ستنتهي الحرب في جمهورية الكونغو الديمقراطية: المراسلة 27 ( 2024)

مشاركة المقال

معهد القارات الثلاث للبحث الاجتماعي + مدار: 04 تموز/ يوليو 2024

فيجاي براشاد

صورة الواجهة: جاردي ندومباسي (جمهورية الكونغو الديمقراطية)، انتفاضة شعبية وسيادة، 2024.

أدان مجلس الأمن الدولي التابع للأمم المتحدة في 20 حزيران/ يونيو”بأشد العبارات” الهجمات على المدنيين في جمهورية الكونغو الديمقراطية. وكتب مجلس الأمن الدولي في بيانه الصحفي أن هذه الهجمات – التي نفذتها كل من القوات المسلحة لجمهورية الكونغو الديمقراطية ومختلف الجماعات المتمردة المدعومة من الدول المجاورة مثل رواندا وأوغندا – “تزيد من تفاقم الوضع الأمني المتقلب والاستقرار في جمهورية الكونغو الديمقراطية وفي المنطقة وتزيد من استفحال الوضع الإنساني الحالي”. وبعد خمسة أيام، أي في 25 حزيران/ يونيو، انسحبت قوة حفظ السلام التابعة للأمم المتحدة في شرق جمهورية الكونغو الديمقراطية، انسجاما مع قرار مجلس الأمن الدولي الصادر في كانون الأول/ ديسمبر 2023 الذي تعهد بتوفير الأمن للانتخابات العامة في جمهورية الكونغو الديمقراطية في 20 كانون الثاني/ ديسمبر والبدء في سحب قوة حفظ السلام تدريجياً من البلاد.

خلال الفترة ذاتها، يواصل متمردو حركة 23 مارس المدعومين من رواندا التقدم بثبات في الأقاليم الشرقية من جمهورية الكونغو الديمقراطية، حيث يدور صراع محتدم منذ الإبادة الجماعية في رواندا عام 1994. ونادراً ما كان هناك سلام دائم على مدى ثلاثة عقود، بالرغم من وجود العديد من اتفاقات السلام (أبرزها اتفاق لوساكا لعام 1999، واتفاق بريتوريا لعام 2002، واتفاق لواندا لعام 2002، واتفاق صن سيتي لعام 2003).  ولم يتم توثيق إجمالي عدد القتلى بالشكل المناسب، ولكن وفقًا لجميع المؤشرات، قُتل أكثر من ستة ملايين شخص. وأدى استعصاء العنف في شرق جمهورية الكونغو الديمقراطية إلى انتشار الشعور باليأس من إمكانية إنهاء المذبحة بشكل دائم. ويقترن ذلك بالجهل بسياسة هذا الصراع وجذوره العميقة في التاريخ الاستعماري لمنطقة البحيرات العظمى والصراع على المواد الخام الأساسية للعصر الإلكتروني.

“الكونغوليون يكافحون من أجل ثروتهم”. مونسيبولا نزابا ريتشارد أو “مونزاري” (جمهورية الكونغو الديمقراطية)، فجر المقاومة الكونغولية، 2024.

ولفهم هذا الصراع، اشترك معهد القارات الثلاث للبحث الاجتماعي مع مركز الثقافة أندريه بلوان، ومركز البحوث حول الكونغو كينشاسا، وحركة ليكامبو يا مابيلا (حركة سيادة الأرض) لإنجاز ملف قوي جديد بعنوان “الكونغوليون يكافحون من أجل ثروتهم“. منذ ثمانية أعوام، جمعنا فريقًا لدراسة الحرب المستمرة، مع التركيز بشكل خاص على الإمبريالية وسرقة الموارد التي عانى منها هذا الجزء من إفريقيا على مدار القرن الماضي. جاء استعمار الكونغو تزامنا مع سرقة ثروات المنطقة من العمالة والمطاط والعاج والمعادن في القرن التاسع عشر تحت حكم الملك البلجيكي ليوبولد الثاني. وتواصل الشركات متعددة الاستيطان هذا الإرث الإجرامي اليوم بسرقة المعادن والفلزات الضرورية للاقتصاد الرقمي و”الأخضر” المتنامي. هذه الثروة من الموارد هي ما يجذب الحرب إلى البلاد. وكما نوضح في الملف، تُعد جمهورية الكونغو الديمقراطية واحدة من أغنى البلدان في العالم، حيث تبلغ قيمة احتياطاتها المعدنية غير المستغلة وحدها 24 تريليون دولار. ومع ذلك، وفي الوقت نفسه، يعيش 74.6% من السكان على أقل من 2.15 دولار في اليوم، حيث يعيش واحد من كل ستة كونغوليين في فقر مدقع. ما الذي يفسر هذا الفقر في بلد يتمتع بثروة هائلة؟

يُظهر الملف استنادًا إلى أبحاث أرشيفية ومقابلات مع عمال المناجم أن المشكلة الأساسية هي أن الشعب الكونغولي لا يتحكم في ثرواته. لقد ناضلوا ضد السرقة المتفشية ليس فقط منذ تشكيل الحركة الوطنية الكونغولية عام 1958، والتي سعت إلى التحرر من بلجيكا والسيطرة على الموارد الطبيعية الهائلة للكونغو، ولكن حتى قبل ذلك، من خلال مقاومة الطبقة العاملة بين ثلاثينيات وخمسينيات القرن الماضي. لم يكن هذا الكفاح سهلاً ولم ينجح: لا يزال الاستغلال والقمع يهيمن على جمهورية الكونغو الديمقراطية على يد الأقلية الكونغولية القوية والشركات متعددة الاستيطان التي تعمل بإذن من هذه الأقلية. علاوة على ذلك، تعاني البلاد، من الحروب العدوانية التي تشنها جارتيها رواندا وأوغندا، بمساعدة جماعات الميليشيات بالوكالة، من ناحية، ومن تدخل المؤسسات متعددة الأطراف مثل البنك الدولي وصندوق النقد الدولي التي تفرض السياسات الليبرالية الجديدة كشرط لتلقي القروض من ناحية أخرى.

قبل أيام فقط من انتخابات جمهورية الكونغو الديمقراطية في كانون الأول/ ديسمبر 2023، قدم صندوق النقد الدولي مبلغ 202.1 مليون دولار أمريكي لأنه كان على ثقة في أن من سيفوز في الانتخابات سيحافظ على “أهداف البرنامج، بما في ذلك الحد من انزلاقات الاقتصاد الكلي ومواصلة تنفيذ أجندة الإصلاح الاقتصادي”. وبعبارة أخرى، اعتقد صندوق النقد الدولي أن بإمكانه الاستمرار في خصخصة الكهرباء وصياغة قوانين التعدين التي كانت “سخية” بشكل مفرط للشركات متعددة الجنسيات – بغض النظر عن نتائج الانتخابات (كلمة “سخية” هي من رئيس بعثة صندوق النقد الدولي نفسه إلى جمهورية الكونغو الديمقراطية، نوربرت توي). إن مبلغا زهيدا من صندوق النقد الدولي قادر على إخماد الدعوة إلى السيادة على موارد جمهورية الكونغو الديمقراطية الكبيرة.

إم كاديما (جمهورية الكونغو الديمقراطية)، الكونغو ليست للبيع، 2024. صورة: جون بيهتس.

 

مُنعت منطقة البحيرات الكبرى في أفريقيا، على عدة جبهات، من حل المشاكل التي تعاني منها: فقد حالت البنى الاستعمارية الجديدة الراسخة دون بناء بنية تحتية اجتماعية ممولة تمويلاً جيداً؛ وعرقلت القوة الاستثنائية لشركات التعدين، التي كانت حتى وقت قريب، ومعظمها أسترالية وأوروبية وأمريكية شمالية المنشأ، الجهود الرامية إلى تحقيق السيادة على الموارد؛ واستخدمت القوى الإمبريالية أموالها وقوتها العسكرية لإخضاع الطبقات الحاكمة المحلية للمصالح الأجنبية؛ إن ضعف هذه الطبقات الحاكمة المحلية وعدم قدرتها على صياغة مشروع وطني قوي، كتلك التي حاول لويس رواغاسوري في بوروندي وباتريس لومومبا في جمهورية الكونغو الديمقراطية (اغتالتهما القوى الإمبريالية في عام 1961)، أعاق التقدم الإقليمي؛ وهناك رغبة ملحة في إنشاء مثل هذا المشروع الذي من شأنه أن يجمع الناس حول المصالح المشتركة للأغلبية بدلاً من الوقوع فريسة للانقسامات العرقية (هناك أربعمائة مجموعة عرقية مختلفة في جمهورية الكونغو الديمقراطية وحدها) والقبلية التي تمزق المجتمعات وتضعف قدرتها على النضال من أجل مصيرها.

وازدهر هذا المشروع بعد استقلال جمهورية الكونغو الديمقراطية في عام 1960. وقد أصدرت الحكومة سنة 1966، قانونًا يسمح لها بالسيطرة على جميع الأراضي غير المشغولة والمعادن المصاحبة لها. وسمح قانون الملكية العامة  في عام 1973، في جمهورية الكونغو الديمقراطية للمسؤولين الحكوميين بمصادرة الأراضي كما يشاؤون. يجب أن يصبح إنشاء مشروع يستخدم الموارد المادية من أجل تحسين أحوال جميع الشعوب هو المحور الرئيسي مرةً أخرى، بدلاً من تأجيج الانقسامات العرقية. ومع ذلك، لا تزال فكرة المواطنة في المنطقة متشابكة مع الأفكار العرقية التي أثارت صراعات على أسس عرقية. وأدت هذه الأفكار إلى الإبادة الجماعية في رواندا عام 1994. فيما سمح غياب مشروع مشترك لأعداء الجماهير بالتسلل من بين الصدوع واستغلال نقاط ضعف الناس.

مونسيمبولا نزابا ريتشارد أو “مونزاري” (جمهورية الكونغو الديمقراطية)، أورور أفريكان (‘الشفق الأفريقي’)، 2024.

وقد أدت مجموعة من الجبهات السياسية والعسكرية – مثل تحالف القوى الديمقراطية لتحرير الكونغو الديمقراطية (ADFL) والقوات الديمقراطية لتحرير رواندا (FDLR) والتجمع الكونغولي من أجل الديمقراطية (RCD) وحركة تحرير الكونغو (MLC) – إلى دخول المنطقة في حروب على الموارد. جعلت احتياطيات الكولتان والنحاس والذهب، بالإضافة إلى السيطرة على الطرق الحدودية بين جمهورية الكونغو الديمقراطية وأوغندا التي تربط شرق جمهورية الكونغو الديمقراطية بميناء مومباسا الكيني، هذه الجماعات المسلحة وعدد قليل من الأشخاص الأقوياء أثرياء للغاية. لم تعد الحرب تتعلق فقط بتوافق الآراء في مرحلة ما بعد الاستعمار، بل أيضًا بالثروات التي يمكن أن تُستنزف لصالح طبقة رأسمالية دولية تعيش بعيدًا عن البحيرات العظمى في أفريقيا.

ومن المثير للدهشة أن مسألة حقوق العمال في جمهورية الكونغو الديمقراطية لم تصبح مصدر قلق كبير لـ”المجتمع الدولي” إلا عندما بدأ رأس المال الصيني في منافسة الشركات المقيمة في أستراليا وأوروبا وأمريكا الشمالية. وبدأت منظمات حقوق الإنسان التي كانت في السابق تغض الطرف عن الاستغلال بالاهتمام بهذه المسائل، وصاغت عبارات جديدة مثل “الكولتان الدموي” و”الذهب الدموي” للإشارة إلى السلع الأولية التي تستخرجها الشركات الصينية والروسية التي أقامت فروعا لها في العديد من البلدان الأفريقية. ومع ذلك، وكما يُظهر ملفنا – بالإضافة إلى إصدار وينهوا زونغهنغ “العلاقات الصينية الأفريقية في عصر الحزام والطريق” – فإن السياسة والمصالح الصينية تتناقض بشكل صارخ مع الأجندة التي يقودها صندوق النقد الدولي في جمهورية الكونغو الديمقراطية، حيث تسعى الصين إلى “الحرص على معالجة المعادن والصلب داخل جمهورية الكونغو الديمقراطية وبناء قاعدة صناعية للبلاد”. وعلاوة على ذلك، تنتج الشركات الصينية سلعًا غالبًا ما تكون موجهة للمستهلكين في الشمال، وهي مفارقة يتم تجاهلها بشكل ملائم في السردية الغربية. ويدّعي المجتمع الدولي أنه مهتم بانتهاكات حقوق الإنسان ولكنه لا يهتم بآمال وأحلام الشعب الأفريقي، بل تحركه مصالح دول الشمال العالمي والحرب الباردة الجديدة التي تقودها الولايات المتحدة.

أمضى الفنانون الشباب الموهوبون أسابيع في الاستوديو لابتكار الرسوم التوضيحية الواردة في الملف وفي هذه المراسلة، وهي ثمرة تعاون بين قسم الفنون لدينا ومجموعة الفنانين في مركز أندريه بلوان الثقافي في كينشاسا. يُرجى قراءة النشرة الفنية الرابعة من معهد القارات الثلاث للبحث الاجتماعي لمعرفة المزيد عن العملية الإبداعية التي يقوم بها الفنانون، ومشاهدة الفيديو الخاص بفنانين من أجل السيادة الكونغولية الذي أعده أندريه ندامبي والذي يقدم أعمال الفنانين.

مونسيمبولا نزابا ريتشارد أو “مونزاري” (جمهورية الكونغو الديمقراطية)، (“لقد انتصر الشعب”)، 2024. صورة: كونغوبريس بوسطة: ويكيميديا.

ينتهي ملفنا بكلمات الشباب الكونغولي التوّاق إلى الأرض، إلى الثقافة الوطنية، إلى التفكير النقدي. وُلد هؤلاء الشباب في الحرب، وتربوا في الحرب، ويعيشون في الحرب. ومع ذلك، فهم يعلمون أن جمهورية الكونغو الديمقراطية لديها ما يكفي من الثروات التي تسمح لهم بتخيل عالم بلا حرب، عالم من السلام والتنمية الاجتماعية يتجاوز الانقسامات الضيقة وسفك الدماء الذي لا ينتهي.

مشاركة المقال

مقالات ذات صلة