تهجير الفلسطينيين.. مضمون “صفقة القرن” المحدّثة

مشاركة المقال

Share on facebook
Share on twitter
Share on email

مدار: 06 شباط/ فبراير 2025

يزداد الأمر وضوحا يوما بعد الآخر. الإدارة الأمريكية تنخرط بشكل متسارع في مخطّط تهجير الفلسطينيين من أرضهم، مما يشكل جريمة حرب بمثابة تطهير عرقي.

أثناء استقباله لرئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو -المطلوب لدى المحكمة الجنائية الدولية بتهم ارتكاب جرائم حرب- خرج الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بتصريحات مثيرة للغضب، ذكر فيها إن “الولايات المتحدة ستتولى السيطرة على قطاع غزة”.

الرئيس الأمريكي أشار إلى أن قطاع غزة “مكان مليء بالحطام الآيل للسقوط” وأضاف أنه “يمكن نقل الغزيين لأماكن أخرى ليعيشوا بسلام”.

وتابع ترامب إن إدارته “ستطلق خطة تنمية اقتصادية تروم توفير عدد غير محدود من الوظائف والمساكن لسكان المنطقة”، مثيرا في هذا السياق إلى أن قطاع غزة سيتحول إلى “ريفييرا الشرق الأوسط”.

هذه هي المرة الأولى التي تقول فيها الولايات المتحدة إنها “ستسيطر” على القطاع المنكوب، وبالرغم من أن تعبير “سيطرة” لم يتم توضيحه من طرف الأمريكيين، إلا أن فهمه في السياق الحالي لا يمكن أن يعني سوى “احتلال”.

شن الإحتلال الصهيوني حرب إبادة جماعية على الفلسطينيين في قطاع غزة لمدة تزيد عن 15 أشهر، حيث دُمّر جلّ القطاع، وقتل أزيد من 47487 شهيدا، أغلبهم من الأطفال والنساء، وأصيب أكثر من 111588 شخص منذ بدأ العدوان.

ويفوق عدد سكان قطاع غزة المليونين. 

وسبق لترامب أن صرّح قبل لقائه بنتنياهو إنه يمكن نقل سكان غزة إلى الأردن ومصر، لكن القاهرة وعمان رفضتا قطعا المشاركة في مخطط تهجير الفلسطينيين من أرضهم.

وسط حالة الذهول التي أصابت الكثير من الأوساط، بما فيها الأمريكية، خرج وزير الخارجية في إدارة ترامب، ماركو روبيو، بـ “توضيحات” يقول فيها إن مقترح الرئيس الأمريكي لا تنص على “ترحيل دائم”، بل يتعلق الأمر بـ “خروج مؤقت”، لكن التاريخ يقول إن من يخرج من الأرض لا يعود إليها، ومازال الفلسطينيون منذ النكبة سنة 1948 يتمسكون بحق العودة إلى أرضهم، بعد أن تم تشريدهم وإبعادهم من وطنهم.

تعقيبا على مخطط ترامب، حذّر الأمين العام للأمم المتحدة، أنطونيو غوتيريش من “أي شكل من أشكال التطهير العرقي”.

ورفضت الكثير من الدول من بينها فرنسا والصين وروسيا وألمانيا هذا المخطط.

وعبّرت الخارجية السعودية في بيان عن “رفضها القاطع المساس بحقوق الشعب الفلسطيني المشروعة سواء من خلال سياسات الاستيطان الإسرائيلي، أو ضم الأراضي الفلسطينية، أو السعي لتهجير الشعب الفلسطيني من أرضه”.

وعلى الصعيد الفلسطيني، ندد الرئيس الفلسطيني، محمود عباس، بدعوة الرئيس الأمريكي إلى السيطرة على قطاع غزة وتهجير الفلسطينيين.

ونقلت وكالة الأنباء الفلسطينية الرسمية (وفا) عن محمود عباس قوله: “لن نسمح بالمساس بحقوق شعبنا التي ناضلنا من أجلها عقودا طويلة” وزاد: “هذه الدعوات تمثل انتهاكا خطيرا للقانون الدولي، ولن يتحقق السلام والاستقرار في المنطقة دون إقامة الدولة الفلسطينية”.

ورأت حركة المقاومة الإسلامية “حماس” في مخطط ترامب بأنه سـ “يصب الزيت على النار”، مضيفة أن “الشعب الفلسطيني لن يسمح لأي دولة في العالم باحتلال أرضه أو فرض الوصاية عليه”.

واعتبرت الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين أن تصريحات الرئيس الأمريكي بمثابة “إعلان حرب” و”محاولة لإنتاج نكبة جديدة”. وشددت على أن هذه المحاولة “لن تمر إلا على جثث شعبنا المقاوم والصامد في غزة وكل فلسطين”.

ويكشف مخطط ترامب عن “النوايا الحقيقية للإدارة الأمريكية الجديدة في تصفية القضية الفلسطينية عبر بوابة التهجير وتوطين اللاجئين”، يتابع الفصيل ذاته، وزاد: “غزة ليست للبيع، وأهلها لن يغادروها إلا إلى مدنهم وقراهم المحتلة عام 1948، ولن تُحبط هذه المؤامرات إلا بالمقاومة، كما أُحبطت مشاريع سابقة حاولت اقتلاع شعبنا من أرضه”.

ويتقاطع مشروع ترامب الذي يتجاوز أن يكون مجرد أفكار، مع المشروع الصهيوني الهادف إلى التهجير القسري للفلسطينيين من قطاع غزة وفي الضفة الغربية، وإقامة “إسرائيل الكبرى”، وهو مشروع لطالما كان أساس التعبئة الصهيونية واليمنية النازية.

ويعيد هذا المخطط إلى الواجهة ما سمي بـ “صفقة القرن” التي كان عرضها ترامب في ولايته الرئاسية السابقة، والتي تضمنت تهجير الفلسطينيين إلى سيناء.

وقد شكل التهجير القسري والقضاء على مقاومة الشعب الفلسطيني جوهر “صفقة القرن”، لصالح الكيان المحتل وداعمه الأكبر الولايات المتحدة، وهو من بين الأسباب التي دفعت بالمقاومة الفلسطينية إلى شن عملية “طوفان الأقصى” السابع من أكتوبر 2023، بالإضافة إلى اقتحام الأماكن المقدسة والتنكيل بالأسرى، وتسارع الاستيطان، ومسلسل التطبيع مع الكيان الصهيوني. وهو ما شكل عناصر ضمن مخطط أشمل لتصفية القضية الفلسطينية.

وهكذا، تشكل المقترحات الأخيرة لترامب تحديثا لـ “صفقة القرن”، بناء على الدمار الهائل الذي خلّفته حرب الإبادة الصهيونية في قطاع غزة، وانتقال هذه الحرب إلى الضفة الغربية، والتطورات الإقليمية التي أفرزتها الحرب.

ومع ذلك، فإن رفض مصر والأردن والسعودية حتى الآن لهذا المخطط؛ و تمسك الفلسطينيين بأرضهم وإحباطهم لمخططات التهجير واحدة تلو الأخرى، وهو ما شهد عليه العالم في تدفق مئات الآلاف من النازحين الفلسطينيين نحول شمال غزة بمجرد سريات المرحلة الأولى من اتفاق إطلاق النار، واستبسال المقاومة في الدفاع عن الشعب الفلسطيني، شكلت درعا من بين أخرى، في ظل هذا وجه المحدّث من “صفقة القرن”، والذي لا يشكل خطرا على الفلسطينيين فحسب ، بل على المنطقة كلها.

مشاركة المقال

Share on facebook
Share on twitter
Share on email

مقالات ذات صلة