عزل القضاة في تونس.. تطهير من الفساد أم تطويع لمؤسسة القضاء؟

مشاركة المقال

مدار: 08 حزيران/ يونيو 2022

في ظل الحركية التي تشهدها تونس بالتزامن مع الانتخابات المقررة في يوليوز/ تموز المقبل، الذي حدد الرئيس قيس سعيد الـ25 منه موعدا من أجل الاستفتاء حول دستور مازالت لم تظهر معالمه بعد، تعرف العديد من المؤسسات وضعا صعبا.

ومن ضمن الأمور التي استجدت في الآونة الأخيرة قيام الرئيس قيس سعيد بتنحية 57 قاضيا من خلال مرسوم رئاسي صدر في الرائد الرسمي، وتم تنفيذه بشكل عاجل.

حيثيات القرار

شهدت اللائحة التي قام قيس سعيد بتنحيتها تواجد أسماء العديد من القضاة الذين طالما تابعتهم مطالب من أجل محاكمتهم في قضايا تتعلق بالتستر وتكبيل القضاء في العديد من القضايا، ولعل أهمها ملفات الإرهاب التي لم يتم التقدم فيها، وبالأخص في ظل تواجد العديد من القضاة المتهمين بقربهم من حركة النهضة وبعض المستفيدين من الريع.

لكن ما أثار اللغط في القرار أن الرئيس قام بتنحية المعنيين دون أن تكون لهم إمكانية اللجوء إلى القضاء من أجل إبراء ذمتهم، ودون فتح ملف مسبق في الاتهامات الموجهة إليهم، التي لا يعرفون حولها إلا ما قاله الرئيس في لقاءاته المتكررة عن الفساد والتستر وتهم جديدة، مثل “الزنا”، حسب قول سعيد.

ويحمل المرسوم المذكور تشديدا على أنه لا يمكن الطعن في القرار إلا بعد استيفاء جميع أطوار المحاكة؛ ما يعني أن القرار يؤشر على أن التهمة ثابتة إلى أن يتبين العكس.

ويرى المتخصصون أن الأمر سيتطلب إذا ما تم المرور عبر الحكم الأول ثم الاستئناف ما يزيد عن الثلاث سنوات، أما إذا تم بعد ذلك اللجوء إلى محكمة التعقيب فإننا نتحدث عن 5 سنوات من التقاضي، قبل أن يتمكن القضاة من الطعن في القرار؛ وهو الأمر الذي سيضع المعنيين في وضع هش ستتضرر منه عديد العائلات.

اتهامات وتلفيق قضايا

رغم أن هناك إجماعا على عدد من القضاة الذين تمت تنحيتهم، كما قلنا سابقا، دون النظر إلى أن الطريقة تتعارض واستقلال القضاء، إضافة إلى ضوابط المحاكمة العادلة، إلا أن العديد من القضاة تم استهدافهم حسب العديدين بسبب عدم رضوخهم لطلبات الرئيس ومسايرته في المسار الذي يتخذه.

ومن ضمن هؤلاء القضاة قاضية تم اتهامها بشكل عام من قبل الرئيس بـ”الزنا”، قبل أن تنبري الصفحات المؤيدة له إلى ذكر اسمها ووصفها بمختلف الأوصاف. لكن هذه القاضية (خ.ب.خ) قالت في مؤتمر صحافي إن الأمر لا علاقة له بالتهم التي تم الحديث عنها.

وضمن هذه الندوة، التي بدا فيها على القاضية المعنية التأثر الكبير، أشارت إلى أن الأمر يتعلق برفضها تفويت مشروع معين لأخت الرئيس قيس سعيد، وهو الأمر الذي دفع قريبة الرئيس إلى تهديدها بالعزل، حسبها.

وفي خروج إعلامي لرئيس جمعية القضاة التونسيين، أنس الحمايدي، عبر عن أن القضاة مصدومون من القرار، وقد دخل العديد منهم في حالة هستيرية، موردا أنهم يشعرون بأنهم استهدفوا نظير عدم رغبتهم في تجاوز القانون لصالح بعض قرارات الرئيس.

وأكد المتحدث ذاته أن القضاة مستعدون للمحاكمة، لكن يجب أن يستفيدوا من فرصة الدفاع عن أنفسهم، مطالبا بتحديد الاتهامات وإخراج الملفات التي يتم الحديث عنها في كل مرة دون أن يكون هناك أي شيء ملموس.

وأضاف رئيس القضاة أن ما وقع هو “تصفية حسابات ومن أجل تخويف القضاة الآخرين”، مردفا بأن “الأمر يتعلق بأنه إذا لم يمتثل القضاة لأوامر الرئيس فبإمكانه بجرة قلم إنهاء مشوارهم وتشريد عائلاتهم”، ومؤكدا عزمهم القيام بإضراب لأسبوع قابل للتمديد.

إضراب قابل للتمديد يشل المحاكم

في خطوة من القضاة كرد فعل على القرار الذي اتخذه الرئيس، تم إعلان إضراب لمدة أسبوع قابل للتمديد، مع التأكيد على أنهم لن يقفوا متفرجين على ما يحدث في وقت يتم الدوس على استقلالية القضاة.

هذا الأمر تجاوب معه الرئيس بكل برود، من خلال إعلانه عن أنه يجب الاقتطاع من رواتب المضربين، والنظر في ما يترتب عن ذلك قانونيا.

هذه المطالب وجدت آذانا صاغية لدى قادة “الحملة التفسيرية” الخاصة بقيس سعيد ومؤيديه من خلال مناداتهم بتنحية من لم يستجيبوا لقرار العودة، وتعويضهم بمحامين، موردين أن القانون يضمن ذلك في حالة الفراغ.

وفي السياق ذاته قامت العديد من منظمات المجتمع المدني بانتقاد القرار الذي طال قاضيتين، وما تلاه من تشهير، مطالبة بحفظ كرامة النساء وحرمتهن المعنوية، داعية الرئيس إلى “الاعتذار” منهما؛ قبل أن تعود هذه المنظمات وتذكر في الأخير أن أمر التنحية “سياسي بدرجة أولى”.

مشاركة المقال

مقالات ذات صلة