مدار: 07 نوفمبر/ تشرين الثاني 2024
أعطى الناخبون الأمريكيون أصواتهم لصالح مرشح الحزب الجمهوري، دونالد ترامب، المعروف بتوجهاته اليمينية المعادية للمهاجرين والعرب والمسلمين. بهذا، يضمن رجل الأعمال عودته إلى البيت الأبيض بصفته الرئيس 47 للولايات المتحدة، بعد أن حقق فوزا كبيرا على مرشحة الحزب الديمقراطي ونائبة الرئيس كامالا هاريس. ما الذي حدث حتى ضمن المرشح المثير للجدل تذكرته ثانية؟
الأمر مؤكد. دونالد ترامب سيكون الرئيس المقبل للولايات المتحدة بعد أن ضمن 295 من الأصوات في المجمع الانتخابي مقابل 226 لكمالا هاريس، في انتظار الانتهاء من فرز الأصوات ولايتي أريزونا ونيفادا.
وعلى عكس استطلاعات الرأي التي سبقت الخامس من الشهر الجاري، والتي كانت توشي بمنافسة حارقة بين المتنافسين، إلا أن ترامب نجح في انتزاع أغلبية أصوات الناخبين في جل الولايات المتأرجحة، محققا 72,66 مليون صوت، على حساب هاريس التي اكتفت بـ 68,01 مليون صوت.
دخلت هاريس السباق الانتخابي كمرشحة لحزب “الحمار”، قبل ثلاثة أشهر من الآن بعد أن أظهر الرئيس الحالي جوزيف بايدن أداءً سيئا في الحملة الانتخابية، كان من معالمها التبرعات المتدنية والأرقام الضعيفة التي أظهرتها توجهات استطلاع الرأي، مما وضعه أمام حملة عاصفة لدفعه إلى التنحي والسماح لمرشح آخر بخوض السباق.
ولم تكن نسب التبرعات القياسية التي حصلت عليها هاريس، والتي كسرت معدل المليار دولار، كافية لدفع الأمريكيين إلى التصويت بالقدر الكافي لصالحها.
بالنسبة لباقي المرشحين، فلم يحصلوا على أي صوت من المجمع الانتخابي، لكنهم نجحوا في انتزاع مئات الآلاف من الأصوات لصالحهم، في اقتراعات كل صوت فيها مهم، وبالتالي كان للأمر تأثير على النتيجة العامة للانتخابات.
مرشحة الخضر، جيل ستاين، جاءت في المركز الثالث بعد أن نالت أكثر من 641 ألف صوت، وروبرت كينيدي في المركز الرابع بـ 616 ألف صوت، بينما حصل شايس أوليفر على 576 ألف صوت ليأتي في المركز الخامس، بينما اكتفت كلوديا دي لاكروز، مرشحة حزب الاشتراكية والتحرير بـ 98 ألف صوت لتأتي في المركز السادس.
سبق وأشرنا إلى أن العديد من المرشحين للرئاسيات الأمريكية لا يراهنون على الوصول إلى البيت الأبيض بل على بناء حركة شعبية لمواجهة حكم الأغنياء وتغيير نظام الحزبين المهيمنين.
مع بداية ظهور المؤشرات على أن المرشح الجمهوري سيعود إلى البيت الأبيض، عجت المنصات الإخبارية ومواقع التواصل الاجتماعي بالتحاليل التي تحاول تحديد الدوافع التي رسمت توجهات الأمريكيين.
على العموم، يتمتع كلا الحزبين بقاعدة صلبة من الناخبين، لكن المتأرجحين منهم حسموا في نهاية المطاف النتائج؛ العامل الداخلي لعب دورا مهما، خصوصا الأوضاع الاقتصادية الصعبة التي تعاني منها أوسع الطبقات الشعبية والعمالية بالخصوص، في ظل ارتفاع نسب التضخم والتهاب أسعار السكن، بينما يسود الحنين إلى فترة الولاية الأولى لترامب بين سنوات 2017 و2021، حين سجلت أمريكا نسب نمو مهمة وتراجعا كبيرا في نسب البطالة، تزامنا مع السياسات الحمائية التي اتخذها.
علاوة على ذلك، مازال للخطاب اليميني واليميني المتطرف حضور قوي في الولايات المتحدة، حيث تتزايد المشاعر المعادية للمهاجرين والأقليات والنساء، والمسلمين والعرب أيضا، مدفوعة بالدعاية الإعلامية لليمين المتطرف من نوع خاص، وهو مناخ مساعد لدونالد ترامب المعروف بتوجهاته المغدقة في اليمينية.
ومع ذلك، فقد تغذى مشروع مرشح الحزب الجمهوري على تخبط الإدارة الأمريكية الحالية، التي يقف على رأسها بايدن، رئيس عجوز، ظهرت عليه في كثير من المشاهد علامات من الإرتباك وعدم الإدراك لمحيطه المحسوس والتفوه بكلام متناقض أو حتى غير منطقي، مما دفع بالكثيرين إلى مساءلة سلامته الجسدية والعقلية لأداء مهامه.
وبين تأثيرات الحرب الروسية-الأوكرانية وتداعيات العقوبات الأمريكية والغربية الأحادية الجانب على روسيا، والتي أدت ‘إلى صدمة في الاقتصاد العالمي، واستمرار الحرب الاقتصادية على الصين التي كان بدأها ترامب، فإن الاقتصاد الأمريكي بدأ يعرف تراجعا يلي الآخر على المستوى العالمي مما أثر على المعيشة اليومية للأمريكيين.
وإذا كانت تشير الكثير من التحليلات الموضوعية إلى أن الهيمنة الأمريكية على العالم في تراجع مستمر، فإن ذلك يعني بأن حياة الأمريكيين ستتأثر، ماداموا بالضرورة مستفيدين من سطوة أمريكا على العالم.
من بين العوامل الحاسمة التي ساهمت في تحديد اختيارات الناخبين في الولايات المتأرجحة، هو موقف الإدارة الحالية من حرب الإبادة الجماعية التي يشنها الكيان الصهيوني على الشعب الفلسطيني والعدوان على لبنان، ودعمها العسكري والمالي والسياسي لهذه الجرائم، وهو ما دفع الكثير من الناخبين المسلمين و العرب، إلى التصويت إما لترامب أو لطرف ثالث. وكانت هيئات تمثل المجتمعات المسلمة دعت بشكل مباشر إلى التصويت للمرشحين الذين يدعمون القضية الفلسطينية.
خلال السنوات الأربع الماضية، واجه ترامب الكثير من الاتهامات أمام القضاء، بما فيها ذات الطبيعة الجنائية. لكنه حافظ على حضوره السياسي المثير للجدل، مدعوما من الكثير من رجال الأعمال المؤثرين، كمالك شركة تيسلا وسبايس إكس ومنصة إكس، إيلون ماسك، المعروف أيضا بتوجهاته اليمينية.
كما دغدغ دونالد ترامب مشاعر الكثير من الطبقات الشعبية، بعد أن ظهر أثناء حملته الانتخابية، داخل أحد محلات ماكدونالدز حيث قدم لزبناء الشركة الرأسمالية الشهيرة وجباتهم السريعة، أو لما ظهر على متن شاحنة لجمع القمامة كرد على تصريح لجوزيف بايدن بأن مساندي ترامب “قمامة”، لكن مشاعر التعاطف معه اشتدت بالخصوص لما نجا أمام الكاميرات من محاولة اغتيال محققة، تلتها محاولة ثانية باءت بالفشل.
على صعيد مرتبط، ضمن الحزب الجمهوري الأغلبية في مجلسي النواب والشيوخ في الكابيتول، وهو ما يعني ولاية سهلة، تبسط له السجاد الأحمر لإقرار تشريعات مغدقة في اليمينية، كتهجير ملايين المهاجرين غير النظاميين أو تعيين القضاة الذين يسايرونه في الإجراءات المعادية لحقوق مجتمع الميم والإجهاض وغيرها.
على الصعيد الدولي، من الواضح أن ترامب سيقف بقوة إلى جانب إسرائيل في حرب الإبادة الجماعية التي تشنها في منطقتنا، لكن شكل هذا الدعم ليس واضحا، بينما سيزيد على الأرجح من الضغط على إيران، وتشديد الحرب الإقتصادية والدبلوماسية على الصين، وبالتالي وضع شركاء بكين من العرب بين خياري مسايرة التوجيهات التدخلية لأمريكا أو الانحياز لما يفيد شعوبها من الناحية السياسية والاجتماعية والتي ترجح في العادة كفة الصين؛ أما بخصوص الحرب الروسية-الأوكرانية، فقد سبق لترامب أن توعد بإنهاء الحرب حتى قبل توليه منصب الرئاسة رسميا، لكن كيفية قيامه بذلك لم تتضح بعد. وبدا الأوروبيون متشنجين من عودة ترامب بسبب سياساته السابقة والتي كان يطالبهم فيها بـ “دفع تكاليف حمايتهم”، كما هو الحال لبعض إمارات الخليج ودول “اتفاقات أبراهام”.
تعيين ترامب رسميا كرئيس للولايات المتحدة الأمريكية سيجري بتاريخ 20 كانون الثاني/ يناير 2024.
نقترح عليكم: عشر أطروحات حول اليمين المتطرف من نوع خاص: المراسلة 33 (2024)