العاملات الكينيات في لبنان بين مطرقة القوانين المجحفة وسندان الاستغلال

مشاركة المقال

مدار: 15 شباط/ فبراير 2022

هادي العلي

عادت قضية العاملات الكينيات إلى الواجهة في لبنان، بعد أن تصاعدت أصواتهن المطالبة بإرجاعهن سالمات إلى بلدهن، وتمكينهن من مستحقاتهن المالية.

وقررت هؤلاء العاملات استئناف اعتصام احتجاجي أمام القنصلية الكينية في بيروت، الذي تعود بدايته إلى يناير/ كانون الثاني من السنة الماضية.

وصعّدت العاملات خطواتهن الاحتجاجية بعد أن سئمن من “مماطلة” قنصلية بلدهن، ولأنهن “لا يملكن مكاناً آخر يذهبن إليه” حسب قول أنيتا، وهي احدى العاملات المشاركات في الاعتصام، وزادت المتحدثة موضحة: “نحن هنا منذ أسابيع ننام على الطريق، نأخذ طعامنا من المحسنين، ولا يوجد حمام أو مكان للاستحمام، لكن الحمد لله لا يزال هناك أناس خيرون يقدمون لنا المساعدة”.

وبعد أن أصبح لبنان على شفير الإنهيار، يبدو تحصيل الحقوق أمرا صعب المنال، ورغم ذلك، تخوض العاملات الأجنبيات، ومن ضمنهن الكينيات، احتجاجاتهن رغم المسار المحفوف بالتحديات القانونية والمجتمعية.

 وليست العاملات الغاضبات مسؤولات عن الضائقة المادية التي تطال أبناء الطبقات المخملية بعد الأزمة الاقتصادية التي عصفت بلبنان.

ويطالب هؤلاء النساء، اللواتي كن يشتغلن في قطاع خدمات الرعاية والتنظيف، بتقاضي أجورهن الهزيلة بالعملة الصعبة بعد أن فقدت الليرة قيمتها، والعودة إلى بلدانهن بسلام.

وبيئة العمل في لبنان بالغة الصعوبة، خصوصا حين يتعلق الأمر بالعاملات الأجنبيات، إذ يواجهن العديد من الانتهاكات، من ضمنها العنف الجسدي والنفسي. ويحرم أرباب العمل كثيرا من العاملات من الوصول إلى متطلبات العيش الأساسية، مثل المياه، الغذاء، الملبس والملجأ الملائمين.

وصرّحت إحدى هؤلاء العاملات، فضّلت عدم الكشف عن هويتها: “رب المنزل يطلب ممارسة الجنس معي رغم رفضي المتكرر، حتى أنه قدم لي حبوب منع الحمل فطلبت منه إعادتي إلى مكتب الاستقدام، لا أعلم ماذا قال للمكتب، لأن الكفيل جاء يصرخ علي ويردد أنني لا أريد أن أعمل”.

وقالت المتحدثة نفسها: “منعوني من الاستحمام لأن هناك أزمة مياه في لبنان، أما وجبة الطعام الوحيدة التي أتناولها طيلة اليوم فهي عبارة عن كوب من الشاي مع الخبز”.

وتعمق الأنظمة القانونية الهشة من معاناة هؤلاء العاملات، فبسبب الرابط بين وظيفة العاملات وإقامتهن، يتحكم الوكيل بوثائقهن الرسمية فقط، بينما يعطي النظام للمواطنين الوصاية على الوضع القانوني للعاملات، مما يضعهن أمام وصاية صارمة ويعرضهن للعديد من التجاوزات والانتهاكات.

وتقول أوليفيا، المتحدثة باسم المحتجات: “جئت إلى هنا بعد معرفتي أن هناك نساء كينيات ينمن أمام القنصلية وعرضت مساعدتهن، إذ أن أغلبهن لا يجدن التكلم باللغة العربية”، وأضافت “لقد مررن بالعديد من المصاعب، تجاربهن تستحق الاستماع، فأغلبهن لم تدفع لهن رواتبهن وألقى بهن أرباب العمل إلى الشار.ع، وتعرضن للتعنيف والتحرش الجنسي، أبسط حقوقهن هي العودة إلى بلادهن”

وتطالب العاملات من قنصلية بلدهن أن التفاوض مع الأمن العام اللبناني، وسائر الأجهزة لحل التعقيدات القانونية التي يواجهنها، وبتوفير تصريحات وتذاكر سفر تسمح لهن بالعودة إلى بلادهن، كما يطالبن برواتبهن غير المدفوعة، وتقول إحداهن:” أحتاج إلى جواز سفري، لم أتقاضى راتبي الشهر الماضي، وأطفالي لم يستطيعوا الالتحاق بالمدرسة لأننا لا نستطيع تحمل الأقساط، وأنا عالقة في بلاد غريبة وحتى إن عدت إلى أولادي ماذا سأقول لهم، وهم يتوقعون مني إحضار المال؟”.

ملاجئ “كاريتاس”..

أبلغت العاملات الكينيات اللواتي تركن ملاجئ “كاريتاس” عن سوء معاملة يتضمن العنف الجسدي واللفظي كالضرب المبرح والخطاب العنصري ضدهن، كما أبلغن عن حقنهن بمواد مهدئة بشكل مستمر للسيطرة على نوبات غضبهن تجاه سوء المعاملة، لكن القنصلية تجاهلت شهاداتهنّ وحاولت إجبارهن على العودة إلى الملاجئ.

وبالرغم من الاستغلال، تقبل العاملات الأجنبيات الوظائف في لبنان نظراً للراتب المرتفع مقارنة ببلدهنّ الأم، فالعديد منهن يرسلن رواتبهن إلى بلادهن كما وضّحت ويني: “أنا المعيلة لأسرتي، والداي عاطلان عن العمل ولدي طفل أربيه بمفردي، أتيت للبنان معتقدة أن هذه فرصة جيدة لتحسين معيشتي.”

نظام الكفالة…

إن العاملات الكينيات وسائر العاملات الأجنبيات في لبنان غير مشمولات بقانون العمل اللبناني، وهن يخضعن بدلاً من ذلك إلى نظام الكفالة، ويربط هذا النظام إقامة العاملات القانونية في البلاد بكفيلهنّ، ولا يستطعن مغادرة أو تغيير العمل دون موافقة الكفيل، مما يخلق خللاً في موازين القوى يوظفه الكفيل لصالحه، فيتم إرغامهن على قبول شروط عمل قائمة على الاستغلال، وفي حال رفضت العاملة المنزلية تلك الشروط وقررت ترك صاحب عملها دون موافقته تتعرض للملاحقة وتفقد صفة الهجرة القانونية.

وتم توثيق العديد من الانتهاكات بحق العاملات المهاجرات، وأوضحت تقارير لمنظمة العفو الدولية إرغامهن من قبل أصحاب العمل على العمل لساعات طويلة جداً، وحرمانهن من أيام إجازة، وعدم دفع رواتبهن أو اقتطاعها، وفرض قيود مشددة على حرية تنقلهن واتصالاتهن، وحرمانهن من الطعام ومكان السكن اللائق والرعاية الصحية، وتعريضهن لإساءة المعاملة اللفظية والبدنية، بالإضافة إلى توثيق حالات العمل الجبري والاتجار بالبشر.

قانون العمل..

إن كافة الجهود التي تبذلها الجهات المسؤولة تصب في إقرار عقد عمل موحد، وهو بمثابة اتفاقية جانبية منفصلة عن قانون العمل، ويبقى السؤال المطروح هو لماذا قانون العمل موجود طالما أن الجهد دائماً ينصب على تخصيص كل فئة عمالية بعقد عمل خاص بها؟

أقرت وزيرة العمل اللبنانية لميا يمين في سبتمبر/أيلول 2020 عقد عمل موحد للعاملات الأجنبيات وصفه مراقبون بأنه إجراء شكلي لا قيمة له، وقد طعنت به نقابة أصحاب مكاتب الاستقدام لدى مجلس شورى الدولة، وبناء على هذا الطّعن، أصدر شورى الدولة قراراً بتاريخ 14 تشرين ثاني/نوفمبر 2020 قضى بوقف تنفيذ هذا العقد.

بدوره، اقترح وزير العمل الحالي مصطفى بيرم بالتنسيق مع الهيئة الوطنية لشؤون المرأة تعديلات على عقد العمل الموحّد السابق، وأعرب حقوقيون عن امتعاضهم من هذه التعديلات، إذ رأت “المفكرة القانونية” أنها تتضمن تقييد حرية العاملة وخصوصيتها، عبر تشريع احتجازها في مكان العمل خلال الأشهر الثلاثة الأولى من العقد، وتشريع احتفاظ أصحاب العمل بالوثائق الثبوتية للعاملات.

 وتعزز التعديلات المذكورة، العمل القسري عبر حرمان العاملة من إمكانية إنهاء العقد بإرادتها، وإرغامها على دفع تعويض غير محدد لصاحب العمل، وتوريث عقد العاملة عند وفاة صاحب العمل لورثته بدون موافقتها، وفق المصدر نفسه.

ولا تعترف هذه التعديلات بحد أدنى لأجور العاملات، وتمكن صاحب العمل من إنهاء العقد بإرادته من دون دفع أي تعويض، كما يمكنه إنهاء العقد لخطأ العاملة بعد إنذارها شفهياً مرتين!

ومن شأن تعديلات كهذه أن تضرب عرض الحائط كل الإصلاحات في هذا المجال، والتي لم تتحقق سوى بالضغط على الجهات الرسمية.

مشاركة المقال

مقالات ذات صلة