ثمانون عاما من الأمم المتحدة: المراسلة 36 (2025)

مشاركة المقال

Share on facebook
Share on twitter
Share on email

معهد القارات الثلاث للبحث الاجتماعي/ مدار: 04 أيلول/ سبتمبر 2025

فيجاي براشاد

ليس هناك سوى معاهدة واحدة في العالم، على الرغم من محدوديتها، تجمع بين الأمم: ميثاق الأمم المتحدة. كتب ممثلو خمسين دولة ميثاق الأمم المتحدة وصدقوا عليه عام 1945، مع انضمام دول أخرى في السنوات التي تلت ذلك. الميثاق نفسه يحدد فقط شروط سلوك الدول. إنه لا يخلق، ولا يمكنه أن يخلق، عالماً جديداً. فهو يعتمد على الدول فرادى إما أن تعيش بالميثاق أو أن تموت بدونه.

بقي الميثاق غير مكتمل. فقد احتاج إلى الإعلان العالمي لحقوق الإنسان عام 1948، وحتى هذا الإعلان كان موضع خلاف، إذ كان لا بد في النهاية من فصل الحقوق السياسية والمدنية عن الحقوق الاجتماعية والاقتصادية. الخلافات العميقة في الرؤى السياسية أحدثت شروخا في نظام الأمم المتحدة، مما أعاقها عن معالجة مشكلات العالم بفعالية.

الأمم المتحدة اليوم تبلغ الثمانين. إنه معجزة أنها صمدت كل هذه الفترة. عصبة الأمم تأسست عام 1920 ولم تدم سوى ثمانية عشر عاماً من السلام النسبي (حتى بدأت الحرب العالمية الثانية في الصين عام 1937).

روفينو تامايو (المكسيك)، الأخوّة، 1968.

لا تكون قوية الأمم المتحدة إلا بقدر ما تكون جماعة الأمم التي تتألف منها قوية. فإذا كانت الجماعة ضعيفة، فإن الأمم المتحدة تكون ضعيفة. كجسم مستقل، لا يمكن توقع أن تهبط الأمم المتحدة مثل ملاك وتهمس في آذان المتحاربين لتوقفهم. كل ما يمكنها فعله هو إطلاق صافرة الحكم، حكمٌ للعبة تُكسر قواعدها بشكل متكرر من قبل الدول الأكثر قوة. وهي تقدم كيس ملاكمة مريحاً لجميع أطراف الطيف السياسي: تُلام إذا لم تُحل الأزمات وإذا قصرت جهود الإغاثة. هل يمكن أن توقف الأمم المتحدة الإبادة الإسرائيلية في غزة؟ لقد أدلى مسؤولو الأمم المتحدة بتصريحات قوية خلال الإبادة، إذ قال الأمين العام أنطونيو غوتيريش إن “غزة ساحة قتل – والمدنيون في حلقة موت لا تنتهي” (8 نيسان/أبريل 2025)، وإن المجاعة في غزة “ليست لغزاً – إنها كارثة من صنع الإنسان، إدانة أخلاقية، وفشل للإنسانية ذاتها” (22 آب/أغسطس 2025). هذه كلمات قوية، لكنها لم تُجدِ نفعاً، مما يثير التساؤل حول فعالية الأمم المتحدة نفسها.

كانديدو بورتيناري (البرازيل)، الحرب والسلام (الحرب)، 1952.

الأمم المتحدة ليست جسماً واحداً، بل نصفين. الوجه الأكثر علانية هو مجلس الأمن الدولي، الذي أصبح بمثابة ذراعها التنفيذية. يتكون المجلس من خمس عشرة دولة: خمس دائمة العضوية (الصين، فرنسا، روسيا، المملكة المتحدة، الولايات المتحدة) والبقية تُنتخب لفترات تمتد عامين. الأعضاء الخمسة الدائمون (P5) يملكون حق النقض (الفيتو) على قرارات المجلس. فإذا لم يعجب أحدهم قراراً ما، يستطيع أن يُفشله باستخدام الفيتو. في كل مرة عُرضت على المجلس قرارات تطالب بوقف إطلاق النار، مارست الولايات المتحدة الفيتو لإسقاط حتى هذا الإجراء المتواضع (منذ عام 1972، استخدمت الولايات المتحدة الفيتو أكثر من 45 مرة ضد قرارات تخص الاحتلال الإسرائيلي لفلسطين).

يحل مجلس الأمن محل الجمعية العامة للأمم المتحدة، التي تضم 193 عضواً يمكنهم إصدار قرارات تحاول تشكيل الرأي العام العالمي لكنها غالباً ما تُتجاهل. منذ بداية الإبادة، مثلاً، اعتمدت الجمعية العامة خمسة قرارات أساسية تطالب بوقف إطلاق النار (الأول في تشرين الأول/أكتوبر 2023 والخامس في حزيران/يونيو 2025). لكن الجمعية العامة لا تملك أي سلطة حقيقية في نظام الأمم المتحدة.

كانديدو بورتيناري (البرازيل)، الحرب والسلام، 1957.

النصف الآخر من الأمم المتحدة هو وكالاتها العديدة، التي أُنشئت للتعامل مع أزمات هذا العصر أو ذاك. بعضها سبق الأمم المتحدة نفسها، مثل منظمة العمل الدولية التي أُنشئت عام 1919 وأُلحقت بنظام الأمم المتحدة عام 1946 كأول وكالة متخصصة فيه. وتبعتها وكالات أخرى، منها صندوق الأمم المتحدة لرعاية الطفولة (اليونيسف)، الذي يدافع عن حقوق الأطفال، ومنظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة (اليونسكو)، التي تروّج للتسامح والاحترام لثقافات العالم.

وعلى مدى العقود، أُنشئت وكالات للترافع وتقديم الإغاثة للاجئين، ولضمان استخدام الطاقة النووية للأغراض السلمية لا الحربية، ولتحسين الاتصالات العالمية، ولتوسيع نطاق المساعدات الإنمائية. مهامها مثيرة للإعجاب، لكن نتائجها أكثر تواضعاً. التمويل الضئيل من دول العالم يمثل أحد القيود (في عام 2022 بلغت نفقات الأمم المتحدة الإجمالية 67.5 مليار دولار، مقابل أكثر من تريليوني دولار أُنفقت على تجارة الأسلحة). ويعود هذا النقص المزمن في التمويل أساساً إلى خلاف القوى العالمية بشأن توجهات الأمم المتحدة ووكالاتها.

ومع ذلك، لولا هذه الوكالات لما جرى توثيق معاناة العالم أو معالجتها. لقد أصبح نظام الأمم المتحدة المنظمة الإنسانية للعالم، إلى حد كبير لأن سياسات التقشف النيوليبرالية والحروب دمّرت قدرة معظم الدول على القيام بشكل منفرد بهذا العمل بنفسها، ولأن المنظمات غير الحكومية صغيرة جداً لملء هذه الفجوة بشكل ملموس.

إديته باولس-فيغنيري (لاتفيا)، أمل، 1994.

مع تفكك الاتحاد السوفيتي، تغير التوازن الكامل للنظام العالمي ودخلت الأمم المتحدة في دورة من مبادرات الإصلاح الداخلي: من “جدول أعمال للسلام” (1992) و”جدول أعمال للتنمية” (1994) لبطرس بطرس غالي، إلى “تجديد الأمم المتحدة” (1997) لكوفي عنان، وصولاً إلى “أجندتنا المشتركة” (2021)، و”قمة المستقبل” (2024)، و”قوة عمل الأمم المتحدة 80” (2025) لغوتيريش. 

تُعد “قوة عمل الأمم المتحدة 80” الإصلاح الأعمق الذي تم طرحه، لكن مجالات اهتمامها الثلاثة (الكفاءة الداخلية، مراجعة التفويض، ومواءمة البرامج) جُربت سابقاً (“لقد جربنا هذا التمرين من قبل”، يقول وكيل الأمين العام للسياسات ورئيس قوة العمل، غاي رايدر). الأجندة التي وضعتها الأمم المتحدة تركز على نقاط ضعفها التنظيمية ولا تعالج الأسئلة السياسية الكبرى التي تُفشل عملها. أجندة أوسع يجب أن تشمل النقاط التالية:

  1. نقل أمانة الأمم المتحدة إلى الجنوب العالمي. تكاد كل وكالات الأمم المتحدة تتمركز في أوروبا أو الولايات المتحدة، حيث يقع مقر الأمانة العامة نفسها. كانت هناك مقترحات عرضية لنقل اليونيسف وصندوق الأمم المتحدة للسكان وهيئة الأمم المتحدة للمرأة إلى نيروبي، كينيا، التي تستضيف بالفعل برنامج الأمم المتحدة للبيئة وبرنامج الأمم المتحدة للمستوطنات البشرية. لقد حان الوقت كي تغادر الأمانة العامة نيويورك وتتجه إلى الجنوب العالمي، ليس أقلها لمنع واشنطن من استخدام رفض التأشيرات لمعاقبة مسؤولي الأمم المتحدة الذين ينتقدون القوة الأمريكية أو الإسرائيلية. ومع منع الولايات المتحدة مسؤولين فلسطينيين من دخول أراضيها لحضور الجمعية العامة، ارتفعت الدعوات بالفعل لنقل اجتماع الجمعية إلى جنيف. فلماذا لا تغادر الولايات المتحدة نهائياً؟
  2. زيادة تمويل الأمم المتحدة من الجنوب العالمي. حالياً، أكبر الممولين للنظام هم الولايات المتحدة (22%) والصين (20%)، مع سبعة من حلفاء الولايات المتحدة المقربين يساهمون بـ28% (اليابان، ألمانيا، المملكة المتحدة، فرنسا، إيطاليا، كندا، كوريا الجنوبية). يساهم الجنوب العالمي – من دون الصين – بنحو 26% من ميزانية الأمم المتحدة؛ ومع الصين، تبلغ مساهمته 46%، أي ما يقارب نصف الميزانية. حان الوقت لأن تصبح الصين المساهم الأكبر، متجاوزة الولايات المتحدة التي تستخدم تمويلها سلاحاً ضد المنظمة.
  3. زيادة الإنفاق على العمل الإنساني داخل الدول. على الدول أن تنفق أكثر على التخفيف من معاناة البشر بدلاً من سداد ديون حملة السندات الأثرياء. لا ينبغي أن تكون الأمم المتحدة الوكالة الرئيسية لمساعدة المحتاجين. كما بيّنا، تنفق عدة دول في إفريقيا على خدمة الدين أكثر مما تنفق على التعليم والرعاية الصحية؛ وعاجزة عن توفير هذه الخدمات الأساسية، تضطر للاعتماد على الأمم المتحدة عبر اليونيسف واليونسكو ومنظمة الصحة العالمية. على الدول أن تبني قدراتها بدلاً من الاعتماد على هذه المساعدات.
  4. خفض تجارة الأسلحة العالمية. تُشن الحروب ليس فقط من أجل السيطرة، بل من أجل أرباح تجار السلاح. تقترب صادرات الأسلحة الدولية السنوية من 150 مليار دولار، حيث شكلت الولايات المتحدة ودول أوروبا الغربية 73% من المبيعات بين عامي 2020 و2024. في عام 2023 وحده، حقق أكبر مئة مصنّع أسلحة 632 مليار دولار (معظمها من مبيعات الشركات الأمريكية للجيش الأمريكي). في المقابل، لا تتجاوز ميزانية حفظ السلام للأمم المتحدة 5.6 مليارات دولار، ويأتي 92% من قوات حفظ السلام من الجنوب العالمي. الشمال العالمي يربح من الحروب، بينما يرسل الجنوب العالمي جنوده وشرطته لمحاولة منع النزاعات.
  5. تعزيز البنيات الإقليمية للسلام والتنمية. لتوزيع بعض السلطة بعيداً عن مجلس الأمن، يجب تقوية بنيات السلام والتنمية الإقليمية مثل الاتحاد الإفريقي وإعطاؤها الأولوية. إذا لم يكن هناك أعضاء دائمون في مجلس الأمن من إفريقيا أو العالم العربي أو أميركا اللاتينية، فلماذا تبقى هذه المناطق أسيرة للفيتو الذي يمارسه الأعضاء الخمسة الدائمون؟ إذا كان حل النزاعات يستند أكثر إلى البنيات الإقليمية، فإن السلطة المطلقة لمجلس الأمن قد تتقلص إلى حد ما.
ميمو روتيلا (إيطاليا)، السلام، 2004.

مع استمرار الإبادة، تحاول موجة أخرى من القوارب المليئة بالناشطين المتضامنين – أسطول الحرية – الوصول إلى غزة. على أحد القوارب يوجد أيوب حبراوي، عضو حزب “النهج الديمقراطي العمالي” المغربي وممثل القمة العالمية للشعوب. وقد بعث إليّ بهذه الرسالة:

ما يحدث في غزة ليس حرباً تقليدية – إنه إبادة جماعية بطيئة تتكشف أمام أعين العالم. أنضم لأن التجويع المتعمد يُستخدم سلاحاً لكسر إرادة شعب أعزل – محروم من الدواء والغذاء والماء، فيما الأطفال يموتون في أحضان أمهاتهم. أنضم لأن الإنسانية غير قابلة للتجزيئ. من يقبل الحصار اليوم سيقبل الظلم في أي مكان غداً. الصمت تواطؤ في الجريمة، واللامبالاة خيانة للقيم التي ندعي التمسك بها. هذا الأسطول أكثر من مجرد قوارب – إنه صرخة ضمير عالمية تعلن: لا للحصار على الشعوب بأكملها، لا لتجويع الأبرياء، لا للإبادة الجماعية. قد يُوقفنا أحد، لكن مجرد الإبحار هو إعلان: غزة ليست وحدها. كلنا شهود على الحقيقة – وأصوات ضد الموت البطيء.

مشاركة المقال

Share on facebook
Share on twitter
Share on email

مقالات ذات صلة

آراء

مالي والمعادلة السورية

لينيا إنترناسيونال/ مدار: 07 تشرين الثاني/ نوفمبر 2025 بقلم: غوادي كالفو تقوم الولايات المتحدة وفرنسا بتنفيذ المناورة ذاتها، التي طبقتاها في سوريا للإطاحة بحكومة بشار