السودان.. “قوات الدعم السريع” ترتكب مجازر مروّعة في الفاشر

مشاركة المقال

Share on facebook
Share on twitter
Share on email

مدار: 29 تشرين الأول/ أكتوبر 2025

سقوط مدينة لا يعني بالضرورة نهاية معركة، بل قد يكون بداية مجزرة، وحتى إبادة جماعية؛ في الفاشر، عاصمة شمال دارفور، لم يكن انسحاب القوات المسلحة السودانية في 26 تشرين الأول/ أكتوبر خاتمة لحصار دام ثمانية عشر شهراً، بل كان إيذاناً بفتح أبواب الجحيم على سكانها.

أعلن قائد الجيش السوداني، الفريق أول عبد الفتاح البرهان، أن قواته انسحبت من الفاشر “لتقديرات عسكرية” وبهدف “تجنب تدمير المدينة”، لتسيطر عليها بالتالي قوات الدعم السريع. 

لكن هذا التبرير سرعان ما تبدد أمام هول المشاهد والشهادات، التي بالكاد تصل إلى الرأي العام. فبمجرد دخول قوات الدعم السريع، الميليشيا التي حاصرت المدينة طويلاً، تحولت شوارع الفاشر إلى مسرح لعمليات قتل جماعي وصفتها منظمات دولية بأنها “إبادة جماعية”.

تم الإبلاغ عن مقتل أكثر من ألفي مدني في غضون أيام، فيما قالت شبكة أطباء السودان إن العدد قارب 1500 شخص، معظمهم تمت تصفيتهم أثناء محاولتهم الفرار، ولم تقتصر هذه الأحداث المروعة على القتل العشوائي، بل اتخذت طابعاً منهجياً وحشياً، حسب ما ظهر من فيديوهات اطلع عليها “مدار”.

وأفادت مصادر محلية وتنسيقية لجان المقاومة بأن مقاتلي “قوات الدعم السريع” اقتحموا المستشفى السعودي وقاموا بتصفية جميع الجرحى والمرضى “بوحشية ودم بارد”. 

وصرّحت شبكة أطباء السودان، في بيان صدر أمس الأربعاء، إن ما حدث ليس معزولا “بل حلقة في مسلسل الإبادة الجماعية الممنهجة، التي تنفذها الدعم السريع ضد المدنيين بدارفور، وسط صمت دولي مريب ومخزٍ”.

ونقلت صحيفة “الواشنطن بوست” عن عامل إغاثة قوله: “تلقينا روايات عن فصل رجال وفتيان عن عائلاتهم وتعرضهم للتعذيب أو القتل”، مؤكداً أن الاستهداف تم “على أسس عرقية”.

ويظهر تحليل صور الأقمار الصناعية، نقل عن الصحيفة الأمريكية نفسها، وجود مركبات عسكرية قرب جثث وبقع دماء كبيرة يمكن رؤيتها من الجو، وانتشرت على وسائل التواصل الاجتماعي تسجيلات مصورة وصفت بـ”المفزعة” لعناصر من “الدعم السريع” ينفذون عمليات إعدام ميدانية بحق مدنيين عزل. 

وقالت منظمة الهجرة الدولية، أمس الأربعاء، إن 2698 شخصا نزحوا من مدينة الفاشر خلال يوم جراء هجمات قوات الدعم السريع، ليرتفع عدد النازحين إلى 36 ألفا و183 نازح خلال 4 أيام. لينضموا بذلك إلى أكثر من 15 مليون نازح ولاجئ خلفتهم الحرب، بينما يواصل هذا النزاع المروع حصد عشرات آلاف الأرواح. 

وتعيد المشاهد إلى الأذهان ما حدث في مدينة الجنينة، عاصمة غرب دارفور، في تشرين الثاني/ نوفمبر 2023، حيث أُعدم نحو 15 ألف مدني بعد سيطرة الميليشيا عليها.

وللتاريخ، فإن قوات الدعم السريع سليلة ميليشيا “الجنجويد” سيئة السمعة، التي انبثقت منها، ارتكبت إبادة جماعية بحق المجموعات العرقية غير العربية (الفور، المساليت، والزغاوة) في أوائل الألفية، مودية بحياة نصف مليون شخص.

لكن كيف تمكنت قوات الدعم السريع، بعد أن كانت قد خسرت العاصمة الخرطوم في مارس/آذار من السنة الجارية، من إعادة تجميع صفوفها وشن هجوم كاسح أدى إلى سقوط الفاشر، آخر معاقل الجيش في دارفور؟ 

تؤكد صحيفة “وول ستريت جورنال”، ما أشرنا إليه سابقا، عن الدور الذي لعبه الدعم العسكري الخارجي، وتحديداً من الإمارات العربية المتحدة، في تغيير هذه المعادلة.

وتوضح الصحيفة، زيادة كبيرة في تدفق الأسلحة من الإمارات إلى قوات الدعم السريع منذ الربيع، والذي لم يقتصر على الأسلحة الصغيرة والرشاشات الثقيلة، بل شمل أسلحة متطورة غيرت ميزان القوى على الأرض، وعلى رأسها الطائرات المسيّرة صينية الصنع من طراز “سي إتش-95” القادرة على التحليق لمدة 24 ساعة وتنفيذ ضربات دقيقة، وقد شوهدت هذا السلاح بالفعل يحلق في سماء شمال دارفور خلال الهجوم الأخير.

يجري نقل الأسلحة عبر دول مثل تشاد والصومال وليبيا في القسم الذي يسيطر عليه اللواء خليفة حفتر، وهي بمثابة شريان حياة للميليشيا. 

تؤكد المصادر أن هذا التدفق المستمر للأسلحة هو ما مكّن قوات الدعم السريع من فرض حصارها الخانق على الفاشر، وبناء ساتر رملي لعزلها، وشن قصف مستمر أدى إلى تفاقم الأزمة الإنسانية قبل السقوط النهائي.

وتنفي الإمارات “بشدة” تزويد أي طرف بالأسلحة في النزاع، كما تنفي قوات الدعم السريع بقيادة محمد حمدان دقلو (حميدتي) تلقيها هذا الدعم، معتبرة إياها “شائعات”، لكن الأدلة دامغة، يضاف إليها صناديق الأسلحة البريطانية الصنع التي عُثر عليها في الخرطوم بعد استعادتها من قبل الجيش، وهو ما يعطي صورا دالة عن الوضع.

مصالح استراتيجية بدماء سودانية

تراهن الإمارات على تحقيق مآرب استراتيجية من خلال دعم قوات السريع، ضد الجيش السوداني المرتبط بالنظام القديم (بما فيهم الإخوان) وأطراف دولية أخرى، من قبيل إيران وتركيا ومصر.

يحتل السودان موقعا استراتيجيا على البحر الأحمر، ويتوفر على ثروات الهائلة من الذهب، مما يجعله ساحة نفوذ مهمة، تسيل لعاب الإمارات وكل الأطراف الدولية المتورطة في هذا النزاع الدموي. 

وكانت الحكومة السودانية، قد ألغت العام الماضي صفقة ميناء إماراتي بقيمة 6 مليارات دولار، وهو ما قد يكون أحد دوافع دعم الطرف المناوئ للحكومة، كما أن جزءاً كبيراً من الذهب السوداني، الذي يسيطر حميدتي على جزء كبير من تجارته غير الشرعية، كان يتم تصديره تاريخياً إلى دبي.

الإمارات معروفة بتورطها في العديد من النزاعات المسلحة في المنطقة، بشكل مباشر أو عبر دعم أطراف في عينها، مثل ما حدث في ليبيا واليمن.

وتقول جوستينا جودزوفسكا، المديرة التنفيذية لمنظمة “ذا سنتري” التي تحقق في تمويل النزاعات، لصحفية “وول ستريت جورنال”: “في هذه الساحات الممزقة، يمكّن ضعف الحكم والفساد دولة صغيرة غنية مثل الإمارات من ممارسة نفوذ غير متناسب”.

وللتذكير، فإن طرفي الحرب يواجهان معا اتهامات بارتكاب جرائم حرب وضد الإنسانية، بينما تطارد الدعم السريع اتهامات بارتكاب جرائم الإبادة العرقية والاغتصابات على أساس العرق، من بين أشياء مروعة كثيرة.

مع سقوط الفاشر، آخر مدن دارفور الكبرى التي كانت تحت سيطرة الجيش، بات إقليم دارفور بأكمله، والذي يعادل مساحة إسبانيا، تحت قبضة قوات “حميدتي”، وهو ما يفتح الباب أمام خطر سيناريو يواجه السودان: التقسيم.

وكانت قوات الدعم السريع، في وقت سابق، أبدت نيتها إعلان الاستقلال وتأسيس دولة جديدة عاصمتها نيالا.

ردود الأفعال الدولية بدت باردة، رغم حجم الكارثة، إذ أدانت الجامعة العربية والاتحاد الأوروبي والأمم المتحدة “الجرائم المروعة”، وأعربوا عن “القلق العميق”، وحذروا من “خطر الفظائع ذات الدوافع العرقية”، لكن هذه الإدانات لم تترجم إلى إجراءات حاسمة لوقف معاناة السودانيين الأبرياء.

مشاركة المقال

Share on facebook
Share on twitter
Share on email

مقالات ذات صلة

فلسطين

الأقوياء الذين يقفون مع إسرائيل

غلوب تروتر/ مدار: 28 تشرين الأول/ أكتوبر 2025 فيجاي براشاد* تمكنت إسرائيل من تنفيذ إبادتها الجماعية، المنقولة على الهواء مباشرة، في غزة بسبب حلفائها الغربيين