قتال جنود رواندا في موزمبيق.. كفاح ضد الإرهاب أم مناورة فرنسية لتأمين عائدات حقول الغاز؟

مشاركة المقال

غلوبتروتر/ مدار: 24 أيلول/ سبتمبر 2021

فيجاي براشاد

كانت موزنبيق شاهدة في يوليوز/ تموز وغشت/ آب على نشر العديد من الجنود الروانديين على أراضيها من أجل قتال “الدولة الإسلامية”، لكن وراء هذه الحملة توارت مناورات فرنسية لمصلحة عمالقة الطاقة.

صورة: 10 تموز/يوليو 2021: جنود وضباط شرطة روانديون يستقلون طائرة من مطار كانومبي بكيغالي في مهمة عسكرية إلى موزمبيق. سيمون وولفارت / وكالة الصحافة الفرنسية.

خرجت الحكومة الرسمية الرواندية في 9 يوليوز/ تموز 2021 بتصريح رسمي جاء فيه أنها نشرت 1000 جندي في موزمبيق لمواجهة حركة الشباب التي سيطرت على مقاطعة كابو ديلجادو الشمالية. لكن بعد شهر من ذلك، وبالضبط في 8 غشت/ آب، استولت القوات الرواندية على مدينة موسيمبوا دي برايا الساحلية، حيث يقع بالقرب منها مصدر ضخم للغاز الطبيعي تمتلكه شركة الطاقة الفرنسية توتال إنرجي، وشركة الطاقة الأمريكية إكسون موبيل.

وأدت هذه التطورات الجديدة في المنطقة إلى إعلان رئيس بنك التنمية الإفريقي، أكينوومي أديسينا، في 27 غشت/ آب أن توتال إنرجي ستعيد تشغيل مشروع الغاز الطبيعي المسال في كابو ديلجادو بحلول نهاية عام 2022.

من الأمور التي لفتت الانتباه في هذا التدخل أن مقاتلي حركة الشباب (أو داعش – موزنبيق، كما تفضل وزارة الخارجية الأمريكية أن تسميها) استسلموا بسرعة واختفوا عبر الحدود التنزانية أو في قراهم في المناطق النائية. في غضون ذلك قامت شركات الطاقة بتعويض استثماراتها وفق مؤشرات تتحدث عن طفرة كبيرة في الأرباح. ويرجع الفضل في ذلك إلى حد كبير إلى التدخل العسكري الرواندي.

هل كان السبب وراء التدخل الرواندي في موزنبيق في يوليوز/ تموز 2021 الدفاع عن الشركتين الرئيسيتين للطاقة؟ تكمن الإجابة في مجموعة غريبة للغاية من الأحداث التي وقعت في الأشهر القليلة التي سبقت مغادرة القوات كيغالي، عاصمة رواندا.

المليارات عالقة تحت الماء

ظهر مقاتلو حركة الشباب لأول مرة في كابو ديلجادو في أكتوبر/ تشرين الأول 2017، وخلال ثلاث سنوات من عمليات الكر والفر مع الجيش الموزمبيقي تمكنوا أخيرا في غشت/ آب 2020 من السيطرة على موسيمبوا دي برايا. بسبب هذه التطورات لم يكن بإمكان الجيش الموزمبيقي وضع حد لحركة الشباب وتأمين استئناف شركتي توتال إينرجي وإكسون موبيل أعمالهما في حوض روفوما، قبالة السواحل الشمالية لموزمبيق، حيث تم اكتشاف حقل ضخم للغاز الطبيعي في فبراير/  شباط 2010.

ومن أجل حسم هذا الوضع قامت وزارة الداخلية الموزمبيقية باستئجار مجموعة من المرتزقة، مثل Dyck Advisory Group (جنوب إفريقيا) وFrontier Services Group (هونغ كونغ) وWagner Group (روسيا)، كما قامت شركة توتال إينرجي وحكومة موزمبيق في أواخر غشت/ آب بتوقيع اتفاقية لإنشاء قوة أمنية مشتركة للدفاع عن استثمارات الشركة ضد حركة الشباب، لكن لم تنجح أي من هذه المجموعات المسلحة في حسم الوضع، وبقيت بذلك الاستثمارات عالقة تحت الماء.

في هذه المرحلة، ونتيجة لعدم تحسن الأمور، أشار رئيس موزمبيق فيليب نيوسي، كما أخبرنا بذلك أحد المصادر في مابوتو، إلى أنه من الممكن أن تطلب شركة توتال إينرجي من الحكومة الفرنسية إرسال وحدة عسكرية للمساعدة في تأمين المنطقة.

 وقد استمرت هذه المناقشات عام 2021. في 18 يناير 2021، تحدثت وزيرة الدفاع الفرنسية، فلورنس بارلي، مع نظيرها في البرتغال، جواو غوميز كرافينيو، عبر الهاتف، حيث ناقشا – كما تم اقتراح ذلك في مابوتو – إمكانية التدخل الغربي في كابو ديلجادو. كما التقى في اليوم نفسه باتريك بوياني، الرئيس التنفيذي لشركة توتال إينرجي، مع الرئيس نيوسي ووزيري الدفاع (خايمي بيسا نيتو) والداخلية (أمادي ميديكيد) لمناقشة “خطة العمل المشتركة لتعزيز أمن المنطقة”، لكن هذا الاجتماع لم يفرز أي جديد. لم تكن الحكومة الفرنسية مهتمة بالتدخل المباشر.

وأخبرنا مسؤول كبير في مابوتو بأن هناك اعتقادا قويا في موزمبيق بأن الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون هو من اقترح نشر القوة الرواندية بدلا من القوات الفرنسية لتأمين كابو ديلجادو. في الواقع، أثبتت الجيوش الرواندية – المدربة تدريبا عاليا والمسلحة جيدا من قبل الدول الغربية، والتي تم منحها الصلاحية الكاملة في التصرف وفق ما تستدعيه الضرورة، حتى لو كان ذلك خارج حدود القانون الدولي – قوتها في التدخلات التي نفذت في جنوب السودان وجمهورية إفريقيا الوسطى.

دور كاغامي في التدخلات العسكرية

تقلد بول كاغامي عدة مناصب في الحكم منذ عام 1994، في البداية كنائب للرئيس ووزير للدفاع، ثم كرئيس منذ عام 2000. وشهدت رواندا تحت حكم كاغامي استهزاء بالمعايير الديمقراطية، بينما عملت القوات الرواندية بلا رحمة في جمهورية الكونغو الديمقراطية.

وأظهر تقرير للأمم المتحدة لعام 2010 حول الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان في جمهورية الكونغو الديمقراطية أن القوات الرواندية كانت وراء مقتل “مئات الآلاف إن لم تكن الملايين” من المدنيين الكونغوليين واللاجئين الروانديين بين عامي 1993 و2003. وفي المقابل رفض كاغامي تقرير الأمم المتحدة، مشيرا إلى أن نظرية “الإبادة الجماعية المزدوجة” هذه أنكرت في رواندا عام 1994. لقد أراد أن يتحمل الفرنسيون مسؤولية الإبادة الجماعية لعام 1994، وكان يأمل أن يتجاهل المجتمع الدولي المذابح في شرق الكونغو.

في 26 مارس 2021، قدم المؤرخ فنسنت دوكلرت تقريرا من 992 صفحة عن دور فرنسا في الإبادة الجماعية في رواندا. وأوضح التقرير أن على فرنسا تقبل – كما عبرت منظمة أطباء بلا حدود – “مسؤوليتها الجسيمة” عن الإبادة الجماعية. لكن التقرير لا يذكر أن الدولة الفرنسية كانت متواطئة في أعمال العنف. سافر دوكلرت إلى كيغالي في 9 نيسان/ أبريل من أجل تسليم التقرير شخصيا إلى كاغامي، الذي قال إن نشره “يمثل خطوة مهمة نحو فهم مشترك لما حدث”.

في 19 أبريل/ نيسان، نشرت الحكومة الرواندية تقريرا كانت أوكلت إعداده لشركة المحاماة الأمريكية ليفي فايرستون ميوز، الذي جاء (التقرير) تحت عنوان قال كل شيء: “إبادة جماعية متوقعة، دور الحكومة الفرنسية في الإبادة الجماعية ضد التوتسي في رواندا”. وفي مقابل ذلك لم ينف الفرنسيون الكلمات القوية الواردة في هذه الوثيقة، التي تقول إن فرنسا سلحت مرتكبي الإبادة الجماعية ثم سارعت لحمايتهم من الرقابة الدولية. ماكرون، الذي كان يكره قبول وحشية فرنسا في حرب التحرير الجزائرية، لم يجادل في رواية كاغامي للتاريخ، وقد كان هذا ثمنا كان على استعداد لدفعه.

ماذا تريد فرنسا؟

في 28 نيسان/ أبريل 2021، زار الرئيس الموزمبيقي، نيوسي، كاغامي في رواندا، وقال لمذيعي الأخبار في موزمبيق إنه جاء للتعرف على تدخلات البلاد في جمهورية إفريقيا الوسطى، وللتأكد من استعدادها لمساعدة موزمبيق في كابو ديلجادو.

واستضاف ماكرون قمة في باريس في 18 أيار/ مايو، كان الهدف المعلن منها هو “السعي إلى تعزيز التمويل في إفريقيا وسط جائحة كوفيد -19″، وحضرها عدد من رؤساء الحكومات، بمن فيهم كاغامي ونيوسي، بالإضافة إلى رئيس مفوضية الاتحاد الإفريقي (موسى فاكي محمد)، ورئيس بنك التنمية الأفريقي (أكينوومي أديسينا)، ورئيس بنك التنمية لغرب إفريقيا (سيرج إيكوي) والعضو المنتدبة لصندوق النقد الدولي (كريستالينا جورجيفا). ومن الأمور الذي تم وضعها على رأس جدول الأعمال الخروج من “الاختناق المالي”؛ لكن ذلك لم يمنع من وجود مناقشات في الاجتماعات الخاصة حول التدخل الرواندي في موزمبيق.

بعد أسبوع، غادر ماكرون في زيارة إلى رواندا وجنوب إفريقيا، وقضى يومين (26 و27 مايو/ أيار) في كيغالي؛ وقام في خضم هذه الزيارة بالتأكيد على النتائج العامة لتقرير دوكليرت، وقام بتوفير 100000 جرعة لقاح كوفيد-19 لرواندا (حيث تلقى حوالي 4% فقط من السكان الجرعة الأولى بحلول وقت زيارته)، وقضى بعض الوقت في التحدث على انفراد مع كاغامي.

 في 28 ماي/ أيار، وفي لقاء جمعه برئيس جنوب إفريقيا سيريل رامافوزا، تحدث ماكرون عن موزمبيق، قائلا إن فرنسا مستعدة “للمشاركة في العمليات على الجانب البحري”، لكنها بخلاف ذلك سينصب تركيزها على العمليات الإنمائية للجنوب الأفريقي (SADC) وغيرها من الدول الإقليمية؛ لكنه لم يذكر رواندا على وجه التحديد.

ودخلت القوات الرواندية الموزمبيق في يوليوز/ تموز، تلتها في ذلك قوات “سادك” التي ضمت قوات من جنوب إفريقيا؛ وبذلك حصلت فرنسا على ما تريد: يمكن لعملاق الطاقة لديها الآن تعويض استثماراتها.

*: تم إنجاز هذا العمل في إطار مشروع غلوبتروتر.

مشاركة المقال

مقالات ذات صلة