المراسلة 30: إن الصراع الأكبر في عصرنا هو بين الإنسانية والإمبريالية

مشاركة المقال

معهد القارات الثلاث للبحث الاجتماعي/ مدار: 29 أيلول/ سبتمبر 2021

فيجاي براشاد

أوتام غوش (الهند)، دعوا كوبا تعيش، 2021

ظهر في 23 تموز/يوليو 2021 نداء في صفحة كاملة من صحيفة نيويورك تايمز يدعو رئيس الولايات المتحدة جو بايدن إلى سحب الحصار الانتقامي الذي تفرضه الولايات المتحدة على كوبا. عندما وصل هذا النداء إلى الصحافة، تحدثت إلى الصحافي الصيني لو يوانزي من غلوبال تايمز (جي تي). تحمل بقية هذه النشرة الإخبارية محتويات تلك المقابلة التي تتراوح ما بين السياسة الأمريكية ضد كوبا والحرب الباردة الجديدة ضد الصين.

ريان هوني بول (جنوب إفريقيا)،  اتحدوا ضد الإمبريالية، 2021

جي تي: لقد أضر بشدّة وباء فيروس كورونا والحصار الأمريكي طويل الأمد برفاهية الكوبيين. فمن خلال استغلال المصاعب الحالية لكوبا، تعمل الولايات المتحدة على مفاقمة المشاكل؛ لقد اتبعت كقوة عظمى وحيدة ومنذ فترة طويلة سياسةً معاديةً تجاه هذا البلد الاشتراكي الصغير. لماذا لا تستطيع الولايات المتحدة أن تتسامح مع دولة اشتراكية صغيرة في محيطها؟.

براشاد: قدمت كوبا منذ عام 1959 رؤية بديلة للإنسانية، وهي رؤية تضع رفاهية الناس قبل متطلبات الربح. إن كون كوبا – وهي دولة فقيرة –استطاعت هزيمة الجوع والأمية بسرعة كبيرة في حين أن الولايات المتحدة – وهي دولة غنية – مازالت تعاني من مثل هذه المشاكل الأولية يوضّح أن الإنسانية في جوهر المشروع الاشتراكي. هذا أمر لا يغتفر في نظر النخب في الولايات المتحدة، ولذلك فإنهم يواصلون تشديد الحصار البائس على كوبا. إنهم في الواقع يستخدمون جميع أنواع الوسائل – بما فيها حرب وسائل التواصل الاجتماعي، وهي جزء من إستراتيجية الحرب الهجينة – لتقويض ثقة الشعب الكوبي. لقد حاولوا ذلك في 11 يوليو/ تموز، لكن المحاولة فشلت، حيث نزل عشرات الآلاف من الكوبيين إلى الشوارع للدفاع عن ثورتهم.

جي تي: على الرغم من إدانة الأمم المتحدة بأغلبية ساحقة للحصار الأمريكي المفروض على كوبا لسنوات عديدة متتالية، استمرت واشنطن في سياستها اللاإنسانية. ما هو تفسير هذا بالنسبة لصورة الولايات المتحدة دولياً؟..قال الرئيس الأمريكي جو بايدن “إن الولايات المتحدة تقف بحزم مع شعب كوبا”، لكن إدارته لا تنوي رفع الحصار. من هم جمهور مثل هذا الخطاب الدبلوماسي المنافق؟. 

براشاد: إن الولايات المتحدة لا تقف بحزم مع شعب كوبا، بل هي في الواقع تقف على رقبة الشعب الكوبي. هذا واضح للدول الأعضاء في الأمم المتحدة البالغ عددها 184 دولة، التي صوتت في 23 يونيو/حزيران لإرسال رسالة إلى الولايات المتحدة في دعوة إلى إنهاء الحصار. الحقيقة أن الرئيس جو بايدن رفض حتى التراجع عن 243 إجراء قسريا نفذها دونالد ترامب. إن العالم يدرك قسوة الحصار المفروض على كوبا وسياسة العقوبات غير القانونية التي تمارسها الولايات المتحدة ضد ما لا يقل عن 30 بلداً حول العالم. لكن بسبب قوة الولايات المتحدة لا يوجد سوى عدد قليل من البلدان التي ترغب في أكثر من التصويت في الجمعية العامة للأمم المتحدة نيابةً عن كوبا. 

إن كوبا بحاجة إلى دعم مادي لا يأتي من المجتمع الدولي؛ يشمل هذا الدعم المادي مثلاً إمدادات لصناعة الأدوية الكوبية ومواد غذائية. فهل ستجتمع دول رئيسية في العالم لكسر الحصار إذا لم تتراجع الولايات المتحدة عنه؟.

ليزي سواريز (الولايات المتحدة)، ارفعوا أيديكم عن كوبا!، 2021.

جي تي: من الواضح أن طريقة تعامل الولايات المتحدة مع وباء كورونا فشلت، إذ سجلت أعلى حصيلة للوفيات في جميع أنحاء العالم. لقد تم الكشف في مواجهة الوباء بشكل كامل عن تفضيل النظام الرأسمالي للاقتصاد على حياة الإنسان. وترك الوباء أثراً على المزايا المؤسسية والقوة الخطابية للولايات المتحدة. هل أصبح النظام الرأسمالي معطلًا في مواجهة الأزمات الكبرى؟.

براشاد: إن النظام الرأسمالي جيد جدًا في إنتاج كميات هائلة من السلع وجودات عالية جدًا لأنواع معينة منها؛ إنه جيد في إنتاج رعاية طبية عالية القيمة مثلاً، لكنه ليس جيدًا في إنتاج رعاية صحية عامة جيدة، وهذا له علاقة بدافع الربح. فنظرًا لوجود تفاوت اجتماعي كبير لا يملك معظم الجمهور المال في جيوبهم للحصول على رعاية صحية جيدة، لذا فإن الرعاية الصحية ببساطة ليست ميسورة التكلفة أو ممكنة بالنسبة للغالبية العظمى.

هذا هو الموقف تجاه الصحة والتعليم الذي يُظهر لنا الجانب اللاإنساني للرأسمالية. فخلال الوباء أنفقت 64 دولة على خدمة ديونها الخارجية أكثر مما أنفقت على الرعاية الصحية. هذه هي طرق عمل النظام الرأسمالي: التأكد من أن حاملي السندات الأثرياء في العالم المتقدم يجنون أموالهم بينما يكافح الفقراء من أجل البقاء.

جي تي: أظهرت استجابة الصين للوباء بوضوح نقاط القوة في فلسفتها الموجهة نحو الناس وفي نظامها السياسي. ما هو رأيك في التأثير المتزايد للنظام السياسي الصيني بعد الوباء؟ كيف يمكن للعالم الخارجي أن يفهم بشكل أفضل المزايا الفريدة للنظام السياسي الصيني تحت قيادة الحزب الشيوعي الصيني؟ وكيف يمكن للصين أن تواجه بشكل أفضل تشهير الغرب بالحزب الشيوعي الصيني؟.

براشاد: إن نهج الصين في التعامل مع الوباء يتوافق مع توصيات منظمة الصحة العالمية: استخدام العِلم والتعاطف والتعاون لمواجهة الجائحة. لقد تطوع أفراد الشعب الصيني لمساعدة بعضهم البعض، وتطوع الأطباء من أعضاء الحزب الشيوعي للذهاب إلى الخطوط الأمامية، وفتحت الدولة الصينية خزائنها لضمان القضاء على المرض وعدم معاناة الشعب من الانكماش الاقتصادي المطول. هنالك الكثير مما يمكن تعلمه من هذا النهج؛ تتعمق دراساتنا حول صدمة كورونا في هذا الأمر.

إن هذا يتناقض بشكل صارخ مع الموقف المعادي للعِلم واللاإنساني والقومي الضيق للعديد من الدول الغربية والعديد من الدول الأخرى في العالم النامي؛ لقد أدى نهجهم إلى الفوضى. فبسبب الفشل في أماكن مثل الولايات المتحدة، بدأ ترامب مثلاً  إلقاء اللوم على الصين بطريقة عنصرية في ظهور الفيروس. نحن نعلم علميًا أن الفيروسات تظهر لأسباب متنوعة ولا علاقة لأي منها بالعرق. يحتاج المثقفون الصينيون وغيرهم إلى تقديم تقارير واضحة عن التطورات الصينية، بما في ذلك القضاء على الفقر المدقع والهزيمة السريعة إلى حد ما لجائحة كورونا. وستساعد مثل هذه الروايات الناس في أجزاء أخرى من العالم على فهم العلاقة بين العمل العام وعمل الدولة في الصين. إن هذا غالباً ما يُساء فهمه على نطاق واسع، ويرجع ذلك إلى حد كبير إلى حرب المعلومات التي تشنها الولايات المتحدة وحلفاؤها. ففي 23 يوليو/ تموز نشر معهد القارات الثلاث نصّاً مهماً بعنوان خدمة الناس: القضاء على الفقر المدقع في الصين، استنادًا إلى دراسات ميدانية حول القضاء على الفقر المدقع.

جستينا يونغ (جمهورية الصين الشعبية) El cosechero (“الحصّاد”)، 2021.

جي تي: لطالما تجنبت سردية الغرب للحزب الشيوعي الصيني في السنوات الأخيرة ذكر الآثار الإيجابية للحزب على التقدم الاجتماعي للصين والتنمية الاقتصادية العالمية. لماذا لا يستطيع الغرب تقييم الحزب الشيوعي الصيني بموضوعية؟.

براشاد: لا يمكن للغرب أن يكون موضوعياً لأنه يخشى صعود العلوم والتكنولوجيا الصينية. على مدى الخمسين عامًا الماضية احتكرت الشركات الغربية مجالات التكنولوجيا العالية، مستخدمةً قوانين الملكية الفكرية لإطالة مزايا حقوق النشر الخاصة بها. إن التطورات في الصين تمثل تهديدًا وجوديًا لهيمنة هذه الشركات الغربية في مجالات مثل الاتصالات والروبوتات والسكك الحديدية عالية السرعة وتكنولوجيا الطاقة الجديدة. إن الخوف من فقدان السيادة في قطاعات التكنولوجيا الرئيسية هذه هو الذي يدفع بـ”الحرب الباردة الجديدة” ضد الصين، ويمنع إجراء تقييم رصين للتطورات الصينية.

بدلاً من تطوير موقف معقول، سار الغرب في أربعة اتجاهات. أولاً، شن حربًا تجارية واقتصادية ضد الصين للحفاظ على التفوق الاقتصادي والتكنولوجي للولايات المتحدة. ثانيًا ضغط الغرب على الدول النامية وحلفاء الولايات المتحدة للانفصال عن الشركات الصينية وعزل الصين. ثالثًا، حاول الغرب تشويه سمعة الصين من خلال الاستخدام المضلل لإطار “حقوق الإنسان” ودعم القوى المعادية للحكومة والانفصالية داخل الصين. وأخيرًا، سعى الغرب إلى الاستفزاز العسكري، لاسيما من خلال تحالف الرباعي (أستراليا والهند واليابان والولايات المتحدة). وهذه الآليات تحجب أبصار الجمهور الغربي عن الواقع في الصين.

جي تي: خلال فترة الإصلاح والانفتاح في الصين، كانت البلاد منفتحةً على التعلم من المجتمعات الغربية، وقد أدى ذلك إلى تعزيز تنمية الصين بشكل كبير. هل تعتقد أنه يمكن أن يكون هناك مثل هذا التحرر الأيديولوجي في الغرب لأخذ النظام السياسي الصيني على محمل الجد؟.

براشاد: يأمل المرء أن يظهر الوضوح للجمهور الغربي الذي توجهه حتى اللحظة طبقة سياسية تعمل في قطاعات الاقتصاد التي تهددها التطورات العلمية والتكنولوجية الصينية. على المدى القصير، لا يمكن إجراء مثل هذا التقييم الإيجابي. على الأرجح أن يأتي مثل هذا التقييم في بلدان إفريقيا وأمريكا اللاتينية وجنوب آسيا، حيث سيتفهم الناس القوة الهائلة للقضاء على الفقر المدقع والقوة الهائلة لإنشاء صناعة محلية عالية التقنية. ففي عهد لولا، قضت البرازيل على الجوع من خلال برنامج Fome Zero (صفر جوع)، بينما شرعت ولاية كيرالا الهندية بقيادة الجبهة الديمقراطية اليسارية مؤخراً في برنامج للقضاء على الفقر. يمكن لهذه المناطق من العالم أن تقدّر الخطوات التي اتخذها الصينيون بشكل أفضل من أولئك الذين يعيشون في الغرب.

يويمنيس باتيستا ديل تورو (كوبا)، بدون عنوان، 2021.

جي تي: منذ أن تولى بايدن منصبه، لم تدّخر إدارته أي جهد في تجنيد الديمقراطيات ذات التفكير المماثل لاحتواء الصين، وذلك في محاولة لتكرار التنافس بين الكتلتين بقيادة الولايات المتحدة والاتحاد السوفيتي خلال الحرب الباردة. هل تعتقد أن الورقة الديمقراطية هي وسيلة فعالة للولايات المتحدة لحشد معسكر مناهض للصين؟.

براشاد: إن فكرة مجتمع الديمقراطيات لها ميزة هزلية لأن هذه المجموعة الجديدة يتم تشكيلها لاستخدام جميع أساليب القوة (الدبلوماسية والاقتصادية والعسكرية، إلخ) للضغط على الصين وروسيا لكي تعكسا مسار تقدمهما. يجب أن تلتزم أي مجموعة ديمقراطية حقيقية بميثاق الأمم المتحدة، وهو بالضبط ما تتحداه سياسات العقوبات التي تفرضها الدول الغربية. لهذا السبب أنشأت 18 دولة مجموعة الأصدقاء المدافعين عن ميثاق الأمم المتحدة. هذا تطور مهم، لأنه يشير إلى أن الهدف هو التمسك بالميثاق وعدم التحدث باسم ديمقراطية مجردة تعني في كثير من الأحيان أن الدولة يجب أن تكون تابعة للمصالح الغربية. لا يريد العالم أن ينقسم إلى معسكرات.

 سيبلغ عمر حركة عدم الانحياز 60 عامًا في سبتمبر القادم، ومازالت هناك رغبة في العالم النامي في مشروع حركة عدم الانحياز. لا تريد الدول أن تنحاز إلى جانب أو آخر في “حرب باردة جديدة“، لا يريدها أحد باستثناء الولايات المتحدة. إن الانقسام ليس بين الصين والولايات المتحدة، ذلك الانقسام الذي تحاول الولايات المتحدة فرضه على العالم: بل إن الانقسام هو بين الإنسانية والإمبريالية.

جي تي: يورد كتابك طلقات واشنطن (Washington Bullets) اغتيالات وعمليات تسلّل وكالة المخابرات المركزية الأمريكية في أماكن مختلفة. لقد تمت مقاومة الإمبريالية الأمريكية على نطاق عالمي، فكيف ترى مصيرها؟. 

براشاد: مازالت الولايات المتحدة دولة قوية للغاية، ممتلكةً أكبر قوة عسكرية قادرة على العمل في أي مكان على هذا الكوكب وأشكالاً من القوة الناعمة (كالقوة الثقافية والدبلوماسية) التي تُحسد عليها. فعلى الرغم من السجلّ الرهيب للتدخل الأمريكي في العالم النامي – الذي وثقته في كتاب طلقات واشنطن (2020) – تحتفظ الولايات المتحدة بقبضة قوية على خيال العالم. مازالت هناك وجهة نظر – مهما كانت خاطئة – مفادها أن الولايات المتحدة تمارس قوتها بطريقة خيرية، وأنها تعمل من أجل المصلحة العالمية لا القومية. إن القوة الثقافية للولايات المتحدة كبيرة، وهذا هو السبب في أنها قادرة بسهولة على استخدام أسلحة المعلومات ضد أي خصم.

قبل ما يقارب 30 عامًا، حث الكوبيّ فيدل كاسترو البلدان حول العالم على عدم إهمال معركة الأفكار. إن الإمبريالية الأمريكية ليست أبدية، وهي تواجه الآن نمو التعددية القطبية والإقليمية. هذه هي التطورات الرئيسية التي لا يمكن للجيش الأمريكي أو القوة الثقافية إيقافها. فالتعددية القطبية والإقليمية هما الحركة الحقيقية للتاريخ، وسوف تنتصران في النهاية.

غابرييل دي ميديروس سيلفيرا (البرازيل)، كسر الجدار، 2021.

تأتيكم الأعمال الفنية في هذه النشرة من معرض دعوا كوبا تعيش الذي ينظمه معهد القارات الثلاث للبحث الاجتماعي، وقد تم إطلاقه في الذكرى السنوية لتأسيس حركة 26 تموز/يوليو في كوبا، بينما يحتشد الناس المحبون للسلام في جميع أنحاء العالم مطالبين بوضع حد للحصار الذي تفرضه الولايات المتحدة.

مشاركة المقال

مقالات ذات صلة