي فقط إلى تحقيق قدر أكبر من المساواة بين الجنسين، بل تؤدي أيضاً إلى تحقيق قدر أكبر من العدالة الاجتماعية”.

وأردفت جوميز ألكورتا بأن الأنظمة والتقاليد البطرياركية تنهار، لكن “مازال هناك طريق طويل لنقطعه”. نادراً ما تكون المسؤولية المشتركة عن أعمال الرعاية حقيقة واقعة، ولهذا السبب “يجب أن يشارك الرجال بشكل أكبر، لكننا نعلم أيضاً أن تفكيك العادات والصور النمطية يمكن أن يستغرق وقتاً”..ومع ذلك، أخبرتني غوميز: “لدينا قناعة قوية بأننا نتجه نحو سيناريو يتم فيه توزيع الرعاية بشكل أفضل ويتم الاعتراف بها اجتماعياً وتقديرها على حقيقتها باعتبارها: العمل الذي يجعل العالم يعمل”.

لقد سلطتُ الضوء في مراسلة الأسبوع الماضي على الحملة الانتخابية للمجلس النيابي في ولاية كيرالا. الآن وبعد أن تم إصدار بيان الجبهة الديمقراطية اليسارية، هنالك نقطة تستحق الذكر بشكل خاص: إذا عاد اليسار إلى السلطة فسيخصص معاشاً لربات البيوت. حيث ينص البيان على أنه “سيتم الاعتراف بقيمة العمل المنزلي، وتحديد أجر للربات البيوت”. إن الآثار المترتبة على خطة الأجور هذه ستكون هائلة، فهي تعترف بأن العمل المنزلي يتمتع بقيمة الشيء الذي سيهز أسس البطريركية التي بنيت على التبعية المالية للنساء. 

تعكس هذه النضالات في الأرجنتين وكيرالا كلمات ألايد فوبا (1914-1980)، الشاعرة والناشطة التي قُتلت في غواتيمالا عام 1980:

عبر المروج المزهرة

ركضت قدمي الخفيفة

تركت آثارها

في الرمال الرطبة

بحثت عن المسارات الضائعة

داست على الأرصفة الصلبة 

للمدن

وصعدت على السلالم

التي لا تعرف إلى أين تقودها. 

مشاركة المقال

مقالات ذات صلة