لومانيتي/ مدار: 05 تشرين الثاني/ نوفمبر 2025*
يتحدث مدير معهد القارات الثلاث للبحث الاجتماعي، فيجاي براشاد، عن الإرث النضالي لإنهاء الاستعمار والدور المركزي الذي لعبه المعارض للملكية المغربية في معارك مناهضة الإمبريالية في عصره. أجرت هذا الحوار لصالح مجلة “لومانيتي” الفرنسية، الصحفية روزا موساوي.
روزا موساوي: ما هي الأسباب التي دفعت إلى عقد مؤتمر تضامن شعوب آسيا وأفريقيا وأمريكا اللاتينية، مؤتمر القارات الثلاث، في هافانا عام 1966؟ وهل كانت هذه المبادرة استمرارًا لمؤتمر باندونغ، المنعقد ذلك قبل بعشر سنوات؟
فيجاي براشاد: جاءت مبادرة مؤتمر باندونغ في عام 1956 من الحكومات الجديدة في عالم ما بعد الاستعمار. وكان من بين هذه البلدان إندونيسيا (البلد المضيف) والهند ومصر. اجتمع رؤساء حكومات هذه البلدان في محاولة لإيجاد مخرج من نظام الاستعمار الجديد الذي أبقى اقتصاداتهم في حالة تبعية، وشعوبهم في وضع دوني ضمن النظام العالمي. لكن الحركات التي لم تكن قد نالت استقلالها بعد في بلدانها لم تُدعَ إلى باندونغ، ولا إلى الاجتماعات التالية في القاهرة.
هذا الغياب هو ما دفع الثورة الكوبية إلى دعوة رؤساء الدول وممثلي حركات التحرر الوطني إلى هافانا لعقد مؤتمر القارات الثلاث. كانت القضية الرئيسية هي فيتنام، التي كانت تتعرض لهجوم منسق من القوى الإمبريالية. وانضم الفيتناميون إلى قوى تحرر وطني أخرى (قادمة من المناطق الأفريقية التي تسيطر عليها البرتغال ومن أمريكا الوسطى، حيث كانت الولايات المتحدة وحلفاؤها يحددون شروط الحكم). وهكذا، بمعنى ما، كان مؤتمر القارات الثلاث استمرارًا لمؤتمر “باندونغ”، ولكنه كان أيضًا تطويرًا أو امتدادًا له.
ر. م: ما الدور الذي لعبه الزعيم المغربي المهدي بن بركة في هذه الحركة؟ وما الذي ميز جيله من الثوار الذين خرجوا من نضالات إنهاء الاستعمار؟
ف. ب: كان المهدي بن بركة شخصية حاسمة في الحركة الثورية العالمية. لم يكن بإمكان الكوبيين أنفسهم تنظيم المؤتمر، لأنهم في ذلك الوقت لم تكن لديهم اتصالات كثيرة في أفريقيا وآسيا (كان عمر ثورتهم خمس سنوات فقط عندما بدأت الاستعدادات للمؤتمر). كان المهدي بن بركة، القادم من النضال ضد الدولة الملكية في المغرب، في المنفى لسنوات عديدة وكان على دراية واسعة بمجال النضال السياسي. كان فيدل كاسترو يثق به تمامًا، ولذلك سافر بن بركة متخفيًا حول العالم للمساعدة في تنظيم المؤتمر.
يمتلك ابنه، البشير، اليوميات والدفاتر التي احتفظ بها بن بركة، وهي تظهر بالضبط ما فعله لتنظيم هذا المؤتمر. أدرك الثوار من أمثال بن بركة أن دورهم في الحياة هو المساعدة في بناء حركاتهم الخاصة في بلدانهم وبناء الثقة والأخوة الأممية بين الحركات في آن واحد. وكلاهما له نفس القدر من الأهمية. فبدون روابط أممية، يمكن لحركة ما أن تجد نفسها معزولة وتتخذ قرارات تستند فقط إلى السياق المحلي أو الوطني، دون فهم السياق الدولي. وهذا درس تعلمه بن بركة في نضاله ضد الدولة المغربية.
ر. م: ماذا كانت الأهمية السياسية والتأثير العالمي لاختطافه واغتياله في باريس عام 1965، بينما كان يعد لهذا المؤتمر؟
ف. ب: حقيقة أن بن بركة اختُطف واغتيل على أيدي السلطات الفرنسية والمغربية لا بد أنها لم تكن مفاجأة له. كان مكروهًا من قبل السلطات المغربية، التي كانت تكره أي شخص يعارض النظام الملكي. وبالمثل، كانت أجهزة المخابرات الفرنسية والغربية تعلم أن بن بركة يلعب دورًا مهمًا في النضال ضد الاستعمار وأن مؤتمر القارات الثلاث كان حدثًا خطيرًا بالنسبة لهم. لن أتفاجأ – عندما نحصل على جميع المعلومات – إذا ما كان للديكتاتورية البرتغالية دور في مقتله، لأنها كانت غاضبة من الدور الذي لعبه مؤتمر القارات الثلاث في إقامة روابط دولية للنضال المسلح في المستعمرات البرتغالية في أفريقيا.
ر. م: كيف يواصل معهد القارات الثلاث، الذي تديره، اليوم الإرث النضالي لإنهاء الاستعمار، والنضالات المناهضة للإمبريالية، وحركة عدم الانحياز؟
ف. ب: في مكتبي، لدي صورة لآخر طائرة استقلها بن بركة من هافانا إلى باريس. إنها رحلة تابعة للخطوط الجوية الفرنسية. أنظر إليها كثيرًا. إنها تمنحنا الشجاعة لمواصلة عمل بن بركة وفيدل كاسترو ومؤتمر القارات الثلاث. نحن نناضل ضد أجندة الحرب والتقشف، وضد الديون والفقر التي تميز عالم اليوم. لكننا لا نكتفي بالنضال “ضد”، بل نناضل أيضًا من “أجل”. إننا نناضل من أجل التنمية والسلام، ومن أجل بناء الجسور وليس تدميرها. هذه هي رسالة القارات الثلاث، وهي تشع نورًا ساطعًا بالنسبة لنا. ولهذا، نكرم سلفنا، المهدي بن بركة.
*نشر هذا النص لأول مرة باللغة الفرنسية بتاريخ 27 تشرين الأول/ أكتوبر، على مجلة “لومانيتي” الفرنسية.

