مدار: 13 تشرين الثاني/ أكتوبر 2021
كاترين ضاهر
“العدو وراءكم والبحر أمامكم” هي عبارة قد تبدو خياراً للجميع، إلّا للغزاويين، إذ باتت واقعاً مأزوماً لخيارات معظمها صعب، سواء اتخاذ قرار الهجرة، أو الصمود وسط الحصار المفروض من العدو الصهيوني على قطاع غزة منذ قرابة 15 عاماً على التوالي، وتداعياته، كارتفاع أعداد البطالة وتفاقم الأوضاع الاقتصادية والمعيشية… إضافة إلى الانقسام السياسي الحاد.
تلك الظروف القاهرة، وانسداد الأفق بشأن إمكانية التقدم، تدفع بآلاف شباب القطاع المُحاصر، ولاسيما الخريجون منهم، إلى المجازفة طلباً للهجرة غير النظامية، وركوب البحر علّه يكون مرساة النجاة لانتشالهم من أزماتهم وتحقيق آمالهم في تأمين لقمة العيش والاستقرار وتوفير المستقبل الأفضل، ما يجعلهم عرضة للموت.
“غزة مقبرة للأحياء…لا حلّ أمامنا سوى الهجرة للخروج من هذا الوضع المأساوي”، هكذا لخص “ماهر”، الشاب الفلسطيني، السبب الرئيسي الذي يدفع شباب القطاع للجوء إلى خيار الهجرة، وقال في تصريح لـ “مدار”: “تعليم الشباب الجامعي يكبّد الأهل تراكم الديون عليهم لسداد تكاليف الجامعة، لكن بعد معاناة الدراسة والتعب، يجد الخريج الجامعي نفسه تائهاً، لانسداد الأفق أمامه وانعدام فرص العمل؛ وللأسف ينتظر سنوات في صفوف البطالة، ما يضطره إلى الهجرة غير النظامية، فيقصد تركيا، وبعدها اليونان وبلجيكا…”.
وأضاف الشاب الغزاوي، الذي يحاول الهجرة أيضاً: “إن انعدام فرص العمل لدينا يضع الخريج تحت ضغط نفسي كبير، وقد يضطره إلى الاستدانة لتأمين تكاليف الهجرة، بهدف الخروج من دائرة الفقر والبؤس والضياع في غزة، علّه يجد فرصة عمل وحياة تحافظ على إنسانيته ووجوده في أي بلد يؤمن حقوقه ومستقبله”.
أما الشابة الغزاوية “ريم” فعرّفت عن نفسها بـ”إحدى اللاجئات الفلسطينيات اللواتي يعشن القهر بشتى أنواعه”، وأردفت: “الهجرة أصبحت إحدى القضايا التي تهدد حياتنا، ونحن كشباب فلسطيني نعاني من ظروف اقتصادية وسياسية وثقافية صعبة جداً، جرّاء ارتفاع معدلات الفقر والبطالة في مجتمعنا، ما يضطرّنا إلى الهجرة”، موضحة أن “دوافع الهجرة عند الشعب الفلسطيني تعود لأسباب عدة، أبرزها الاحتلال والحصار الصهيوني، الذي أدى إلى الانقسام الجغرافي والسياسي الداخلي، وغياب أبسط مقومات الصمود والحياة التي لا نستطيع توفيرها للأطفال”.
وعن حلمها بالهجرة قال الشابة ذاتها: “أنا خريجة تربية إنجليزية، حائزة على شهادة بكالوريوس منذ الـ 2004، ومازلت حتى الآن دون عمل، وأنا أم، وواحدة من ملايين الخريجين المعطلين عن العمل. تعلمنا لكي نكون في المكان المناسب، إلّا أن الفقر والبطالة عملا على كبح قدراتنا وطاقاتنا، لذا أصبحت الهجرة إلى أي بلد هي حلمي الأساسي لأثبت قدراتي، والأهم لتوفير لقمة العيش لأطفالي الذين لا أستطيع أن أوفر لهم أبسط الأشياء. ونحن نعيش في قهر مستمر، فالصغار لا تلبى حتى أبسط حقوقهم”.
وعن حادثة السبت قالت “ريم”: “للأسف، باتت الهجرة ظاهرة تدق ناقوس الخطر في حياتنا، وأصبحنا نسمع عن شباب يرمون بأنفسهم في المياه الدولية ويغرقون في ممرات التهريب وهم في عمر الزهور من أجل توفير لقمة العيش”.
“مراكب الموت”…
مجدداً استفاق الغزاويون صباح السبت الماضي على فاجعة جديدة، إثر وقوع حادث مأساوي تعرّض له عدد من الفلسطينيين، إذ غرق مركب يقل مهاجرين غالبيتهم من القطاع قبالة سواحل اليونان لدى محاولتهم الوصول إليها بعد خروجهم من الأراضي التركية.
وغصّت مواقع التواصل الاجتماعي بتسجيلات صوتية وفيديوهات أرسلها بعض الشبّان الذين كانوا على متن “مركب الموت” إلى عائلاتهم، وأكّدوا أنّه تم إنقاذهم ونقلهم للرعاية الصحية، خاصةً أن منهم حالات تعرّضت لظروفٍ صحية صعبة بعد انقلاب المركب الذي كان يقلهم، وسط تأكيداتٍ أنّ العديد منهم لقوا حتفهم في عرض البحر، وأبرزها رسالة صوتية لـ “يحى”، أحد الشبّان الناجين، يخبر والدته أثناء غرق القارب في بحر ايجة بأنه بقي في الماء قبل أن تتمكن البحرية اليونانية من إنقاذهم.
وقال الشاب ذاته بلهجة فلسطينية: “… يامّا كنّا ميتين في البحر، ساعتين بنغرق، ساعتين ضلينا في المية مرميين يامّا، هاي الشرطة أخذتنا يامّا، وأبو أدهم مات والشباب ماتوا اللي معنا… رني على عبدالله قوليلو أبو أدهم غرق…أكلنا السمك يامّا”.
وتعقيباً على الحادثة دعت الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين، في بيان لها، إلى إيجاد حلول وطنية عاجلة لانتشال الشباب من وحل وعذابات الهجرة، بتحريرهم من الفقر والبطالة، مؤكّدة أن “تكرار هذه المآسي والكوارث بحق الشباب الفلسطيني تتطلب من الكل الوطني التوقف أمام واجباتهم الوطنية والديمقراطية والإنسانية والمعيشية، وخلق حلول عملية تفتح أبواب الأمل والعمل والحياة لهؤلاء الشباب بديلاً عن الهجرة، وهو ما يستوجب معالجة كافة الإشكاليات المجتمعية والمعيشية بشكل علمي وطني، والأولوية في ضرورة أن يَتحمّل المجتمع الدولي مسؤولياته في الضغط على الاحتلال لوقف عدوانه وحصاره”.
كما دعت “الشعبية” إلى “ضرورة العمل الجاد من أجل إنهاء الانقسام وإنجاز المصالحة، وإعادة بناء المؤسسات الفلسطينية على أساس وطني ديمقراطي، بما يعيد بناء اقتصاد مقاوم، يفتح الأسواق والعمل لاستيعاب آلاف الشباب والخريجين”.
يُشار إلى أن هذه الحادثة ليست الأولى، إذ يشهد قطاع غزّة في السنوات الأخيرة الكثير من حالات الهجرة لشبان وعائلات، غالبيتهم يتوجهون إلى تركيا ثم يقصدون أوروبا براً أو بحراً، بهدف الحصول على فرصة حياة أفضل فيها.
وبالعودة إلى فاجعة السبت، لم يعرف العدد الحقيقي الذي كان على متن السفينة، وسط تقديرات بأنهم كانوا نحو 22، منهم 14 فلسطينياً من سكّان خان يونس، جنوب القطاع. وأعلن حينها أنه هناك 3 شبّان على الأقل من بين المفقودين. وتم العثور الأحد على جثّة المواطن نصرالله الفرا. كذلك وصل يوم أمس جثمان الشاب أنس أبو رجيلة الذي عثر عليه يوم الإثنين، وسيوارى الثرى في مسقط رأسه في خان يونس اليوم السبت، ومازال البحث جارياً عن المفقود الثالث.