مدار (خاص): 02 كانون الأول/ ديسمبر 2023
في الجزء الأول من هذا الحوار الخاص مع “مدار”، قال الأمين العام لحزب الشعب الفلسطيني، بسّام الصالحي، إن عملية السابع من أكتوبر/ تشرين الأول أظهرت بأن إسرائيل “قابلة للتعرض لضربات وانتكاسات مهمة وذات تأثير كبير ليس فقط على واقع وحاضر هذه الدولة لكن على مستقبلها أيضا”.
وأبرز الزعيم السياسي اليساري أيضا، أن رد الفعل العربي الرسمي من مجريات الأحداث في فلسطين “ليس بالمستوى المطلوب“.
أما في الجزء الثاني من هذه المقابلة، فيبرز الصالحي قناعة حزبه السياسي بأن “توحيد الساحة الداخلية الفلسطينية هو العنصر الحاسم في القدرة على إجهاض العدوان الإسرائيلي ومن أجل استثمار كل التضحيات التي قدمت في سبيل تحقيق حقوق الشعب الفلسطيني”.
وشدّد بسّام الصالحي على أن “اليسار الفلسطيني مطلوب منه الكثير، كأن يوحد موقفه بشكل متجانس، خصوصا أن القضايا الرئيسية أمامه هي القضايا ذاتها، وهي تقوم على تفعيل المؤسسات الفلسطينية وحماية تمثيل منظمة التحرير الفلسطينية من خلال تطوير أدائها وتطوير مشاركة الكل فيها”.
الأمين العام لحزب الشعب الفلسطيني أكد أن “المهمة الأكثر صعوبة الآن هي كيفية حشد موقف إقليمي ودولي ليس فقط مساندا للشعب الفلسطيني في وقف العدوان، ولكن أيضا في جعل القضية الفلسطينية مدخلا للحل وليست مدخلا فقط للتجاذب وللصراع”.
وفي ما يلي الجزء الثاني والأخير من الحوار:
مدار: في ظل جرائم الحرب الممنهجة التي يرتكبها الكيان الصهيوني في قطاع غزة، والمعركة البطولية التي تخوضها المقاومة، كيف تقيمون تحرك السلطة الفلسطينية بشكل خاص، ومنظمة التحرير الفلسطينية بشكل عام. وما هي الخطوات التي يجب اتخاذها من وجهة نظركم؟.
بسّام الصالحي: في ما يتعلق بمنظمة التحرير والسلطة الفلسطينية نحن منذ البداية ندعو في العديد من اللقاءات والاجتماعات التي تمت والتي تتم من أجل اعتماد ثلاث أولويات أساسية:
الأولى أن تتم استعادة بناء الوحدة الوطنية الفلسطينية والمسارعة إلى عقد اجتماع يضم كافة القوى الفلسطينية، بحيث يتم قطع الطريق على مسعى الولايات المتحدة وإسرائيل إلى عزل حركة حماس أو لخلق المزيد من التناقضات بين أبناء الشعب الفلسطيني.
ونحن نرى ضرورة قطع الطريق على ما يسمى التحالف الدولي ضد الإرهاب وضد حماس في محاولة مقارنة أي من حركات الفلسطينية بـ”داعش”، فهو ادعاء مرفوض جملة وتفصيلا، وليس حقيقيا في كل الأحوال، علما أن “داعش” كانت منتجا أمريكيا بالدرجة الأولى. ويجب عقد اجتماع يضم كافة القوى الفلسطينية ويوحد الخطاب السياسي الفلسطيني، إذ إن منظمة التحرير بالأساس هي الممثل الوحيد والشرعي للشعب الفلسطيني، وهي أيضا الإطار الجبهوي الذي يضم كافة القوى الفلسطينية دون استثناء، وهذا أمر نحن عملنا عليه ومازلنا نعمل عليه ونحن على قناعة بأن توحيد الساحة الداخلية الفلسطينية هو العنصر الحاسم في القدرة على إجهاض العدوان الإسرائيلي ومن أجل استثمار كل التضحيات التي قدمت في سبيل تحقيق حقوق الشعب الفلسطيني.
الأولوية أو القضية الثانية هي المرتبطة بوقف العدوان على غزة وإنهاء الحصار. ونحن نرى أن الجهد من أجل ذلك هو جهد مركزي لمنظمة التحرير ولكافة القوى الفلسطينية. ويتم هذا بالأساس من خلال الجهد الكفاحي والسياسي الدولي، الجهد الكفاحي على الأرض من خلال انخراط كافة القوى في مختلف أشكال الفعاليات والأنشطة الكفاحية ضد الاحتلال، وهي موجودة سواء في الضفة الغربية أو في قطاع غزة، والأمر الثاني الأساسي هو الجهد السياسي الدولي من أجل وضع قضية إنهاء العدوان وفك الحصار ومحاسبة إسرائيل على جرائم الحرب التي ترتكبها في مركز هذا النشاط الدولي. وقد تم بطبيعة الحال الذهاب إلى الأمم المتحدة، وتمت الدعوة إلى قمة عربية إسلامية طارئة، وأيضا يتم بالعمل مع البرلمانات الدولية ومع أوساط وأحزاب وقوى صديقة.
نحن نعتقد أن بالإمكان تفعيل هذا الدور أكثر عندما تضع كل التنظيمات الفلسطينية مجمل علاقاتها الدولية في إطار هذه المهمة، بحيث يزداد ويتعزز نشاط التضامن مع الشعب الفلسطيني ويتم أيضا توحيد الخطاب السياسي على المستوى الدولي، ومن هنا نحن نعتقد أن هذه الأولوية مركزية.
والأولوية الثالثة التي لا تقل أهمية، وهي بنهاية المطاف المفصل الأساسي، تقوم على التقدم بموقف سياسي واضح وصريح ومبادرة سياسية ملموسة من أجل تحويل وتركيز أنظار العالم للإنهاء الفوري للاحتلال. نحن لا نريد أي عمليات انتقالية جديدة، لا نريد العودة إلى الدوامة السابقة لما تسمى الحلول الانتقالية ولعملية سياسية دون مضمون، وإنما لمؤتمر دولي تشارك فيه كافة القوى الدولية تحت رعاية دولية شاملة، يضع جدولا زمنيا وسقفا زمنيا لإنهاء الاحتلال ولتطبيق قرارات الأمم المتحدة ذات الصلة. هذا الجهد السياسي مطلوب بشكل رئيسي أولا لقطع الطريق على محاولة حصر القضية وكأنها فقط وقف العدوان على أهمية ذلك، أو أنها قضية تبادل أسرى على أهمية ذلك، وهي من الأساس أوسع من ذلك، وقد باتت أوسع من ذلك مع حجم التضحيات الهائلة التي يقدمها الشعب الفلسطيني. والأمر الثاني أيضا هو قطع الطريق على الرعاية المنفردة الأمريكية لعملية السلام، التي كانت سببا رئيسيا في فشل هذه العملية على مدار الأعوام الماضية، إذ إن الولايات المتحدة شكلت عائقا أساسيا أمام تحرر الشعب الفلسطيني من خلال تواطئها الدائم وشراكتها مع الاحتلال؛ وبالتالي المطلوب هو رعاية دولية توقف احتكار الولايات المتحدة وذيلها الأوروبي لهذه العملية.
والمسألة الثالثة أيضا تترافق مع ذلك، وتقوم على أن الجهد العام الدولي في هذا الاتجاه يحول دون السعي إلى ما تسميه الإدارة الأمريكية وإسرائيل “اليوم التالي لغزة”. بالنسبة لنا لا يوجد شيء اسمه “اليوم التالي لغزة”، اليوم الأول هو اليوم التالي، وبالتالي يجب أن تكون هناك معالجة لقضية غزة في إطار إنهاء الاحتلال على الضفة الغربية وعاصمتها القدس، وذلك في إطار إنهاء الاحتلال على أرض دولة فلسطين، وجعل الحل الحقيقي لغزة هو الحل الحقيقي للضفة الغربية والقدس، وهو حل يقوم على إنهاء الاحتلال، وبالتالي المسؤولية عن الحالة الخاصة في غزة والضفة وغيرها هي مسؤولية جماعية ومشتركة، تشترك فيها كافة القوى الفلسطينية في إطار الوحدة الجغرافية والسياسية للضفة الغربية وقطاع غزة، وليس في إطار انفصالي كما تريد الولايات المتحدة وإسرائيل.
مدار: ما هي التأثيرات التي ترونها للتجاذبات الإقليمية والدولية (بما فيها العلاقات الغربية الصينية والروسية، وكذلك باقي الفاعلين الإقليميين: إيران، السعودية، مصر، الأردن، لبنان، اليمن..) على القضية الفلسطينية بشكل عام، ومعركة طوفان الأقصى بشكل محدد؟.
بسّام الصالحي: القضية الفلسطينية هي قضية دولية وليست قضية تخص الشعب الفلسطيني وحده، وهي من البداية كانت نقطة تجاذب للقوى الدولية المختلفة والقوى الإقليمية. نحن نعتقد أن المهمة الأكثر صعوبة الآن هي كيفية حشد موقف إقليمي ودولي ليس فقط مساندا للشعب الفلسطيني في وقف العدوان، ولكن أيضا في جعل القضية الفلسطينية مدخلا للحل وليست مدخلا فقط للتجاذب وللصراع. طبعا نحن في هذا السياق نميز تماما بين موقفين، هناك قوى على المستوى الدولي شريكة للاحتلال الإسرائيلي، وظهرت هذه الشراكة تاريخيا منذ نشأة الاحتلال، ومنذ مشروع وعد بلفور وما تلاه، وهو مستمر للأسف حتى الآن، وهناك قوى مساندة للشعب الفلسطيني ولحقوقه الوطنية.
في الطرف الأول المعادي للشعب الفلسطيني تظهر الولايات المتحدة ومعها التحالف الغربي بالأساس، وهذا التحالف حتى في نظرته للقضية الفلسطينية يذهب إلى تكييف أي حل مع الموقف الإسرائيلي ومع المصالح الأساسية للاحتلال الإسرائيلي. وفي المقابل هناك قوى دولية حليفة للشعب الفلسطيني، على رأسها روسيا والصين ودول البريكس ودول إفريقية ودول أمريكا اللاتينية وغيرها، وهي حشد هائل من الدول المنتظمة في مجموعة عدم الانحياز والدول الإسلامية والاتحاد الإفريقي وأمريكا اللاتينية وغيرها. ونحن نرى أن المعركة الأخيرة أظهرت هذا الفرز بشكل واضح وأظهرت أن غالبية دول العالم وغالبية شعوبها منحازة لصالح الشعب الفلسطيني. فرغم كل الحملة المضللة التي قادتها الولايات المتحدة وإسرائيل وسيطرتها على وسائل الإعلام والرأي العام وعلى مصالح الدول وارتباطاتها بالحسابات الأمريكية إلا أن الغالبية العظمى من دول العالم ومن شعوب العالم منحازة لصالح حقوق الشعب الفلسطيني.
من هنا نحن نعتقد أنه على مستوى الإقليم هناك الآن حاجة إلى توحيد موقف قوى الإقليم التي لا يوجد سبب لتعارضها في حماية القضايا الرئيسية للشعب الفلسطيني. مثلا نحن نرى أهمية كبرى لأن يكون هناك انسجام أكبر في موقف كل من السعودية ومصر وتركيا وإيران على سبيل المثال باتجاه الموقف الموحد، فلا معنى لاستمرار التجاذبات بين بعض هذه الأطراف، خصوصا أنها جميعا اتفقت في القمة العربية الإسلامية الاستثنائية على مجموعة من المخرجات.
نحن نرى أن هناك أهمية كبرى لأن تحشد هذه الدول مواقفها بصورة مشتركة وباتجاه تنفيذ هذه المخرجات، وأهمها كسر الحصار على غزة، بالإضافة طبعا إلى الموضوع والمضمون السياسي. وعندما تلتقي هذه الدول تنفيذا لمخرجات القمة العربية الإسلامية الاستثنائية فهذا يعني أن هذه الأطراف المركزية على مستوى الإقليم بإمكانها أن تؤثر أيضا على مستوى العلاقات الدولية؛ علما أنه هناك وفدا مشتركا زار روسيا والصين وغيرها من الدول، إلا أن بالإمكان أن تستخدم هذه الدول ليس فقط مساعيها الدبلوماسية وإنما كذلك قوتها الاقتصادية وقوتها المادية من أجل تحويل القرارات التي اتخذت إلى موقف فاعل وإلى إجراءات عملية توقف العدوان وتفسح المجال لحل حقيقي يؤدي إلى إنهاء الاحتلال. نحن نعتقد أن القضية الفلسطينية باتت عنصرا كاشفا لمفاهيم العدالة على المستوى الدولي والإنساني، وهي أساس أيضا لاصطفاف واسع إقليمي ودولي في مواجهة الإمبريالية والصهيونية اللتين أظهرتا أنهما حليفان مركزيان في هذا الصراع.
مدار: ما هي المهام المستعجلة لليسار الفلسطيني والعربي للضغط من أجل وقف العدوان على الشعب الفلسطيني؟.
بسّام الصالحي: اليسار الفلسطيني مطلوب منه الكثير، كأن يوحد موقفه بشكل متجانس، خصوصا أن القضايا الرئيسية أمامه هي القضايا ذاتها، وهي تقوم على تفعيل المؤسسات الفلسطينية وحماية تمثيل منظمة التحرير الفلسطينية من خلال تطوير أدائها وتطوير مشاركة الكل فيها، وكذلك الحال في التعامل مع واقع الاحتلال القائم اليوم في غزة والضفة الغربية، خصوصا عندما أجهض الاحتلال كل الاتفاقات السابقة مع السلطة الفلسطينية ومع منظمة التحرير. فهذا يعني أن هناك فقط اتجاها واحدا لعمل كافة القوى الفلسطينية، وهو إنهاء الاحتلال وتوسيع الجبهة الوطنية العريضة من أجل ذلك.
بالإضافة إلى ذلك هناك قضايا ذات مضمون اجتماعي وحقوق اجتماعية للناس، وحزب الشعب على الدوام كان يقول وينادي بأن الحقوق الاجتماعية والديمقراطية هي ضمان للحقوق الوطنية، وهذه المقولة هي مقولة هامة ومازالت تكتسب أهميتها لأن النضال الوطني بالترافق مع النضال الاجتماعي يمكن أن يؤدي إلى تعزيز قدرة الصمود وإلى حماية منجزات الكفاح والتحدي، خاصة أن الطبقات الشعبية هي التي يقع علها العبء الأكبر، سواء في تحمل مصاعب الواقع الاقتصادي والاجتماعي أو كذلك في تحمل متطلبات النضال والكفاح الوطني.
ولهذا، نحن نعتقد أن اليسار بإمكانه أيضا أن يعزز هذا المفهوم، والأمر الثالث هو رؤية اليسار للمضمون الاجتماعي والفكري والتنويري للمجتمع الفلسطيني. المجتمع الفلسطيني خلال معاركه ومن خلال حملة التضامن الدولي معه ظهر أن مقياس التسامح ومقياس الانفتاح والديمقراطية والتعددية في النظام السياسي الفلسطيني هي أساس لتطوير حالة التضامن مع الشعب الفلسطيني، وهذا جزء صميمي في رؤية اليسار للمعادلات الداخلية الفلسطينية؛ ولذلك نحن نعتقد أن وحده اليسار الفلسطيني وحسن التنسيق مع اليسار العربي والدولي هو عامل هام في تنسيق كفاح الشعب الفلسطيني الوطني والاجتماعي من جهة، وكذلك تنسيق حملة التضامن الأممي مع نضال الشعب الفلسطيني في كل المستويات.