بلدان الساحل تسعى إلى السيادة: سنتان على السيرورة الجديدة

مشاركة المقال

Share on facebook
Share on twitter
Share on email

غلوب تروتر/ مدار: 16 أيلول/ سبتمبر 2025

ميكايلا نهوندو إرسكوغ*

تحتفل شعوب بوركينا فاسو ومالي والنيجر، في 16 أيلول/سبتمبر، بالذكرى الثانية لتحالف دول الساحل (AES)، الذي تأسس بموجب ميثاق ليبتاكو-غورما في عام 2023. هذا ليس تاريخا عاديا، بل هو احتفاء بنضال متجدد من أجل السيادة في منطقة خنقها طويلاً الاستعمار الفرنسي الجديد والاستراتيجيات الأمنية الغربية الفاشلة. وبينما يتم التخطيط لتنظيم أنشطة تضامنية في جميع أنحاء الساحل، من الضروري تجاوز السرديات السائدة عن “أحزمة الانقلاب” وفهم الظروف التي أدت إلى هذه اللحظة المحورية.

لعقود من الزمان، كان الساحل مثالاً نموذجياً للنهب الاستعماري الجديد. كان “استقلال الأعلام” في الستينيات مجرد واجهة لهيمنة فرنسية مستمرة، تم الحفاظ عليها من خلال “الفرنك الإفريقي” (CFA) وشبكة من اتفاقيات الدفاع. على سبيل المثال، منح اتفاق عام 1961 مع النيجر لفرنسا السيطرة على المنشآت العسكرية والموارد الاستراتيجية مثل اليورانيوم، مع توفير إعفاءات ضريبية للشركات الفرنسية. لقد دمر هذا النظام السيادة المالية للمنطقة، مما أدى إلى تخلف كارثي وفقر وأزمة أمنية فاقمتها نفس القوى التي تدعي حلها.

تعكس الأرقام حقيقة الأوضاع القاتمة، ففي عام 2023، بلغ نصيب الفرد من الناتج المحلي الإجمالي في النيجر 560 دولارًا أمريكيًا فقط، كما أن ما يقارب نصف السكان كانوا في حالة فقر، بينما عاش جيرانه وضعا مماثلا. هذه هي النتيجة المباشرة لنظام مصمم من أجل الاستغلال الاستخراجي. لقد قامت شركات التعدين الفرنسية لسنوات بنهب اليورانيوم والذهب من المنطقة، ولم تترك وراءها سوى القليل. سنة 2010، على سبيل المثال، حصلت النيجر على 13٪ فقط من إجمالي قيمة صادراتها من اليورانيوم.

هذا الاستغلال الاقتصادي مرتبط ارتباطًا وثيقًا بالأزمة الأمنية، فقد أطلق تدخل الناتو عام 2011 في ليبيا العنان لفيض من الأسلحة والمتطرفين في جميع أنحاء المنطقة. أدت العمليات التي قادتها فرنسا لاحقًا مثل “برخان” إلى نتائج عكسية، حيث ارتفعت وتيرة النشاط الإرهابي بشكل صاروخي أمام أعينهم – مع زيادة الوفيات بنسبة 2860٪ على مدى خمسة عشر عامًا. بالنسبة لشعوب الساحل، كان الوضع واضحا: كان الثعلب يحرس قن الدجاج.

من رحم الدول الفاشلة والتدخل الأجنبي والإحباط الشعبي، وُلد تحالف دول الساحل. لم تكن التدخلات العسكرية في مالي (2020) وبوركينا فاسو (2022) والنيجر (2023) مجرد استيلاء على السلطة من قبل نخبة أنانية. كانت، كما وصفها فيليب تويو نودجنوم من منظمة شعوب غرب أفريقيا، “تدخلات عسكرية من أجل السيادة”. قاد هذه الحركات جيل جديد من الضباط الشباب الوطنيين مثل إبراهيم تراوري من بوركينا فاسو وأسيمي غويتا من مالي، وتغذت على تعبئة جماهيرية لسكان سئموا النظام القديم، كما هو مبين في الملف الأخير الذي نشره معهد القارات الثلاث للبحث الاجتماعي: “الساحل يسعى إلى السيادة“.

كانت مشاهد المسيرات الجماهيرية في شوارع باماكو وواغادوغو ونيامي في أعقاب الإطاحة بالحكومات المدعومة من الغرب شهادة قوية على الرغبة العميقة في التغيير. والأهم من ذلك، أن الجماهير لم تخرج لمجرد دعم نظام جديد بشكل أعمى. ففي حالة النيجر مثلاً: فعندما تحرك القادة العسكريون – الذين كان دافعهم الأساسي هو ضُعف الحماية وانعدام التعويضات العادلة أثناء قتالهم في الخطوط الأمامية ضد التوغلات الإرهابية، والتي غالباً ما كانت تُربط بدعم فرنسي مزعوم – كانت المنظمات الشعبية هي التي قادت الدعوة لطرد القوات العسكرية والدبلوماسية الفرنسية، فحاصرت الثكنات العسكرية الفرنسية والسفارة. لم تكن هذه مجرد موجات غضب مناهضة لفرنسا، بل كانت رفضاً عميقاً لنظام حرم شعوب الساحل لزمن طويل من كرامتهم وحقهم في تقرير المصير. ومن ثم، فإن تحالف دول الساحل ليس مجرد تحالف عسكري، بل مشروع سياسي، ومحاولة جريئة لشق طريق جديد قائم على الوحدة الإفريقية، والتنمية الذاتية، والموقف المناهض للإمبريالية بحزم.

بعد عامين على تأسيسه، خطا تحالف دول الساحل خطوات كبيرة، وقد كان طرد القوات الفرنسية من الدول الأعضاء الثلاث ضربة تاريخية للاستعمار الفرنسي الجديد في أفريقيا. عزز تشكيل كونفدرالية دول الساحل في 6 تموز/ يوليو 2024 التحالف بشكل أكبر، مع قيام قوة عسكرية مشتركة بالفعل بإجراء تدريبات وتعزيز قادتها للروابط الأمنية، مثل ما حدث خلال الاجتماعات العسكرية في روسيا في تموز/ يوليو وآب/ أغسطس 2025. تتقدم الخطط لإصدار جواز سفر موحد، وصندوق استثمار جديد ممول من الضرائب المحلية، وفي نهاية المطاف، عملة مشتركة. 

على الصعيد الاقتصادي، يتخذ تحالف دول الساحل خطوات ملموسة لاستعادة السيطرة على مصيره. توجد مقترحات على الطاولة لتجميع الموارد الخاصة بمشاريع التعدين والطاقة والبنية التحتية الرئيسية. 

وفي خطوة مهمة نحو السيادة في مجال الطاقة، وقعت شركة روساتوم الروسية (الشركة الحكومية المسؤولة عن صناعة الطاقة النووية والطاقة) اتفاقيات إطار مع الأعضاء الثلاثة في يونيو-يوليو 2025 بشأن الاستخدام السلمي للطاقة النووية لتطوير “دورة وقود نووي إقليمية متكاملة رأسيًا – من مناجم النيجر إلى مفاعلات بوركينا فاسو ومالي”. يكمل هذا الجهود الوطنية عبر التحالف، والتي تشمل مجموعة من الاتفاقيات الثنائية مع شركاء جدد ومبادرات تنموية وطنية جديدة، تشمل مجموعة من القطاعات الاقتصادية والسياسية والاجتماعية. 

وقد أقرت مالي وبوركينا فاسو قوانين تعدين جديدة في عام 2023 لزيادة مشاركة الدولة وإلغاء الإعفاءات الضريبية التي تعود إلى حقبة الاستعمار الجديد، بينما بدأت النيجر مراجعة شاملة لعقود التعدين الحالية بهدف إعادة التفاوض عليها بشروط أكثر إنصافًا.

تترافق هذه السياسات الملموسة مع دفعة للتجديد الأيديولوجي. وتعيد بوركينا فاسو، من جانبها، إحياء روح توماس سانكارا بدفعة كبيرة نحو الاكتفاء الذاتي الغذائي، وتعبئة برامج تطوعية وطنية لبناء سدود الري، وإطلاق بناء أول مصنع لتصنيع الطماطم في البلاد لتقليل الاعتماد على الواردات، وحملة استعادة الغابات الوطنية (التي شهدت زراعة 5 ملايين شجرة في ساعة واحدة في 21 يونيو 2025). كما تعزز مالي، في خطتها التنموية الوطنية الجديدة، مفهوم “المالي الجديد” – مواطن وطني ومسؤول ومجتهد مكرس للسيادة الوطنية. هذه الجهود الموازية، المادية والأيديولوجية، تنسج علما جديدا للمنطقة، يرمز له علم تحالف دول الساحل. خريطة للدول الثلاث متحدة ككيان واحد، ذات خلفية بألوان الوحدة الأفريقية المكونة من الأحمر والذهبي والأخضر، مع شجرة الباوباب القديمة في قلبها، لقد رفعت شعوب الساحل راية السيادة، وكل يوم، من خلال النضالات اليومية لبناء مشروع إقليمي متماسك، تستعيد كرامتها.

التحديات المقبلة لا تزال هائلة. مازالت اقتصادات دول تحالف الساحل تعتمد بشكل كبير على تصدير المواد الخام، مما يجعلها عرضة لتقلبات السوق العالمية. الوضع الأمني، على الرغم من تحسنه في بعض المناطق، لم يستقر بعد. وقوى الإمبريالية لم تكن خامدة. لكن التركيز فقط على هذه التحديات يعني إغفال القصة الأكبر. شعوب الساحل لا تنتظر منقذًا. إنهم يصنعون مصيرهم بأيديهم. الذكرى السنوية القادمة لتحالف دول الساحل هي لحظة للإشادة بشجاعتهم ورؤيتهم. إنها تذكير، كما قال توماس سانكارا، الثوري البوركيني العظيم، مرة – تصريح كثيرًا ما يقتبسه تراوري: “العبد الذي لا يستطيع تحمل مسؤولية ثورته لا يستحق التعاطف”. لقد تحملت شعوب الساحل مسؤولية ثورتها.

ميكايلا نهوندو إرسكوغ هي مكوّنة وباحثة في معهد القارات الثلاث للبحث الاجتماعي، حاصلة على درجة الماجستير في التاريخ من جامعة تُعرف حاليًا باسم رودس (UCKAR) ودرجة البكالوريوس في العلوم الإنسانية من الجامعة نفسها.

أنتج هذا المقال بواسطة غلوب تروتر.

مشاركة المقال

Share on facebook
Share on twitter
Share on email

مقالات ذات صلة

العراق

كيف تحولت 80% من مصانع العراق إلى خردة؟

مدار: 31 تشرين الأول/ أكتوبر 2025 تحولت الصناعة العراقية من رافد رئيسي للاقتصاد الوطني ومصدر لمئات الآلاف من الوظائف، إلى قطاع يصارع الاندثار الكامل، قطاع