مدار: 20 كانون الأول/ ديسمبر 2021
“لبنان ليس دولة منهارة بعد، لكنه على شفير الانهيار، وحكومته تخذل شعبها”. هكذا وصّف أوليفييه دي شوتر، مقرر الأمم المتحدة الخاص المعني بالفقر المدقع والخبير في حقوق الإنسان، الأزمة في لبنان، معلناً أن “صبر مجتمع المانحين بدأ ينفد مع الحكومة اللبنانية”، وأنه “بعد خسارة 240 مليون دولار أمريكي نتيجة التلاعب بأسعار الصرف التعسفية، يجب أن يلمس المجتمع الدولي جدية الحكومة في تطبيق الشفافية والمساءلة”.
واعتبر دي شوتر، في تقرير له بعد زيارته إلى لبنان، أن “ما قامت به السلطات اللبنانية من تدمير للعملة الوطنية، وإدخال البلد في مأزق سياسي، وتعميق أوجه عدم المساواة التي طال أمدها، أغرق لبنان في فقر مدقع”، وقال: “أدى تدمير الليرة اللبنانية إلى تدمير حياة الناس وإفقار الملايين. وتسبب تقاعس الحكومة عن مواجهة هذه الأزمة غير المسبوقة في حالة بؤس شديد لدى السكان”.
وبيّن الخبير ذاته أنّ “الأزمة المصنّعة تدمّر حياة السكان، وتحكم على الكثيرين بفقر سيتوارثونه جيلاً بعد جيل”، وأضاف: “في حين يحاول السكان البقاء على قيد الحياة يوماً بعد يوم، تضيّع الحكومة وقتاً ثميناً في التهرب من المساءلة وتجعل من اللاجئين كبش فداء لبقائها”.
وتطرق التقرير إلى “وصول عدم المساواة في لبنان إلى مستويات غير مقبولة منذ أعوام”، وزاد: “وحتى قبل الأزمة كانت فئة أغنى 10 % من السكان تحصل على دخل يزيد خمس مرات عن فئة أفقر 50 % منهم. وهذا المستوى الصارخ من عدم المساواة يعززه نظام ضريبي يكافئ القطاع المصرفي، ويشجّع التهرب الضريبي، ويركّز الثروة في أيدي قلّة. وفي الوقت نفسه، يتكبّد السكان ضرائب تنازلية تصيب أكثر ما تصيب أشد الناس فقراً”.
وتساءل “دي شوتر” “كيف أن القيادة السياسية تبدو غير راغبة في تبيان العلاقة بين الإصلاح الضريبي وتخفيف حدة الفقر، وتقلّل من شأن ما يمكن أن تحققه أنظمة الحماية الاجتماعية من فوائد في إعادة بناء الاقتصاد، ولاسيّما في أوقات الأزمات”، وزاد: “للأسف، ما من خطة موثوقة لتخفيف حدة الفقر أعلمتني بها الحكومة إلّا وتعتمد على المانحين الدوليين والمنظمات غير الحكومية”.
كما أوضح الخبير الأممي أنّ “الاعتماد على المعونة الدولية ليس مستداماً، بل هو في الواقع يضعف مؤسسات الدولة”، عارضاً شهادات لأشخاص يعتمدون على المنظمات الدولية وغير الحكومية للبقاء على قيد الحياة، وأطفالٍ يلحمون بالهجرة، ونساءٍ يتحملن العنف المنزلي ويقتطعن من وجباتهن لحماية أطفالهن، وشبابٍ في مقتبل الحياة لا آفاق لحياتهم.
وأردف المسؤول ذاته: “معروفٌ أن لبنان يتكبّد مستويات عالية من الديون، لكن ارتفاع نسب الدين إلى الناتج المحلي الإجمالي لا يؤدي بحد ذاته إلى أزمة ديون. السؤال المطروح هو علامَ أنفق القادة السياسيون الموارد. على مدى عقود، تجاهل لبنان الحاجة إلى سياسات اجتماعية، من برامج قوية في الرعاية الاجتماعية وبنى أساسية للخدمة العامة، وركز بدلاً من ذلك على القطاعات غير المنتجة، مثل المصارف، مضاعفاً الدين العام باستمرار، ومكرساً تلك الموارد لخدمته”.
كما أعرب مقرر الأمم المتحدة عن صدمته بشأن “انفصال المؤسسة السياسية عن واقع الذين يعيشون في فقر على الأرض؛ فالأطفال يجبَرون على ترك المدرسة والعمل في ظروف غير آمنة، واللاجئون واللبنانيون في المناطق الحضرية والريفية على حد سواء يفتقرون إلى مياه الشرب المأمونة والكهرباء، وموظفو المدارس والمستشفيات العامة يغادرون البلد بعد أن طالهم الفقر”.
ويفتقر لبنان إلى نظام شامل للرعاية الاجتماعية كان من شأنه أن يخفف من آثار الأزمة التي ضربت ومعظم السكان من غير حماية. فيما طالب الخبير ذاته “الحكومة بأن تعطي الأولوية لوضع حد أدنى من الحماية الاجتماعية الشاملة، بما في ذلك التأمين ضد البطالة، ومستحقات الأطفال، ومعاشات الشيخوخة والإعاقة، ومستحقات المرض والأمومة أو الأبوة، وكلها كانت ستحمي العمال أثناء الإغلاق بسبب جائحة كوفيد-19”.
وأشار التقرير إلى أن “العلاقة المعقّدة بين الطبقة السياسية والقطاع المصرفي مازالت مقلقة للغاية، وبالتالي على الحكومة أن تكون قدوة وأن تكشف علناً عن جميع الإيرادات والحصص والمصالح المالية، وأن تخصّص الموارد لآليات المساءلة الحقيقية”، مردفا: “لن يصدّق المجتمع الدولي التزامات الحكومة بالإصلاح إلّا إذا التزمت بشكل جدي بمبدأ الشفافية”.
“لبنان لديه فرصة لإعادة النظر في نموذجه الاقتصادي، ولن يؤدي الاستمرار في تحفيز نموذج فاشل قائم على الريعية وعدم المساواة والطائفية إلّا إلى إغراق السكان أكثر في العوز، وإلى أن يتم اقتراح خطة موثوقة لتحويل الاقتصاد، ومعالجة عدم المساواة، وضمان العدالة الضريبية، والحؤول دون المزيد من المآزق السياسية، لن يأخذ المجتمع الدولي الإصلاحات على محمل الجد”، يورد المصدر ذاته.
وفي سياق متصل، وصل الأمين العام للأمم المتحدة، أنطونيو غوتيريش، أمس الأحد، إلى لبنان في زيارة تضامنية للتأكيد على دعم الأمم للشعب اللبناني، وقال فور وصوله إلى مطار بيروت: “إذا أردت وصف زيارتي إلى لبنان بكلمة واحدة ستكون كلمة تضامن”؛ وجال على مرفأ بيروت، وعقد لقاءات مع مسؤولين حكوميين، على رأسهم الرؤساء الثلاثة، إضافة إلى عدد من رجال الدين وممثّلين عن المجتمع المدني…
وتوجه غوتيريش في خطاباته إلى الزعماء السياسيين في لبنان بالدعوة إلى أن يتحدوا وأن يتجاوزوا الانقسامات والاختلافات، وقال: “أعتقد أن اللبنانيين هم الوحيدون الذين يستطيعون إيجاد حل لأزمات بلادهم. وفي المقابل، ينبغي على المجتمع الدولي أن يعزز دعمه للبنان لتجاوز الظروف الصعبة الذي يمر بها حالياً”، مؤكداّ أن “الأمم المتحدة متضامنة جداً مع اللبنانيين”، وزاد: “سوف نفعل كل ما بوسعنا لتعبئة المجتمع الدولي لتعزيز الدعم للبنان على المسار الإنساني والإنمائي وإعادة هيكلة مختلف أوجه الاقتصاد والوضع المالي للبلاد”.