مدار + مواقع: 10 شباط/ فبراير 2020
يشهد العالم في السنوات الأخيرة ارتفاعا مهولا لدرجة الحرارة، إذ يعتبر العقد الحالي الأكثر حرا مقارنة بالسنين التي سبقته؛ فبحلول 2040 سترتفع درجة حرارة الأرض بحوالي ثلاث درجات مئوية حسب اختصاصيي منظمة الأمم المتحدة، ما يعني أن الحرارة سترتفع بـ0.15 درجة مئوية كمعدل سنوي ثابت، وبالتالي فإننا لسنا أمام حدث منعزل، بل معضلة تزداد قتامة؛ وما الإحصائيات التي تحصر هذه التغيرات إلا دليل على مستوى الوضعية التي يرزح تحتها الكوكب.
ولعل الكوارث التي تعيشها أستراليا ليست إلا تأكيدا على مآل الأوضاع؛ إذ تعرف حرائق كارثية في معظم أنحائها، من الجنوب الغربي، ومروراً بالجنوب، وحتى فيكتوريا، ودولة جزيرة تسمانيا، وعبر نيو جنوب ويلز (نيو ساوث ويلز)، جنوب شرق كوينزلاند والشمال الاستوائي، مع قدرتها على الزحف لتغطي مساحة أكبر.
وبالرجوع إلى التقييم الذي وضعته الحكومة الأسترالية، هناك موجة حارة شديدة أخرى تنتشر في جميع أنحاء القارة، تولد درجات حرارة يمكن أن تحطم الأرقام القياسية التي حطمت بالفعل قبل بضعة أسابيع؛ فمن المتوقع أن تبدأ حرائق جديدة، بينما من المتوقع أن تحمل الرياح القوية المئات من الحرائق الحالية. وما يزيد من قتامة الوضع تصريح أحد قادة مكافحة الحرائق بأستراليا بأنه “لا يمكن وقف هذه الحرائق”، ما يعني أن أوضاع الحرائق أصبحت تعرف منعرجا خطيرا.
وقد أوضح قادة اليسار الأخضر أن الحرائق تسببت في إبراز الوجه الحقيقي لحكومة الائتلاف الوطني الليبرالي برئاسة رئيسة الوزراء سكوت موريسون، التي تباهت قبل ذلك بفترة قصيرة برفض أستراليا اتخاذ مزيد من الإجراءات للحد من انبعاثات الكربون، وإدانتها للمراهقة غريتا ثونبرج بسبب احتجاجاتها المناهضة لتغير المناخ، لتدخل الأطفال دائرة المسؤولية.
وحتى مع تصاعد الحرائق فقد أصرت الحكومة الأسترالية على التقليل إلى أدنى حد من الارتباط الذي لا يمكن إنكاره بين الاحتباس الحراري والحرائق التي تواجهها البلاد. وأبرز ممثلو المنضمات المدافعة عن التنوع البيئي أنه مع كل ما تعيشه البلاد لا يمكن أن تقتصر المسؤولية على من هم حاليا في السلطة، بل هي السياسة نفسها على مر عقود من التراكم. ورغم كل التحذيرات العلمية فقد سعت هاته السياسة القائمة على الاستنزاف إلى تأخير أو منع الاستجابة لتغير المناخ التي كانت ستعيق أنشطة وأرباح الشركات الكبرى.
لقد تركت حكومات الولايات الفيدرالية محاربة نيران الحرائق تقريبًا بشكل شبه حصري للخدمة التطوعية، كما أوضح حزب العمال أنه حينما كانت الأوضاع مستقرة قامت الحكومة بقطع التمويل عن الأجهزة المكلفة بمحاربة الحرائق ورفضت تزويدهم بمجموعة واسعة من المعدات اللازمة.
كما أضاف المصدر ذاته أنه على جميع المستويات ركزت السياسة الحكومية على خفض ضرائب الشركات والأثرياء، وخفض الأجور وظروف العمل، وإزالة القيود المفروضة على جني الأرباح، وتأجيج ارتفاع المضاربة في سوق الأسهم والقيم العقارية، وزيادة الإنفاق العسكري تحسبا لصراعات وحروب جديدة، في حين تم خفض الإنفاق على خدمات الصحة والطوارئ؛ ومع انعدام شروط الصرامة الخاصة بالمناخ في ظل لامبالاة الحكومة الأسترالية بخصوص خطر تغير المناخ الذي يجد له مرتعا مبررا في ظل نظام عالمي يحمل الرؤية نفسها؛ هذا في وقت صرح المكلف بمكافحة الحرائق بأنه كانت هناك مطالب من أجل الاستعانة بطائرات خاصة لمثل هذه الكوارث، لكن تم تجاهلها بمبرر أنه لا توجد ضرورة أو فائدة مرتجاة في الرفع من الإنفاق، رغم أنه كان من المتوقع أن يكون موسم حريق مروع. كما أمكن أن تكون الطائرات سلاحًا حاسمًا إذا تم توفيرها آنذاك عن طريق تخصيص المزيد من الموارد للحصول على هذه الأجهزة، لكنهم لم يفعلوا.
كانت حرائق 2019-2020 مسؤولة حتى الآن عن مقتل عشرات الأشخاص وتدمير أكثر من 1500 منزل، وفقدان مئات المباني الزراعية وغيرها من المباني، إضافة إلى خسائر زراعية وفي قطعان الماشية جد هائلة.. تم احتراق أكثر من ستة ملايين هكتار، ويقدر العلماء أن 500 مليون من الحيوانات والطيور المحلية قد هلكت. وهذا قبل أشهر الصيف الحارة، والتي تعد أسوأ فترة لاستعار النيران.
وفي حديث لجيمس كوجان أبرز أنه كما هو الحال مع جميع “الكوارث الطبيعية” في العالم، فإن الطبقة العاملة والفقراء هم أكبر الخاسرين. لقد تم بالفعل تسريح الآلاف من العمال وفقدان الآلاف من مناصب الشغل في قطاعي الزراعة والسياحة، مضيفا أن درجات الحرارة الشديدة والانبعاثات الناتجة عنهما أكبر تهديد لأولئك الذين يعانون من مشاكل صحية ويعيشون في ضواحي المدن والمناطق ذات الدخل المنخفض؛ فهم عمومًا أكثر المتضررين من الحرارة وانكماش الخدمات الصحية باعتبارهم الأكثر حاجة لها، وفي الوقت نفسه الأقل وصولية.
كما استرسل المصدر ذاته بأنه ليس لدى الطبقة الرأسمالية الحاكمة وأجهزتها السياسية أدنى حل لعواقب أزمة المناخ التي أحدثتها اللامبالاة والتقاعس في التعاطي مع الإشارات التي كانت تنبئ بأن القادم أسوأ. وفي خطوة ارتجالية في آخر محاولة يائسة للتظاهر برد الفعل، أعلنت الحكومة الأسترالية اليوم تعبئة بضعة آلاف من جنود الاحتياط بالجيش، ممن ليس لهم أي خلفية على مكافحة الحرائق، وليسوا قادرين على تقديم مساعدات طارئة للسكان المتضررين.
فيما اختتم كوجان الحديث بالتأكيد على أن تغير المناخ وعواقبه يمثلان في الواقع حالة طارئة تمس جميع أنحاء المعمورة؛ وهي حقيقة أصبحت مفهومة جيدًا الآن من قبل مئات الملايين من العمال والشباب في جميع أنحاء العالم، لكنها تتطلب استجابة عالمية تضع حداً لإخضاع جميع جوانب الحياة الاقتصادية والاجتماعية لتراكم الأرباح لدى أقلية رأسمالية هدفها الأول والأخير الربح دون الالتفات الى ما يترتب عن ذلك، مضيفا: “يجب أن تحفز كارثة أستراليا النضال من أجل بديل قادر على وضع حد لهذه السياسات التي ما فتئت تقود العالم إلى الهاوية”.