مدار: 03 كانون الأول/ ديسمبر 2024
وصلت الوفود من الحركات الشعبية، والنقابات العمالية، ومنظمات الفلاحين، والأحزاب اليسارية في أفريقيا وآسيا وأمريكا اللاتينية والولايات المتحدة، إلى نيامي، عاصمة النيجر، لحضور “مؤتمر التضامن مع شعوب الساحل” في الفترة من 19 إلى 21 نوفمبر، المنظم من كل من أمانة الوحدة الأفريقية اليوم (PAT)، ومنظمة شعوب غرب أفريقيا (WAPO)، تحت شعار: “من أجل الوحدة المعادية للإمبريالية ومن أجل السلام والصداقة بين الشعوب”، وذلك في وقت يشهد الساحل الأفريقي الغربي اختراقًا حاسمًا ضد النفوذ الفرنسي في المنطقة.
وأتى هذا المؤتمر لتسليط الضوء على منطقة الساحل التي شهدت خلال السنوات الماضية احتجاجات شعبية ضد هيمنة فرنسا على مستعمراتها السابقة، التي نتجت عنها سلسلة من الانقلابات العسكرية المدعومة شعبيًا في مالي عامي 2020 و2021، وبوركينافاسو عام 2022، والنيجر عام 2023، وأطاحت بالأنظمة التي كان يُنظر إليها محليًا على أنها تابعة لفرنسا.
وكان من نتائج استلام القوات العسكرية زمام الحكم في البلدان الثلاثة، ومعها الاحتجاجات التي استمرت لأشهر، إجبار القوات الفرنسية على مغادرة البلاد ووضع حد للعديد من الاتفاقيات التي كان الجانب الفرنسي المستفيد الوحيد منها حسب المحتجين.
الخروج الفرنسي من منطقة الساحل
بعد انسحاب القوات الفرنسية من مالي وبوركينافاسو انتقل جزء كبير منها إلى النيجر، وبعد الاحتجاجات المستمرة في البلاد على التواجد العسكري الفرنسي في والوقوف ضد أي عدوان على البلدين الجارين، جاء تدخل القوات العسكرية في النيجر من أجل وضع حد للتواجد الفرنسي. وكانت فرنسا في البداية عازمة على عدم التخلي عن سيطرتها على هذا البلد، وطالبت بعودة محمد بازوم إلى منصبه كـ”أول رئيس منتخب ديمقراطيًا في النيجر”.
رغبة فرنسا في الإبقاء على بازوم في سدة الحكم قابلها تحرك كبير من الحركات الشعبية ضد هذا التدخل الخارجي. وأورد عبد الله سليفو، أحد المشاركين في المؤتمر، وهو موظف حكومي سابق يبلغ من العمر 56 عاما، ردا على الموقف الفرنسي: “منتخب ديمقراطيًا؟ انتخابه في 2021 كان مزحة، فرئيس لجنة الانتخابات لم يكن لديه أي خجل عندما خرج على التلفزيون ليعلن أن دائرة تيميا في مدينة أغادز شهدت نسبة تصويت بلغت 103%، مع 99% من الأصوات لصالح بازوم”.
وأكد سليفو أن بازوم تم تعيينه بشكل أساسي من قبل سلفه محمد يوسف، الذي بدأت في عهده الاحتجاجات الجماهيرية ضد تبعية نظامه لفرنسا، ما أسفر عن مقتل العشرات في الحملة القمعية التي أطلقها، مع سجن قادة المعارضة؛ كما أكد أن الجو السياسي المقلق استمر في عهد بازوم، موردا: “كنا نخاف من التحدث ضده حتى في بيوتنا، كنا نخشى أن جدراننا تنقل أخبارنا”.
هذا الوضع الكارثي والسخط الجماهيري قادا النيجر إلى الالتحاق بكل من مالي وبوركينا، إذ شهدت البلاد انقلابا في 26 يونيو 2023، أدى انسحاب الرئيس بازوم وتولي قادة الجيش بقيادة الجنرال عبد الرحمن تشياني مقاليد الحكم، ما استفز الجانب الفرنسي الذي حاول بكل الطرق الضغط من أجل استعادة زمام الأمور.
هذا التدخل الفرنسي في الشأن النيجيري دفع المحتجين إلى رفع مطلب طرد القوات الفرنسية من البلاد، وهو الأمر الذي سانده الجانب العسكري، لكن بعد إعلان فرنسا أن قواتها لن تنسحب من النيجر نظم المحتجون المعادون لها أنفسهم في “التقارب من أجل أمم الساحل” (COSNAS)، بدعم من “المجلس الوطني لحماية الوطن” (CNSP) – وهو حكومة عسكرية شعبية يرأسها قائد الانقلاب تشياني.
وبعد أشهر من الاعتصام في “ساحة الوطن” تم طرد القوات الفرنسية، معلنة بذلك انتهاء فترة من التحكم في النيجر.
ماذا حمل المؤتمر؟
انعقد المؤتمر في ظل ما تشهده منطقة الساحل في السنوات الأخيرة من تدخلات أجنبية، ورغبة شعوب المنطقة في استعادة سيادتها الوطنية وقرارتها، وهو الوضع الذي تتشاركه بشكل أكبر بلدان النيجر، مالي وبوركينافاسو.
وقال حاكم نيامي عثمان هارون في الجلسة الافتتاحية: “سنواجه القوى الإمبريالية. لا يمكن لأي قوة عسكرية في العالم إيقاف السعي من أجل الاستقلال ورفض النظام العالمي القديم”، مشيرا إلى أن ما يحدث في النيجر هو سيرورة لا رجعة فيها.
وفي سياق ما تتعرض له هذه الدول من عزلة من جيرانها، خاصة دول المجموعة الاقتصادية لدول غرب أفريقيا (إيكواس)، التي فرضت عقوبات تسببت في معاناة كبيرة، أعرب المشاركون والمتحدثون في حفل الافتتاح عن تضامنهم ودعمهم لـ “العملية الثورية” في منطقة الساحل، معتبرين أن تحالف دول الساحل (AES) هو المستقبل من أجل تعزيز التعاون بين البلدان الثلاثة في مختلف المجالات.
وأورد فيليب توييو نودجينومي، رئيس منظمة الشعوب الإفريقية الغربية: “أنتم تكسرون العقود الاستعمارية وتضعون الأساس للحرية وحقوق الشعوب في بلادكم… شعوب الساحل تجسد مثالا عظيما لشعوب إفريقيا وبقية العالم”.
وتحدث نيوري روسيتو، من القمة العالمية للشعوب، عن أهمية الوحدة العالمية في مواجهة الإمبريالية، قائلا: “سنواصل الكفاح من أجل حقوقنا الأساسية، فالرأسمالية والإمبريالية تقدم الموت والدمار والاستغلال. التزامنا هو تجاه شعوبنا، وليس تجاه الرأسماليين والإمبرياليين”.
وصرّح جونيس جيدى آلاسو من أمانة “بان-أفريكا اليوم”: “من الضروري أن نتماشى مع احتياجات شعوبنا بدلا من المصالح المالية للإمبريالية”، مضيفا أن تحالف دول الساحل يقف اليوم “منارة للأمل”، مشيرا إلى أن “اختراق معسكر الشعوب في هذه البلدان هو اختراق للطبقة العاملة في أفريقيا والعالم بأسره”.
هذا في وقت أورد مامان ساني أدامو، من المنظمة الثورية من أجل الديمقراطية الجديدة في النيجر: “ما يحدث هو صحوة ثانية لشعبنا، نحن نعيش ثورة وطنية، إنه نضال من أجل الاستقلال الثاني”، وأضاف أن الخطوة التالية هي تأسيس السيادة الاقتصادية، بما فيها قضايا السيادة الغذائية، والعملات المستقلة، وزاد: “نحتاج إلى إستراتيجية جديدة… الفرق اليوم هو أننا نقرر بأنفسنا، لم نعد نتلقى التعليمات من باريس. نحن نأخذ التعليمات في وطننا”.
كما تطرق رئيس الوزراء علي لامين زين إلى أن الطريق أمام شعوب الساحل وأفريقيا لتحقيق الحرية، خاصة في هذه اللحظة متعددة الأقطاب التي نعيشها اليوم، مضيفا أن هدف الشعب في الساحل هو بناء السلام، مع ضرورة تكثيف العمل لتحفيز وتثقيف الشعوب لتعزيز الكرامة الإنسانية في أفريقيا.
وقال كارلوس رون، عن معهد سيمون بوليفار الفنزويلي: “لقد حاولت الإمبريالية المفرطة بشكل يائس الحفاظ على الهيمنة التي كانت تتمتع بها منذ سقوط الاتحاد السوفياتي”، وأردف بأن هذا يعرض كوكب الأرض والإنسانية نفسها للخطر؛ كما أكد أن كل بلد ملزم بأن يجد بديله لتحقيق الحرية والكرامة، متحدثا عن نضال فنزويلا ضد الإمبريالية الأمريكية والهجوم الذي تعرضت له نتيجة لذلك، ودعا إلى المزيد من التضامن والتحرك ضد فظائع الإمبريالية في جميع أنحاء العالم.
من جهته قال رئيس الحزب الاشتراكي الزامبي فريد ميمبي: “لقد تم إذلال شعوب أفريقيا لقرون. بينما حصلت البلدان الأفريقية على استقلالها استمر الاستعمار الجديد، ولن تكون هناك دولة نيونكولونيالية ديمقراطية”، وأضاف: “من ناحية أخرى ما يحدث في الساحل هو عملية ثورية يجب الدفاع عنها وتعزيزها”.
وبعد الجلسة الافتتاحية تواصلت أعمال المؤتمر على مدار الأيام الثلاثة، حيث ناقش المشاركون عديد المواضيع التي تهم شعوب المنطقة، كالاستعمار الجديد والشباب والمرأة، بالإضافة إلى واقع ومستقبل التحالف الأفريقاني، لتختتم الأشغال ببيان حمل قراءة سياسية للوضع ووضع خارطة طريق للمستقبل في المنطقة.