مدار + مواقع: 02 آذار/ مارس 2022
كشف التسريب الهائل من أحد أكبر البنوك الخاصة في العالم، وهو “كريدي سويس”، عن ثروة هائلة خفية لعملاء متورطين في التعذيب والاتجار بالمخدرات وغسيل الأموال والفساد وجرائم خطيرة أخرى.
وتم في التسريب تضمين تفاصيل الحسابات المرتبطة بـ 30 ألف عميل من عملاء “كريدي سويس” في جميع أنحاء العالم، ما كشف المستفيدين من أكثر من 107 مليارات دولار أمريكي في واحدة من أكبر المؤسسات المالية في سويسرا.
ومن بين هذه الحسابات، تم الكشف عن عديد المستفيدين من مهربي البشر في الفلبين، ورئيس بورصة هونغ كونغ الذي سبق أن سجن بتهمة الرشوة، بالإضافة إلى سياسيين متهمين بالفساد من مصر إلى أوكرانيا.
كما حملت البيانات استخدام حساب مملوك للفاتيكان 392 مليون دولار في استثمارات عقارية في لندن، وهو العقار نفسه الذي يشهد محاكمة جنائية للعديد من المتهمين، بما شمل بعض الكاردينالات.
وتم تسريب هذا الكم الهائل من البيانات المصرفية من قبل مبلّغ مجهول إلى صحيفةSüddeutsche Zeitung الألمانية. وقال المصدر في بيان: “أعتقد أن قوانين السرية المصرفية السويسرية غير أخلاقية”، مضيفا: “إن ذريعة حماية الخصوصية المالية مجرد ورقة توت تغطي الدور المخزي للبنوك السويسرية كمتعاون مع المتهربين من الضرائب”.
وقال “كريدي سويس” إن قوانين السرية المصرفية الصارمة في سويسرا منعته من التعليق على المطالبات المتعلقة بالعملاء الأفراد.
وأضاف البنك في بيان: “يرفض بنك ‘كريدي سويس’ بشدة المزاعم والاستنتاجات المتعلقة بالممارسات التجارية المزعومة للبنك”، مشيرا إلى أن الأمور التي كشف عنها الصحافيون تستند إلى “معلومات انتقائية مأخوذة من السياق، ما أدى إلى تفسيرات متحيزة لأعمال البنك”.
وقال المصرف ذاته أيضا إن “المزاعم تاريخية إلى حد كبير، وفي بعض الحالات تعود إلى وقت كانت فيه قوانين وممارسات وتوقعات المؤسسات المالية مختلفة تماما عما هي عليه الآن”.
مثال على تواطؤ البنك
من بين العملاء الذين تم تسريب بياناتهم نجد لي فوك شو؛ ووفقا لبياناته فقد قام بفتح حسابه عام 2000، ما يعني أنه من غير المرجح أن يكون قد نظر إليه باعتباره عميلا عاديا، خصوصا أنه كان رئيس مجلس إدارة بورصة هونغ كونغ.
وكان “لي” من بين أغنى الناس في المدينة آنذاك، إذ كان يعرف باسم “الأب الروحي لسوق الأوراق المالية”، كما أن شهرته زادت بعد أن قضى مدة في سجن شديد الحراسة.
وانتهت مهنة ونشاط “لي” في سوق البورصة عام 1990، عندما أدين بتلقي رشاوى مقابل إدراج الشركات في البورصة؛ ومع ذلك، بعد عقد من الزمان قضى منه مدة مهمة في السجن، تمكن من فتح حساب باسمه في البنك السويسري دون أن ينظر إلى خلفيته أو من أين جاء بهذه الأموال؛ ووفقا للتسريب فقد امتلك آنذاك 35.2 مليون دولار.
توفي “لي” في 2014، لكن قضيته تبقى من بين عشرات الحالات التي كشفها الصحافيون، ما يعني أن “كريدي سويس” يحتفظ بحسابات لعملاء ذوي خلفيات غير نظيفة.
وهناك حالات أخرى ربما يكون فيها Credit Suisse قد اتخذ إجراءات سريعة بعد ظهور العلامات الحمراء، لكن القضية مع ذلك تظهر أن العملاء المشكوك فيهم قد انجذبوا إلى البنك.
وهناك مثال لعميل آخر اسمه ستيفان سيدرهولم، وهو فني كمبيوتر سويدي فتح حسابا لدى “كريدي سويس” عام 2008، وتمكن من إبقائه مفتوحا لعامين ونصف بعد إدانته بتهمة الاتجار بالبشر في الفلبين، حيث حكم عليه بالسجن المؤبد.
كل هذا رغم اعتماد البنوك في سويسرا على التقييم السنوي للعملاء، ومراجعة الحسابات، وهو الأمر الذي كان يؤكده “كريدي سويس”، لكن التسريبات الأخيرة أثبتت أن هذه الإجراءات ليس سوى تمويه قانوني.
للمنطقة العربية والمغاربية حصتها
يعتبر السياسيون ومسؤولو الدولة من بين العملاء الأكثر خطورة بالنسبة للبنوك، بسبب وصولهم إلى الأموال العامة، لاسيما في الدول النامية، مع عدد أقل من الضمانات القانونية ضد الفساد؛ لهذا من الواجب على البنوك والمؤسسات المالية الأخرى إخضاع الأشخاص البارزين سياسيا لأكثر عمليات الفحص صرامة.
البيانات المسربة من “كريدي سويس” مليئة بالسياسيين وحلفائهم الذين تم ربطهم بالفساد قبل أو أثناء أو بعد أن تكون لديهم حساباتهم، لكن العديد منهم كان لديهم نفوذ سياسي كبير في بلدانهم، من سوريا إلى مدغشقر، حيث جمعوا ثروات شخصية.
وتكشف البيانات عن حسابات في بنك “كريدي سويس” لدى العديد من الشخصيات الاستخباراتية والعسكرية وأفراد عائلاتهم، بما يشمل الأردن واليمن والعراق والجزائر. وكان أحد العملاء الجزائريين، وهو خالد نزار، شغل منصب وزير الدفاع حتى عام 1993 وشارك في انقلاب أدى إلى اندلاع حرب أهلية وحشية اتُهم فيها المجلس العسكري الذي كان جزءا منه بالإخفاء والاعتقالات الجماعية والتعذيب وإعدام المعتقلين.
بالإضافة إلى ابني الرئيس المصري المخلوع حسني مبارك، اللذين توبعا في مصر بجرائم مالية والوقوف وراء أحداث دموية أيام ثورات “ربيع الشعوب”؛ إذ امتدت علاقة الأخوين بالبنك السويسري على مدار عقود، مع فتح أول حساب مشترك من قبلهما عام 1993، وبحلول 2010 – العام الذي سبق الإطاحة بوالدهما – كان يمتلك علاء حسابا بحوالي 185 مليون دولار.
ومن بين من تم ذكرهم في البيانات نجد حسين سالم – الذي عمل كمستشار مالي لمبارك لما يقرب من ثلاثة عقود، وجمع ثروة من خلال صفقات تفويت المشاريع، وتوفي في المنفى بعد مواجهة تهم غسل الأموال.
ومن الأسماء التي لفتت الانتباه نجد رئيس المخابرات المصري السابق عمر سليمان، الذي تم ذكره في البيانات من خلال توفره على حساب بحوالي 35 مليون دولار. وكان سليمان شخصية مهابة الجانب في مصر، حيث أشرف على انتشار التعذيب وانتهاكات حقوق الإنسان.
وكما عادة مختلف التسريبات التي تخص الجنات الضريبية أو البنوك الدولية، لم تخل البيانات من اسم الملك عبد الله، أحد الملوك الحاليين الأطول خدمة في العالم، إذ اختار البنك نظير السرية التي يمكن أن يوفرها له، لاسيما في ما يتعلق بثروته الشخصية.
وعلى مدار السنوات الست الأخيرة، كان ملك الأردن يستفيد من ستة حسابات مختلفة في بنك “كريدي سويس”، في وقت كان لزوجته حساب آخر.
ووفقا للبيانات المسربة فإن الحسابات الخاصة بالعائلة المالكة تحوي مبالغ مهمة، إذ إن أحد الحسابات تبلغ قيمته 241 مليون دولار أمريكي.