طريق الهجرة المميت من القرن الإفريقي إلى شبه الجزيرة العربية

مشاركة المقال

Share on facebook
Share on twitter
Share on email

لينيا إنترناسيونال + مدار: 16 آب/ أغسطس 2025

بقلم: غوادي كالفو*

لا يُمنح اهتمام إعلامي كبير لما يحدث على طول طرق الهجرة، التي كانت وستظل تنقل مئات الآلاف من المهاجرين، من إفريقيا إلى أوروبا. أغلبهم قادمون من بقية القارة، وإن كان بينهم آسيويون وحتى أمريكيون لاتينيون.

إن الموارد المالية والمادية التي صرفتها الاتحاد الأوروبي لإغلاق تلك الطرق، عبر تشجيع وتمويل سياسات قمعية تتبعها حكومات المغرب أو تونس أو ليبيا أو مصر ضد موجات المهاجرين الذين يصلون إلى شواطئها للانطلاق نحو البحر المتوسط، أو كما يحدث أيضاً من موريتانيا أو السنغال باتجاه جزر الكناري، تظل دائماً أقل من الأسباب التي تدفعهم إلى التخلي عن كل شيء بحثاً عن الهروب من ذلك الجحيم الذي صنعته سياسات الولايات المتحدة وشركائها الأوروبيين في بلدانهم.

يصل اليأس بهؤلاء المهاجرين إلى درجة أنهم لا يترددون في قطع آلاف الكيلومترات عبر الصحاري، حيث يتركهم تجار البشر في كثير من الأحيان ليموتوا من الجفاف أو الجوع، وهو أحد أكثر الخيارات رأفة. هناك أيضاً احتمال أن يُختطفوا في منتصف الطريق، مما يضطر عائلاتهم في كثير من الحالات إلى الاستدانة لسنوات لدفع الفدية، أو ينتهي بهم المطاف مباعين كعبيد، أو ببساطة تلتهمهم قسوة الطريق. ومع ذلك، يعلمون جيداً أن ركوب القارب لا يضمن شيئا. منذ اندلاع أزمة الهجرة في عام 2014، ووفقاً لمصادر أوروبية، متحفظة كعادتها، يُقدر عدد المفقودين في البحر بنحو اثنين وخمسين ألف شخص.

أشرنا إلى قلة الاهتمام الإعلامي بهذه المآسي التي تحدث في كل لحظة على تلك الطرق، لكنه أقل بكثير مما يحدث على الطريق الذي رُسم بتكتم من إثيوبيا إلى المملكة العربية السعودية، وهو طريق لا يقل خطورة ولا يأساً ولا نسياناً.

المسافة التي قد تفصل مدينة بارايوو الإثيوبية، في قلب أوروميا، عن الرياض، العاصمة السعودية، أو وجهات أخرى في الخليج الفارسي، تزيد على ألفين ومئتي كيلومتر، وهي مسافة تتضاعف على الأرض، وقد يستغرق قطعها أكثر من ستة أشهر، هذا إن لم تواجههم أي طوارئ.

يقطع معظم المهاجرين الطريق سيراً على الأقدام، عبر صحارٍ قد تتجاوز فيها الحرارة الخمسة والأربعين درجة. أما الأكثر حظاً فيغطون بعض المقاطع بالحافلات، حسب فرصة العثور على عمل مؤقت يساعدهم على المواصلة، وإن كان هذا الاحتمال نادراً للغاية، لأن المناطق التي يمرون بها هي بنفس فقر المناطق التي أتوا منها، أو أشد.

عند الوصول إلى ميناء أوبوك (جيبوتي) أو أي ميناء آخر في شمال الصومال، مثل بربرة أو بوساسو على خليج عدن، يركبون زوارق كبيرة ستنقلهم إلى اليمن، حسب الحالة، في رحلة تمتد بين أربعين ومئتي كيلومتر.

بالنسبة للغالبية العظمى من هؤلاء الركاب، تكون تلك هي اللحظة التي يكتشفون فيها البحر للمرة الأولى في حياتهم، بحراً هائجاً على الدوام، بفعل حركة السفن الكبيرة التي تحاول، من خليج عدن، الدخول عبر مضيق باب المندب إلى البحر الأحمر في طريقها إلى قناة السويس أو العكس، وهو ممر شبه مغلق الآن بسبب هجمات الحوثيين دفاعاً عن فلسطين.

هذا هو المقطع الذي اختفى فيه، في الثالث من هذا الشهر، مائة وستون مهاجراً، عندما انقلب قارب يتسع لمئة شخص فقط في عرض البحر. وقد تأكد مقتل تسعين منهم، وتم إنقاذ اثني عشر رجلاً، ولا يزال الباقون في عداد المفقودين. هذا الحادث الأخير ليس سوى واحد من حوادث عديدة تقع بشكل دوري على ما يسمى بـ”الطريق الشرقي”، الذي يسلكه آلاف الأشخاص سنوياً، خاصة من دول القرن الإفريقي (إثيوبيا، وإريتريا، والصومال، وجيبوتي)، وإن كان كثيرون يأتون أيضاً من الجنوب والشرق.

في حالة غرق الأحد، في منطقة الشهرة بالقرب من السواحل اليمنية، كان معظم الضحايا من الإثيوبيين، الذين لم يكونوا يهربون فقط من انعدام الفرص، بل أيضاً من الواقع المضطرب الذي تعيشه البلاد منذ بدء حرب تيغراي، والتي رغم انتهائها رسمياً في تشرين الثاني/ نوفمبر 2022، بتكلفة تقارب مليون قتيل، إلا أن تداعياتها الاقتصادية والسياسية والاجتماعية مستمرة، لدرجة أن الكثيرين يرون أن احتمالات استئناف الصراع تكاد تكون مؤكدة.

في عام 2024، ووفقاً للمنظمة الدولية للهجرة، غرق أربعمئة واثنان وستون مهاجراً في خليج عدن، وإن كانت هذه الأرقام، كما يحدث بلا شك في البحر المتوسط وطريق الأطلسي، أقل بكثير من العدد الفعلي للقتلى. ووفقاً للمصدر نفسه، وصل قرابة سبعين ألف مهاجر إلى اليمن عبر خليج عدن خلال عام 2024. وفي شهر آذار/ مارس وحده، وقعت أربع حوادث غرق خلّفت مئة وثمانين مفقوداً.

في الآونة الأخيرة، أصبحت المناطق الريفية في أوروميا وأمهرة وتيغراي، وهي الأقاليم الأكثر تضرراً من الحرب الأهلية (2020-2022)، المصدر الرئيسي للأشخاص الذين تستقطبهم عصابات التهريب. هدف معظم هؤلاء المهاجرين الأساسي هو السعودية، حيث يعتقدون أنهم سيجدون أفضل الأجور، دون أن يعرفوا حتى موقع وجهتهم بدقة، أو طبيعة الأعمال المحتملة التي سيقومون بها، ودون أن يخطر ببالهم حقيقة ظروف الحياة التي تنتظرهم إن حصلوا على عمل.

عالمٌ غامض

تكتشف الغالبية العظمى من المهاجرين الذين حالفهم الحظ في عبور خليج عدن وهم بالكاد على قيد الحياة، أنهم لم يصلوا إلى المملكة السعودية، بل إلى بلد يسمى اليمن، بلد بالكاد على قيد الحياة، تماماً مثلهم. فبعد معاناة لأكثر من عشر سنوات من الحروب الأهلية، والعمليات الإرهابية، والغزو والحرب السعودية (2015-2020)، والقصف المستمر من قبل أمريكا وبريطانيا والصهاينة ضد الحوثيين، القوة العسكرية الوحيدة في العالم التي تدعم فلسطين حالياً.

بين نقطة الوصول إلى الساحل اليمني، والتي قد تكون ميناء عدن، والحدود السعودية، تبلغ المسافة حوالي خمسمئة كيلومتر في خط مستقيم. لكن الظروف الجبلية لليمن، إضافة إلى أن البلاد تعج بالجماعات المسلحة والمافيات التي تتربص بالفرص، يضطر المهاجرون إلى تغيير مساراتهم باستمرار، والاختباء من أولئك الذين قد ينهبونهم أو يستعبدونهم أو حتى يبيعونهم لعصابات أخرى أكثر تنظيماً قد تطلب فدية مقابلهم، فيظلون سجناء لسنوات حتى يتم دفع فدية لتحريرهم.

أدى الوضع الحالي في اليمن إلى أن العديد من المهاجرين أصبحوا محاصرين في مدينة عدن ومدن يمنية أخرى، يعيشون في الشوارع في فقر مدقع، مما يضيف عاملاً آخر إلى الأزمة الإنسانية الخطيرة التي يعيشها بالفعل ما يقارب الأربعين مليون يمني. سبعة عشر مليوناً منهم يعانون من انعدام الأمن الغذائي. ثلاثة ملايين ونصف المليون يعانون من سوء تغذية حاد، بينما اضطر خمسة ملايين للنزوح هرباً من القتال.

بالنسبة لمن يواصلون الطريق، قد يكون الوصول إلى الحدود السعودية هو النقطة الأخطر. ليس فقط بسبب الجدار الذي تبنيه الرياض منذ سنوات على الحدود، بل لأن حرس الحدود يطلق النار دون سابق إنذار وبشكل عشوائي، مما يولد عدداً من الضحايا لا يحصيه أحد.

أما الأكثر “حظاً”، أولئك الذين يتمكنون من دخول السعودية أو أي بلد خليجي آخر، فإن غالبيتهم يفعلون ذلك في ظل ظروف تُعرف بـ”نظام الكفالة”، حيث يحتاج العامل الأجنبي إلى “كفيل” راعٍ أو صاحب عمل محلي ليتمكن من الدخول والعيش والعمل بشكل قانوني. تبعية الموظف لكفيله مطلقة، فهو بالإضافة إلى احتجاز جواز سفره والتحكم في مغادرته للبلاد، يتصرف به كما يشاء، فلا يستطيع حتى تغيير وظيفته دون موافقته، مما يترك العامل في حالة تبعية تامة، ويتيح كل أشكال الانتهاكات. عملياً، لا تُعرف حالات شكاوى ضد أي كفيل خوفاً من فقدان الوظيفة.

في الوقت نفسه، تكون الرقابة الحكومية على المهاجرين مستمرة مع حملات مداهمة دائمة. عند أدنى مخالفة، والتي يحددها حسن نية السلطات أو الرشوة المقدمة لها، يُرحّل العامل في كثير من الأحيان، دون أن يكون له حتى الحق في استعادة أغراضه وأمواله، ليجد نفسه على الجانب الآخر من الحدود، ربما في ظروف أسوأ من تلك التي وصل بها، وعليه أن يستعد لرحلة عودة لا تقل خطورة عن رحلته الأولى نحو الجنة، حيث الموت أيضاً.

*غوادي كالفو: كاتب وصحفي أرجنتيني. وهو محلل دولي متخصص في شؤون أفريقيا والشرق الأوسط وآسيا الوسطى.

مشاركة المقال

Share on facebook
Share on twitter
Share on email

مقالات ذات صلة

فلسطين

فلسطين لا تحتمل الانتظار

غلوب تروتر + مدار: 20 آب/ أغسطس 2025 غييرمو ر. باريتو* لم تنتهِ الحرب العالمية الثانية بتسليم جزء من ألمانيا للنازيين. لن ينتهي الصراع بتسليم