مدار + مواقع: 11 كانون الثاني/يناير 2020
بحلول العاشر من كانون الثاني/يناير من هذه السنة، تكون الاحتجاجات الشعبية بالعراق دخلت يومها المائة، بعد أن انطلقت في الأول من تشرين الأول/ يناير الماضي. الاحتجاجات تتشكل في معظمها من الشباب أبناء وبنات تسعينيات القرن الماضي. وحسب مراقبين، تمكنت من تجاوز الأفكار الطائفية، والتوحد ضمن الهوية الوطنية العراقية، وفرض الرأي الشعبي على الأحزاب الحاكمة.
تحولت التظاهرات إلى اعتصامات مفتوحة، ونصب المحتجون خياما في سبع محافظات عراقية من أصل عشر، تتواصل فيها التظاهرات بشكل مستمر. وفي بغداد يتخذ المتظاهرون من ساحة التحرير نقطة انطلاق لتظاهراتهم، ويتخذون من المنطقة الخضراء المحصنة وجهة لهم لرمزيتها السياسية، ولا يفصلهم عنها سوى جسر نهر دجلة.
ولم تنطلق الاحتجاجات بدعوة من حزب أو زعيم ديني، بل بدعوات من الشباب على مواقع التواصل الاجتماعي.
يطالب الحراك العراقي بتوفير الخدمات الأساسية وتحسين المعيشة، وتوفير فرص العمل، والقضاء على الفساد المالي والإداري في مؤسسات الدولة، في البلد الذي يحتل المرتبة 12 في لائحة الدول الأكثر فسادا في العالم حسب منظمة الشفافية الدولية؛ كما يطالبون بتغيير النظام السياسي الذي صممه الاستعمار الأمريكي، والقائم على المحاصصة الطائفية، حسب تعبيرهم، مطالبين بحل البرلمان ومحاكمة المتورطين في قتل المتظاهرين، وإجراء انتخابات مبكرة.
مائة يوم من الاحتجاجات استطاع خلالها الشباب إقالة حكومة عادل عبد المهدي (رئيس الوزراء)، في الأسبوع الأول من ديسمبر الماضي، وفرض قانون انتخابات جديد وافق عليه البرلمان العراقي. وحسب ما صرح به محتجون لمواقع إعلامية فإن “القانون يشكل خطوة على الطريق الصحيح”، لاسيما أن المحتجين طالبوا منذ بداية الحراك بتغيير قانون الانتخابات، وتحويل العراق إلى دوائر متعددة صغيرة تعتمد الترشيح الفردي. القانون ألغى تصويت النازحين والمغتربين، وهو ما اعتبرته بعض الكتل السياسية متعارضا مع نص الدستور الذي يمنع مصادرة أصوات العراقيين الانتخابية أو حجبها. كما نصص القانون الجديد على تخصيص كوتا لكل أقلية من أقليات العراق، رغم أن البلد لم يجر أي إحصاء سكاني لتحديد هذه الأقليات.
ومنذ انطلاقها، تتعرض الاحتجاجات بالعراق لأشكال قمع شديدة ومتنوعة. وحسب مصادر حقوقية، من ضمنها مفوضية حقوق الإنسان في العراق، فقد ارتفع عدد ضحايا الاحتجاجات من الناشطين والصحافيين إلى أكثر من 500 قتيل و22 ألف مصاب. كما تعرض عدد من الشباب والناشطين للاعتقال أو الاختطاف من قبل جهات أمنية وجهات غير معروفة في بعض الأحيان؛ ومازال مصير بعضهم مجهولا، حسب ما تناقله نشطاء على صفحاتهم بمواقع التواصل الاجتماعي.
ووفق منظمة العفو الدولية، في تصريح نشرته على موقعها الإلكتروني، فإن النشطاء والمتظاهرين يتعرضون لـ”حملة فتاكة ومتنامية من المضايقات والترهيب والاختطاف والقتل المتعمد .. في بغداد وغيرها من المدن العراقية”. وحسب التصريح الذي نشرته المنظمة في 13 كانون الأول/ ديسمبر الماضي قالت “لين معلوف”، مديرة البحوث للشرق الأوسط بنفس المنظمة: “إن تقاعس السلطات المطلق عن اتخاذ أي إجراء خلال الأسابيع الماضية مهد السبيل لهذه المرحلة الجديدة المروعة من محاولة سافرة ومكتملة الأركان لسحق مظاهرات الاحتجاج في العراق عن طريق بث الرعب في نفوس الأهالي. كما أن هذا التقاعس من جانب الحكومة يشي، على أقل تقدير، بقبولها الضمني للاختفاء القسري والتعذيب والقتل غير المشروع للمتظاهرين الذين خرجوا إلى الشوارع للمطالبة بحقوقهم الإنسانية، بل وتواطئها في بعض الحالات”.
وحسب التصريح نفسه فإن الناشطين والمتظاهرين أفادوا بوقوع سلسلة من الاغتيالات ومحاولات الاغتيال التي استهدفت المتظاهرين. وقال متظاهر من بغداد: “نحن جميعاً نحاول أن نفهم هذا النمط؛ ولكن حينما يُستهدف متظاهر عاد وناشط بارز على حد سواء لا نرى سوى نمط واحد: إرهاب الجميع، واستهداف الجميع”. وحسب التصريح فإن العديد من الناشطين تعرضوا للاختطاف والاختفاء القسري. كما وثقت المنظمة لجوء قوات الأمن لاستخدام القوة المميتة بما في ذلك الذخيرة الحية ضد المتظاهرين السلميين، واستخدام عبوات الغاز المسيل للدموع المخصصة للاستخدام الحربي.
وفي سياق متصل، واجهت الحركة الاحتجاجية بالعراق تحديات عدة، منها تصدع الصف الداخلي، والانقسام بين القوى السياسية حول مسارات البلاد، وتحدي النعرات الطائفية التي تغذيها الصراعات الإقليمية، وتحول العراق إلى ساحة مواجهة بين الولايات المتحدة الأمريكية وإيران، خصوصا بعد اغتيال الجنرال قاسم سليماني، قائد فيلق القدس في الحرس الثوري الإيراني، وأبو مهدي المهندس نائب رئيس الحشد الشعبي بالعراق، تلاه قصف إيراني لقواعد عسكرية أمريكية بالأراضي الإيراني؛ زيادة على حوادث ناقلات النفط بالخليج، وغيرها من الأحدث التي تلقي بظلالها على المشهد العراقي.