لم يتبق سوى ليلة واحدة لبناء الحصون: المراسلة 38 (2024)

مشاركة المقال

معهد القارات الثلاث للبحث الاجتماعي + مدار: 12 كانون الأول/ ديسمبر 2024* 

فيجاي براشاد

صورة الواجهة: نينيكو موربيدادزه (جورجيا)، الغيوم البرتقالية على الحدود، 2018.

في 13 سبتمبر/أيلول، أشار الرئيس الأمريكي جو بايدن ورئيس الوزراء البريطاني كير ستارمر في اجتماع بواشنطن العاصمة إلى أنه سيكون من المقبول أن تطلق أوكرانيا صواريخ، مقدمة من الغرب، على الأراضي الروسية. لم يتم الإعلان عن أي قرار رسمي حتى الآن، ولكن من الواضح إلى أين يتجه الحوار بين الدول الأعضاء في حلف شمال الأطلسي (الناتو). 

بعد عودة ستارمر – الذي تبلغ نسبة شعبيته لدى الناخبين 22% – إلى لندن، صرح وزير خارجيته ديفيد لامي للصحافة بأن الحكومة البريطانية تجري محادثات مع حلفاء آخرين حول رفع القيود المفروضة على استخدام أوكرانيا لصواريخ ستورم شادو التي قدمتها المملكة المتحدة ضد روسيا. 

وقد ذهب السير جون ماكول، وهو ضابط كبير متقاعد في الجيش البريطاني، إلى أبعد من ذلك، حيث ذكر أن هذه الصواريخ ستستخدم في نهاية المطاف ضد روسيا، لكنها – في حد ذاتها – لن تمكن أوكرانيا من الانتصار. وبعبارة أخرى، فإن هؤلاء (بايدن وستارمر وماكول) على استعداد للمخاطرة بتعميق الصراع، وهم يعلمون جيدًا أن هذه الصواريخ لن تغير من فحوى الحرب.

لقد جعل الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي من استخدام الصواريخ المقدمة من الغرب موضوعاً رئيسياً في محادثاته مع قادة العالم، مدعياً أنه إذا سُمح لجيشه بإطلاق صواريخ ستورم شادو (البريطانية) وصواريخ سكالب (الفرنسية) وصواريخ أتاكمز (الأمريكية)، فإن أوكرانيا ستكون قادرة على ضرب القواعد العسكرية الروسية على الأراضي الروسية. 

إعطاء الضوء الأخضر من قبل حلف الناتو لاستخدام هذه الأنظمة الصاروخية الثلاثة، التي تم تزويد أوكرانيا بها بالفعل من قبل الدول الأعضاء في الناتو، سيكون تصعيداً كبيراً: إذا استخدمت أوكرانيا هذه الصواريخ لمهاجمة روسيا، وردت روسيا بهجوم انتقامي على الدول التي زودتها بالصواريخ، فإن ذلك سيؤدي إلى تفعيل المادة الخامسة من ميثاق حلف الناتو (1949)، مما سيجر جميع الدول الأعضاء في الناتو مباشرة إلى الحرب. 

في مثل هذا السيناريو، ستضع العديد من القوى النووية (الولايات المتحدة والمملكة المتحدة وفرنسا وروسيا) أصابعها على الزر النووي ويمكن أن تأخذ الكوكب نحو الدمار الشامل.

إيون غريغوريسكو وأروتيون أفاكيان (رومانيا/أرمينيا)، العبقري والعصر، 1990/1950.

في ديسمبر/كانون الأول 2021، عقدت روسيا والولايات المتحدة سلسلة من المشاورات التي كان من الممكن، حتى في ذلك الوقت المتأخر، أن تمنع اندلاع الأعمال العدائية في أوكرانيا. ومن الضروري تقديم ملخص لتلك المناقشات لتسليط الضوء على القضايا الرئيسية الكامنة وراء النزاع:

  • 7 ديسمبر/ كانونالأول 2021. عقد الرئيس الأمريكي جو بايدن والرئيس الروسي فلاديمير بوتين مؤتمرًا عبر الفيديو لمدة ساعتين. ركز ملخص البيت الأبيض، الذي لا يزيد طوله عن فقرة واحدة، على تحركات القوات الروسية على الحدود الأوكرانية. أما ملخص الكرملين فهو أطول قليلًا وعرض نقطة تجاهلتها الولايات المتحدة: ”حذر فلاديمير بوتين من إلقاء المسؤولية على روسيا، لأن حلف الناتو هو الذي يقوم بمحاولات خطيرة للحصول على موطئ قدم على الأراضي الأوكرانية وبناء قدراته العسكرية على طول الحدود الروسية. ولهذا السبب، فإن روسيا حريصة على الحصول على ضمانات موثوقة وملزمة قانونيًا تستبعد احتمال توسع الناتو شرقًا ونشر أنظمة أسلحة هجومية في البلدان المجاورة لروسيا“.
  • 15 ديسمبر/ كانونالأول 2021. اجتمع نائب وزير الخارجية الروسي سيرغي ريابكوف مع مساعدة وزير الخارجية الأمريكي للشؤون الأوروبية والأوروبية الآسيوية كارين دونفريد في موسكو. وجاء في البيان الصحفي الروسي الذي نُشر بعد الاجتماع أنهما ”أجريا مناقشة مفصلة حول الضمانات الأمنية في سياق المحاولات المستمرة من قبل الولايات المتحدة وحلف شمال الأطلسي لتغيير الوضع العسكري والسياسي الأوروبي لصالحهما“.
ماريا خان (باكستان)، حنين إلى الحب، 2012.
  • 17 ديسمبر/كانونالأول 2021. أصدرت روسيا مسودة معاهدة بينها وبين الولايات المتحدة وكذلك مسودة اتفاق مع حلف الناتو. وقد أوضح كلا النصين أن روسيا تسعى إلى الحصول على ضمانات أمنية حازمة ضد أي زعزعة للوضع الراهن في غربها. وفي هذين النصين عبارات صريحة ومهمة حول الصواريخ والأسلحة النووية. وتنص مسودة المعاهدة على أنه لا ينبغي للولايات المتحدة أو روسيا ”نشر صواريخ متوسطة المدى وقصيرة المدى تطلق من الأرض خارج ترابها الوطني، وكذلك في مناطق ترابها الوطني التي يمكن أن تهاجم منها هذه الأسلحة أهدافاً في التراب الوطني للطرف الآخر” (المادة 6) وأن على الطرفين “الامتناع عن نشر أسلحة نووية خارج ترابها الوطني” (المادة 7). وتنص مسودة الاتفاق مع حلف شمال الأطلسي على أنه لا ينبغي لأي من دول الحلف “نشر صواريخ برية متوسطة وقصيرة المدى في مناطق تسمح لها بالوصول إلى أراضي الطرف الآخر” (المادة 5).
  • 23 ديسمبر/كانونالأول 2021. في مؤتمره الصحفي السنوي، عبّر بوتين مرة أخرى عن قلق روسيا من تحرك الناتو شرقًا ومن تهديدات أنظمة الأسلحة التي يتم نشرها على الحدود الروسية: ”نتذكر، كما ذكرت عدة مرات من قبل وكما تعلمون جيدًا، كيف وعدتمونا في التسعينيات بأنكم [الناتو] لن تتحركوا شبرًا واحدًا نحو الشرق. لقد خدعتمونا بلا خجل: لقد كانت هناك خمس موجات من توسع الناتو، والآن تم نشر أنظمة الأسلحة التي ذكرتها في رومانيا، وبدأ نشرها مؤخرًا في بولندا. هذا ما نتحدث عنه، ألا ترون؟ نحن لا نهدد أحدًا. هل اقتربنا من حدود الولايات المتحدة؟ أو حدود بريطانيا أو أي دولة أخرى؟ أنتم الذين اقتربتم من حدودنا، والآن تقولون إن أوكرانيا ستصبح عضوًا في حلف الناتو أيضًا. أو، حتى لو لم تنضم إلى حلف الناتو، سيتم وضع قواعد عسكرية وأنظمة ضاربة على أراضيها بموجب اتفاقيات ثنائية“.
  • 30 ديسمبر/ كانونالأول 2021. أجرى بايدن وبوتين مكالمة هاتفية حول الوضع المتدهور. إن ملخص الكرملين أكثر تفصيلاً من الملخص الصادر عن البيت الأبيض، ولهذا السبب فهو أكثر فائدة. وجاء فيه أن بوتين ”شدد على أن المفاوضات يجب أن تسفر عن ضمانات قوية ملزمة قانونيًا تستبعد توسع الناتو شرقًا ونشر الأسلحة التي تهدد روسيا في المنطقة المجاورة لحدودها مباشرة“.

في 24 شباط/فبراير 2022، دخلت القوات الروسية إلى أوكرانيا.

لؤي كيالي (سوريا)، ثم ماذا؟، 1965.

لقد كانت روسيا قلقة بشأن ضماناتها الأمنية منذ أن بدأت الولايات المتحدة بالانسحاب من جانب واحد من نظام الحد من التسلح الحساس. وتتمثل خاتمة هذا الانسحاب في خروج الولايات المتحدة في عام 2001 من معاهدة الصواريخ المضادة للقذائف التسيارية لعام 1972 وإلغاء معاهدة القوى النووية المتوسطة المدى لعام 1987 في 2019.

أدى التخلص من هاتين المعاهدتين وعدم الاعتراف بالدعوات الروسية للحصول على ضمانات أمنية – إلى جانب اعتداءات الناتو في يوغوسلافيا وأفغانستان وليبيا – إلى تنامي القلق في موسكو من إمكانية نشر الغرب لصواريخ نووية قصيرة المدى في أوكرانيا أو في دول البلطيق ويكون قادراً على ضرب المدن الروسية الكبيرة في الغرب دون أي أمل في الدفاع. كانت تلك هي حجة روسيا الرئيسية مع الغرب. لو كان الغرب قد أخذ المعاهدات التي اقترحتها روسيا في كانون الأول/ديسمبر 2021 على محمل الجد، لما كنا في وضع تناقش فيه الدول الغربية استخدام صواريخ الناتو ضد روسيا.

تُظهر دراسة جديدة أجرتها شركة ”أكيوريسي“ الاستشارية أن شركات الأسلحة في الولايات المتحدة وأوروبا قد استفادت بشكل كبير من هذه الحرب، حيث ارتفعت القيمة السوقية لأسهم شركات الأسلحة الرئيسية بنسبة 59.7% منذ شباط/ فبراير 2022. كانت أكبر المكاسب من نصيب شركات هانيويل (الولايات المتحدة)، وراينميتال (ألمانيا)، وليوناردو (إيطاليا)، وبي إيه إي سيستمز (المملكة المتحدة)، وداسو للطيران (فرنسا)، وتاليس (فرنسا)، وكونسبرغ غروبن (النرويج)، وسافران (فرنسا). كما شهدت الشركات الأمريكية هنتنغتون إنغالز، ولوكهيد مارتن، وجنرال دايناميكس، ونورثروب غرومان مكاسب، على الرغم من أن نسب الزيادة في أرباحها كانت أقل لأن أرباحها الصافية كانت بالفعل عند مستويات فاحشة. وبينما يحقق تجار الموت في حلف الناتو هذه أرباحًا هائلة، لا تزال شعوبها تعاني من ارتفاع الأسعار بسبب تضخم أسعار الوقود والغذاء.

أسخات أحمدياروف (كازاخستان)، جندي جيوسياسي، 2014.

ولعل الجزء الأكثر إثارة للسخرية في هذا النقاش برمته هو أن السماح لأوكرانيا بضرب روسيا لن يؤدي بالضرورة إلى أي فائدة عسكرية. فأولاً، أصبحت القواعد الجوية الروسية الآن خارج نطاق الصواريخ محل النقاش، وثانياً، فإن الإمدادات الأوكرانية من هذه الصواريخ قليلة. 

ومما يزيد من خطر الحرب النووية الذي يلوح في الأفق تصريحان صدرا مؤخرًا من الولايات المتحدة. ففي أغسطس/آب، ذكرت الصحافة الأمريكية أن إدارة بايدن أصدرت مذكرة سرية حول إعداد الترسانة النووية الأمريكية لمواجهة الصين وكوريا الشمالية وروسيا. وجاء ذلك في أعقاب تقرير آخر، في يونيو/حزيران، بأن الولايات المتحدة تدرس توسيع قواتها النووية.

كل هذا جزءًا من أجندة الاجتماع الـ79 للجمعية العامة للأمم المتحدة الذي سيعقد هذا الشهر، حيث ستناقش الدول الأعضاء ميثاقًا عالميًا جديدًا. تستخدم مسودة الميثاق كلمة ”السلام“ أكثر من مائة مرة، لكن الضجيج الحقيقي الذي نسمعه هو الحرب، ثم الحرب، ثم الحرب.

توفشو (منغوليا)، دموع الفرح، 2013.

عندما كنتُ مراهقًا في كالكوتا بالهند، كنتُ كثيرًا ما أذهب إلى مسرح غوركي سادان لأشاهد أفلام المخرج السوفيتي أندريه تاركوفسكي التي كانت تتأمل في الحياة ورغبة الإنسان في أن يكون أفضل. أحد هذه الأفلام، ”المرآة“ (1975)، الذي يدور حول فظاعة الحرب، يرتكز على أشعار والد المخرج، أرسيني تاركوفسكي. فمع تصاعد التوترات في أوكرانيا، تحذرنا قصيدة تاركوفسكي الأب ”السبت، 21 يونيو/حزيران“ (في إشارة إلى اليوم الذي سبق هجوم ألمانيا النازية على الاتحاد السوفيتي عام 1941) من تصاعد خطر الحرب:

بقيت ليلة واحدة لبناء الحصون.
إنه بين يدي، الأمل في خلاصنا.

أنا أتوق إلى الماضي؛ حينها يمكنني تحذير
أولئك الذين كُتب عليهم الهلاك في هذه الحرب.

سيسمعني رجل في الشارع المقابل وأنا أصرخ
”تعال إلى هنا الآن وسيتجاوزك الموت“.

كنت سأعرف الساعة التي ستقع فيها الحرب
من سينجو من المعسكرات ومن سيموت.

من سيصبحون أبطالاً تكرمهم الجوائز،
ومن سيموت رمياً برصاص فرق الإعدام.

أرى الثلج في ستالينغراد، جميعه مليئ
بجثث فصائل العدو.

تحت الغارات الجوية، أرى برلين
المشاة الروسية تزحف نحوها.

أستطيع أن أتنبأ بكل مؤامرة للعدو
أكثر من أي نوع من الاستخبارات

وأظل أتوسل ولكن لا أحد يسمعني.
المارة يتنفسون هواءً نقيًا

يستمتعون بأزهار الصيف في يونيو
كلهم غير مدركين للهلاك القادم.

لحظة أخرى – وتختفي رؤياي.
لا أعرف متى أو كيف انتهى بي المطاف هنا.

عقلي فارغ. أنا أنظر إلى سماء مشرقة،
نافذتي لم تلصق بها بعد خطوط متقاطعة.

*نشرت هذه المراسلة لأول مرة باللغة بالإنجليزية بتاريخ 19 سبتمبر/ أيلول 2024.

مشاركة المقال

مقالات ذات صلة