مدار: 13 أيلول/ سبتمبر 2021
كاترين ضاهر
من المتعارف عليه أن الشرط الأساسي لرفع الدعم في كل دول العالم التي تعاني من أزمات اقتصادية ونقدية هو تأمين بديل للمواطنين، ولاسيما ذوو الدخل المحدود؛ وفي لبنان الذي وصل إلى مرحلة الانهيار الشامل اليوم في مختلف القطاعات، تزعم المنظومة الحاكمة التي عجزت عن وضع خطة إنقاذية أن البديل هو “البطاقة التمويلية”، التي من المفترض أن توزع على العائلات الأكثر فقراً لتلبية احتياجاتها في ظل الوضع الاقتصادي المتردي.
أما برنامج “البطاقة التمويلية”، الذي طال انتظاره منذ أن نالت حكومة حسان دياب الثقة في شباط/ فبراير 2020، فما زال حبراً على ورق، حاله يشبه تأكيدات دياب منذ توليه الحكومة حتى بعد استقالته على أنه “لا رفع للدعم قبل إقرار البطاقة”. إلّا أن هذه الخطابات ترجمت يوم الخميس الماضي 9 أيلول/ سبتمبر صوتياً بإطلاق وزيري الشؤون الاجتماعية والسياحة والاقتصاد والتجارة في حكومة تصريف الأعمال، رمزي المشرفيه، وراوول نعمة، ورئيس التفتيش المركزي القاضي، جورج عطية، مشروع البطاقة التمويلية “برنامج دعم” نظرياً، في مؤتمر صحافي في وزارة الشؤون الاجتماعية، شُرحت خلاله الآلية المتبعة لتقديم الطلب والتسجيل عبر المنصة، في حضور حنين السيد من البنك الدولي، ومستشار رئيس حكومة تصريف الأعمال حسين قعفراني، ومستشار وزير الشؤون عاصم أبي علي.
تستفيد من هذه البطاقة التمويلية التي سميت “بطاقة دعم” حوالي 500 ألف أسرة، لكل فرد منها 25 دولاراً. واستثنى القانون، الذي أقره مجلس النواب في 30 حزيران/ يونيو الماضي، 245 ألف أسرة تقريباً من المستفيدين من برامج أخرى (برنامج دعم الأسر الأكثر فقراً وبرنامج شبكة الأمان الاجتماعي).
“المشروع هو ترقيع، قد يعتبره البعض شرّا لا بدّ منه”
وفي تصريح خاص من مدير مؤسسة البحوث والاستشارات، الخبير الاقتصادي الدكتور كمال حمدان، لموقع “مدار”، حول مدى فعالية هذا المشروع وضرورته، أشار إلى أن “البطاقة التمويلية يعتبرها البعض شرّا لا بدّ منه، لاسيما أن الطبقة السياسية كانت عاجزة عن التعامل مع نتائج الانهيار وإقرار خطة للإنقاذ والتعافي تتضمن كافة الإجراءات التي يمكن أن تدرج في هذه السلة خلال فترة محددة، ومن ضمنها البطاقة التمويلية”، مضيفا: “بما أن السلطة لم تقم بكل هذه الإجراءات، جاء مشروع البطاقة التمويلية كمظلة هبطت من السماء رغم أهميته، إذ لا مفرّ منه أمام التضخم الذي ازداد بنحو 200% إلى 300%، دون تعديل في أجور ومداخيل الناس، إذ إن 60 % من قوى العاملة في لبنان هم من الأُجراء؛ 90% منهم يتقاضون رواتبهم بالليرة اللبنانية، وهؤلاء فعلياً خسروا ثلاثة أرباع مداخيلهم”.
وتابع حمدان في التصريح ذاته: “بما أن الدولة ليست بوارد البتّ في مشروع تصحيح الأجور، خصوصاً قبل تشكيل الحكومة، يحاول أهل السلطة معالجة الأمر بالتي هي أحسن، لذا أقروا زيادة تعويضات النقل ثلاث مرات، فأصبحت 24 ألف ليرة في اليوم بدلاً من 8 آلاف، وحالياً يقرون البطاقة التمويلية التي تصل كحد أقصى إلى 126 دولارا للعائلة الواحدة كالمسكنات، وغير معروف مدى إمكانيات ديمومة هذا المشروع”.
كما أشار الخبير ذاته إلى أن تمويل البطاقة مؤمن فقط لهذا العام؛ قسم منه من البنك الدولي وقسم آخر من صندوق النقد الدوليIMF”، متسائلاً: “بعد هذه السنة، ماذا سيحل بهذا المشروع؟”، وزاد: “وفي جميع الأحول فإن نسبة المبلغ المخصص للمستفيدين أي الـ 126 دولاراً شهرياً للأسرى كحد أقصى، لا تشكل أكثر من 15% أو 20% من الخسارة التي طالت الأجر الوسطي منذ سنتين حتى اليوم، بسبب انهيار الليرة، وانعكاس ذلك على معدلات التضخم. إذاً المشروع هو ترقيع، قد يعتبره البعض لا بدّ منه”.
وشدّد المتحدث ذاته على أن “هناك الكثير من الأسئلة المطروحة، فطالما أن هذا المشروع ليس جزءاً من خطة فهو ذو فعالية محدودة جداً، وقد يرافقه تشجيع لعلاقات زبائنية وشراء الولاءات الانتخابية من خلال فرض وزجّ الأُسر المستفيدة”، مردفا: “هنا أعتقد أن الطبقة السياسية ستحاول التلاعب، مع أن المنظمات الدولية التي تشارك في تمويل هذا المشروع تحاول منع هذه الحالة”.
كما استعرض حمدان بعض الأمور التي كان يجب أن تبت في هذا المشروع، بحسبه، قائلا: “هناك أيضاً موضوع العملة؛ فهل ستدفع بالدولار، أو بالليرة اللبنانية على أساسها الحر، أو على أساس سعر الصرف في السوق السوداء”، مؤكداً أن “هناك شروطا كثيرة غير محسومة بعد، كالتي وردت في الملف التقني الخاص بالتسجيل للاستفادة من هذه البطاقة، مثل تقديم إثباتات وبيانات مطلوبة، تترافق برفع السرية الصرفية عن حساباتهم، وهذه جميعها أمور قد تقلص عدد المستهدفين ما بين 500 ألف و700 ألف أسرة مسجلة على الورق؛ فالمشروع مع الشروط والقيود الخاصة به قد ينتهي إلى أقل بكثير من نصف أو ربع العدد المسجل فعلياً”.
أي قيمة للبطاقة التمويلية؟
كل يوم يمر على اللبنانيين تتفاقم معه الأزمات؛ فالأسعار ترتفع بشكل جنوني وقيمة “بطاقة دعم” تنخفض تدريجياً مقابل الغلاء المعيشي الحاصل. ورغم إقرار قانون البطاقة التمويلية إلا أن تنفيذه راوح مكانه، علماً أن رفع الدعم بدأ فعلياً على الأرض بشكل غير مباشر وتدريجياً.
وتتراوح قيمة هذه البطاقة لكل عائلة حسب وضعها الاقتصادي وعدد أفرادها بين 93 دولارا و127 دولاراً للأسرة كحد أقصى شهرياً، تفقد قيمتها يومياً بسبب رفع الدعم المبطن من جهة، وتحليق سعر الصرف ومعه الأسعار. وعلى سبيل المثال، إذا احتسبنا معدل البطاقة 100 دولار، تكون قيمتها ما يوازي سعر الصرف الحالي، أي نحو مليوني ليرة لبنانية، بالكاد ستكفي لتسديد بعض الفواتير لتأمين أدنى الحقوق كالماء والكهرباء.
واستقبل اللبنانيون إعلان إطلاق البطاقة بـ”مخاوف معروفة، تكمن في المعيار الذي سيتم اختيار العائلات وفقه؛ معيار الفقر كما هو مفترض أو معيار المصالح السياسية، لتتحول هذه البطاقة التمويلية إلى بطاقة رشوة انتخابية بامتياز تتحكم في أصوات الناخبين”، خاصة أن انطلاقها الفعلي سيتزامن مع الاستعداد للانتخابات النيابية، التي ستجرى بتاريخ 8 أيار/ماي 2022، حسب ما صرحت به أم لثلاثة أولاد لـ “مدار”، معلنة عن مخاوفها من عدم إمكانية تأمين أجرة حافلة المدرسة لأولادها هذا العام، التي قد تتعدى 3 ملايين ليرة شهرياً، أي أكثر من ضعف راتب زوجها.
متى يتم الدفع؟
مازال توقيت الدفع للمستفيدين من “بطاقة دعم” مجهولاً، إذ إن موضوع تمويل المشروع لم يحسم بعد. ذلك التخبط يطرح تساؤلات مشروعة؛ فمن أين ستؤمن الخزينة الـ 556 مليون دولار التي أقرها مجلس النواب؟ وهل سيتم الاستعانة بجزء من الـ SDR حقوق السحب الخاصة (Special drawing rights) البالغة قيمتها 860 مليون دولار؟ وما موقف البنك الدولي من الخطوات المتبعة في مشروع “بطاقة دعم” ليطلق بدوره برنامج شبكة الأمان الاجتماعي للعائلات الأكثر فقراً وقيمته الأولية 246 مليون دولار؟.
“بطاقة دعم” أكد الذين أعلنوا عنها ألا استنسابية فيها، وزعموا أيضاً ألا غايات سياسية ولا انتخابية منها، وأن كل مواطن لبناني يستطيع أن يسجل للاستفادة منها، لكن يجب أن يكون متمتعاً بالشروط التي تخوله للاستفادة منها.
وأكد المعنيون أن عملية الاختيار لا تدخل بشرياً فيها، بل هي عملية آلية إلكترونية، بحيث يتم إدخال المعلومات من قبل صاحب العلاقة المسؤول عن الأسرة والنظام الإلكتروني هو الذي يقرر قبول الطلب أو رفضه. أما من يتبين أنه أدخل معلومات خاطئة عن وضعه بهدف الاستفادة من البطاقة قد يتعرض للملاحقة القضائية.
كما أن المسجلين المقبولين سيتم فرزهم من قبل النظام الإلكتروني بين من يستفيد من بطاقة برنامج دعم، ومن يستفيد من البنك الدولي بشبكات الأمان الاجتماعي لمساعدة العائلات الأكثر فقراً على أن تتقاضى مستحقاتها من خلال “بطاقة دعم”؛ لكن لم يحدد إذا ستعطى بالدولار أو ما يوازي سعر الصرف.
من يستفيد؟
يستفيد من “بطاقة دعم” المقيمون في لبنان. وطلب الاستفادة يجب أن يتضمن: رقم الهوية، رقم جواز السفر للتأكد من أن الطالب ليس مقيماً خارج البلد -معلومات عن السيارة التي يمتلكها- رقم التعريف الضريبي المتعلق بضريبة الدخل – الحسابات المصرفية. وسيتم رفع السرية عنها. ويجب أن يفوض رب الأسرة المستفيدة شخصا معيّنا ليتقاضى المبلغ شهرياً.
أما الذين لا يستفيدون من البطاقة فهم من لديهم دخل سنوي يصل إلى 10 آلاف دولار، أو يمتلكون وديعة في المصرف قيمتها 10 آلاف دولار أو 200 مليون ليرة، ومن لديه وديعة 5 آلاف دولار. وأيضاً يستثنى من يملك أكثر من ثلاث سيارات، ومن لديه مساعدة أجنبية في المنزل، إلّا إذا كانت موجودة بهدف مساعدة مسن/ة، ومن لديه بدل إيجار بقيمة 3500 دولار سنوياً.