القتل هو أداة شائعة من أجل الرقابة الاجتماعية

مشاركة المقال

نيو فرايم/ مدار: 28 أيلول/ سبتمبر 2020

حالات التصفية التي يواجه بها النشطاء الميدانيون في الاحتجاجات والإضرابات هي تهديد كبير للديمقراطية، كما أن هذا التهديد نادرا ما يؤخذ على محمل الجد لدى النخب الحاكمة.

كل عام، ومع اقتراب الذكرى السنوية لاغتيال ستيف بيكو -عام 1977- يتم استحضار طموحاته من خلال الاستشهاد بما كان ينادي به. ولعل أكثر المقولات التي يتم تداولها: “بمرور الوقت سنكون في وضع يخول لنا منح جنوب إفريقيا أعظم هدية – وجه أكثر إنسانية”.

لقد كانت رؤيته للوضع واضحة للمدى الذي يمكن أن تؤول إليه الأمور، لاسيما من خلال تعبيره عن أن “هذا البلد يعتبر أحد البلدان التي يمكن أن ينشأ فيها مجتمع رأسمالي أسود، لو كان البيض والقوميون أذكياء لتنبؤوا بأن المجتمع الرأسمالي الأسود والطبقة الوسطى السوداء سيكون لهما دور فعال في مرحلة معينة…الصورة التي يجب أن يرى بها العالم الوضع في جنوب إفريقيا واضحة ومتكاملة، خصوصا مع بقاء 70% من السكان مستضعفين”.

نحن في 2020، ومازالت الغالبية مستبعدة ومظلومة، بينما النخب، سواء البيضاء أو السوداء، تثري نفسها على حسابهم في ظل الظروف القائمة. إن تجاور هذين الوضعين كان يثير الغضب عند بيكو، لقد أعطى الكثير وخسر الكثير في طريق نضاله من أجل مجتمع عادل؛ لكن الحقائق الرديئة التي تطبع الوضع الحالي تسيء إلى الأموات بقدر إساءتها للأحياء.

من بين العديد من الأشخاص الذين ضحوا بأرواحهم في سبيل مستقبل لم يتم بلوغه بعد، كانت جابو ندلوفو، وهي وكيلة داخل مصنع بريستيج في بيترماريتسبورغ، وفاعلة في الاتحاد الوطني لعمال المعادن في جنوب إفريقيا، وتعود أطوار اغتيالها إلى منتصف ليلة 22 ماي/ أيار 1989، إذ هاجمت مجموعة من حزب إنكاثا منزلها الكائن في إمبالي، وأطلقت أعيرة نارية على المنزل قبل أن تشتعل فيه النيران.

قتل في عملية الاغتيال هذه، بالإضافة إلى جابو، زوجها جابولاني، وابنتها الكبرى خومبو، بسبب النيران، بينما أصيبت ابنتها الصغرى لوهل وابن أختها ثابان بحروق خطيرة.

 بعد انقضاء هذه العملية تمكنت جابو من تسمية الرجال الذين كانوا وراء مهاجمة منزلها قبل وفاتها، وجاء ذلك في الأيام العشرة التي عانتها في المستشفى الناجمة عن العيار الناري الذي أصابها في الرأس والجروح البليغة.

الحرمان من الحياة الكريمة

تقدم لنا السيرة التي كتبها جان فيربورن عام 1991 حول جابو ندلوفو، تحت عنوان “ومضات على روحها”، سردا واضحا للالتزام السياسي الذي كان يميز مكانا مثل إمبالي خلال تلك الفترة.

عند الاطلاع على الكتاب يتجلى واضحا من نواح كثيرة أن حياة النشطاء عام 1989 في بيترماريتسبورغ تشبه إلى حد كبير تجربة النشاط الشعبي في ديربان على مدار 15 سنة الماضية، لاسيما في ما يتعلق بالتهديد المستمر بالقتل بمختلف الطرق والمكالمات الهاتفية التي تستمر لوقت متأخر من الليل، مع عدم وجود أحد على الخط. وفي حالة ما إذا كان هناك مجيب تتوالى التهديدات بالقتل والهجوم، أضف إلى كل هذا السيارات غير المألوفة التي تقوم بتتبع الناس والتوقف قبالة منازلهم، والرجال الغرباء الذين يستمرون في الاستقصاء والمراقبة. وكل هذا مع إرغام من يعانون من هذه التهديدات على العودة إلى منازلهم قبل غروب الشمس، أو البقاء مع رفاقهم إذا ما تأخر الاجتماع، تفاديا لأي طارئ.

 كما أن هناك حالات لأناس ينامون في أماكن مختلفة كل ليلة أو يذهبون إلى منازل ريفية في أوقات الفراغ تجنب البقاء في المنزل لمدة طويلة. وفي مقابل كل هذا تواجه الشرطة والرجال المكلفون بأعمال التهديد والاغتيال هذه المعيقات باللجوء إلى إقناع الناس أو ترهيبهم للتبليغ عن الآخرين والضغط على العائلات، وبعد كل فترة تعلو أغاني جديدة لشهداء جدد إيذانا بفقدان أحد المناضلين، وحتى بعد مقتلهم تتوالى التهديدات للرفاق الذين يحاولون التكفل بعائلات الشهداء، رغبة من السلطات في استعمال التهديدات المباشرة بالقتل كشكل من أشكال السيطرة السياسية.

في عام 2020 لا يقتصر واقعنا على استمرار حرمان معظم الناس من المقومات المادية لحياة كريمة، كما أن وضعنا الحالي مازال يعاني فيه أولئك الذين ينظمون أنفسهم في سبيل العدالة من القمع الشديد، الذي يصل في حالات إلى الاغتيال.

في 14 من شتنبر، نشرت صحيفة دايلي مافريك مقالا يعرض نتائج استقصائية مفادها أنه منذ 2016 كان هناك ما لا يقل عن 38 عملية اغتيال و14 محاولة أخرى باءت بالفشل في مواقع التعدين في كوازولو-ناتال.

من المعروف منذ فترة ليست بالقريبة أن التقاطع بين السلطة الحاكمة وشركات التعدين متعددة الجنسيات يؤدي في الغالب إلى دمار اجتماعي وبيئي يثري النخب المحلية والعالمية، بينما تزداد حالة السكان تفاقما، جراء تضرر المجتمعات القائمة على التعدين، كما أنه من المعروف منذ فترة طويلة أن هذه العلاقة بين السلطة والشركات تؤدي في كثير من الأحيان إلى ترهيب الأشخاص الحاملين لآراء معارضة، وفي بعض الأحيان يصل إلى حد الاغتيال، وهو حال قضية “بازوكا” راديبي المعروفة في مبيزانا في 2016.

وأشار البحث إلى حدوث ما لا يقل عن 38 عملية اغتيال في المجتمعات المتضررة من التعدين في كوازولو ناتال منذ 2016، لكن ما يزيد من درجات الغضب هو أن هذه المنطقة لم تعرف في أي فترة ندرة في حالات الاغتيال، ففي وقت مبكر من 2013 عرفت المحافظة أكثر من 450 اغتيالا سياسيا، وساءت الأمور أكثر في السنوات التي تليها بسبب الصراعات داخل حزب المؤتمر الوطني الإفريقي في سبيل الوصول إلى المناصب السياسية والمناقصات دون أن تكون لها أي علاقة بما هو إيديولوجي.

لكن رغم أن التقرير الخاص بدراسة الاغتيالات المتعلقة بالتعدين في كوازولو ناتال لم يقدم أي تفاصيل عن سياق كل اغتيال، يبدو أن هناك بعض الحالات التي راح ضحيتها المعارضون الأساسيون للتعدين.

تزايد قائمة جرائم القتل

إن الاغتيالات التي تستهدف النشطاء الفاعلين خارج سياق ما هو سياسي شائعة بكثرة، ومن أبرز الأمثلة حركة سكان الأكواخ أباهلالي بازيمخوندولو، التي فقدت 18 رفيقا جراء الاغتيال والقتل العشوائي للدولة منذ 2013، كما أنه من خلال بحث سريع على غوغل ستظهر لك أسماء 20 ناشطا آخرين على الأقل، بمن فيهم نقابيون، تعرضوا للاغتيال منذ 2006.

هناك أيضا قائمة متزايدة باستمرار لأشخاص قتلوا على يد الدولة خلال الإضرابات والاحتجاجات، ففي عام 2012 عرفت منطقة ماريكانا مقتل 34 من عمال المناجم المضربين، كما أن هناك لائحة أقل تداولا للأشخاص الذين تم قتلهم على يد ضباط الشرطة وحراس الأمن الخاص في احتجاجات الشوارع. وإذا ما قمنا مرة أخرى بإجراء بحث سريع في تقارير وسائل الإعلام على الإنترنت سنلاقي أرقام تزيد عن 75 حالة، كما أنه في كثير من الأحيان لا يتم تقديم أسماء الموتى.

من الواضح أن النظام الاجتماعي الذي أنتجته الرأسمالية العرقية، الذي دعمه حزب المؤتمر الوطني الإفريقي إلى حد كبير، وكذلك إستراتيجيات التراكم من قبل النخب الجديدة أو الطامحة، يتم حمايته بشكل روتيني من خلال القمع العنيف، بما في ذلك القتل، فالحركة التي حازت ثقة الملايين من الناس في أواخر الثمانينيات هي الآن إلى حد كبير أداة في أيدي نخبة مفترسة قمعية.

إن فشل حزب المؤتمر الوطني الإفريقي وكذلك شركاؤه في مؤتمر نقابات جنوب إفريقيا والحزب الشيوعي، في تسمية أو تحديد هذا الواقع بشكل مناسب -ناهيك عن التعامل معه بشكل فعال- يتطلب انتقادات لا هوادة فيها، يمكن حشدها واستدامتها؛ ورغم ذلك سيكون من سوء النية أن يتم إلقاء اللوم الأخلاقي على هذا الواقع على حزب المؤتمر الوطني الإفريقي وحلفائه فقط.

الحقيقة هي أنه لا يوجد حزب سياسي في البرلمان يأخذ على محمل الجد واقع أن النشطاء في الشارع يتعرضون للاغتيال بصفة منتظمة، دون أن تكون هناك عواقب على القتلة، كل هذا في ظل حزب مازال يطلق على نفسه حركة التحرير الوطني، وأيضا في ظل سيادة دستور يلزم الدولة بالقيام على “مجتمع يقوم على القيم الديمقراطية والعدالة الاجتماعية وحقوق الإنسان الأساسية… حيث تقوم الحكومة على إرادة الشعب ويحمي القانون كل مواطن على قدم المساواة”.

في المجال العام ينخر الفساد الدولة إلى أبعد الحدود، كما أنه إذا ما تم اغتيال ناشط ما في مستوطنة أو كوخ أو قرية ما، ولم تكن له صلات جيدة، فسيمر اغتياله هذا دون أن يلاحظه أحد تماما.  

الديمقراطية ليست مجرد سياسة انتخابية، كما أنها تتمحور حول الأشكال اليومية للتنظيم السياسي والتعبئة والخلاف، فإذا كنا جادين بشأن المثل الديمقراطية، فمن الضروري التعامل مع الأشكال الروتينية للقمع التي يواجهها النشطاء على مستوى الشارع، بما في ذلك الاغتيال والقتل على يد الشرطة، على أنها مسألة بالغة الخطورة.  

مشاركة المقال

مقالات ذات صلة