مدار: 21 شباط/ فبراير 2022
انطلقت أعمال المؤتمر الوطني الثاني عشر للحزب الشيوعي اللبناني، صباح السبت، بحضور أمينه العام، ومندوبين من جميع المناطق، وأعضاء المكتب السياسي واللجنة المركزية، وناقشوا على مدى يومين قضايا فكرية وسياسية؛ وستستكمل جلسات المؤتمر يومي السبت والأحد المقبلين، بنقاش تنظيمي وإقرار التوصيات، في حين سيختم أعماله يوم الأحد 27 شباط/فبراير الجاري بانتخاب أطر قيادية جديدة تتولى زمام المسار السياسي والتنظيمي للحزب خلال السنوات الأربع المقبلة.
حنة غريب يبرز ملامح المرحلة
افتتح المؤتمر بكلمة للأمين العام للحزب حنا غريب، دعا خلالها الشيوعيين “ليكن مؤتمرنا الثاني عشر تأكيداً وتجسيداً لحزبنا المقاوم والمناضل من أجل التحرير والتغيير”، واستهلها بالحديث عن نضالات الحزب والشهداء الذين سقطوا في عدة محطات نضالية منذ تأسيس الحزب عام 1924، مستعرضاً التحضيرات التي ترافقت مشاريع الوثائق الأربع للمؤتمر (الوثيقة الفكرية ـ السياسية ـ البرنامجية، التقرير التقييمي التنظيمي، تقييم انتفاضة 17 تشرين، ومشروع التعديلات المقترحة على النظام الداخلي).
وعن مسودة الوثيقة الفكرية والسياسية أكّد غريب أنها أجمعت على أن الماركسية اللينينية تشكل مرجعية الحزب الفكرية. كما أكدت على ازدواجية بنية الرأسمالية العالمية، أي وجود بنية إمبريالية مسيطرة من جهة وبنية رأسمالية تابعة من جهة أخرى، وهذه الازدواجية في بنية الرأسمالية تجعل النضال الطبقي في بلادنا في مواجهة الرأسمالية التابعة جزءاً لا يتجزأ من النضال من أجل التحرّر الوطني في مواجهة الرأسمالية المسيطرة.
وشدّد الأمين العام “الشيوعي اللبناني” على أن تبعات تشظّي الرأسمالية بعد أزمة 2008 وتداعيات انتشار جائحة كوفيد، جاءت لتزيد من عدوانية الإمبريالية على المستوى الكوني في محاولة منها لحل أزمتها عن طريق الحروب، ونهب خيرات الشعوب وثرواتها، وتأبيد أحادية قيادتها للنظام العالمي، مما يطرح بإلحاح على الحركة الشيوعية مهمّة بلورة مفهوم متجدد للأممية لتنظيم المواجهة وتجذيرها لكسر الغطرسة الأميركية والغربية، داعياً الحركة الشيوعية في هذه المرحلة الانتقالية لأن تضاعف جهودها وكفاحها لبناء نظام عالمي جديد متعدد الأقطاب وأكثر توازناً، بعدما أدّى تطور الأحداث في العالم خلال العقدين الأخيرين إلى وضع هيمنة الولايات المتحدة في دائرة التراجع النسبي سياسياً وعسكرياً في العديد من المناطق، وفي مجال التقدم العلمي والتكنولوجي والاقتصادي في الصين الشعبية بالأخص، وفي ظل تمتين علاقات التعاون الاقتصادي والسياسي بين الدول الصاعدة في الوقت الذي تتفاقم فيه أزمة الاتحاد الأوروبي وتصاعد نزعة الانفصال عنه.
ولفت القائد السياسي نفسه إلى أن هذه التوازنات الجديدة تطرح مهمة تاريخية أمام الحركة الشيوعية واليسارية والقوى الديمقراطية في عالمنا العربي بوجوب تحمل مسؤولياتها وأخذ دورها المطلوب منها بالاستفادة من هذه التوازنات الجديدة لمصلحة استنهاض مشروعها في التحرر الوطني ضد مشاريع السيطرة الإمبريالية والصهيونية ومواجهة مخاطر الأزمة الوجودية التي تعصف بعدد من دول المنطقة وتهدّد بتفككها في العراق واليمن وليبيا وسوريا ولبنان، موضحاً “مع استمرار الإمبريالية في ممارسة سياساتها الاستعمارية الرامية إلى نهب النفط والغاز والموارد الطبيعية والبشرية، تزداد أيضاً الحاجة إلى مشروع نقيض وجامع يخرج حركة التحرر الوطني من أزمتها، تتوحّد فيه طاقات القوى اليسارية والوطنية حول أولويتين متلازمتين ومتكاملتين: أولوية المقاومة بكل الوسائل بما فيها خصوصاً المقاومة المسلّحة ضد العدوان الصهيوني والاحتلال الأجنبي، وأولوية مواجهة نظم التبعية والقمع والاستبداد السياسي والاجتماعي التي شكّلت تاريخياً المرتكز الداخلي الفعلي لهذا العدوان”، كما جاء
وبيّن غريب أنه “من واجبنا كأحزاب شيوعية عربية وكيسار عربي السعي إلى استخدام كل أشكال النضال الملائمة والمطلوبة، كلّ في بلده بالدرجة الأولى وعلى المستوى القومي عموماً، بغية بلورة مشروع إنقاذيّ جذريّ بديل يتصدّى لمهمّة ملء الفراغ الذي أحدثه انهيار حركة التحرر في عالمنا العربي”. ويجب أن تكون لهذا اليسار هويته الواضحة ومبادئه وقيمه القائمة على التصدّي للإمبريالية والصهيونية، وعلى خوض النضال الدؤوب من أجل تفكيك التبعية السياسية والاقتصادية والعسكرية، مطالباً هذا اليسار ليكون وفياً للمبادئ الديمقراطية ولقيام دول عربية علمانية مقاومة، لا دول قائمة على أساس ديني وطائفي وأثني تبرّر للكيان الصهيوني “دولته” العنصرية المبنية على أساس ديني. وأن تتركز مهمّة هذا اليسار بالضرورة على النضال ضد الاستغلال، ومن أجل مصالح الجماهير العربية الكادحة الطامحة إلى تحسين شروط حياتها المعيشية، وعلى خوض معركة التغيير الديمقراطي ضد أنظمة القمع والاستبداد والإقصاء، بحيث يثبت لهذه الجماهير أن مقاومته ضد العدو تتجاوز تحرير الأرض إلى تحرير الإنسان من الاستغلال الطبقي والاجتماعي.
وتناول المتحدث الوضع الداخلي، وتداعيات استمرار الانهيار السياسي والاقتصادي والاجتماعي..، ولفت أن الوثيقة رسمت برنامج الحزب للمرحلة الانتقالية ووجهة التحرك في ميادين وعلى مستويات عدة، وهي تتسم بتعدد الأولويات والمهام والتحديات التي على الحزب أن يستجيب لها، وإنه سوف يناضل ويكافح على كافة الصعد لبناء الدولة الديمقراطية العلمانية في لبنان.
وشدّد غريب على “إن التغيير الديمقراطي في لبنان هو عملية تغيير في النظام السياسي وطبيعة السلطة وسياساتها وتحريرها من سيطرة وممارسات التحالف السياسي القائم، الذي يسخّر الدولة للمصالح الفئوية ويترك البلد ساحة مستباحة للقوى الاستعمارية والرجعية العربية، وذلك كمدخل لوضع حد للتبعية والتفكك الاقتصادي”، داعياً للاستناد على رؤية واضحة للخيار السياسي والاقتصادي المبني على ضرورة بناء تحالف طبقي ـ سياسي يحمل خياراً اقتصادياً ـ اجتماعياً متحرراً من الالتزامات الإكراهية للموقع الذي وضعته فيه القوى الطبقية المسيطرة… وأضاف “إنه خيار يؤسس لتطور وطني قائم على قراره الحر اقتصادياً من جهة، وعلى رؤية وطنية واضحة في مواجهة خطر الكيان الصهيوني الذي يشكّل قاعدة متقدمة للإمبريالية في وطننا العربي من جهة ثانية”.