مدار + مواقع : 08 تشرين الأول/ أكتوبر 2020
دعا مدير مرصد التسلح في فرنسا، باتريس بوفري، بلاده إلى الكشف عن خرائط التجارب النووية في الجزائر، وقال لإذاعة راديو فرانس الدولية، أول أمس، إن هناك كمية من النفايات النووية مدفونة في الجزائر منذ أزيد من نصف قرن دون أن يعرف مكانها بالضبط، وإن الأمر يحتاج “تحاليل دقيقة” من أجل قياس نسبة انتشار النشاط الإشعاعي الذي مازال موجودا في المناطق التي شهدت تجارب نووية بداية الستينيات.
وزاد بوفري موضحا: “حين أوقفت فرنسا التجارب النووية في 1966 تركت النفايات الناتجة عن هذه التجارب في الصحراء الجزائرية”، وأضاف أن فرنسا “لم تترك فقط نفايات نووية على أرض الجزائر، بل ضربت جدارا من الصمت بتصنيف كل الوثائق المتعلقة بالبرامج النووية ضمن الأسرار العسكرية”؛ وبالتالي “تبقى كمية النفايات النووية مجهولة، وتحديدا تلك الناتجة عن حوادث نووية، وهي الأخطر”.
وفي السياق نفسه، قال وزير الخارجية الجزائري، صبري بوقادوم، خلال مشاركته في اجتماع الجمعية للأمم المتحدة بمناسبة اليوم الدولي للإزالة الكاملة للأسلحة النووية، يوم الإثنين 5 تشرين/أكتوبر، إن الجزائر مازالت تعاني من مخلفات التفجيرات الذرية خلال الحقبة الاستعمارية، مؤكدا أنها كانت من أوائل الدول التي وقعت على معاهدة حظر هذا النوع من الأسلحة.
وظل اعتراف فرنسا بجرائمها المرتكبة خلال الحقبة الاستعمارية مطلب فعاليات مدنية وسياسية جزائرية. وكان الرئيس الجزائري، عبد المجيد تبون، في حوار مع جريدة لوبينيون الفرنسية في تموز/يوليو الماضي، صرح بأن اعتراف فرنسا بجرائمها واعتذارها من الجزائريين هو أهم من التعويضات بالنسبة لهم، “رغم أن التعويض لا يمكن التنازل عنه بحكم حجم الضرر الذي تعاني من تبعاته الجزائر على البشر والحياة إلى حد الآن”.
ويأتي هذا بينما تضرب فرنسا جدارا من الصمت على الموضوع، ففي سنة 2009، رفض وزير الدفاع آنذاك، هرفي موران، التعديلات التي طرحها برلمانيون فرنسيون، وتتعلق بالاعتراف بضحايا التجارب النووية وتعويضهم؛ بينما دعت منظمة الحملة الدولية لحظر الأسلحة النووية، التي حصلت على جائزة نوبل سنة 2017، إلى اقتلاع النفايات النووية الناتجة عن التفجيرات في صحراء الجزائر، موردة: “الماضي النووي لفرنسا لا ينبغي أن يظل مدفونا تحت الرمال. حان الوقت للكشف عن النفايات الناتجة عن التجارب التي أجرتها فرنسا في صحراء الجزائر، وذلك من أجل ضمان الأمن والسلامة الصحية للأجيال الحالية وأجيال المستقبل”.
من جهة أخرى، تذكر بعض المصادر أن اتفاقية “إيفيان” بين فرنسا والحكومة الجزائرية المؤقتة، التي مهدت لاستقلال الجزائر في 18 مارس/آذار 1962، تضمنت التزامات غير معلنة، من بينها التزام الحكومة الجزائرية بضمان بقاء الجيش الفرنسي في البلاد لمدة 3 سنوات بعد الاستقلال، مع الانسحاب التدريجي، وأيضا الاستمرار في إجراء التجارب النووية في الصحراء الجزائرية لمدة 5 سنوات.
لكن السلطات الجزائرية لا تعترف رسميا بوجود بنود سرية في اتفاقية إيفيان، ما يضفي على هذه الفترة التاريخية الكثير من الغموض. غير أن عدة شهادات فرنسية وجزائرية من حزب جبهة التحرير الوطني تؤكد أن التجارب أجريت بموافقة الحكومة الجزائرية المؤقتة التي لم يكن لها خيار آخر للحصول على الاستقلال غير إبداء بعض الليونة إزاء إصرار فرنسا على التشبث بالصحراء الجزائرية؛ ويبدو أن الأمر كان محل خلافات بين القيادات الجزائرية.
وفي 13 نيسان/أبريل 1960 أجرت فرنسا أول تجاربها النووية في الجزائر بمنطقة رقان الواقعة شمال الصحراء. وأطلقت الدولة التي كانت تستعمر الجزائر آنذاك على العملية اسم “جربواز بلو”، أي اليربوع الأزرق، وشملت تفجير قنبلة نووية بقوة 42 ألف طن، أي أقوى من القنبلة التي ألقتها الولايات المتحدة على مدينة ناغازاكي اليابانية.
وبعد مرور 60 عامًا، مازال سكان منطقة رقان يعيشون في حالة صدمة من الآثار التي تركتها هذه التجارب النووية الخطيرة، فالمنطقة تضم عددا كبيرا من مرضى السرطان وحالات ارتفاع ضغط الدم وتشوهات وغيرها من الأمراض المرتبطة بهذه الكارثة.
وحسب الدراسات، خلف الإشعاع النووي للقنبلة النووية 42 ألف مصاب. وتبعت هذه التجربة عشرات التجارب النووية الأخرى تحت إشراف الرئيس الفرنسي شارل ديغول، في وقت يقول المختصون الجزائريون إن التجارب تجاوزت 50 تجربة، واستمرت حتى بعد الاستقلال.