دعوا الشعب السوداني يسير نحو السلام: المراسلة 46 (2025)

مشاركة المقال

Share on facebook
Share on twitter
Share on email

معهد القارات الثلاث للبحث الاجتماعي/ مدار: 13 تشرين الثاني/ نوفمبر 2025

فيجاي براشاد

تحدث الأمين العام للأمم المتحدة، أنطونيو غوتيريش، في بداية تشرين الثاني/ نوفمبر، عن “الأزمة المروعة في السودان، التي تخرج عن السيطرة”. وحث الأطراف المتحاربة على “وضع حد لكابوس العنف هذا – الآن”. هناك مسار لإنهاء الحرب، ولكن ببساطة لا توجد إرادة سياسية لفرضه. في أيار/ مايو 2025، كتبنا عن تاريخ الصراع. وفي عام 2019، شرحنا الانتفاضة التي وقعت في ذلك العام وتداعياتها. والآن، يصدر كل من معهد القارات الثلاث للبحث الاجتماعي، والقمة العالمية للشعوب، وحركة الوحدة الأفريقية اليوم، الإنذار الأحمر رقم 21 حول الحاجة للسلام في السودان.

ما هو الواقع على الأرض في السودان؟

اندلعت الحرب، في 15 نيسان/ أبريل 2023، بين القوات المسلحة السودانية (ق.م.س) – بقيادة رئيس المجلس العسكري الانتقالي، الفريق أول عبد الفتاح البرهان – وقوات الدعم السريع (ق.د.س) – بقيادة الفريق أول محمد حمدان دقلو الملقب بـ “حميدتي”. منذ ذلك الحين، وبدعم من حكومات مختلفة من خارج السودان، خاض الطرفان حرب استنزاف رهيبة كان المدنيون هم ضحاياها الرئيسيون. من غير الممكن تحديد عدد القتلى، ولكن من الواضح أن الحصيلة كبيرة. تشير أحد التقديرات أنه بين نيسان/ أبريل 2023 وحزيران/ يونيو 2024 وحده، وصل عدد الضحايا إلى 150,000، وقد وثقت منظمات حقوقية مختلفة العديد من الجرائم ضد الإنسانية التي ارتكبها كلا الجانبين. نزح ما لا يقل عن 14.5 مليون سوداني من أصل 51 مليون نسمة. يعاني السكان الذين يعيشون في الحزام الممتد بين الفاشر في شمال دارفور، وكادوقلي في جنوب كردفان، من الجوع الحاد والمجاعة. 

وجد تحليل حديث أجراه “التصنيف المرحلي المتكامل للأمن الغذائي” التابع للأمم المتحدة أن حوالي 21.2 مليون سوداني – 45% من السكان – يواجهون مستويات عالية من انعدام الأمن الغذائي الحاد، مع مواجهة 375,000 شخص في جميع أنحاء البلاد لمستويات “كارثية” من الجوع (أي على شفا المجاعة).

ريم الجيلي (السودان)، شريط خطي، 2025.

لجأ منذ بداية الحرب مئات الآلاف من النازحين داخليًا إلى الفاشر، التي كانت آنذاك تحت سيطرة القوات المسلحة السودانية أساسا. كان حوالي 260,000 مدني لا يزالون هناك في تشرين الأول/ أكتوبر 2025 عندما سيطرت قوات الدعم السريع على المدينة، وارتكبت عددًا من المجازر الموثقة. وكان من بين القتلى 460 مريضًا ومرافقيهم في المستشفى السعودي للولادة. 

سقوط المدينة عنى أن قوات الدعم السريع تسيطر الآن إلى حد كبير على إقليم دارفور الشاسع، بينما تسيطر القوات المسلحة السودانية على جزء كبير من شرق السودان – بما في ذلك بورتسودان، منفذ البلاد إلى البحر والتجارة الدولية – بالإضافة إلى العاصمة الخرطوم.

لا توجد أي علامة على وقف التصعيد في الوقت الحاضر.

صلاح المر (السودان)، جدار الوداع، 2024.

لماذا تتقاتل القوات المسلحة السودانية وقوات الدعم السريع؟

حرب بهذا الحجم ليس لها سبب واحد بسيط. السبب السياسي واضح ومباشر: هذه ثورة مضادة ضد الانتفاضة الشعبية لعام 2019 التي نجحت في الإطاحة بالرئيس عمر البشير، الذي حكم منذ عام 1993 وتميزت سنواته الأخيرة في السلطة بارتفاع التضخم والأزمة الاجتماعية.

أجبرت القوى اليسارية والشعبية التي قادت انتفاضة 2019 – والتي شملت الحزب الشيوعي السوداني، وقوى الإجماع الوطني، وتجمع المهنيين السودانيين، والجبهة الثورية السودانية، ومجموعات النساء المدنية والسياسية السودانية، والعديد من لجان المقاومة والأحياء المحلية – (أجبرت) الجيش على الموافقة على الإشراف على الانتقال إلى حكومة مدنية. وبمساعدة الاتحاد الأفريقي، تم إنشاء المجلس السيادي الانتقالي، المكون من خمسة أعضاء عسكريين وستة مدنيين. عُيّن عبد الله حمدوك رئيسًا للوزراء، والقاضية نعمات عبد الله خير رئيسة للقضاء، مع وجود البرهان وحميدتي في المجلس أيضًا. 

دمرت الحكومة العسكرية-المدنية الاقتصاد أكثر بتعويم العملة وخصخصة الدولة، مما جعل تهريب الذهب أكثر ربحية وعزز قوة قوات الدعم السريع (وقعت هذه الحكومة أيضًا على الاتفاقات أبراهام، التي طبعت العلاقات مع إسرائيل). أدت سياسات الحكومة العسكرية-المدنية إلى تفاقم الظروف نحو المواجهة على السلطة (السيطرة على الدولة الأمنية) والثروة (السيطرة على تجارة الذهب).

على الرغم من أدوارهما في المجلس، حاول البرهان وحميدتي الانقلاب عليه حتى نجحا في عام 2021. وبعد إزاحة المدنيين، انقلب القائدان العسكريان على بعضهما البعض. سعى ضباط القوات المسلحة السودانية إلى الحفاظ على سيطرتهم على جهاز الدولة، الذي استوعب في عام 2019 نسبة 82% من موارد ميزانية الدولة (كما أكد رئيس الوزراء عبد الله حمدوك في عام 2020). كما تحركوا للاحتفاظ بالسيطرة على مشاريعهم، حيث يديرون أكثر من 200 شركة من خلال كيانات مثل منظومة الصناعات الدفاعية التي تسيطر عليها القوات المسلحة (بعائدات سنوية تقدر بـ 2 مليار دولار) والاستحواذ على حصة كبيرة من الاقتصاد الرسمي للسودان عبر التعدين والاتصالات وتجارة استيراد وتصدير السلع. أما قوات الدعم السريع – التي تعود جذورها إلى ميليشيا الجنجويد – فقد حاولت الاستفادة من اقتصاد الحرب المستقل الذي يتركز حول شركة الجنيد للأنشطة المتعددة، التي تسيطر على مناطق رئيسية منتجة للذهب في دارفور وحوالي ستة مواقع تعدين، بما في ذلك جبل عامر. وبما أن ما بين 50-80% من إجمالي إنتاج الذهب في السودان يتم تهريبه (حتى عام 2022) – بشكل أساسي إلى الإمارات العربية المتحدة – بدلاً من تصديره رسميًا، وبما أن قوات الدعم السريع تهيمن على الإنتاج في مناطق التعدين الأهلي في غرب السودان (التي تمثل 80-85% من إجمالي الإنتاج)، فإنها تستحوذ على مبالغ ضخمة من عائدات الذهب كل عام (تقدر بـ 860 مليون دولار من مناجم دارفور وحدها في عام 2024).

تحت هذه الصراعات السياسية والمادية تكمن ضغوط بيئية فاقمت الأزمة. جزء من سبب الصراع الطويل في دارفور هو تصحر منطقة الساحل. فلعقود، أدى التساقط غير المنتظم للأمطار وموجات الحر بسبب الكارثة المناخية إلى توسع الصحراء الكبرى جنوبًا، مما جعل الموارد المائية سببًا للصراع وأشعل اشتباكات بين الرّحّل و المزارعين المستقرين. 

يعيش نصف سكان السودان الآن في ظل انعدام أمن غذائي حاد. إن الفشل في وضع خطة اقتصادية لسكان يعانون من تغيرات سريعة في الطقس – إلى جانب سرقة الموارد من قبل نخبة صغيرة – يترك السودان عرضة لصراع طويل الأمد. هذه ليست مجرد حرب بين شخصيتين قويتين، بل صراع حول تحويل الموارد ونهبها من قبل قوى خارجية. هناك اتفاق لوقف إطلاق النار مطروح على الطاولة مرة أخرى، ولكن احتمالية قبوله أو الالتزام به منخفضة للغاية طالما بقيت الموارد هي الجائزة البراقة لمختلف الجماعات المسلحة.

عمر خيري (السودان)، مشهد من السوق، 1975.

ما هي إمكانيات السلام في السودان؟

يتطلب المسار نحو السلام في السودان ستة عناصر:

  1. وقف فوري لإطلاق النار يخضع للمراقبة، ويشمل إنشاء ممرات إنسانية لمرور المواد الغذائية والأدوية. ستكون هذه الممرات تحت قيادة لجان المقاومة، التي تتمتع بالمصداقية الديمقراطية والشبكات اللازمة لإيصال المساعدات مباشرة إلى المحتاجين.
  2. إنهاء اقتصاد الحرب، وتحديداً إغلاق خطوط إمداد الذهب والأسلحة. سيشمل ذلك فرض عقوبات صارمة على بيع الأسلحة للإمارات وشراء الذهب منها حتى تقطع جميع علاقاتها مع قوات الدعم السريع. يجب أيضًا فرض ضوابط على الصادرات في بورتسودان.
  3. العودة الآمنة للمنفيين السياسيين والشروع في مسار لإعادة بناء المؤسسات السياسية تحت حكومة مدنية منتخبة أو مدعومة من القوى الشعبية – بشكل رئيسي لجان المقاومة. يجب تجريد القوات المسلحة السودانية من سلطتها السياسية وأصولها الاقتصادية وإخضاعها للحكومة. ويجب نزع سلاح قوات الدعم السريع وتفكيكها.
  4. إعادة بناء السلطة القضائية العليا في السودان فورًا للتحقيق مع المسؤولين عن الفظائع ومحاكمتهم.
  5. الإنشاء الفوري لآلية مساءلة تشمل محاكمة أمراء الحرب من خلال محكمة مشكلة بالطريقة المناسبة في السودان.
  6. إعادة بناء هيئة التخطيط ووزارة المالية في السودان فورًا لتحويل الفائض من جيوب التصدير نحو المنافع العامة والحماية الاجتماعية.

توضح هذه النقاط الست الركائز الثلاث لخارطة الطريق المشتركة بين الاتحاد الأفريقي والهيئة الحكومية الدولية للتنمية (إيغاد) لحل النزاع في السودان (2023). الصعوبة في خارطة الطريق هذه – كما هو الحال مع المقترحات المماثلة – هي أنها تعتمد على المانحين، بمن فيهم أطراف متورطة في العنف. ولكي تصبح هذه النقاط الست حقيقة واقعة، يجب الضغط على القوى الخارجية لإنهاء دعمها للقوات المسلحة السودانية وقوات الدعم السريع. وتشمل هذه القوى مصر، والاتحاد الأوروبي، وقطر، وروسيا، والمملكة العربية السعودية، والإمارات العربية المتحدة، والولايات المتحدة. لا تتضمن خارطة الطريق هذه ولا مسار جدة – وهو مسار وساطة سعودي-أمريكي أُطلق في عام 2023 يركز على الهدن القصيرة والوصول الإنساني – المجموعات المدنية السودانية، وعلى رأسها لجان المقاومة.

كمالا إبراهيم إسحق (السودان)، وحدة، 1987.

بالرغم من أن السودان قد أنجب نصيبه من الشعراء الذين يغنون عن الألم والمعاناة، دعونا نختم بنغمة مختلفة. في عام 1961، كتب الشاعر الشيوعي تاج السر الحسن (1935-2013) قصيدة “أغنية أفرو-آسيوية”، والتي تبدأ بإحياء ذكرى مذبحة كوستي في الجودة عام 1956، عندما اختنق 194 فلاحًا مضربًا حتى الموت أثناء احتجازهم لدى الشرطة. لكننا نتوجه إلى نهاية الأغنية، حيث يرتفع صوت الشاعر فوق دوي إطلاق النار:

وأنا في قلب أفريقيا أقف في الطليعة،
وحتى باندونغ سمائي تمتد.
غصن الزيتون ظلي وفنائي،
يا رفاقي:
يا رفاق الطليعة، يا من تقودون شعبي إلى المجد،
شموعكم تغمر قلبي بضوء أخضر.
سأغني المقطع الأخير،
لأرضي الحبيبة؛
لرفاقي في آسيا؛
لشعب الملايا،
ولباندونغ النابضة بالحياة.

لأهل الفاشر، ولمن في الخرطوم، لرفاقي في بورتسودان: سيروا نحو السلام.

وأنا في قلب أفريقيا فدائي
وعلى باندونج تمتد سمائي
غرسة الزيتون ظلّي وفنائي
يا رفاقي صانعي المجد لشعبي
يا شموعًا ضوؤها الأخضر قلبي
سأغني
آخر المقطع للأرض الحميمة…
لرفاقي في البلاد الآسيوية،
للملايو ولباندونق الفتية.

لأهل الفاشر، ولمن في الخرطوم، لرفاقي في بورتسودان: سيروا نحو السلام.

مشاركة المقال

Share on facebook
Share on twitter
Share on email

مقالات ذات صلة