سوريا ما بعد الأسد

مشاركة المقال

Share on facebook
Share on twitter
Share on email

غلوب تروتر + مدار:  07 أيلول/ سبتمبر 2025

فيجاي براشاد

انهارت حكومة بشار الأسد، في 8 كانون الأول/ ديسمبر 2024، عندما دخل جيش زعيم تنظيم القاعدة السابق، أحمد الشرع، دمشق وسيطر على مؤسسات الدولة السورية. بدا أن الجيش العربي السوري، الذي ظل موالياً لحكومة الأسد، قد انحل. تولت القوات المتمردة المهام العسكرية، وأطلقت على نفسها اسم قوات الأمن العام (بعد 20 أيلول/ ديسمبر). 

استولت شخصيات قيادية من هيئة تحرير الشام، بين أيلول/ ديسمبر 2024 وكانون الثاني/ يناير 2025، التابعة سابقاً لتنظيم القاعدة، على وزارة الدفاع ووزارة الداخلية، وظلت العديد من القوات المتمردة مستقلة ولكنها عملت جنباً إلى جنب مع قوات الأمن العام.

كما حدث في عام 2003 عندما احتلت الولايات المتحدة العراق واختفت القوات المسلحة العراقية لتعيد تجميع صفوفها كقوة مقاومة، فر العديد من أفراد الجيش العربي السوري إلى ديارهم حيث شكلوا مجموعات ميليشياوية. في غضون أسابيع، أعادت هذه المجموعات تشكيل نفسها كقوات دفاعية لقراها وبلداتها. كان هذا هو الحال بشكل خاص في البلدات والقرى ذات الأغلبية العلوية والمسيحية في منطقة القلمون وفي اللاذقية الساحلية. ولكن على عكس ما حدث في العراق، لم تبدأ هذه المجموعات من الجيش العربي السوري السابق تمرداً جيد التنظيم ضد حكومة الشرع، بل ظلت قوة دفاعية مع تسجيل عدد قليل فقط من الهجمات ضد حكام الدولة الجدد.

لكن قوات الأمن العام وشركائها في المجموعات الميليشياوية السابقة استخدموا سلطتهم لضرب أولئك الذين حاولوا إعادة تجميع قواتهم الدفاعية بشكل سريع. على سبيل المثال، في 23 كانون الثاني/ يناير، داهم أفراد الأمن العام قريتي فاحل ومريمين بحثاً عن – من زعموا أنهم – ضباط عسكريون في حكومة الأسد. 

داهمت قوات الأمن العام المنازل واعتقلت أعداداً كبيرة من الأشخاص. وفقاً لتقرير لجنة التحقيق الدولية المستقلة بشأن الجمهورية العربية السورية، في مريمين، قامت قوات الأمن العام “بضرب وتعذيب السكان، ونهبوا عدة منازل، وقتلوا مدنيين اثنين”. خلال “حملات التمشيط” هذه، استخدمت قوات الأمن العام مصطلحات مثل “نصيري” (مصطلح ازدرائي للعلويين)، و”خنزير علوي”، و”كفار”، وعاهرات لوصف أولئك الذين ضربوهم وعذبوهم واعتقلوهم. سرعان ما اتخذت حملة القمع ضد هذه الميليشيات الدفاعية شكلاً طائفياً. بدا أن الهدف كان تقويض أي مقاومة، والقيام بذلك على أسس طائفية بحتة.

بين كانون الثاني/يناير وآذار/ مارس 2025، عربدت قوات الأمن العام في جميع أنحاء البلاد، لا سيما في المناطق الساحلية من البلاد. لا يوجد إحصاء دقيق لعدد الأشخاص الذين قُتلوا أو عُذبوا أو اعتُقلوا. ولكن هناك مؤشر واضح جداً على نوع العنف الذي تعرض له أولئك الذين كانوا إما جزءاً من حكومة الأسد حتى بأبسط الصفات، وتلك المجتمعات (العلويون والمسيحيون) التي يُنظر إليها على أنها استفادت منها. 

عندما غادر الأسد سوريا في كانون الأول/ ديسمبر، سارع السكان العلويون من قرية عنز إلى بر الأمان في أماكن أخرى وانتظروا ليروا ما قد يحدث. تقع عنز في ريف حماة الشرقي، على أطراف السلمية. عندما عاد هؤلاء السكان إلى قريتهم، وجدوا أن منازلهم قد احتُلت، وممتلكاتهم قد دُمرت. في 27 كانون الثاني/ يناير، الساعة الرابعة فجراً، دخلت أربع سيارات مليئة برجال ملثمين عرفوا أنفسهم بأنهم من الأمن العام إلى القرية وبدأوا بتفتيش منازل العائلات العلوية. يروي تقرير اللجنة المستقلة القصة بوضوح:

جمع الرجال الملثمون النساء والأطفال في غرفة واحدة وأجبروهم على تسليم جميع مقتنياتهم الثمينة تحت تهديد السلاح. كما سرق المسلحون مفاتيح شاحنة وضعوا فيها 40 خروفاً تعود لإحدى العائلات التي تمت مداهمة منزلها. سُحب ما لا يقل عن 10 رجال إلى الخارج تحت تهديد السلاح واصطفوا في ساحة عند مدخل القرية، وأيديهم مقيدة خلف ظهورهم. فتح المسلحون النار عليهم، مما أسفر عن مقتل خمسة رجال، من بينهم صبي وشخص مسن، وإصابة خمسة آخرين. نُفذ الهجوم في حوالي 30 دقيقة.

كان لا بد من دفن القتلى في تل سلحب، على بعد خمسين كيلومتراً من عنز، لأن العائلات لم تشعر بالأمان للعودة إلى قريتها.

في آذار/ مارس، هاجمت عصابات من المقاتلين قرى في اللاذقية، وكان من بينهم رجال من وزارة الدفاع، والأمن العام، ولواء سليمان شاه التابع للجيش الوطني السوري، وفرقة الحمزة التابعة للجيش الوطني السوري، ولواء السلطان مراد، وأحرار الشام، وهيئة تحرير الشام. اعتَقل هؤلاء المقاتلون الرجال والفتيان، وصرخوا عليهم بنعوت مهينة، وعذبوهم، ثم أطلقوا النار عليهم في الرأس أو الصدر. كان غالبية القتلى من المدنيين وليسوا من العسكريين السابقين، وفي كثير من الحالات قُتل جميع الرجال في منزل عائلة واحدة. 

بين آذار/ مارس وأيار/ مايو، فر 40 ألف شخص من هذه القرى إلى لبنان. في نفس الوقت تقريباً، داهم رجال يتحدثون بلهجة دمشقية، ويرتدون زياً أسود وأقنعة، ويطلقون على أنفسهم اسم الأمن العام، منازل عائلات علوية في منطقة القدم بدمشق. اعتقلوا مدنيين، مثل المعلمين والأطباء، وهددوا العائلات بأنهم إذا قدموا أي شكاوى “سنعيده إليكم في تابوت”.

توضح المحادثات مع الناس في سوريا بجلاء أن الهجمات لم تقع فقط في غرب سوريا، على طول الساحل، ولكن أيضاً في بلدات داخلية في شمال غرب سوريا (بلدتي القرداحة ومصياف)، وفي غرب سوريا (أجزاء من مدينتي حلب وحمص)، وفي شرق سوريا (في دير الزور وفي وادي نهر الفرات). 

تتبع هذه الهجمات نمطاً دقيقاً: ما يقرب من مذبحة منظمة ليس فقط ضد الأقليات، كما تم الإبلاغ عنها، ولكن ضد أي قادة معارضين للنظام الجديد كانوا يحاولون إشعال تمرد. كانت هذه عملية لمكافحة التمرد نُفذت بكفاءة وقوة وحشية، بعيداً عن أعين وسائل الإعلام الدولية. وفي ظل الصمت نفسه، قمعت الحكومة الجديدة الطرق اللوجستية الرئيسية للقرى الجبلية العلوية إلى لبنان، والتي كانت تسمح لها بإعادة تسليح نفسها في حال اندلاع تمرد أكبر. أدت الهجمات القاسية التي شنتها مجموعات القاعدة سابقا على قرى مثل دير البشل وحرف بنمرة وتلكلخ إلى إعدام مدنيين واعتقال واختفاء قادة رئيسيين وتطهير عرقي لبعض القرى (مثل بلغونس). تم توثيق بعض هذا من قبل هيومن رايتس ووتش والشبكة السورية لحقوق الإنسان، لكنه لم يلق اهتماماً دولياً كبيراً.

أظهرت اللجنة المستقلة أن مرتكبي هذا العنف جاؤوا من الجماعات المتمردة التي تسيطر الآن على السلطة في دمشق. ومع ذلك، كان لدى حكومة الشرع أفكار أخرى. فقد جادلت لجنته الوطنية للتحقيق وتقصي الحقائق بأنهم حددوا 265 مشتبهاً به، جميعهم “أعضاء في جماعات متمردة محظورة مرتبطة بنظام الأسد”. إنهم لا يقبلون وجهة نظر اللجنة المستقلة، ولا يقدمون أي دليل ملموس على سبب تعارض نتائجهم تماماً مع نتائج الأمم المتحدة. 

وصف محققو الأمم المتحدة الهجمات بأنها “جرائم حرب”، وهي عبارة رفضتها الحكومة السورية. علاوة على ذلك، تحث منظمات حقوق الإنسان الحكومة على سن تشريعات لخطاب الكراهية لمنع توظيف اللغة المستخدمة لتخويف واستهداف الطائفة العلوية، لكن الحكومة رفضت هذا أيضاً.

في غضون ذلك، كانت الحكومة السورية حريصة على تعميق عملية التطبيع مع إسرائيل. أدت المحادثات عبر الإمارات العربية المتحدة إلى إعادة أرشيف الجاسوس الإسرائيلي إيلي كوهين (الذي أُعدم في دمشق عام 1965). صرح الشرع لوسائل الإعلام بأن “الاحتمالات كبيرة” بأن حكومته ستعقد اتفاقاً أمنياً مع إسرائيل، وهو أول تصريح علني حول التطبيع (على الرغم من أنه قال إن سوريا لا يمكنها الانضمام إلى اتفاقيات أبراهام طالما أن مرتفعات الجولان تحت الاحتلال). الذريعة المقدمة لهذه “المحادثات الأمنية” هي حماية الدروز، على الرغم من أنه من الواضح – كما أظهرنا سابقاً – أن الهجمات الإسرائيلية والأردنية على جنوب سوريا تتعلق في الغالب بتجارة المخدرات وبمحاولة قمع أي تمرد ضد دمشق. 

لا يوجد أي حديث في أي مكان عن حماية الأقليات العلوية والمسيحية، التي تحملت العبئ الأكبر من هجمات القوات التي تقودها الحكومة. ولكن، في المجمل، هذه ليست مجرد هجمات على أسس طائفية؛ القضية الرئيسية هنا هي أن حكومة دمشق قد مُنحت تفويضاً مطلقاً لاستخدام أقصى درجات القوة ضد أي تهديد لاستمرار حكمها.

*فيجاي براشاد: مؤرخ ومحرر وصحافي هندي. وهو زميل كاتب ومراسل رئيسي في “غلوب تروتر”. وهو محرر في “لفت وورد بوكس” ومدير معهد القارات الثلاث للبحث الإجتماعي. ألف أكثر من 20 كتاباً، بما في ذلك “الأمم الأكثر عتمة” و “الأمم الأكثر فقراً“. أحدث كتبه هي “عن كوبا: تأملات في 70 عاماً من الثورة والنضال” (مع نعوم تشومسكي)، و “النضال يجعلنا بشراً: التعلم من حركات الاشتراكية“، و(أيضاً مع نعوم تشومسكي) “الانسحاب: العراق، ليبيا، أفغانستان، وهشاشة القوة الأمريكية“.

مشاركة المقال

Share on facebook
Share on twitter
Share on email

مقالات ذات صلة

آراء

سوريا ما بعد الأسد

غلوب تروتر + مدار:  07 أيلول/ سبتمبر 2025 فيجاي براشاد انهارت حكومة بشار الأسد، في 8 كانون الأول/ ديسمبر 2024، عندما دخل جيش زعيم تنظيم