السريلانكيون يتوقون إلى عالم يفرحون فيه سوياً: (عدد 31. 2022).

مشاركة المقال

معهد القارات الثلاث للبحث الاجتماعي/ مدار: 04 غشت/ آب 2022

فيجاي براشاد*

<أنولي بيريرا(سريلانكا)، الحلم1، 2017. >

راجت في التاسع من يونيو 2022 صور مذهلة على وسائل التواصل الاجتماعي من كولومبو، عاصمة سريلانكا، إذ هرع الآلاف من الناس إلى القصر الرئاسي وطردوا الرئيس السابق جوتابايا راجاباكسا، ما أجبره على الفرار إلى سنغافورة. كما استقال ماهيندا، شقيق جوتابايا، في أوائل مايو، وهو أيضا رئيس سابق، من منصبه كرئيس وزراء وفرّ مع عائلته إلى قاعدة ترينكومالي البحرية. لم يعد ممكناً احتواء الغضب الشعبي الشديد تجاه عائلة راجاباكسا، وتم انتزاع مخالبه التي أوقعت الدولة في شركها لسنوات.

 الآن، وبعد مضي شهر، مازالت المشاعر المتبقية من الاحتجاجات قائمة، غير أنها لم تحدث أي تأثير ملحوظ؛ فقد مدّد حامي سريلانكا الجديد الرئيس رانيل ويكريمسينغ حالة الطوارئ في البلاد، وأمر قوات الأمن بتفكيك موقع احتجاج جالي فيس غرين (المعروف باسم جوتاجوجاما).

 يكشف صعود ويكريمسينغ إلى الرئاسة عن قدر كبير من ضعف الحركة الاحتجاجية في هذه الأمة التي يبلغ عدد سكانها 22 مليون نسمة، كما يكشف عن قوة الطبقة الحاكمة السريلانكية. حصل الحزب الوطني المتحد بزعامة ويكريمسينغ في البرلمان على مقعد واحد -وذلك مقعده هو- والذي خسره عام 2020. مع ذلك، لقد كان رئيس وزراء ست حكومات متقطعة من عام 1993 لغاية يومنا هذا؛ ومع أنه لم يكمل أبداً فترة ولاية كاملة في منصبه، لكنه نجح في تولي زمام الأمور نيابة عن الطبقة الحاكمة.

هذه المرة، وصل ويكريمسينغ إلى السلطة من خلال حزب راجاباكسا، وهو “سريلانكا بودوجانا بيرامونا” (الجبهة الشعبية السريلانكية)؛ إذ استخدمت جبهة راجاباكسا أعضاءها في البرلمان البالغ عددهم 114 نائباً (من أصل 225) لدعم تنصيب ويكريمسينغ رئيساً للبلاد. بعبارة أخرى، بينما استقالت عائلة راجاباكسا رسمياً، إلا أن سلطتها- بالنيابة عن مالكي البلد- مازالت مُصانة.

<سوجيو كوماري (سريلانكا)، منظر طبيعي، 2018. >

قام الأشخاص الذين تجمعوا في مجمع جالي غرين فيس ومناطق أخرى في سريلانكا بأعمال شغب لأن الوضع الاقتصادي في الجزيرة لم يعد يُطاق. لقد كان الوضع سيئاً إلى درجة أنه في مارس 2022 قامت الحكومة بإلغاء الاختبارات المدرسية بسبب نقص الورق. وصاحب موجة ارتفاع الأسعار ارتفاع في سعر الأرز، وهو غذاء رئيسي، إذ ارتفع بسرعة كبيرة من 80 إلى 500 روبية سريلانكية بفعل صعوبات الإنتاج الناجمة عن نقص الكهرباء والوقود والأسمدة. كما عانت معظم أنحاء البلاد (باستثناء مناطق التجارة الحرّة) من انقطاع في التيار الكهربائي على الأقل لنصف كل الأيام.

واجهت الطبقة الحاكمة منذ أن نالت سريلانكا استقلالها عن بريطانيا عام 1948 أزمةً تلو أخرى، وحدّدها الاعتماد الاقتصادي على الصادرات الزراعية، خاصة المطاط والشاي، وبدرجة أقل الملابس. وأدت هذه الأزمات -تحديداً عامي 1953 و1971- إلى سقوط الحكومات.

جعلت النخب السريلانكية عام 1977 الاقتصاد ليبرالياً من خلال تقليص ضوابط الأسعار والإعانات الغذائية والسماح للبنوك الأجنبية والاستثمار الأجنبي المباشر بالعمل إلى حد كبير دون رقابة. لقد أنشؤوا لجنة كولومبو الاقتصادية الكبرى عام 1978 لتتولى الإدارة الاقتصادية للبلاد بشكل فعّال خارج السيطرة الديمقراطية. وخلّفت هذه الترتيبات النيوليبرالية تضخم الدين الوطني، الذي تذبذب لكنه لم يدخل أبداً منطقة الأمان. إن انخفاض معدل النمو إلى جانب سلوك إصدار سندات سيادية دولية لسداد القروض القديمة أديا إلى تقويض أي احتمال للاستقرار الاقتصادي؛ ففي كانون أول/ديسمبر 2022، خفضت شركة ستاندرد أند بور التصنيف الائتماني طويل الأجل لسريلانكا من الفئة B-/B إلى CCC+/C، وهي أدنى درجة قبل D والتي تعني حالة “التخلف عن السداد”.

< ثاموثارامبيلاي ساناثانان (سريلانكا) ، جافن، 1990-95.>

لم تكن الطبقة الحاكمة في سريلانكا قادرةً أو حتى راغبةً في الحد من اعتمادها على المشترين الأجانب لمنتجاتها منخفضة القيمة، ولا على المقرضين الأجانب الذين يدعمون ديونها. بالإضافة إلى ذلك، وعلى مدى العقود القليلة الماضية – على الأقل منذ أحداث الشغب القبيحة في كولومبو سنة 1983 – وسّعت طبقة النخبة السريلانكية إنفاقها العسكري، مستخدمةً قواتها المعززة هذه في شن مذبحة مرّوعة ضد أقلية التاميل.

 تخصص ميزانية الدولة للعام 2022 نسبة كبيرة تبلغ 12.3% للجيش. وبالنظر إلى عدد الأفراد العسكريين بالنسبة للسكان، فإن سريلانكا (بنسبة تبلغ 1.46%) تتبع إسرائيل، صاحبة أعلى نسبة في العالم، وهي 2%.

هنالك جندي واحد لكل ستة مواطنين في المقاطعات الشمالية والشرقية للجزيرة، حيث يوجد تجمع كبير للتاميليين. يمكّن هذا النوع من الإنفاق، وهو عبء هائل على الإنفاق العام والحياة الاجتماعية، من عسكرة المجتمع السريلانكي.

إن مهندسي الديون الوطنية الباهظة كثيرون، غير أنّ الجزء الأكبر من المسؤولية يجب أن يقع بالتأكيد على عاتق الطبقة الحاكمة وصندوق النقد الدولي (IMF). طلبت سريلانكا منذ عام 1965 المساعدة من صندوق النقد الدولي ست عشرة مرّة. وفي خضم الأزمة الحالية، اقترح المجلس التنفيذي لصندوق النقد الدولي في مارس 2022 أن ترفع سريلانكا ضريبة الدخل وتبيع الشركات العامة وأن تخفّض دعم الطاقة. وبعد ثلاثة أشهر، وبعد أن أدت الاضطرابات الاقتصادية الناجمة إلى أزمة خطيرة، اختتمت زيارة طاقم صندوق النقد الدولي إلى كولومبو بدعوات لمزيد من “الإصلاحات”، على غرار نفس مسار الخصخصة. والتقت السفيرة الأمريكية جولي تشانج بالرئيسين ويكريمسينغ ورئيس الوزراء دينيش غوناواردينا للمساعدة بخصوص “المفاوضات مع صندوق النقد الدولي”. لم تكن هناك أي حفنة قلق إزاء حالة الطوارئ والقمع السياسي.

<تشاندراغوبثا ثينوارا (سريلانكا)، التمويه، 2004.>

وتظهر هذه الاجتماعات إلى أي مدى تم جرّ سريلانكا إلى الحرب الهجينة التي فرضتها الولايات المتحدة ضد الصين، والتي تضخمت استثماراتها لتحويل اللوم عن أزمة ديون البلاد، بعيداً عن قادة سريلانكا وصندوق النقد الدولي. تشير البيانات الرسمية إلى أن 10% من الديون الخارجية السريلانكية مستحقة لكيانات صينية، بينما 47% منها مستحقة للبنوك الغربية وشركات الاستثمار مثل بلاك روك BlackRock وجي بي مورغان تشيس JP Morgan Chase وبرودينتيال Prudential (الولايات المتحدة)، وأشمور جروب Ashmore Group وإتش إس بي سي HSBC (بريطانيا) ويو بي اس UBS (سويسرا).

 ورغم ذلك، لا ينفك صندوق النقد الدوليIMF والوكالة الأمريكية للتنمية الدولية USAID يستخدمان لغة مماثلة ويصران باستمرار على أن إعادة التفاوض بشأن ديون سريلانكا مع الصين أمر أساسي. مع ذلك، فإن المزاعم الخبيثة بأن الصين تنفذ “دبلوماسية مصيدة الديون” مزاعم واهية، كما اتضح في تحقيق نشر في مجلة ذا أتلانتك The Atlantic.

يجلس ويكريمسينغ في منزل الرئيس مع أجندة فاشلة؛ إنه مندفع بشدة تجاه مشروع واشنطن، وحريص على توقيع اتفاقية وضع القوات مع الولايات المتحدة لبناء قاعدة عسكرية، وكان مستعداً لانضمام سريلانكا إلى هيئة تحدي الألفية بواشنطن (MCC) بمنحة قدرها 480 مليون دولار. بأي حال، كان أحد الأسباب التي قضت على حزب ويكريمسينغ في الانتخابات الأخيرة هو مقاومة الناخبين العميقة لكلتا السياستين. إن هذه السياسات مصممة لجذب سريلانكا إلى تحالف مناهض للصين، من شأنه أن يقوض الاستثمار الصيني اللازم. ويدرك العديد من السريلانكيين أنه لا ينبغي جرّهم إلى الصراع المتصاعد بين الولايات المتحدة والصين، مثلما ينبغي التئام الجروح العِرقية القديمة والعميقة في بلادهم.

<جاغاث ويراسينغ (سريلانكا)، بلا عنوان1، 2016. >

قبل عقد من الزمان، جمعت صديقتي ملاثي دي ألويس (1963-2021)، وهي بروفيسورة في جامعة كولومبو، الشعر الذي كتبته نساء سريلانكيات. أثناء قراءة المجموعة الشعرية، استوقفتني كلمات سيثار رانجاني عام 1987. في استذكار ملاثي وفي حضرة آمال رانجاني، هذا مقتطف من قصيدة “حلم السلام”:

ربما مازالت حقولنا التي دمرتها النيران قيّمة

ربما منازلنا التي أصبحت الآن في حالة خراب يمكن إعادة بنائها

جميلة كما لو كانت أو أفضل

ربما السلام يمكن استرداده – كصفقة شاملة

لكن، هل يمكن لأي شيء أن يمحوا آلام الحرب؟

أنظر وسط الأنقاض: طوبة طوبة

أياد بشرية كدحت لبناء ذلك المنزل

 تأمل الأنقاض بعينيك الفضولية

مستقبل أطفالنا قد اشتعلت فيه النيران هناك

هل لأحد أن يضع قيمة على الجهد المفقود؟

هل لأحد أن يبث الحياة في الأرواح المدمرة؟

هل لأحد إعادة بناء الأطراف المهترئة؟

وهل لأحد إعادة تشكيل عقول الأطفال الذين وُلدوا والذين لم يولدوا بعد؟

لقد متنا-

ونحن نموت،

خلقنا ثانيةَ

لقد بكينا 

ونحن نبكي،

تعلمنا الضحك ثانيةً

والآن-

لم نعد نبحث عن رفقة الأصدقاء

الذين يبكون حين نبكي.

بل ها نحن نتوق إلى عالم نجد فيه الفرح سوياً.

* نشرت هذه المراسلة في موقع معهد القارات الثلاث للبحث الاجتماعي في 04 غشت/ آب 2022.

مشاركة المقال

مقالات ذات صلة