الجزائر..الحراك الديمقراطي في عامه الثالث يقابل بالقمع والاضطهاد

مشاركة المقال

مدار: 24 شباط/ فبراير 2022

مرّت ثلاث سنوات على خروج الجزائريين في مسيرات حاشدة جابت كل شوارع الجمهورية للمطالبة بـ “التغيير الجذري” ورافض ترشح الرئيس السابق”عبد العزيز بوتفليقة” لولاية خامسة.

وأحيا الجزائريون الذكرى الثالثة لانطلاق “حراك الجزائر” الذي انطلق سنة 2019، يوم 22 شباط/ فبراير، في أجواء من التذمر من المنعطف الذي اتخذته سياسات الدولة الجزائرية تجاه المتظاهرين السلميين.

وإبان انطلاق الاحتجاجات، كان النشطاء يخرجون أسبوعيا كل جمعة في مسيرات سلمية أجبرت “بوتفليقة” على التراجع عن مطامعه في ولاية خامسة، في أبريل/نيسان 2019، إلا أن هذا الإنحناء في وجه الغضب الشعبي، لم يستجب لتطلعات الحراك الذي كان يطمح لتغيير جذري في النظام الحاكم وليس تغييرا شكليا فقط.

وتشبث الحراك بمطالبه ومسيراته حتى أثناء الحملة الانتخابية الرئاسية وبعد إعلان عبد المجيد تبون رئيسا جديدا للبلاد، قبل أن تفرض الجائحة شروطها على تحركات المحتجين في مارس/آذار 2020 ما أدى إلى توقف المسيرات لفترة من الزمن، غير أن النقاش والفاعل عبر مواقع التواصل الاجتماعي استمر رغم ذلك.

وبعد تولي تبون مهمة تسيير البلاد، قامت السلطات الجزائرية بشن حملات من القمع والاعتقال لوقف الزخم النضالي، فقامت باستهداف نشطاء الحراك ورموزه، واعتقلت  المئات منهم على خلفية نشاطهم السياسي، وتمت مصادرة الحق في التعبير وحرية الرأى، واعتقلت السلطات العشرات على خلفية تدوينات وآراء معارضة، ووجهت لهم تهم مختلفة وثقيلة منها “المساس بأمن الدولة”،”نشر معلومات كاذبة”، أو “الانتماء لمنظمة إرهابية”.

وقام الرئيس الجزائري بتعديل “قانون العقوبات” في يونيو/حزيران 2021 بموجب مرسوم رئاسي، وشمل توسيع التعريف الجزائري لـ “الإرهاب” ونصت المادة المادة 87 منه على أنه يعني “الوصول إلى السلطة أو تغيير نظام الحكم بغير الطرق الدستورية… عن طريق أي عمل غرضه السعي بأي وسيلة، أو التحريض على ذلك، والمساس بأي وسيلة بالسلامة الترابية أو التحريض على ذلك”.

وحسب منظمة هيومن رايتس ووتش بلغ عدد المحتجزين لدى السلطات الجزائرية “280 ناشطا على الأقل يرتبط الكثير منهم بالحراك، متهمون أو مدانون على أساس اتهامات غامضة، و “يواجه البعض تهما بالإرهاب بناء على تعريف فضفاض لدرجة التعسف”.

وطالبت المنظمة نفسها السلطات الجزائرية بـ “الإفراج فورا عن المدافعين عن حقوق الإنسان، ونشطاء المجتمع المدني، ورموز المعارضة، والصحفيين، وجميع المسجونين تعسفا بسبب ممارستهم السلمية لحقوقهم في التعبير والتجمع”  .

ودخل مجموعة من المعتقلين يوم 28 يناير/ كانون الثاني 2022، في إضراب عن الطعام احتجاجا على احتجازهم التعسفي دون محاكمتهم منذ أشهر، وبلغ عددهم حوالي 40 محتجزا في سجن ” الحراش” بالعاصمة الجزائرية، حسب تصريحات ” هيئة الدفاع عن سجناء الرأي”، التي أكدت أيضا أن السلطات الجزائرية عملت على نقل” 20 مضربا عن الطعام من ‘الحراش’ إلى سجن ‘سعيد عبيد’ في ‘البويرة’ شرق العاصمة، و’البرواقية’ جنوب غرب”، الشيء الذي اعتبره أعضاء الهيئة بمثابة عقاب لهم ومحاولة قمع تحركاتهم.

وتجاوزت حملة القمع والتضييق الأشخاص إلى هيئات وأحزاب معارضة منخرطة في الحراك، إذ تم تعليقأنشطة حزبالعمال الاشتراكيوإغلاق مقره في العاصمة يوم 20 يناير/ كانون الثاني بأمر من “مجلس الدولة”، ردا على شكاية ضد الحزب قدمتها وزارة الداخلية في 26 أبريل/نيسان 2021، بزعم عدم عقد مؤتمره السنوي كما هو مطلوب في لائحته الداخلية والقانون رقم 12-04 الخاص بالأحزاب السياسية.

وبالمبررات نفسها، أرسلت وزارة الداخلية إشعارا لحزب التجمع من أجل الثقافة والديمقراطية تتهمه فيه بتنظيم “نشاطات خارجة عن الأهداف المسطرة له في قانونه الأساسي”، وجاء الإشعار بعد اجتماع في 24 ديسمبر/كانون الأول 2021 في مقر الحزب بالعاصمة حضره نشطاء عدة للدعوة إلى تشكيل جبهة ضد القمع ولدعم الحريات.

وحسب تقرير هي من رايتس ووتش “يخضع الحزبان العلمانيين المعارضين، ‘الحركة الديمقراطية الاجتماعية’ و’التجمع من أجل الثقافة والديمقراطية’، لمراقبة السلطات’. وقالت مسعودة شبالة لهيومن رايتس ووتش إنه في 9 يناير/كانون الثاني 2021، إنه “حُكم على زوجها فتحي غراس (48 عاما)، منسق الحركة، بالسجن عامين وغرامة مالية قدرها 200 ألف دينار جزائري (1,420 دولار أمريكي)، بتهمة ‘إهانة هيئة نظامية’، و’التحريض على التجمهر’، و”عرض على الأنظار منشورات من شأنها الإضرار بالمصلحة الوطنية’، بسبب تصريحاته السياسية على الإنترنت”.

واستهدفت السلطات المجتمع المدني أيضا بعد حل جمعية ” تجمع-عمل-شبيبة”  المؤسسة من 1992 عقب شكوى وزارة الداخلية بأن أنشطتها تتعارض مع الأهداف المنصوص عليها في القانون المتعلق بالجمعيات ولوائح الجمعية، ذلك لأنها داعمة للحراك، وهو نفس المصير الذي طال  الجمعية الثقافية “إس أو إس باب الواد” في الجزائر العاصمة، وتم توقيف أنشطتها وإغلاق مبانيها بعدما فتشت “المديرية العامة للأمن الوطني” مكتبها في أبريل/نيسان 2021 وصادرت موادها. وحُكم على رئيس هذه الجمعية المحلية المعروفة، ناصر مغنين، في نوفمبر/تشرين الثاني بالسَّجن عاما بتهمة “المساس بالوحدة الوطنية” و”المساس بالمصلحة الوطنية” من بين تهم أخرى تتعلق بأنشطة الجمعية، استنادا لما ورد في تقرير هيومن رايتس ووتش.

وسبق أن أصدرت منظمة العفو الدولية “أمنستي” تقريرا في الموضوع، تطرقمدارله في مقال سابق، ودعت الجزائر لوضع حد لحملتها “القمعية المتواصلة” مستندة على من القانون الدولي لحقوق الإنسان والدستور الجزائري اللذين يكفلان الحق في حرية التعبير والتجمع السلمي للأحزاب السياسية.

وبعد مرور ثلاث سنوات على انطلاق الحراك أصبح تغول السلطات وتصاعد القمع والترهيب والاعتقال، بارزا للعيان، مما يثير قلق المنظمات الحقوقية الوطنية والدولية، وبات الغموض يلف ما ستؤول إليه الأوضاع في الجزائر، بعد مصادرة حريات التعبير والرأي والتنظيم.

مشاركة المقال

مقالات ذات صلة