تشريع اللجوء الجديد في مصر: خطوة نحو التنظيم أم “تقنين للقيود”؟

مشاركة المقال

مدار: 30 تشرين الثاني/ نوفمبر 2024

محمود هاشم

أقر مجلس النواب المصري، الثلاثاء 19 نوفمبر 2024، قانونًا جديدًا لتنظيم أوضاع اللاجئين داخل البلاد، في خطوة وصفت بأنها الأولى من نوعها في إطار التعامل القانوني مع قضية اللجوء، في انتظار التصديق عليه من رئيس الجمهورية لبدء تفعيله.

القانون الذي يحمل عنوان “قانون لجوء الأجانب” جاء في وقت تشهد فيه مصر زيادة مطردة في أعداد اللاجئين.

إجمالا، تستضيف مصر ما يقارب 670 ألف لاجئ وطالب لجوء مسجلين من 62 جنسية مختلفة، وأصبحت الجنسية السودانية هي الأكثر عدداً تليها الجنسية السورية، ثم أعداد أقل من جنوب السودان وإريتريا وإثيوبيا، واليمن، والصومال، والعراق، وفقا للمفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين.

وحتى 20 يونيو 2024، وصل عدد المسجلين لدى المفوضية إلى 387,071 لاجئاً من السودان وهو أكثر من 52٪ من إجمالي عدد اللاجئين المسجلين في البلاد، وينتظر 250 ألف سوداني آخرين التسجيل لدى المفوضية في مصر، و156,444 من سوريا و43,031 من جنوب السودان و36,813 من إريتريا و18,419 من إثيوبيا و8,677 من اليمن و8,046 من الصومال و5,683 من العراق وأكثر من 54 جنسية أخرى.

ووفق تقديرات حكومية ودولية، فإن أعداد اللاجئين والأجانب المقيمين على أراضيها تتعدى 9 ملايين أجنبي، من نحو 133 دولة.

حقوق وقيود

يتألف القانون من 39 مادة تسعى إلى وضع إطار شامل لتنظيم عملية اللجوء، بدءًا من تحديد مفهوم اللاجئ، مرورًا بكيفية تقديم طلبات اللجوء والفصل فيها، وصولًا إلى الحقوق والواجبات المترتبة على من يحملون صفة اللاجئ.

وفقًا لما جاء في نص القانون، ستتولى لجنة دائمة لشؤون اللاجئين مهمة النظر في طلبات اللجوء. هذه اللجنة، التي تتبع مجلس الوزراء، ستضم ممثلين عن عدة وزارات وهيئات حكومية، على أن تكون مهمتها الأساسية الفصل في الطلبات المقدمة خلال فترة لا تتجاوز ستة أشهر للأشخاص الذين دخلوا البلاد بطرق مشروعة، وتمتد إلى عام كامل لمن دخلوا بطرق غير قانونية.

يُلزم القانون اللجنة بمنح الأولوية للحالات الإنسانية، مثل ذوي الإعاقة وكبار السن والنساء الحوامل والأطفال غير المصحوبين بذويهم.

على الجانب الآخر، يُحدد القانون مجموعة من الحقوق التي يتمتع بها اللاجئون بمجرد حصولهم على هذا الوضع القانوني. من بين هذه الحقوق الحق في التعليم الأساسي والرعاية الصحية، بالإضافة إلى العمل والتقاضي.

 كما يُسمح لهم بتأسيس الشركات أو الانضمام إلى شركات قائمة، وهي خطوة تهدف إلى إدماجهم في المجتمع والمساهمة في التنمية الاقتصادية.

لكن القانون في الوقت نفسه يضع قيودًا على اللاجئين، إذ يمنعهم من ممارسة النشاط السياسي أو الحزبي أو الانخراط في الأعمال التي قد تهدد الأمن القومي أو النظام العام. كما يحظر القانون على اللاجئين الانضمام إلى النقابات المهنية، مما يحد من مشاركتهم في الحياة العامة.

انتقادات حقوقية وانتهاكات “مقننة”

القانون الجديد لم يمر دون انتقادات. فقد أثار جدلًا واسعًا في الأوساط الحقوقية المحلية والدولية، إذ عبرت منظمات عن قلقها من أن صيغته تفتح الباب لانتهاكات حقوق الإنسان، خاصة أنه يمنح السلطات المصرية صلاحيات واسعة دون توفير ضمانات كافية.

في هذا السياق، أصدرت منظمات حقوقية مصرية بيانًا مشتركًا عبّرت فيه عن مخاوفها من أن تشكيل اللجنة المكلفة بالنظر في طلبات اللجوء يجعلها تابعة بشكل كامل للسلطة التنفيذية، مما قد يؤثر على حياديتها واستقلالها.

بالإضافة إلى ذلك، انتقدت المنظمات استخدام القانون لمصطلحات مثل “الأمن القومي” و”النظام العام”، معتبرة أنها فضفاضة وتفتقر إلى تعريف واضح، ما قد يسمح باستخدامها لتقييد حقوق اللاجئين أو إسقاط صفتهم القانونية.

نقطة أخرى أثارت الجدل تتعلق بغياب الحماية الكافية للبيانات الشخصية للاجئين. ففي ظل وجود قاعدة بيانات مركزية يُفترض أن تُنشأ لتسجيل اللاجئين ومتابعة شؤونهم، لم يتضمن القانون أي نصوص تضمن سرية هذه البيانات أو حمايتها من التسريب أو الاستغلال.

هذا الخلل يُعد مصدر قلق كبير، خاصة في ظل اعتماد اللاجئين على سرية معلوماتهم الشخصية كوسيلة لحمايتهم من الملاحقة في بلادهم الأصلية.

تحديات على طريق التطبيق

الأمر لم يقتصر على المخاوف الحقوقية فقط، بل امتد ليشمل تساؤلات حول كيفية تطبيق القانون على أرض الواقع. يرى مراقبون أن نقل مسؤولية إدارة شؤون اللاجئين من مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين إلى الدولة المصرية دون وجود فترة انتقالية واضحة قد يؤدي إلى فوضى إدارية.

المنظمات الأممية لعبت دورًا في تقديم المساعدات الإنسانية والتقنية للاجئين، وكان لها نظامها الخاص في تحديد وضع اللاجئ وتقديم الدعم المناسب، بحسب مراقبين.

لكن التحول إلى نظام وطني جديد دون تجهيز البنية التحتية الإدارية والتقنية اللازمة قد هذه العملية، وترك العديد من اللاجئين في حالة من الغموض القانوني. من ناحية أخرى، يرى البعض أن التشريع جاء استجابة لضغوط دولية، خاصة من الاتحاد الأوروبي، الذي يسعى إلى تقييد تدفقات المهاجرين عبر البحر المتوسط.

مصر التي تُعد من أبرز دول العبور للمهاجرين غير النظاميين، تلقت مساعدات مالية وتقنية من الاتحاد الأوروبي لدعم سياسات “إدارة الهجرة” وضبط الحدود. لذلك، يُنظر إلى القانون الجديد كجزء من استراتيجية أوسع تهدف إلى تعزيز التعاون مع الدول الأوروبية في هذا الملف.

تمييز بين اللاجئين وطالبي اللجوء

تأثير القانون يمتد إلى اللاجئين الذين ينتظرون البت في طلباتهم، إذ لا يمنحهم حقوقًا واضحة مثل التعليم والرعاية الصحية. هذا التمييز بين اللاجئين وطالبي اللجوء يضعف من قدرة هؤلاء الأفراد على الاستقرار والاندماج في المجتمع.

علاوة على ذلك، فإن اللاجئين الذين يُرفض طلبهم ويُطلب منهم مغادرة البلاد قد يجدون أنفسهم في مواجهة مع مصير مجهول، خاصة إذا كانت عودتهم إلى بلادهم الأصلية تنطوي على خطر حقيقي.

يزيد بطء عملية تحديد مفوضية اللاجئين أوضاع المتقدمين إحباط الكثير من ملتمسي اللجوء، حيث قد يستغرق الأمر شهورا، وحتى بمجرد الحصول على بطاقة طالب اللجوء “البطاقة الصفراء” التي تعد تصريح إقامة قابل للتجديد للحماية من الاحتجاز والترحيل، فإن تحديد موعد المرحلة التالية يستغرق وقتا طويلا قد يصل إلى عامين للحصول على البطاقة الزرقاء، وتحديد وضع اللاجئ، وعملية اللجوء بشكل عام، في الوقت الذي لا يتم إعطاء المتقدمين المرفوضين مبررات محددة لعدم قبولهم.

يتزامن ذلك مع شكاوى عدد من ملتمسي اللجوء من صعوبة التواصل مع موظفي المفوضية، على إثر ذلك حاول المركز المصري الاتصال برقم الطوارئ المنشور على موقعها الإليكتروني، ولم يحصل على أي استجابة.

في الوقت ذاته، تشير المفوضية – وغيرها من المنظمات غير الحكومية المعنية بدعم اللاجئين – إلى معاناتها من إشكاليات نقص التمويل اللازم لتوفير المساعدات الضرورية والعاجلة للاجئين وملتمسي اللجوء، وعلى رأسها السكن والغذاء والصحة والتعليم، فضلا عن الدعم النفسي والاجتماعي.

ومن الملاحظ أن مفوضية اللاجئين في مصر تمتلك مكتبين فقط، أحدهما في القاهرة الكبرى، والآخر مخصص للإسكندرية ومحافظات الوجه البحري، فضلا عن آخر  في منطقة الزمالك بمحافظة الجيزة، مخصص حصرا للاجئين السوريين، كما أن نقص عدد الموظفين المسؤولين عن تسجيل ملتمسي اللجوء لا يمكن عمليا من استيعاب أعداد المتقدمين بالطرق البيروقراطية التقليدية، ما يتطلب ضرورة إيجاد آليات مرنة للتعامل مع ملفاتهم بشكل عاجل، خاصة أن الأمر يتوقف عليه مصير عشرات الآلاف من ملتمسي اللجوء المهددين بالترحيل مع انتهاء المدة الأخيرة التي حددتها الحكومة لتوفيق أوضاعهم نهاية سبتمبر.

جميع هذه الإشكاليات تستوجب تدخلا عاجلا من المفوضية السامية لشؤون اللاجئين في جنيف، ومكتبها في القاهرة، لمعالجة عراقيل تسجيل ملتمسي اللجوء، سواء بزيادة أعداد موظفيها المتعاملين مع ملفات المتقدمين، وإسباغ الحماية المؤقتة على السودانيين في مصر، على غرار ما حدث في وقت سابق مع ملتمسي اللجوء من سوريا والعراق، مع ما يستلزمه ذلك من آثار أبرزها توفير الدعم اللازم لتوفير حياة كريمة لهم.

مطالبات بـ”إعادة النظر”

قبل إقراره، طالبت منظمات حقوقية الحكومة المصرية إلى إعادة النظر في القانون، مع إدخال تعديلات تضمن احترام المعايير الدولية لحقوق الإنسان.

وأبدى عدد من الخبراء القانونيين والمتخصصين في القانون الدولي تحفظاتهم على عدد من الصياغات الفضفاضة في نصوص القانون، والتي يمكن أن تشكل سلاحا ذي حدين فيما يتعلق بحقوق وأوضاع اللاجئين.

واتفقوا على أن القول الفصل فيما يتعلق بالحكم على القانون لن يتكشف إلا بعد إقرار لائحته التنفيذية، التي يجب أن تتضمن مصطلحات منضبطة وإجراءات واضحة لحماية اللاجئين وطالبي اللجوء وتقنين أوضاعهم بما يتفق مع المواثيق والمعاهدات الدولية.

من بين هذه التعديلات المطلوبة، وفقا لمختصين: تعزيز استقلالية اللجنة الوطنية لشؤون اللاجئين، وتوفير آليات واضحة للطعن على قراراتها. كما طالبت المنظمات بضرورة وضع نصوص صريحة لحماية البيانات الشخصية، وضمان الحقوق الأساسية لجميع طالبي اللجوء وليس فقط من يحملون صفة اللاجئ.

وعلى الرغم من أهمية القانون في تقنين أوضاع اللاجئين وضمان التعامل معهم ضمن إطار قانوني منظم، فإنه يحمل العديد من الثغرات التي قد تؤدي إلى تقييد حقوق اللاجئين، بدلًا من تعزيزها.

وبينما تؤكد الحكومة المصرية أن القانون يهدف إلى تحقيق التوازن بين الالتزامات الدولية ومتطلبات الأمن القومي، فإن ضمان حقوق اللاجئين وحمايتهم يبقى التحدي الأكبر، ما يتطلب مراجعة شاملة للقانون، تأخذ في الاعتبار الملاحظات الحقوقية وتضمن تنفيذًا عادلًا وشفافًا لأحكامه.

نقترح عليكم: ثلاثة أنواع جديدة من اللاجئين في عالم من المهاجرين: المراسلة 36 (2024)

مشاركة المقال

مقالات ذات صلة