مدار: 21 تشرين الأول/ أكتوبر 2025
فتحت إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب فصلا جديدا من فصول سياستها الخارجية، معلنةً عن تخليها الكامل عن المسار الدبلوماسي مع فنزويلا لصالح نهج عسكري متصاعد. يأتي هذا التحول بعد سلسلة من الضربات الجوية على قوارب في البحر الكاريبي، والتي توّجت بإقرار ترامب بوجود “صراع مسلح غير دولي”، مما يفتح الباب أمام تساؤلات جدية حول نوايا واشنطن الحقيقية في المنطقة. هل نحن أمام حرب على على المخدرات، أم مشروع إمبريالي للسيطرة على النفط؟
شهدت منطقة البحر الكاريبي، على مدى الأسابيع الماضية، تصعيداً عسكرياً أمريكياً غير مسبوق، بعد نشر ما لا يقل عن ثماني سفن حربية وغواصة هجومية تعمل بالطاقة النووية، بالإضافة إلى طائرات استطلاع ومقاتلات “إف-35″، وقد أسفرت هذه التعبئة العسكري عن تنفيذ غارات جوية على أربعة قوارب على الأقل، مما أدى إلى مقتل 21 شخصاً، حسب ما نقلته مصادر إعلامية محلية.
ويأتي هذا التصعيد في أعقاب إغلاق باب الدبلوماسية، ففي 6 أكتوبر/تشرين الأول، أمر الرئيس الأمريكي بإنهاء جميع أشكال التواصل الدبلوماسي مع الحكومة الفنزويلية، موجهاً مبعوثه الخاص ريتشارد غرينيل بوقف المحادثات.
وجاء هذا القرار بعد أسابيع قليلة من رسالة بعث بها مادورو إلى ترامب، دعا فيها إلى الحوار، مشيداً بدور غرينيل في تجاوز “ضجيج الإعلام والأخبار الكاذبة”.
ويقترح هذا الإغلاق المفاجئ للقنوات الدبلوماسية إلى إن الإدارة الأمريكية تدفع باتجاه سياسة أكثر عدوانية بهدف تغيير النظام في فنزويلا.
وفي هذا السياق، يرى محللون أن الاستراتيجية الأمريكية الحالية تستنسخ بشكل مثير للقلق مخطط حرب العراق عام 2003، حيث تم استخدام ذرائع زائفة لتبرير تدخل الحرب حينها، في مشهد يتكرر الآن، نحو تدخل عسكري محتمل.
كما استخدمت إدارة بوش “أسلحة الدمار الشامل” كذريعة لغزو العراق، تستخدم إدارة ترامب اليوم ورقة “الحرب على المخدرات” وتصنيف كارتيلات المخدرات كـ”منظمات إرهابية” لتوفير غطاء قانوني لإجراءاتها الأحادية الجانب.
يؤدي هذا النمط إلى القتل خارج نطاق القانون، وهو ما أكدته رابطة محامي مدينة نيويورك التي وصفت هذه الهجمات بأنها “عمليات إعدام غير قانونية”، مؤكدة أنها تنتهك القانون الدولي.
ويرى العديد من المراقبين الإقليميين، أن الأهداف من وراء هذه العمليات ليس مكافحة المخدرات، بل هو السيطرة على أكبر احتياطيات نفطية مؤكدة في العالم، وإسقاط حكومة يسارية تعتبرها واشنطن مركزاً للسياسات المناهضة للإمبريالية في أمريكا الجنوبية.
وكان صرّح الرئيس الكولومبي غوستافو بيترو إن أحد القوارب المستهدفة كان كولومبياً، مضيفا أن “هذه ليست حرباً ضد التهريب، بل هي حرب ضد النفط ويجب أن يوقفها العالم”.
وقد أثارت هذه السياسة العدوانية موجة من الرفض الشعبي والسياسي في جميع أنحاء منطقة البحر الكاريبي وأمريكا اللاتينية، فمنذ مقتل صيادين من ترينيداد وتوباغو في إحدى الغارات، تصاعدت النضالات المنددة بالتصعيد الأمريكي؛ ونظمت “جمعية شعوب الكاريبي” يوم فعاليات دفاعاً عن منطقة البحر الكاريبي شمل احتجاجات في أكثر من 15 جزيرة، حيث طالب المتظاهرون بسحب القوات الأمريكية واحترام سيادة دول المنطقة.
ودعا قادة الحركات الشعبية في ترينيداد وبربادوس وغرينادا حكوماتهم إلى اتخاذ موقف حازم ضد العسكرة الأمريكية.
وفي هذا السياق، وأكد ديفيد عبد الله، زعيم “حركة العدالة الاجتماعية” في ترينيداد، أن “الولايات المتحدة ليس لديها أي سلطة أخلاقية للتحدث عن السلام، بينما هي متواطئة في الإبادة الجماعية للفلسطينيين اليوم”.
بينما تسعى فنزويلا لعقد جلسة طارئة في مجلس الأمن الدولي، وتواصل حشد ميليشياتها الشعبية للدفاع عن سيادتها، فإن المشهد الحالي ينذر بفترة من التوتر الشديد.
لا يهدد قرار ترامب باختيار الحرب بدلاً من الدبلوماسية استقرار فنزويلا فحسب، بل يهدد أيضاً مبدأ “منطقة السلام” الذي سعت شعوب المنطقة جاهدة لترسيخه، ويعيد إلى الأذهان ذكريات مؤلمة لسياسات التدخل التي طالما عانت منها أمريكا اللاتينية.