غلوب تروتر + مدار: 13 كانون الأول/ ديسمبر 2024*
فيجاي براشاد
رغم أن القوات المتمردة بقيادة هيئة تحرير الشام استولت على العاصمة السورية دمشق، في السابع من ديسمبر/ كانون الأول 2024، إلا أنه وفي الوقت نفسه صعد الرئيس السوري بشار الأسد على متن طائرة متوجهة إلى موسكو، روسيا. كان هذا بمثابة إعلان عن نهاية حكم عائلة الأسد الذي بدأ مع حافظ الأسد (1930-2000) عند توليه الرئاسة عام 1971، ليستمر حكم العائلة عبر ابنه بشار منذ عام 2000 — وهي فترة حكم امتدت 53 عامًا. تم تشكيل هيئة تحرير الشام، التي استولت على دمشق، من بقايا فرع القاعدة في سوريا، جبهة النصرة (جبهة فتح الشام)، عام 2017، بقيادة أميرها أبو جابر الشيخ وقائدها العسكري أبو محمد الجولاني.
على مدار السنوات السبع الماضية كانت هيئة تحرير الشام محاصرة في مدينة إدلب شمال سوريا. أنشأت مجموعة من قدامى مقاتلي القاعدة عام 2014 جماعة خراسان (التي كان يقودها سامي العريدي)، وكان هدفها السيطرة على المدينة والحركات الإسلامية. حاولت جبهة النصرة خلال العام التالي تشكيل تحالفات مع قوى إسلامية أخرى، وبالأخص أحرار الشام، من أجل حكم المدينة، لكن التدخل العسكري الروسي في 2015 أدى إلى تقليص قدرة هذه الجماعات على التقدم خارج إدلب، وهو ما تسبب في الانفصال الرسمي للعديد من الإسلاميين عن القاعدة في عام 2016 وإنشاء هيئة تحرير الشام في كانون الثاني/ يناير 2017. أما بالنسبة لأولئك الذين بقوا مرتبطين بالقاعدة فقد شكلوا تنظيم “حراس الدين”. ومع نهاية العام كانت هيئة تحرير الشام انتزعت المبادرة وأصبحت القوة الرئيسية في إدلب، واستولت على المجالس المحلية في المدينة وأعلنت نفسها كمسؤولة عن تشكيل حكومة الإنقاذ السورية. وعندما تحرك الجيش العربي السوري، القوة العسكرية للحكومة، نحو إدلب أوائل عام 2020، غزت تركيا شمال سوريا لدعم الإسلاميين، لينتهي هذا الغزو بتوقيع روسيا وتركيا في مارس/ آذار اتفاق وقف إطلاق النار، الذي سمح لهيئة تحرير الشام وغيرها من الجماعات بالبقاء في إدلب دون أضرار كبيرة. وأعادت هيئة تحرير الشام بناء صفوفها من خلال التحالفات مع القوات المدعومة من تركيا، ومع مقاتلين من مختلف أنحاء آسيا الوسطى (بما في ذلك العديد من المقاتلين الإيغور من حزب تركستان الإسلامي).
عملية “ردع العدوان”، التي أطلقتها هيئة تحرير الشام في نوفمبر/ تشرين الثاني 2024 بدعم من تركيا وإسرائيل اجتاحت طريق “M5” السريع من حلب إلى دمشق في حوالي أربعة عشر يوما، كما انهار الجيش السوري أمامهم وفتحت أبواب دمشق دون إراقة دماء كبيرة.
الهجوم الجهادي الخاطف
تم التنبؤ بهذا النصر المفاجئ لهيئة تحرير الشام في نوفمبر/ تشرين الثاني من قبل المسؤولين الإيرانيين، الذين أبلغوا الأسد عن ضعف دفاعات الدولة بسبب الهجمات الإسرائيلية المستمرة على مواقع الجيش السوري، والغزو الإسرائيلي للبنان، والحرب في أوكرانيا. وخلال لقاء وزير الخارجية الإيراني عباس عراقجي بالأسد في دمشق بعد سقوط حلب في يد المتمردين قال الأسد لعراقجي إن هذه ليست هزيمة بل “انسحابا تكتيكيا”، لكن ذلك كان وهما بوضوح، في وقت عبر عراقجي للأسد، وهو على علم بذلك، عن أن إيران ببساطة لم تكن قادرة على إرسال قوات جديدة للدفاع عن دمشق. هذا وتم إبلاغ الحكومة السورية بأن الروس ليس لديهم القدرة الفائضة للدفاع عن الحكومة، ولا حتى القاعدة البحرية الروسية في طرطوس. وخلال تقدم هيئة تحرير الشام ضد الجيش السوري، قال المبعوث الرئاسي الروسي إلى سوريا ألكسندر لافرينتيف إنه كان على اتصال مع الإدارة المقبلة بقيادة ترامب لمناقشة صفقة بين “جميع الأطراف” بشأن النزاع السوري. لم يعتقد الروس ولا الإيرانيون أن حكومة الأسد ستكون قادرة على هزيمة المتمردين بشكل أحادي وإخراج الولايات المتحدة من احتلالها للحقول النفطية الشرقية. كانت الصفقة هي الطريقة الوحيدة للخروج، ما يعني أنه لا إيران ولا روسيا كانتا على استعداد لإرسال المزيد من القوات للدفاع عن حكومة الأسد.
نفذ سلاح الجو الإسرائيلي منذ عام 2011 عدة ضربات ضد قواعد عسكرية سورية، بما في ذلك القواعد التي كانت تضم قوات إيرانية. وقد أدت هذه الضربات إلى تقليل قدرة الجيش السوري عن طريق تدمير الذخائر والمعدات. ومنذ أكتوبر 2023 زادت إسرائيل من ضرباتها داخل سوريا، بما في ذلك استهداف القوات الإيرانية، والدفاعات الجوية السورية، ومنشآت إنتاج الأسلحة السورية. وشهد الرابع من ديسمبر/ كانون الأول اجتماع رؤساء الأركان العسكريين من إيران (رئيس الأركان اللواء محمد باقري)، والعراق (اللواء يحيى رسول)، وروسيا (وزير الدفاع أندريه بيلوسوف)، وسوريا (الجنرال عبد الكريم محمود إبراهيم) لتقييم الوضع في سوريا، حيث ناقشوا تحركات هيئة تحرير الشام من حلب واتفقوا على أن هذا كان “سيناريو خطيرًا” في ظل وقف إطلاق النار الهش في لبنان وضعف قوات الحكومة السورية؛ ورغم أنهم قالوا إنهم سيدعمون الحكومة في دمشق لم يتم اتخاذ أي خطوات ملموسة من جانبهم. وفي الوقت نفسه زادت الهجمات الإسرائيلية داخل سوريا، ما أدى إلى زيادة الإحباط داخل الجيش السوري، الذي لم يتم إعادة تنظيمه بشكل صحيح بعد الجمود الذي بدأ مع المتمردين في إدلب عام 2017.
وأصرت القيادة العسكرية الروسية، عندما دخلت النزاع في سوريا عام 2015، على أن لا تسمح الحكومة السورية للمليشيات الموالية لها (مثل كتائب البعث والشبيحة) بالعمل بشكل مستقل. بدلاً من ذلك، تم دمج هذه الجماعات في الفيلق الرابع والخامس تحت القيادة الروسية. وفي الوقت نفسه نظم الضباط الإيرانيون كتائب خاصة بهم من الجنود السوريين، ما أدى إلى تراجع الأوضاع الاقتصادية للجنود وتسريع حالة الإحباط بسبب القيادة الأجنبية. حتى إن الحرس الجمهوري، المكلف بحماية دمشق وخاصة القصر الرئاسي، فقد الكثير من قوته التاريخية.
لم تبسط الحكومة السورية في أي وقت بعد عام 2011 سيطرتها على الأراضي السورية بالكامل. استولت إسرائيل منذ عام 1973 على هضبة الجولان، ثم في عام 2011 امتدت تركيا إلى مناطق الحدود الشمالية لسوريا، بينما كانت قوات المقاومة الكردية (YPG و PKK) شكلت منطقة على طول الحدود السورية-التركية، في وقت سيطر المتمردون على شمال غرب سوريا، الذين شملوا ليس فقط هيئة تحرير الشام، ولكن أيضا مجموعة من المليشيات المدعومة من تركيا. وكان شمال شرق سوريا محتلا من قبل الولايات المتحدة، التي تولت السيطرة على حقول النفط، حيث كانت القوات الأمريكية تواجه تنظيم الدولة الإسلامية، الذي تم دفعه خارج شمال العراق وشمال شرق سوريا، لكنه استمر في الظهور بين الفينة والأخرى؛ في حين كانت الحكومة السورية أبرمت سلسلة من الاتفاقيات العاجلة مع المتمردين لتوفير مظهر من السلام. في مدن مثل بصرى الشام، درعا، حوران، وطفس، لم تكن الحكومة قادرة على إرسال أي من مسؤوليها؛ هذه المناطق، مثل إدلب، أصبحت تحت سيطرة المتمردين. عندما تحركت هيئة تحرير الشام نحو دمشق انتفض المتمردون في الجنوب وكذلك في الطرف الشرقي للبلاد على الحدود مع العراق. أصبحت حقيقة ضعف الأسد واضحة.
ميزة إسرائيل
كما لو كان ذلك بتنسيق مُحكم، توجه رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو إلى هضبة الجولان المحتلة، التي استولت عليها إسرائيل من سوريا عام 1973، وأعلن: “اليوم هو يوم تاريخي في تاريخ الشرق الأوسط”، ثم قال إن حكومته أمرت الجيش الإسرائيلي بغزو المنطقة العازلة التابعة للأمم المتحدة التي تقع بين مناطق الاحتلال الإسرائيلي للجولان ونقاط الجيش السوري التي تم إنشاؤها خلال هدنة 1974. وتحركت الدبابات الإسرائيلية إلى ريف محافظة القنيطرة واستولت على البلدة الرئيسية. تم تغيير الوضع عند الحدود بين إسرائيل وسوريا الآن من خلال هذا الغزو، حيث تحركت إسرائيل عدة كيلومترات داخل الأراضي السورية للسيطرة على طول الحدود تقريبًا.
خلال الأيام الأخيرة من تقدم هيئة تحرير الشام نحو دمشق قدم سلاح الجو الإسرائيلي دعمًا جويا للمتمردين، وقاموا بقصف القواعد العسكرية ومقرات المخابرات السورية وسط دمشق بحجة أنهم أرادوا تدمير مستودعات الأسلحة قبل أن يستولي عليها المتمردون. استهدفت إسرائيل قواعد كانت تضم قوات سورية ومخزونات أسلحة قد يستخدمها الجيش السوري في الدفاع عن دمشق (وكان من بين هذه الأهداف قاعدة المزة الجوية). وقد صرح المسؤولون الإسرائيليون بأنهم سيستمرون في هذه الضربات الجوية، لكنهم لم يحددوا من يعتزمون استهدافه.
تصاعد الهجوم الإسرائيلي على سوريا خلال حركة الاحتجاجات عام 2011، ومع انتشار القتال بين المتمردين والحكومة السورية في جنوب سوريا، بالقرب من الحدود الإسرائيلية، بدأت إسرائيل إطلاق النار عبر الحدود على القوات السورية. في مارس 2013، على سبيل المثال، أطلقت إسرائيل صواريخ على مواقع عسكرية سورية، ما أضعفها وعزز المتمردين، وفي نهاية عام 2013 أنشأت إسرائيل الفرقة 210، وهي قيادة عسكرية خاصة، لبدء المواجهات على طول خط هدنة إسرائيل-سوريا. ومن المهم الإشارة إلى أنه عندما بدأت جبهة النصرة، التي كانت تابعة للقاعدة، في إحراز تقدم على طول خط السيطرة الإسرائيلي، لم تهاجمها إسرائيل، وبدلا من ذلك استهدفت الحكومة السورية من خلال إسقاط طائرات القوات الجوية السورية واغتيال كبار حلفاء سوريا (مثل الجنرال الإيراني محمد علي الله دادي في كانون الثاني/ يناير 2015، وسمير القنطار، أحد قادة حزب الله، أواخر 2015). وقال أحد موظفي الإعلام السابقين في دمشق لي إن الإسرائيليين قدموا فعليا الدعم الجوي لعملية هيئة تحرير الشام ضد العاصمة.
مستقبل سوريا
غادر الأسد سوريا دون أن يعلن أي شيء. ويشاع من قبل مسؤولين حكوميين سابقين في دمشق أن بعض القادة الكبار غادروا معه أو توجهوا إلى الحدود العراقية قبل سقوط دمشق. لقد أدهش صمت الأسد العديد من السوريين الذين كانوا يعتقدون أساسًا أن الدولة ستحميهم من هجوم جماعات مثل هيئة تحرير الشام. إن عدم دفاع الحرس الجمهوري عن المدينة وتركه دون أي كلمات تشجيع لشعبه يعد علامة على انهيار حكومة الأسد.
البلاد منقسمة بشأن الحكومة الجديدة. بعض قطاعات السكان التي شهدت تدهورا في سبل حياتها بسبب الحرب والعقوبات ترحب بالفتح، وقد خرجوا إلى الشوارع للاحتفال بالوضع الجديد. لكن السياق الأوسع للشرق الأوسط ليس همهم الفوري، رغم أنه قد يتغير بناءً على تصرفات إسرائيل. هناك قسم كبير من الناس قلقون بشأن سلوك الإسلاميين الذين يستخدمون مصطلحات تحقيرية ضد المسلمين غير السنة مثل “النصيرية” (الطائفة العلوية، عائلة الأسد) و”الروافض” (مثل الطائفة الشيعية الكبيرة في سوريا). استخدام مصطلحات مثل “أهل الباطل” أو “الضائعين” واستعمال لغة سلفية قوية حول الردة وعقوبتها يثير الخوف لدى أولئك الذين قد يكونون هدفًا للهجمات. من غير الواضح ما إذا كانت الحكومة الجديدة ستتمكن من السيطرة على قواتها المدفوعة بهذا الفكر الطائفي.
مثل هذه الطائفية هي مجرد بداية للتناقضات التي ستظهر على الفور. كيف ستتعامل الحكومة الجديدة مع التدخلات الإسرائيلية والتركية والأمريكية في الأراضي السورية؟ هل ستسعى إلى استعادة تلك الأراضي؟ ما هي علاقة الحكومة السورية بجيرانها، خاصة لبنان؟ هل سيعود ملايين اللاجئين السوريين إلى وطنهم الآن بعد أن تم إزالة الأساس لتهجيرهم؟ وإذا عادوا، ما الذي سيجدونه في داخل سوريا؟ والأهم من ذلك، ماذا يعني كل هذا بالنسبة للإبادة الجماعية المستمرة للفلسطينيين على يد الإسرائيليين؟.
* نشر هذا المقال لأول مرة باللغة الإنجليزية بتاريخ: 11 كانون الأول/ ديسمبر 2024.أنجز هذا المقال من طرف غلوب تروتر.