فيضان التقشف والكارثة المناخية في البرازيل: المراسلة 22 (2024)

مشاركة المقال

معهد القارات الثلاث للبحث الإجتماعي + مدار: 12 حزيران/ يونيو 2024*

فيجاي براشاد

صورة الواجهة: تجمع بادري جوزيمو.

شهد جنوب البرازيل في ولاية ريو غراندي دو سول، منذ الثامن والعشرين من أبريل/ نيسان، أمطارا غزيرة ورياح عاصفة وفيضانات واسعة النطاق، نتج عنها مقتل 160 شخصا وإصابة 2.3 مليون. وشهد منسوب المياه ارتفاعا كبيرا، تسبب في غمر المنازل والحقول. ولم تُمحى المنازل والذكريات فحسب، بل تعرض الكثير من المحاصيل للتدمير في أكبر ولاية منتجة للأرز في البلاد وأكبر قوة زراعية، ومن المرجح أن تعود آثارها بالسلب على جميع أنحاء البلاد.

تنبأت وكالات الأرصاد الجوية والجهات الرسمية بالحادث بدقة مخيفة. وبعد أسبوع من الفيضان، أشار الخبراء إلى هطول الأمطار غير العادي باعتباره السبب الرئيسي. وكتبت استيل سياس، المديرة التنفيذية لشركة “ميت سول” للأرصاد الجوية: “لم تكن مجرد أمطار غزيرة، بل حدثا استثنائيا بالنسبة للأرصاد الجوية، جميع صفاته فائقة وغير اعتيادية”، وأضافت “إن المطر الذي يبدو لا مناهي، مختلف بشكل غريب عن ما هو طبيعي”. ستأخذ هذه المنطقة من البرازيل وقتا طويلا حتى تتعافى من الفيضان.

تسببت هذه الفيضانات في تدمير العديد من  التجمعات والمخيمات التابعة لحركة العمال بدون أرض”MST” البرازيلية، التي نشرنا عنها ملفا في الشهر الماضي احتفالا بالذكرى الأربعين لتأسيسها. ولدت هذه الحركة من رحم النضال من أجل الأرض في ريو غراندي دو سول، حيث تحتفظ بحضور قوي وأصبحت مركز إنتاجها للأرز الإيكولوجي. هي الحقول نفسها التي زرعت فيها الـ “MST” حولي 13 طنا من الغذاء الذي تم التبرع به لغزة منذ تشرين الأول/ أكتوبر حتى كانون الأول/ ديسمبر من العام الماضي، وأكثر من 6 آلاف طن من الغذاء الذي تبرعت به للمجتمعات المحتاجة خلال فترة وباء كوفيد-19، حسب ما أشرنا إليه في ملفنا. تضررت الكثير من هذه الحقول، فضلا عن المرافق المستخدمة لمعالجة المحاصيل بسبب الفيضانات، كما فقد سكان تجمعات حركة العمال بدون أرض مثل “أبولونيو دي كارفاليو” و”انتيجراساو غاوتشا” كميات هائلة من مواردهم.

الصورة المدرجة في هذه المراسلة مأخوذة من تقرير المعهد الوطني البرازيلي للاستعمار والإصلاح الزراعي “INCRA”، وهي صور تم التقاطها باستخدام الأقمار الصناعية من برنامج M.A.I.S البرازيلي، من وزارة العدل والأمن العام، بحيث تظهر بعض أراضي الت “MST” قبل الفيضانات وبعدها- وهي الآن مغمورة بمياه الفيضانات التي جرفت المواد السامة إلى داخل التربة. لم تركز “MST” جهود الإغاثة على أعضائها فقط بل أيضا على سكان المنطقة الذين فقدوا كل شيء في مواجهة ارتفاع منسوب المياه الذي لا يمكنهم الهروب منه. إذا كنتم تريدون مساعدة “MST” في جهودها للإغاثة من الفيضانات وإعادة بناء المستوطنات، يمكنكم القيام بذلك من هنا.

تجمع سانتا ماريا

حذرت المعمارية البرازيلية ميما فيلترن، معتمدة على عمل أستاذ الهيدرولوجيا كارلوس توتشي، بعد الفيضانات التي شهدتها بورتو أليغري العام الماضي من أن ريو غراندي دو سول تواجه خطرا وشيكا بحدوث فياضانات مساوية أو أكثر خطورة من الفيضانات التاريخية التي حدثت في 1941 و1967. وكان حذر وبشكل متكرر كل من الباحثين كأمثال توشي وفليرتين من التهديدات التي تلوح في الأفق لتغير المناخ الناجم عن انبعاثات الكربون في جميع أنحاء العالم، فضلا عن أوجه القصور في السياسات التي وضعها السياسيون المستهترون الذين ينكرون تغير المناخ.

لم تكن الفيضانات في ريو غراندي دو سول الوحيدة التي شهدها العالم في 2023، فقد غمرت المياه أيضا درنة في ليبيا ووسط اليونان وجنوب الصين وشمال نيفادا في الولايات المتحدة وشمال شرق تركيا. إن التفسير المباشر لهذه الفيضانات هو أنها ناجمة عن تغير المناخ الناتج عن انبعاث غاز ثاني أكسيد الكربون، الذي تفاقم بسبب رفض حكومات الشمال العالمي احتواء انبعاثات الكربون الضخمة؛ ولكن التفسير الأوسع هو أن هذه الكارثة المناخية نتاج النمو الرأسمالي المتهور، خصوصا في المدن الواقعة ضمن المناطق التي يتوقع أن تكون خطرة للسكن (مثل التجمعات السكنية الساحلية المنخفضة المبنية بجوار غابات المانغروف المتوحشة والمناطق التي تشهد تدفق الأنهار المُدار بشكل سيئ أو بجانب الغابات التي تواجه فترات طويلة من الطقس الجاف).

إن تفاقم الوضع راجع بالأساس إلى النقص المتفشي في تمويل الهيئات التنظيمية البيئية، والتقليص المتعمد للميزانيات الموجهة للحفاظ على البنية التحتية وضمان نشاطها، والتي تشكل أهمية بالغة لحماية الناس من الأحداث المناخية الضارة. مع الفيضانات في ليبيا على سبيل المثال، فإن الدولة المدمرة بالفعل بسبب القصف العنيف الذي شنته منظمة حلف شمال الأطلسي عام 2011 وغرق البلاد في الفساد والارتباك، تم إهمال سدود درنة المتهالكة، وقد ظهرت العديد من المؤشرات التي تبرز أن الجنوب البرازيلي تعاني من نفس المشاكل على مدار العقود الماضية.

تجمع سينو

قضى على آخر رئيسين لبلدية بورتو اليغري ، نيلسون ماركيزان جونيور(2017-2021) وسيباستياو ميلو (2021 – حتى الآن)، وحاكم ريو غراندي دو سول، إدواردو ليتي (2019 – أيار/ مارس 2022 ومن ثم كانون الثاني/ يناير 2022 حتى الآن) ولاياتهم في تقويض المؤسسات الأساسية لادارتهم. على سبيل المثال، انتهك الحاكم ليتي 480 قاعدة من قواعد قانون البيئة في ولايته كجزء من الأجندة المناهضة للبيئة التي كان ينتهجها الرئيس اليميني المتطرف جايير بولسونارو (2019-2022)، وفي الوقت نفسه، تجاهل العمدة ماركيزان جونيور الحاجة إلى تمويل البنية التحتية للوقاية من الفيضانات، بما في ذلك تجديد ثلاثة عشر مضخة كانت تشكل محور نظام الصرف الصحي في بورتو أليغري، وأغلقت إدارته مصلحة أنظمة الصرف الصحي بالكامل، التي تم إنشاؤها في عام 1973 لإدارة الصرف الصحي. كما خفض ماركيزان جونيور وميلو، إلى جانب سلفهما خوسيه فورتوناتي، عدد الموظفين في الإدارات التي تدير أنظمة الصرف الصحي والمياه.

يتبنى أشخاص مثل ليتي وماركيزان جونيور وميلو موقفا يتجاهل غالبية السكان، وموقفا يتسم بأعلى درجات الاحترام للحسابات المصرفية الخارجية للأثرياء وأصدقائهم، وطبقة المستثمرين الغربيين. لقد تم تنصيبهم من قبل كبار رجال الأعمال البرازيليين من أجل تعزيز مصالحهم عبر مجموعات مثل المعهد الليبرالي الذي أنشئ عام 1983 لتعزيز الأفكار الليبرالية الجديدة لفريدريك هايك ولودفيغ فون ميزس ومن قبل الدكتاتورية العسكرية (1964 – 1985) مثل وزيري الاقتصاد روبرتو كامبوس وهيليو بيلتراو. تم جلب هذه الأفكار الى كنف التيار السائد في البلاد من قبل رئيس البرازيل السابق فرناندو هنريك كاردوسو (1995-2003)، حيث استخدمت خطته لإصلاح جهاز الدولة (1995) فكرة “التحديث” لتقويض مؤسسات الدولة وبدء ما أسمته البروفيسورة إيلين روسيتي بيرينغ، فترة ” التكيف المالي الدائم”. إن كاردوسو وليتي وماركيزان جونيور وميلو هم رجال التقشف وأنصار الثورة المضادة ضد الإنسانية.

تجمع فيلهوس دي سيبي

عندما تحل الكارثة، كما حدث في ريو غراندي دو سول، يسارع المسؤولون الليبراليون الجدد إلى إلقاء اللوم على تغير المناخ، كما لو كان نوعا من الحتمية التي لم يكن لهم دور فيها. بالرغم من ذلك، فإنه وعندما يتعلق الأمر بالمناخ، فإنهم أول من يدفعون بأجندة شركات الوقود الأحفوري و يروجون لأفكار وسياسات ترقى إلى مستوى إنكار تغير المناخ. إن إنكارهم يفتقر لأي أساس علمي، ويقوم على المصالح الطبقية التي تعطي الأولوية للشركات الكبرى على مصلحة الناس والكوكب. ليس لديهم أي حجج علمية لتفسير الكارثة المناخية، حيث لا يوجد أي أساس علمي للإنكار الذي يسعى في تجاهل تام لمصير الكوكب إلى ضمان التوزيع التصاعدي للثروة.

عاش الشاعر البرازيلي ماريو كينتانا (1906 – 1994) منذ العام 1968 حتى العام 1980، في فندق ماجستيك في بورتو أليغري، حيث كتب قصائد جميلة عما اسماه ” الأشياء البسيطة”. قبل وفاته بفترة وجيزة، قام أنصاره وأصدقاؤه ببناء دار ماريو كينتانا للثقافة في فندق ماجستيك الذي اشترته حكومة الولاية واعادوا ترميمه وتحويله إلى مركز ثقافي في الثمانينات. وأصبح هذا الفندق، منزل كينتانا، ملاذا للكتاب والفنانين لعرض أعمالهم، وقد غمرته فيضانات هذا العام.

في عام 1976، ومن ذلك الفندق، كتب كينتانا “الفيضان العظيم” مستلهما فيضانات عامي 1941 و1967:

جثث الأوفيليا والكلاب النافقة
توقفت للحظات على أبوابنا
على الرغم من ذلك، دائما تحت رحمة الدوامة
سيستمرون في طريقهم المجهول

عندما يصل الماء إلى أعلى النوافذ
سأرسم ورود النار على وجوهنا الصفراء
فيمَ يهم ما هو آتٍ؟
المجانين ينجون من كل شيء
ويسمحون لأنفسهم بكل شيء

دعينا ننطلق يا أرواح الآلهة.
فَوْقَ الْمِيَاهِ نَنْزَلِقُ
يقول البعض إننا مجرد غيوم.
وَآخَرُونَ، قَلِيلُونَ، يَقُولُونَ بِأَنَّنَا نَمُوتُ بِتَزايد،
لكنني لا أستطيع أن أرى، في الأسفل، موتانا.

وعبثاً أنظر حولي.
أين أنتم أيها الأصدقاء
منذ الأيام الأولى والأخيرة؟
علينا، علينا، علينا، علينا أن نستمر معًا.
وهكذا، في فكرة واحدة أخيرة مخففة
أشعر أن بكائي ما هو إلا شهقة ريح.

*نشرت هذه المراسلة لأول مرة باللغة بالإنجليزية بتاريخ 30 أيار/ مايو 2024.

مشاركة المقال

مقالات ذات صلة