معهد القارات الثلاث للبحث الاجتماعي/ مدار: 09 تشرين الأول/ أكتوبر 2025
فيجاي براشاد
صورة الواجهة: سيا ديالو (السنغال)، «رحيل إكس»، 2017.
أصدر ديوان المحاسبة السنغالي، في فبراير/شباط 2025، تقريراً كشف عن «اختلالات» في إدارة المالية العامة بين عامي 2019 و2024، خلال فترة رئاسة ماكي سال (2012-2024). على سبيل المثال، وجد الديوان أنه في حين زعمت حكومة سال أن عجز الميزانية لعام 2023 كان 4.9% من الناتج المحلي الإجمالي، فقد كان في الواقع 12.3%. وقد شرع الديوان في إجراء هذا التحقيق عقب اتهام خطير وجهه رئيس وزراء السنغال الجديد، عثمان سونكو، في مؤتمر صحفي في داكار في سبتمبر/أيلول 2024. ما وجده المحاسبون، وأكّده صندوق النقد الدولي، هو أن نسبة الدين الفعلية في عام 2023 بلغت 99.7% من الناتج المحلي الإجمالي -وليس 74.7%- وأن العجز قد قُدّر بأقل من قيمته الحقيقية بنسبة 5.6% من الناتج المحلي الإجمالي (في أغسطس/آب 2025، عُدّلت نسبة الدين لتصل إلى 111% من الناتج المحلي الإجمالي).
صرح رئيس الوزراء سونكو بأن الوضع المالي في السنغال «كارثي» بسبب ثلاث مشاكل موروثة من عقد حكم سال:
- «سياسة استدانة جامحة» زادت من الدين العام للبلاد وأعدمت أي إمكانية لتحقيق نمو لسداد ذلك الدين.
- إدارة أخفت هذه المديونية والمشاكل العميقة في الاقتصاد عن الشعب السنغالي (الذي رفض رغم ذلك خليفة سال المعيّن، أمادو با، في الانتخابات الرئاسية في مارس/آذار 2024 واختار بدلاً منه باسيرو ديوماي فاي).
- «فساد مستشرٍ»، بما في ذلك الاحتيال على صندوق كوفيد في البلاد من قبل أربعة وزراء.

تتراكم شيئا فشيئا الأدلة التي يجمعها الرئيس فاي ورئيس الوزراء سونكو على أن حكومة سال أفلست بلادها عن عمد وسرقت من خزينة الدولة. فاي (مواليد 1980) وسونكو (مواليد 1974) هما مسؤولان ضريبيان سابقان دخلا معترك السياسة نتيجة لإحباطهما من مستويات انعدام الكفاءة والاحتيال والفساد في السياسة والبيروقراطية السنغالية. وبصفتهما شابين يحملان مُثُلاً وطنية، درس فاي وسونكو في المدرسة الوطنية للإدارة، ثم التقيا في المديرية العامة للضرائب والأملاك، حيث أسس سونكو النقابة المستقلة لموظفي الضرائب والأملاك.
فازت الشركة الكندية (إس إن سي-لافالان)، سنة 2011، بعقد قيمته 50 مليون دولار لبناء مصنع لمعالجة الرمال المعدنية في «غراند كوت». لكن، كُشف لاحقاً في «وثائق بارادايس» أن الحكومة السنغالية وقعت العقد مع كيان يعرف باسم “إس إن سي-لافالان موريشيوس”. بعبارة أخرى، أصبحت الشركة الكندية شركة موريشيوسية (وللمفارقة، كانت هناك معاهدة ضريبية بين السنغال وموريشيوس تعفي الشركات المسجلة في موريشيوس من دفع الضرائب في السنغال). وبسبب هذا التحول في الاختصاص القضائي، تمكنت (إس إن سي-لافالان) من تجنب دفع ما لا يقل عن 8.9 مليون دولار من الضرائب للسنغال (تبلغ الإيرادات السنوية لشركة “إس إن سي-لافالان” حوالي 6 مليارات دولار، أي ثلث حجم الناتج المحلي الإجمالي للسنغال، التي يبلغ عدد سكانها 18 مليون نسمة).

كان رئيس الوزراء سونكو معارضاً صريحاً لهذا المشروع، وفي يناير/كانون الثاني 2014، أسس حزباً سياسياً باسم «الوطنيين الأفارقة في السنغال من أجل العمل والأخلاق والأخوة» (باستيف) لمواصلة النضال. وفي عام 2017، فاز بمقعد في الجمعية الوطنية، حيث أثار قضية الملاذات الضريبية وسرقة الشركات. وقال في عام 2018: «قد يكون الملاذ الضريبي جنة للشركات متعددة الجنسيات التي تريد تجنب دفع الضرائب، ولكنه جحيم للبلاد». في عام 2019، فاز سونكو بما يقرب من 16% من الأصوات في انتخابات رئاسية مثيرة للجدل. وفي الانتخابات البلدية والبرلمانية لعام 2022، حقق تحالف «يوي أسكان وي» (حرروا الشعب) بقيادة «باستيف» مكاسب كبيرة، حيث انتُخب مرشح الحزب الاشتراكي السنغالي، بارتيليمي دياس، عمدة لداكار. غضب الرئيس آنذاك سال من هؤلاء المسؤولين الضريبيين السابقين وسعى إلى حظر حزبهما وإسكات صوت سونكو. أدى ذلك إلى مظاهرات كبرى في 2023-2024، بلغت ذروتها بانتصار فاي وسونكو في الانتخابات. وليس من المستغرب أن هؤلاء المسؤولين الضريبيين السابقين قد نبشوا في دفاتر المحاسبين وكشفوا عن أدلة الاحتيال.
ولكن هل سال وحكومته هما المذنبان الوحيدان بالاحتيال؟ في نهاية المطاف، يبدو أن البيروقراطية بأكملها في السنغال، بما في ذلك ديوان المحاسبة، لم تتحرك بناءً على الشكاوى التي قدمها سونكو وآخرون، ولا بناءً على ما كشفته «وثائق بارادايس».
لعل أفظع إخلال بالواجب لم يرتكب من قبل الحكومة السنغالية، بل من قبل صندوق النقد الدولي. منذ أن بدأ سونكو في إثارة هذه القضية في عام 2017، نشر الصندوق ما لا يقل عن سبعة تقارير حول السنغال، لم يشر أي منها إلى وجود أي مشكلة في إجراءات الإبلاغ عن الديون أو الشؤون المالية. على سبيل المثال، أشار تقرير الصندوق لعام 2019 إلى أن إجراءات التدقيق في السنغال تتوافق مع “المعايير الدولية لإعداد التقارير المالية” وأن البلاد قد اشتركت في “المعيار الخاص لنشر البيانات” المتعلق بصندوق النقد الدولي نفسه في عام 2017. إذا صادق الصندوق على البيانات التي قدمتها السنغال، فهو مسؤول عن الاحتيال تماماً مثل حكومة سال ويجب محاسبته.

في أكتوبر/تشرين الأول 2024، بعد الكشف عن التضليل في بيانات الميزانية، علّق صندوق النقد الدولي برنامج إقراضه للسنغال. وفي مارس/آذار 2025، أشار تقرير للصندوق إلى «الحاجة إلى إصلاحات عاجلة» في الإدارة والمؤسسات السنغالية (وليس في الصندوق نفسه). في الوقت نفسه تقريباً، قالت المتحدثة باسم الصندوق جولي كوزاك إن السنغال قد لا تحتاج إلى إعادة القروض الاحتيالية التي حصلت عليها حكومة سال، وذلك بسبب حسن النية الذي أبدته حكومة فاي-سونكو في إجراء تدقيق لكشف هذه المخالفات. لكن هذا التنازل جاء بشروط، إذ كان من المقرر أن يكون جزءاً من المفاوضات بين الصندوق والسنغال.
كشف صندوق النقد الدولي عن أوراقه في تقرير صدر في أغسطس/آب 2025؛ فقد أراد استخدام إمكانية التنازل لانتزاع تنازلات من الحكومة الجديدة، بما في ذلك تغييرات هيكلية لتقويض ما تبقى من سيادة سنغالية. فازت حكومة فاي-سونكو بتفويض شعبي لتعزيز السيادة. ويستغل صندوق النقد الدولي أمانة حكومة فاي-سونكو بشأن احتيال الحكومة السابقة لتقويضها. ما يسعى إليه الصندوق هو وصول أكبر للشركات متعددة الجنسيات إلى «القطاعات الاستراتيجية» (مثل الطاقة والزراعة)، وانضباط مالي أكثر صرامة من قبل الحكومة (أي إنفاق اجتماعي أقل على الطبقة العاملة والفلاحين)، واستمرار «خطة السنغال الصاعدة» التي أطلقها سال عام 2014، والتي تستخدم كلمات طنانة تكنوقراطية لإخفاء استنزاف الثروة إلى جيوب الشركات الأجنبية متعددة الجنسيات والنخبة السنغالية. سيظل هذا التنازل سيفاً مسلطاً على حكومة فاي-سونكو لإجبارها على استبدال أجندتها السيادية بأجندة التبعية التي يفرضها صندوق النقد الدولي.

ليست قضية السنغال حالة استثنائية. ففي ثمانينيات القرن الماضي، قامت حكومات عسكرية مدعومة من الولايات المتحدة في أمريكا اللاتينية باقتراضات خارج الميزانية، وهو أمر أخذه صندوق النقد الدولي على محمل الجد قولاً لا فعلاً. وفي عام 2000، رصد الصندوق تزويرا في البيانات من قبل حكومة باكستان العسكرية، لكنه لم يفعل شيئاً مرة أخرى، خاصة بعد أن انضمت باكستان بحماس إلى الحرب الأمريكية على الإرهاب في عام 2001. وفي نفس الفترة تقريباً، أعفى الصندوق أوكرانيا من ديون أُبلغ عنها بشكل مضلل، متصرفاً مرة أخرى تحت ضغط من الحكومة الأمريكية التي كانت تسعى للحفاظ على التوجه الموالي للغرب للرئيس ليونيد كوتشما. حدث الشيء نفسه تقريباً مع الكونغو-برازافيل سنة 2002 وغامبيا في عام 2003. وفي 2006، أصدر الصندوق ورقة حول كيفية جعل سياسات التضليل في البيانات «أقل عبئاً» حتى لا تثقل كاهل البلدان بعقوبات قاسية. هذا الموقف هو ما وجّه تعامل الصندوق مع موزمبيق سنة 2016، عندما واجهت الدولة المصدرة للطاقة أزمة ديون خفية.
فالحكومات التي تحظى برضى واشنطن تكتفي بتوبيخها، بينما تعاقَب الحكومات التواقة إلى تطوير سياسة سيادية.

في سبتمبر/أيلول، أصدر الموسيقي السنغالي العظيم الشيخ لو (مواليد 1955) ألبوماً جديداً بعنوان «مامي» (2025). يضم الألبوم أغنية ريغي بعنوان «التنمية الأفريقية» يبدأها بذكر أسماء الشيخ أنتا ديوب، وتوماس سانكارا، ونيلسون مانديلا، قبل أن يغني بإيقاع على كلمات «حرروا، حرروا، حرروا أفريقيا… يجب أن تتحرر أفريقيا». هذه الأغنية هي عودة إلى المنبع، إلى الآمال والتطلعات التي سادت عندما نالت السنغال استقلالها عام 1960 ورفعت علمها تحت قيادة رئيسها الأول، ليوبولد سيدار سنغور. يغني الشيخ لو «الصحة أولاً»، ثم يعدد سلسلة من المطالب:
الزراعة، تربية الماشية، صيد الأسماك.
التعليم: معبد المعرفة.
التكوين المهني.
خلق فرص عمل للشباب.
الأمن العام.
الحفاظ على الموارد الطبيعية.
محاربة الفقر.
محاربة الفساد.
قضاء مستقل وعادل.
تطوير الديمقراطية.
إن حرية أفريقيا لا تضمنها الأعلام الأربعة والخمسون التي ترفرف في عواصم القارة. الحرية لا يمكن أن تتحقق إلا عندما تفرض شعوب أفريقيا سيطرتها السيادية على مواردها، وتحرر أنفسها من مهانة الرأسمالية والإمبريالية.