لينيا إنترناسيونال/ مدار: 07 تشرين الثاني/ نوفمبر 2025
بقلم: غوادي كالفو
تقوم الولايات المتحدة وفرنسا بتنفيذ المناورة ذاتها، التي طبقتاها في سوريا للإطاحة بحكومة بشار الأسد، في مالي. هذه المرة، تستهدفان المجلس العسكري الذي تولى السلطة بين عامي 2020 و2021، وبدأ سيرورة عميقة مناهضة للاستعمار سرعان ما امتدت إلى بوركينا فاسو والنيجر، حيث طُبقت إجراءات مماثلة، مثل إغلاق السفارات وفروع الشركات التابعة للقوة الاستعمارية السابقة. بالإضافة إلى ذلك، استُرجعت القواعد العسكرية التي كانت تحت السيطرة الأجنبية، مع طرد حامياتها.
هكذا انتهى الوجود الفرنسي المظلم في جزء كبير من الأراضي الأفريقية، والذي، رغم عمليات الاستقلال في الستينيات، أسس نظامًا استعماريًا جديدًا يُعرف بـ”فرانس أفريك” (Françafrique). كان هذا النظام يرتكز، ولا يزال، في أكثر من نصف دزينة من البلدان على ثلاث ركائز: الاقتصادية، والعسكرية، والدبلوماسية، مما سمح لفرنسا بالتحكم في جميع القرارات الحكومية لـ”مستعمراتها السابقة” حتى يومنا هذا، وذلك عن طريق إفساد السياسيين والعسكريين.
بشكل شبه طبيعي، تشكلت بين هذه الدول الثلاث، التي كانت جزءًا من الإمبراطورية الاستعمارية الفرنسية في غرب أفريقيا حتى الستينيات، نواة مقاومة عُرفت في البداية باسم “حزام الساحل الثوري”، وسرعان ما أُطلق عليها اسم “تحالف دول الساحل” (AES) لإعطاء نفسها إطارًا رسميًا.
ما بدأ كتحالف عسكري توسع ليشمل الجوانب الاقتصادية والدبلوماسية، بينما تُبذل محاولات لتسريع عمليات التكامل الأخرى.
وكما كان متوقعًا، فإن هذا “الحصن” المناهض للاستعمار والداعم للتكامل، والذي يتقرب من روسيا والصين، قد دق أجراس الخطر في واشنطن وباريس وبروكسل، مقر الاتحاد الأوروبي.
ابتداءً من عام 2012، وفي سياق غزو ليبيا للإطاحة بحكومة العقيد القذافي، تم توجيه مقاتلين مرتبطين بتنظيم القاعدة (الإرهابي) إلى شمال مالي، بهدف تحييد “تانيقرة” (الثورة) التي اندلعت في إطار انقلاب ضد الرئيس آنذاك أمادو توري (2002-2012)، والتي امتدت عبر مناطق كيدال وغاو وتمبكتو. كان شعب الإيموهاغ (الطوارق) يسعى من خلالها إلى استعادة أزواد، وهي منطقة شاسعة تمتد عبر عدة دول في شمال أفريقيا، والتي يطالبون بها كأرض لهم منذ فجر التاريخ.
مع عملية الاستقلال في الستينيات، تم تقسيم أزواد بين عدة دول، وبقي الجزء المالي منها تحت سيطرة باماكو، عاصمة البلاد.
بمجرد أن ترسخ تنظيم القاعدة في شمال البلاد، ورغم محاولات القوات المسلحة المالية (FAMa)، بالتعاون مع جيوش محلية أخرى مجتمعة في “مجموعة دول الساحل الخمس” (G5 Sahel) التي ضمت بالإضافة إلى مالي، بوركينا فاسو وتشاد وموريتانيا والنيجر، زيادة على آلاف القوات الفرنسية التي زعمت تحت مسميات مختلفة أنها تعمل على احتواء تمدد التطرف المسلح الذي انضمت إليه كتائب من تنظيم داعش (الإرهابي) ابتداءً من عام 2014.
أطلقت باريس في الساحل ما لا يقل عن أربع عمليات عسكرية ضمّت آلاف الجنود من القوات الخاصة منذ عام 2013 وحتى 2022: “سرفال”، “برخان”، “إيبرفييه”، و”قوة تاكوبا”.
لا يُعرف ما إذا كان ذلك بسبب عدم الكفاءة أو بنية خبيثة لزعزعة استقرار المنطقة، لكن أيًا من العمليات العسكرية الفرنسية لم تنجح في احتواء الإرهابيين الذين لم يقتصر تمددهم من شمال مالي إلى بوركينا فاسو والنيجر فحسب، بل إنهم ينشطون منذ سنوات بشكل متكرر في عدة دول في خليج غينيا، مثل بنين أو توغو، بالإضافة إلى ساحل العاج وغانا.
بعد الانسحاب القسري للقوات الفرنسية والأمريكية وقوات الاتحاد الأوروبي، حققت كل من “جماعة نصرة الإسلام والمسلمين” (JNIM)، وهي تحالف لمجموعات مسلحة صغيرة توحدت في عام 2017 تحت مظلة تنظيم القاعدة، والفرع التابع لداعش المعروف باسم “داعش في الصحراء الكبرى” (EIGS)، نموًا هائلاً. وقد تحقق ذلك بفضل تمويل من الممالك الخليجية والدعم اللوجستي من أعداء تحالف دول الساحل، بما في ذلك عناصر أوكرانية، مما أدى إلى تعريض أمن المنطقة بأكملها للخطر.
لقد وصل التقدم الإرهابي بالفعل إلى محيط باماكو، بقوة كافية لقطع وصول المواد الغذائية والوقود. ووفقًا لبعض “الخبراء” الأوروبيين والأمريكيين، فإن سقوط العاصمة، التي يقطنها ما يقرب من ثلاثة ملايين نسمة، سيكون تدريجيًا.
في الثامن والعشرين من تشرين الأول/ أكتوبر الماضي، تعرضت عشرات الشاحنات الصهريجية التي تنقل الوقود والماء لإمداد العاصمة لكمين نصبه مجاهدو “جماعة نصرة الإسلام والمسلمين”. وبعد السيطرة على القافلة، قاموا بإحراق وسرقة عدة مركبات.
وفقًا لمصادر غربية، لم يتمكن أفراد قاعدة كاتي العسكرية، وهي أهم قواعد القوات المسلحة المالية والقريبة من موقع الهجوم، من إنقاذ القافلة بسبب نقص الوقود اللازم للتحرك. وفي الأشهر الأخيرة، بدأ مقاتلو “جماعة نصرة الإسلام والمسلمين” في مهاجمة الدوريات العسكرية في محيط باماكو.
أصبح نقص الوقود كارثة جديدة في هذه الحرب، بما في ذلك للسكان المحليين، حيث تضاعف سعره ثلاث مرات في الأسابيع الأخيرة. وفي الوقت نفسه، اضطرت المدارس والجامعات إلى الانقطاع عن شبكة الكهرباء لتحسين إمداد المستشفيات والمؤسسات الحكومية.
لقد أجبر الوضع الحالي موسكو على تعزيز دعمها العسكري وإرسال الإمدادات، بينما أوصت واشنطن وسفارات الدول الغربية مواطنيها بمغادرة البلاد على وجه السرعة، مع إغلاق الممثليات والقنصليات.
يُعتقد أن استراتيجية الإرهابيين، كما حدث في كابول ودمشق، تهدف إلى خنق باماكو حتى يتأكدوا من تحقيق غزو مضمون. وقبل ذلك، يسعون من خلال نقص الإمدادات الأساسية إلى إثارة السخط والمطالب في القطاعات الشعبية والأقليات العرقية، محاولين بذلك كسب درجة من الشرعية.
موطن لتنظيم القاعدة (الإرهابي)
لقد شهدنا على مدى الأربعين عامًا الماضية، مع ظهور جماعات إرهابية مثل طالبان والقاعدة وداعش وأي فصيل مسلح آخر تابع لهذين الأخيرين، كيف سيطرت على مساحات شاسعة من البلدان التي تنشط فيها. المثال الأبرز هو طالبان التي غزت أفغانستان مرتين: في عام 1992، بعد انتصارها في الحرب الأهلية ضد التحالف الشمالي بقيادة أحمد شاه مسعود، حيث فرضت على البلاد أشد صور الشريعة، حتى طردتها القوات الأمريكية في عام 2001. ثم عادت إلى السلطة بعد عشرين عامًا، بعد هزيمة هؤلاء الغزاة أنفسهم.
أما تنظيم داعش، الذي لم يحالفه الحظ مثل الملالي الأفغان، فقد تمكن من السيطرة على منطقة تمتد عبر الحدود بين سوريا والعراق في عام 2014، متخذًا من مدينة الرقة السورية عاصمة له، قبل أن يُطرد منها في عام 2017.
وكرر الأمر نفسه، وإن كان على نطاق أصغر، عندما احتل مدينة درنة في شرق ليبيا بين عامي 2014 و2016، على بعد ثلاثمئة كيلومتر من الحدود المصرية، ثم لاحقًا مدينة سرت، مسقط رأس العقيد القذافي، التي طُرد منها أيضًا بعد ما يزيد قليلاً عن عام.
إلى جانب هذه الطموحات الترابية، لا يجب أن ننسى المقاومة التي أبداها في سيطرته على مدينة مراوي، عاصمة مقاطعة لاناو ديل سور في الفلبين، من أيار/ مايو إلى تشرين الأول/ أكتوبر 2017، والتي كلفت ثمناً باهظاً من أرواح المدنيين والمقاتلين وتقريباً كل قيادة جماعة أبو سياف التابعة لداعش.
ومع ذلك، لم يتمكن داعش من ترسيخ سيطرته بقوة في بلد ما إلا في كانون الأول/ ديسمبر 2024، بعد عشر سنوات من تأسيسه. مرة أخرى، كانت سوريا هي المكان، وهذه المرة بدعم أكبر من الولايات المتحدة وأوروبا وإسرائيل، بعد تحول الأمير المخيف لجبهة فتح الشام، أبو محمد الجولاني، إلى شخصية دنيوية وأنيقة ومنضبطة تُدعى أحمد الشرع، والذي تبدو عليه ربطات العنق باهظة الثمن وقاعات الإليزيه والبيت الأبيض لائقة تمامًا.
ربما تكون هذه هي الخطة التي وضعتها وزارة الخارجية الأمريكية للاستيلاء على مالي، وأن الدور هذه المرة يقع على عاتق مجاهدي “جماعة نصرة الإسلام والمسلمين”، الذين قد يتمكنون بسقوط باماكو من السيطرة على مالي ومحاولة اقتحام بوركينا فاسو، للقضاء على بؤرة المقاومة المناهضة للاستعمار التي يمثلها تحالف دول الساحل.
لم نر من قبل كتيبة تابعة لتنظيم القاعدة لديها القدرة والطموح للسيطرة على منطقة بهذه الشساعة، والتي تعادل مساحة شبه الجزيرة الإيبيرية بأكملها. وإذا أُضيفت بوركينا فاسو، فسيتعين علينا أن نتخيل مساحة بحجم إسبانيا وأوكرانيا مجتمعتين.
في غضون ذلك، يعزز الإرهابيون حصار الطرق لمنع وصول المؤن من ساحل العاج وموريتانيا والسنغال، ولا يكتفون بنهب الحمولات وتدمير المركبات، بل يقتلون ويختطفون السائقين والجنود.
إنها آلية تبدو وكأنها تترسخ يومًا بعد يوم، لكشف المجهول الذي تفتحه المعادلة السورية في مالي.

