[تقرير]. فلسطين.. عام على أكبر إبادة جماعية في التاريخ الحديث

مشاركة المقال

مدار: 09 تشرين الأول/ أكتوبر 2024

سنة مرت على انطلاق العدوان على غزة ومن ثم على كامل التراب الفلسطيني، سنة مرت على انطلاق واحدة من أبشع جرائم الإبادة الجماعية، سنة مرت على إسدال الستار على تواطؤ المجتمع الدولي ومعه المؤسسات الغربية ضد شعب دافع وبموجب القوانين الدولية عن حقه في البقاء؛ سنة مرة على محاولة استئصال شعب من أرضه، وسنة مرت من الأكاذيب والخطابات التي ظلت تهدف إلى إظهار الاحتلال الصهيوني ضحية.

شهد العالم السنة الماضية على مدى بشاعة الممارسات الصهيونية، التي تمت بغطاء من الدول الغربية وفي مقدمتها الولايات المتحدة الأمريكية، كما شهد على هشاشة المجتمع الدولي وعدم قدرته على تطبيق القوانين نفسها التي تطبق على دول الجنوب، وهو الأمر الذي بدا واضحا من خلال القضايا التي لم تستطع المحاكم الدولية تنفيذها ولا البت فيها.

إن ما يعيشه الشعب الفلسطيني حاليا ومعه كامل شعوب المنطقة ليس بالجديد على الممارسات التي طبعت هذه الجهة من العالم على مدار العقود الماضية، من اغتيالات أبرز القيادات وانتهاك سيادة البلدان وعدوان مستمر راح ضحيته مئات الآلاف، وتهجير ملايين آخرين من ديارهم.

بلغ الوضع في غزة في الأشهر الماضية أقصاه من خلال العدوان الذي هدف بالأساس إلى تدمير القطاع بشكل كامل، واجتثاث كامل سبل الحياة فيه، قصد دفع السكان إلى إخلائه، وهو الأمر الذي قابله الشعب الفلسطيني بمقاومة صلبة، واعين بأنه لا يمكن أن يكتب عليهم التاريخ نكبة أخرى.

عام من الإبادة.. بعد عقود من العدوان 

 مع حلول أكتوبر الجاري نكون أكملنا عاما على العدوان في غزة، شهد جميع أنواع التقتيل والعدوان التي تندرج ضمن جرائم الحرب، وكانت جلها إن لم نقل كلها موثقة بالصوت والصورة، وتم بثها على مختلف القنوات الدولية، بحيث راح ضحيتها إلى غاية كتابة هذه الأسطر أكثر من 42010 شهيد وأزيد من 97720 جريح، في وقت مازال الآلاف إما مفقودين أو تحت الأنقاض.

خلف العدوان دمارا هائلا في البنيات التحتية وفي مختلف المرافق الأساسية للحياة، ما جعل غزة مدينة أنقاض تعيش على صوت التفجيرات وليلها أشبه بنهارها؛ فضوء الصواريخ والقنابل يعم القطاع بأكمله، لكن الفلسطينيين رغم ذلك يأبون إلا أن يعبروا عن صمودهم من خلال محاولة العودة في كل مرة إلى منازلهم المدمرة، وفي الغالب يتم استهدافهم من قبل جنود الاحتلال.

 لقد كان هذا العام امتدادا للأعوام السابقة التي كان الاحتلال يستهدف فيها غزة في كل مرة. وكلنا نتذكر مجازر الاحتلال الأخيرة، ومن بينها مجزرة 2008 التي استخدم فيها أسلحة محرمة دوليا، مثل الفسفور الأبيض واليورانيوم المنضب، وراح ضحيتها أكثر من 1430 شهيدا، من بينهم أكثر من 400 طفل و240 امرأة؛ إضافة إلى 5400 جريح، ودمرت أزيد من 10 آلاف منزل.

ليتكرر العدوان مرة أخرى في 14 نوفمبر/ تشرين أول 2012، حيث استشهد أزيد من 180 فلسطينيا، بينهم 42 طفلا و11 امرأة، وجرح نحو 1300 آخرون ليتم وقف إطلاق النار في 21 نوفمبر/ نوفمبر من العام نفسه ضمن اتفاق تم توقيعه في القاهرة.

وتجدد الاعتداء مرة أخرى في 7 يوليو/ تموز 2014. ومن بين المشاهد الأولى لهذا العدوان الذي استمر 51 يوما اختطاف المستوطنين الطفل الفلسطيني محمد أبو خضير وتعذيبه وقتله حرقا. وأسفرت الحرب عن 2322 شهيدا وأزيد من 11 ألف جريح. وتم ارتكاب مجازر في حق 144 عائلة، إذ استشهد في كل واحدة منها 3 أفراد على الأقل.

وفي 12 نوفمبر/ تشرين الأول 2019 نفذ الاحتلال غارات جديدة على غزة أدت إلى استشهاد 34 فلسطينيا وجرح أكثر من 100 آخرين؛ ثم بعد عامين أعاد الاحتلال هجومه على غزة، ما أسفر عن استشهاد 250 فلسطينيا وأكثر من 5 آلاف جريح. وقد تم وقف إطلاق النار بعد وساطات وتحركات دولية، وعام 2022 أطلقت إسرائيل عملية جديدة راح ضحيتها 24 شهيدا، بينهم 6 أطفال، في حين أصيب أزيد من 203 فلسطينيين.

 جاءت 7 أكتوبر بعد عقود من الاعتداءات التي طالت مختلف بقاع فلسطين، وتضاعفت قبيل هذا التاريخ من خلال استهداف المستوطنين الفلسطينيين بشكل متواصل تحت حماية قوات الاحتلال الإسرائيلي، وهو الأمر الذي اعترف به نائب وزير الخارجية الأمريكي فيدانت باتيل، الذي قال إنه “بعد عملية دقيقة وجدنا خمس وحدات إسرائيلية مسؤولة عن حوادث فردية تشكل انتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان”، مشيرا إلى أن “كل هذه الحوادث وقعت قبل 7 أكتوبر، ولم يقع أي منها في غزة”.

وضع إنساني مرعب في غزة

وفقا للهيئة الدولية للدفاع عن حقوق الشعب الفلسطيني (حشد) فقد ارتكب الاحتلال خلال العدوان أكثر من 4650 مجزرة في حق المدنيين، الذين تم استهداف معظمهم داخل منازلهم، أو في مراكز الإيواء، أثناء حملة التهجير القسرية التي أرغم عليها مليونا فلسطيني، بنسبة بلغت 90% من المجموع الكلي لسكان القطاع.

هذا وارتكب الاحتلال جرائم حرب فظيعة في حق الأطفال الفلسطينيين وعائلاتهم من خلال استخدامهم كدروع بشرية أثناء المعارك، وهو الأمر الذي ظهر في بعض التسجيلات التي وثقت إدخال فلسطينيين إلى الأنفاق من أجل تجنب كمائن، وهو الأمر نفسه الذي تم عبر وضع فلسطينيين في الصفوف الأمامية لتبادل إطلاق النار أو حتى الاختباء خلف مجموعات من أجل تجنب الإصابة.

واعتقلت سلطات الاحتلال أزيد من 5 آلاف أسير من القطاع، بمقتضى قانون “المقاتلين غير الشرعيين”، في ظل ظروف بدنية ونفسية قاسية، ومارست عليهم شتى أنواع التعذيب والتنكيل، وواجه بعضهم عمليات اغتصاب وتحرش جنسي. هذا ولم يسلم العمال في المنظمات الدولية والإنسانية من نيران الاحتلال، بحيث راح ضحية العدوان نحو 200 موظف، في حين تمت مهاجمة العديد من قوافل الإغاثة وتدمير معظمها.

ومنذ بداية العدوان لم يتوان الاحتلال عن مهاجمة المستشفيات وجعلها هدفا مباشرا للنيران، وهو الأمر الذي أدى إلى تدمير البنية الصحية في غزة بالكامل، وارتكاب مجازر متواصلة. وكان مستشفيا الشفاء والمعمداني من بين أكثر الأماكن التي تعرضت للقصف، الذي أدى بمستشفى المعمداني إلى استشهاد أكثر من 500 فلسطيني وفلسطينية، أغلبهم من النساء والأطفال الذين لجؤوا إلى المرفق من أجل الاحتماء من القصف.

هذا القصف الذي استهدف البنية الصحية التحتية أدى إلى إخراج 25 مستشفى من أصل 35 عن العمل بشكل كلي، بالإضافة إلى 51 مركز رعاية من أصل 72 مركزا، كما راح ضحيته عدد مهم من الكوادر الصحية، وصل بنهاية سبتمبر/ أيلول إلى أكثر من 1000؛ بالإضافة إلى منع الاحتلال إدخال الأدوية والمستلزمات الطبية، ما عجل بمصير المرضى والجرحى لينضافوا إلى تعداد الشهداء، وأدى إلى تفاقم الأزمة الصحية في القطاع.

لم يكن القطاع الصحي الوحيد الذي تعرض للتدمير، فقد كان التعليم أيضا هدفا مستمرا للاحتلال، إذ أصبحت المؤسسات التعليمية عبارة عن أنقاض، وهو الأمر الذي أكده تقرير وزارة التعليم في أغسطس/ آب 2024، إذ أورد أن 377 مدرسة و112 مبنى جامعيا ومعهدا للدراسات العليا في القطاع تعرضت لتدمير كامل أو أضرار بالغة أو جزئية.

وبحسب البيانات الفلسطينية الرسمية فقد أدت الغارات الإسرائيلية إلى استشهاد حوالي 10 آلاف تلميذ وأكثر من 650 طالبا جامعيا؛ كما أصيب نحو 17 ألفا، في حين استشهد أكثر من 500 من معلمي المدارس والأساتذة الجامعيين، وأصيب أكثر من 2500 آخرين. كما تسببت أزمة النزوح المتواصل في استعمال المدارس كملاجئ واستهدافها من قبل الاحتلال. وبحسب وزارة التعليم فقد تم حرمان 630 ألف طالب مدرسي و88 ألف طالب جامعي من الالتحاق ببرامجهم التعليمية للعام الثاني على التوالي.

هذا الاستهداف المتواصل للمستشفيات والمدارس، التي لعبت دور الملاجئ خلال العدوان المتواصل، دفع الفلسطينيين إلى النزوح من المناطق المستهدفة بشكل مستمر، كما أجبروا على العيش في خيام وملاجئ مكتظة وأحيانا في الشوارع، دون توفر الضروريات الأساسية للحياة. وانضاف إلى ذلك اضطرار سكان القطاع للنزوح مرارا وتكرارا، حتى إن بعضهم نزحوا نحو 10 مرات، بهدف الانتقال إلى مناطق يصفها الاحتلال بأنها آمنة، ويستمر في تغييرها بشكل روتيني؛ لكن حسب ما أعلنته الأمم المتحدة مرارا وتكرارا فإنه لا مكان آمنا في القطاع.

وانضافت إلى هذا الوضع الصحي والتعليمي الكارثي معاناة غالبية سكان القطاع من الجوع الشديد والنقص الحاد في الغذاء، في وقت أعلنت “اليونيسيف” قبل 6 أشهر من الآن أن واحدا من كل 6 أطفال دون سن الثانية يعانون من سوء التغذية الحاد، منهم 3% يعانون من هزال شديد، وهو أشد أشكال سوء التغذية تهديدا للحياة.

 هذا الوضع المعيشي المتأزم زاد فظاعة مع قطع الاحتلال الإسرائيلي منذ بداية عدوانه على غزة إمدادات الوقود والكهرباء والأنابيب التي تزود سكان القطاع بالمياه، ما تسبب في إغلاق محطات تحلية المياه والصرف الصحي بشكل كامل، وأدى إلى تفاقم مشاكل نقص مياه الشرب النظيفة وسوء الصرف الصحي، ما نجم عنه تفشي العدوى البكتيرية التي تنقلها مياه الشرب الملوثة، مثل مرض الزحار والتيفوئيد وشلل الأطفال.

 كما ضاعف الاكتظاظ الشديد للنازحين في المباني التي تم استعمالها كملاجئ، من دون توفر الحدود الدنيا لذلك، من معدلات الأمراض المعدية، مثل الإسهال والالتهابات الحادة للجهاز التنفسي، وأمراض الجلد الالتهابية وفيروس التهاب الكبد الوبائي، التي زاد من خطرها نقص خدمات الصرف الصحي وسوء التغذية ونقص الإمدادات الطبية وانهيار المنظومة الصحية.

مشاركة المقال

مقالات ذات صلة