مدار: 26 آب/ أغسطس 2025
أجرى “مدار” حوارا خاصا مع عضو المكتب السياسي لـ “حزب التحالف الشعبي الاشتراكي” بمصر، ممدوح حبشي، من أجل تسليط الضوء على مستجدات القضية الفلسطينية وتطوراتها علاقة بمصر، هذا البلد ذي الوزن الكبير والأدوار الاستراتيجية الحاسمة.
وقد حذّر ممدوح حبشي من أن مصر هي “الثمرة الكبرى” والهدف الاستراتيجي الأساسي للمشروع الصهيوني، تعليقا على تصريحات بنيامين نتنياهو بشأن مشروع “إسرائيل الكبرى”.
وفي حواره مع “مدار”، وصف حبشي عملية “طوفان الأقصى” بأنها “زلزال” أيقظ العالم، وكشف كيف تحولت مصر من قائدة للمقاومة في عهد عبد الناصر إلى قائدة لمسار “الاستسلام” والتطبيع منذ عهد السادات، وهو المسار الذي جعل النظام “عدواً لكل أنواع المقاومة” من أساسها.
وتحدث القيادي اليساري المصري عن “وساطة” القاهرة في المفاوضات مع المقاومة الفلسطينية، مؤكداً أنها مصر فقدت أي مصداقية لدى شعبها الذي يراقب عن كثب استمرار صفقة الغاز وتزايد التجارة مع الكيان المحتل في ذروة الإبادة. واعتبر أن هذه السياسات، التي وصفها بـ “التواطؤ الذي يرقى لدرجة المشاركة”، تشكل خطراً داهماً على الأمن القومي المصري.
بينما أشاد بالزخم العالمي المتصاعد لكسر الحصار، الذي ربط نجاحه بانتصار قوى التحرر العالمية على الإمبريالية، أشار إلى المفارقة المأساوية المتمثلة في قمع الحراك الشعبي في مصر. واستشهد بوجود 65 ألف سجين سياسي كدليل على أن “شدة القمع” وحدها هي ما تمنع الشعب المصري “المطحون” من التعبير عن تضامنه الكامل مع قضيته الفلسطينية.
وإليكم نص الحوار كاملا:
1. ما هي قراءتكم لتداعيات طوفان الأقصى على المستويَيْن الإقليمي والمصري. وما هو تقييمكم للأدوار التي تلعبها الدولة المصرية في هذا الصدد؟
أدى اندلاع طوفان الأقصى إلى زلزال على المستويين الإقليمي والمصري أيقظ الجميع على حقيقة أن المسألة الفلسطينية ما زالت جرحاً ينزف بعد أن ظنها الكثيرون قد ماتت وشبعت موتاً… خصوصاً بعد موجات التطبيع المتتالية التي بدأت النظم العربية المختلفة التسابق إليها. هنا أود تذكير الناس بأن مصر – أو بمعنى أصح النظام المصري – أيام السادات كانت بتوقيعها اتفاقيات ومعاهدة كامب ديفيد 1978 – 1979 أول المطبعين.
كانت مصر عبد الناصر هي قلب وقائدة شعوب العالم العربي في حربه ضد الصهيونية، فتحولت في عهد السادات إلى قائدة النظم العربية في اتجاه التطبيع فيما أطلق عليه السلام لكنه في حقيقة الأمر وبالتعريف هو الاستسلام بعينه. لذلك أصبح النظام المصري من تلك اللحظة عدواً لكل أنواع “المقاومة”، الأمر الذي من شأنه أن يقوض فكرة الاستسلام من أساسها.
أما بقية النظم العربية فقد تبعت المسار المصري الواحد تلو الآخر وكل بطريقته، إلا أن الهدف واحد، ألا وهو الاستسلام وبالتالي التبعية الكاملة، ليس للولايات المتحدة فقط بل لإسرائيل أيضاً.
2. رأينا خلال هذه السنة بعض القوافل الشعبية المتوجهة إلى غزة من أجل كسر الحصار، بينما يتم الاستعداد حاليًا لواحدة من أكبر القوافل البحرية على الإطلاق منذ فرض الحصار على غزة. كيف تقرؤون هذا النوع من المبادرات؟ وما هي سبل الدعم الشعبي المصري لها؟
حرب طوفان الأقصى لم توقظ نظم وشعوب منطقتنا وحدها بل أيقظت العالم أجمع. الأمر الذي تبدى في هذا الاستقطاب الهائل على مستوى العالم كله بين قوى التحرر والإنسانية وقوى الاستعمار والإمبريالية، …بين النظم الحاكمة في الغرب الإمبريالي بشكل عام وشعوبها. فأضحى حل القضية الفلسطينية مرتبطاً بانتصار قوى التحرر في العالم على الإمبريالية. من هنا تنطلق مبادرات كسر الحصار من قلب شعوب العالم كما نراها يومياً على الشاشات.
من المفهوم طبعاً أن كل تلك المبادرات تساهم في شحذ زخم التضامن العالمي مع القضية الفلسطينية. وسوف تتواصل هذه المبادرات وتتنوع أشكالها حتى تجبر نظم الغرب الداعمة لعنصرية الصهاينة على إيقاف دعمها فينقطع الحبل السري الذي تعيش عليه إسرائيل ويسقط المشروع الصهيوني. أقول هذا وأنا مقتنع به تماماً برغم معرفتي بأن المشوار أمامنا مازال طويلًا.
ومن الطبيعي أن نرى أغلب، إن لم يكن كل، تلك المبادرات نابعة من شعوب بلاد الغرب المتقدم، أو بلاد الشمال العالمي، لأنها الأوفر حظاً في ممارسة حرية الرأي والتعبير عنه بكل السبل. كذلك هناك الكثير من شعوب الجنوب العالمي استطاعت التظاهر للتعبير عن تضامنها مع شعب فلسطين وإدانتها لمجازر الصهاينة العنصريين… إلا شعوب بلداننا العربية المبتلاة بأبشع نظم الاستبداد والقمع في العالم.
تقدر الشبكة العربية لحقوق الإنسان عدد السجناء والمحبوسين سياسياً في مصر حتى بداية آذار/ مارس 2021 بنحو 65 ألفاً. هناك العديد من هؤلاء السجناء قبض عليهم فقط بسبب تضامنهم مع أهلنا في غزة. وأنا من
هنا أود أن أؤكد لكم أن شعب مصر المطحون اقتصادياً واجتماعياً من حكامه لا يألو جهداً في إظهار تضامنه
مع قضيته الفلسطينية لولا شدة القمع التي تمارس عليه. فقط أذكركم باللجان الشعبية التي شكلها شعب مصر لنصرة الانتفاضتين الفلسطينيتين في عامي 1987 و2000.
3. هناك انتقادات بشأن إغلاق معبر رفح لفترات طويلة من الجانب المصري، بينما تصر القاهرة على أن الكيان الصهيوني هو المسؤول عن هذا الإغلاق. وفي الآن نفسه، مددت مصر والكيان المحتل اتفاقية الغاز، وهو ما قوبل باحتجاجات شعبية. كما تلعب مصر دورا محوريا في جهود الوساطة. كيف تفسرون النهج المصري تجاه الأحداث على الساحة الفلسطينية عامة، والإبادة الجماعية في قطاع غزة خاصة؟
القاهرة تصر على أكثر من ذلك؛ إلا أن هذا التواطؤ الذي يرقى إلى درجة المشاركة قد أفقد النظام في مصر أي مصداقية لدى الشعب. الشعب يراقب كل شيء عن كثب ويرى أن إسرائيل هي من انتهك معاهدة كامب ديفيد وليست مصر. الشعب يرى صفقة الغاز التي عقدتها مصر مع المعتدي في أثناء انشغاله بإبادة الفلسطينيين وإعلانه بصريح العبارة عن خططه لتحقيق حلمه التوراتي بإسرائيل الكبرى بما فيها مصر. فأي وساطة تلك التي تدعون. أن دولا عديدة، بينها دول غربية حليفة لإسرائيل، اتخذت خطوات لتجميد أو وقف العلاقات معها، بينما تزايدت التجارة بين مصر وإسرائيل خلال عامي الحرب، بما في ذلك صادرات غذائية و واردات الغاز.
إن هذه الصفقة خطر داهم على الأمن القومي والمصالح الاقتصادية لمصر، خاصة مع تزامنها مع إعلان إسرائيل “الاحتلال الكامل” لقطاع غزة وفشل جهود الوساطة، التي هي ليست إلا الضغط على المقاومة للاستسلام .
4. ترى بعض القراءات أن الكيان الصهيوني يستهدف مصر أيضا، إلى جانب بلدان أخرى، بما فيها لبنان وسوريا والعراق والسعودية والأردن في إطار مشروع “إسرائيل الكبرى”، بل وترى هذه القراءات أن استهداف مصر يتعلق بالمرحلة الراهنة أكثر منها على المستوى الاستراتيجي. ما مدى دقة هذه القراءة؟ وما هي مقومات صمود الدولة المصرية في مواجهة المشروع الصهيوني، وفي الوقت نفسه، الاستجابة لطموحات الشعب المصري في نظام ديمقراطي؟
تصحيحاً لصيغة سؤالكم؛ “أن الكيان الصهيوني يستهدف مصر أيضا” أقول إن الكيان الصهيوني لا يستهدف مصر أيضاً بل بالأساس، فمصر كانت دائماً ومازلت الهدف الإستراتيجي. قراءتي أن استهداف مصر لا يتعلق بالمرحلة الراهنة بالمرة لكن بالضرورة على المستوى الاستراتيجي. ذلك لأن مصر تقوم بدور داعم لكل خطط إسرائيل في المرحلة الراهنة، باستثناء رفض تهجير الفلسطينيين إلى مصر. ولهذا الرفض أسبابه الداخلية، ليس من بينها بالطبع الخوف على مستقبل المسألة الفلسطينية. مصر هي الثمرة الكبرى التي تخطط إسرائيل أن تقطفها بعد أن تنتهي من جمع كافة الثمار الأقل وزناً والتي تراها تنكفئ أمامها الوحيدة تلو الأخرى.
أود أن ألفت نظر القارئ هنا بأن لي ورقتين في هذا الموضوع، ربما يكون لهما فائدة لمن يرغب في تفاصيل أكثر. ” المسألة الفلسطينية” نوفمبر 2023 ثم “فخ الدولتين” أبريل 2024.
وبالمناسبة أحب أذكركم جميعاً بإحدى قصائد شاعرنا الراحل العظيم أحمد فؤاد نجم، وغناها الشيخ إمام، هي الأقدر على شرح ما يعتمل في قلب شعب مصر:
ياعرب
يا عرب .. يا عرب .. يا عرب في أي مصر
يا عرب .. يا عرب .. اسمعوا صوت شعب مصر
أحفظوا لمصر المكان .. و احنا عالعهد اللي كان
مصر أوفى من الزمان ..
وانتو عارفين شعب مصر
يا عرب يا عرب يا أهل مصر
اللي خانوا العهد بينا .. و استباحوا كل حاجة
واستهانوا بالعروبة .. و استكانوا للخواجة
مستحيل حيكونوا منا .. نحنا حاجة و هما حاجة
هما باعوا الجلابية .. و الوطن و البندقية
وا حنا أصحاب القضية ..
احنا ما بنبيعش مصر
يا عرب يا عرب يا أهل مصر
يطلع الدجال بزيفو .. يملا وادي النيل ضباب
ينزل الجلاد بسيفو … يزرع الموت و الخراب
يطول الليل زي كيفو …. الصباح له ألف باب
واحنا بوصلتنا بإيدينا .. ما تخافوش من الليل علينا
مهما غبتو عن عينينا ..
انتو جوا بقلب مصر
يا عرب يا عرب يا أهل مصر
سينا و لا .. يافا و لا .. حيفا ولا … دير ياسين
اسألوا الشمس اللي هالة .. عللي صحيوا مبدرين
يزرعوها نور و غلة .. دول جدودنا و لا مين؟
حقنا و حتما ً يُعاد .. بس لو بانت سعاد
والبيان ده لوه معاد …
والمعاد حيكون في مصر
يا عرب يا عرب يا أهل مصر