مدار: 14 مايو/ أيار 2022
من المتعارف عليه أن وظيفة السجون في العالم تكمن في تأهيل النزلاء وإعدادهم كي يخرجوا إلى المجتمع أفراداً صالحين. لكن السجون في لبنان، للأسف، لم تؤدِّ كما في العديد من الدول القمعية تلك الوظيفة، بل على العكس.
وترتبط السجون اللبنانية بمفهوم التعذيب وسلب الحريات، حيث يتم نفي السجين لمعاقبته وإذلاله حتى الموت أحياناً، إذ يخرج أغلب السجناء بعد انقضاء مدة عقوبتهم أكثر عنفاً وشراسة بفعل سوء المعاملة، والإهمال المقصود، والاكتظاظ العددي، وغياب الرقابة والإرشاد والرعاية الصحية والاجتماعية والدروس التثقيفية والتعليمية والمهنية. كذلك تُمارس أساليب التعذيب في أماكن احتجاز الموقوفين للتحقيق معهم، بالإضافة إلى المماطلة في محاكماتهم.
ووفقاً للمادة 25 من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، والمادة 11 في العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية فإن: “لكل الأشخاص المحرومين من حريتهم الحق في مستوى معيشي مناسب، بما في ذلك ما يكفي من الغذاء والماء الصالح للشرب والمسكن والملبس والفراش”. إلّا أن هذا الحق يسلب في لبنان، حيث يظهر واقع السجون اللبنانية أنها أصبحت بؤراً لتطوير الجرائم. أما التعاطي الرسمي اللبناني مع موضوع السجون فبقي مقتصراً على المستوى النظري، ولم يدخل حقل التطبيق الفعلي؛ فالحكومات المتعاقبة لا تعطي الأولوية لإصلاح السجون.
وفي تحليل للمتخصص في شؤون السجون عمر نشابة عبر في حديث لـ “بي بي سي” عن أن “ظروف السجون في لبنان تؤدي إلى تعذيب الناس وانتزاع كراماتهم الإنسانية، وهذا يؤدي إلى حالة من الفوضى ومن الإحباط الشديد، ولا يسمح بتحسّن الأوضاع”، محذراً من أن “الخطر ليس فقط خلال وجود المساجين في السجن، بل يستمر أيضاً بعد خروجهم من هناك مع كمٌ كبير من الحقد والشعور بالمظلومية، وهو ما قد يجعلهم يعادون المجتمع والدولة”.
وفي السياق، أعربت اللجنة الفرعية لمنع التعذيب التابعة للأمم المتحدة عن قلقها إزاء الاحتجاز المطوّل السابق للمحاكمة، والاكتظاظ، والظروف المعيشية المؤسفة في أماكن الحرمان من الحرية التي لاحظتها اللجنة خلال زيارتها الثانية إلى لبنان.
وأكّد رئيس بعثة اللجنة الفرعية إلى لبنان، نيكا كفاراتسخيليا، في تصريحٍ صحافي، الخميس، أنه بعد مرور 12 سنة منذ زيارته الأولى إلى لبنان لم تُنفَّذ بعد معظم التوصيات الصادرة عن تلك الجولة، ولم يكن للجهود التي بذلتها الحكومة أي تأثير كبير على وضع الأشخاص المحرومين من حريتهم، لافتاً إلى إن لبنان مازال بحاجة إلى اتخاذ إجراءات قوية وعاجلة في هذا الصدد، للامتثال للبروتوكول الاختياري، وزاد: “يُعَدّ إنشاء آلية وقائية وطنية مستقلة ومزوّدة بالموارد وتعمل على نحو سليم أمراً أساسياً لمنع التعذيب وسوء المعاملة”.
يُذكر أن البعثة زارت لبنان الأسبوع الماضي، لتقييم تنفيذ التوصيات التي قدمتها عقب زيارتها الأولى عام 2010. وشملت الأهداف الأخرى للزيارة التواصل على نحو مباشر مع هيئة الرصد الوطنية المنشأة حديثاً، ودراسة معاملة الأشخاص المحرومين من حريتهم والضمانات المتاحة لهم ضد التعذيب وسوء المعاملة.
وقامت البعثة بزيارات مفاجئة إلى أماكن الاحتجاز، حيث التقت بمسؤولين حكوميين وأعضاء الآلية الوقائية الوطنية وممثلي المجتمع المدني ووكالات الأمم المتحدة.
وأعرب الخبراء أنفسهم عن قلقهم البالغ إزاء استمرار المعضلات في مجال إقامة العدل، والاحتجاز المطوّل قبل المحاكمة، والاكتظاظ، والظروف المعيشية المؤسفة في العديد من أماكن الحرمان من الحرية، موضحين أن اللجنة ستشارك تقريرَها مع لبنان، الذي يتضمن الملاحظات والتوصيات المنبثقة عن هذه الزيارة. و”سيبقى التقرير سرياً ما لم تقرر الدولة الطرف نشره للعامة”.