الجاليات الفلسطينية، درع فلسطين وقاهرة القبة “السياسية” الإسرائيلية

مشاركة المقال

مدار: 04 حزيران/ يونيو 2021

جهاد سليمان: عضو اللجنة المركزية للجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين

بتاريخ (15 أيار\ مايو) من العام الجاري، أحيا الشعب الفلسطيني، في جميع أماكن تواجده، ومعه جميع الشعوب الحرة والمتضامنة مع  القضية الفلسطينية، الذكرى ال(73) للنكبة الفلسطينية الكبرى، ليعيد تذكير العالم، بالتراجيديا الفلسطينية، والمأساة المتواصلة فصولا، منذ أن قررت قوى الامبريالية العالمية، توسيع نفوذ سيطرتها على منطقة الشرق الاوسط، من خلال زرع كيان استيطاني استعماري، ليشكل قاعدة عسكرية متقدمة لها، تضطلع بمهمة ترهيب شعوب المنطقة، وتفتيتها وزرع التفرقة بينها، وذلك على حساب الأرض والشعب الفلسطيني، الذي وجد نفسه، في وسط عاصفة كونية من المؤامرات، أسفرت بفعل الدعم الامبريالي المطلق والغير محدود للحركة الصهيونية، إلى ارتكاب أبشع عملية تطهير عرقي، شهدها القرن العشرين، إذ وجد الشعب الفلسطيني نفسه مرميا، بين حراب الذبح والقتل الصهيوني الممنهج، وصمت المجتمع الدولي، بل ومحاولات التضليل المنظمة، للرأي العالم العالمي، من خلال تغليف ما يجري على أرض فلسطين، بأساطير دينية وخرافات، سخرت هذه الدول جميع إمكانياتها،  السياسية والديبلوماسية والمؤسساتية والاعلامية، لجعلها السردية المقبولة على مسامع الشعوب الغربية، والتي بعضها بقي بعيدا كل البعد، عن حقيقة المذابح والتهجير القسري، المرتكبة بحق الشعب الفلسطيني، والبعض الاخر الذي اقتنع، برواية الأساطير المختلقة، والمظلومية التاريخية لليهود، التي دفع الشعب الفلسطيني ثمنها، على الرغم  من حقيقة أن ذات الدول الاوروبية، التي تعاجل الترويج، لنظرية حماية يهود العالم، من العذاب الطويل الذي شهدوه، بدعم مشروع إقامة وطن لليهود على أنقاض وجثث الشعب الفلسطيني،  هي بذاتها الشاهدة على هذه الروايات، وهي المسرح لفصولها المعنونة، في كتاب المأساة اليهودي، في حين كانت فلسطين، المكان الآمن من حيث حماية ليس فقط الديانات على اختلافها، بل أيضا حماية المفاهيم الانسانية، التي انتهكت في شوارع العواصم الاوروبية، في سياق صراع النفوذ العالمي.

لم تكن الذكرى ال(73) للنكبة الفلسطينية الكبرى هذا العام، عادية الوقع والأحداث على الشعب الفلسطيني، بل أتت في سياق واحدة من أصعب المراحل، التي يمر بها الشعب الفلسطيني، بفعل وصول المشروع الصهيوني الاستيطاني الاحتلالي، إلى ذروة عملية تمدده على الأرض الفلسطينية، من خلال اكتمال القوام المادية، على أرض الواقع، لما يسمى مشروع “دولة اسرائيل الكبرى” اليهودية، الهادفة الى نسف أي امكانية، لترجمة مشروع النضال الوطني الفلسطيني، بإقامة الدولة الفلسطينية المستقلة،  بعاصمتها القدس،  وعودة اللاجئين، كما نصت عليها قرارات الشرعية الدولية، أي إعلان مشروع التصفية الكلي، ليس فقط للحقوق الوطنية المشروعة للشعب الفلسطيني، بل أيضا لجوهر الهوية الوطنية الفلسطينية، التي تشكل الكلمة السرية، في استمرار تماسك الشعب الفلسطيني، أينما كان، ومواصلة الشعب الفلسطيني، خوضه فصول الدفاع عن مضمون ما تختزنه الهوية الوطنية الفلسطينية، على كافة الأصعدة، وبشكل خاص إعادة تجميع الشتات الفلسطيني، في إطار كيان سياسي واضح المعالم، ومعترف به أمام العالم أجمع، تمثله بشكل مباشر الدولة الفلسطينية المستقلة كاملة السيادة.

هذه المخاطر التي تأتي في سياق ترجمة مشروع التصفية الكلي،  للقضية والحقوق الوطنية للشعب الفلسطيني، ترجم من خلال التصعيد الذي شهده حي الشيخ جراح في مدينة القدس المحتلة، في محاولة جديدة لتنفيذ عملية تطهير عرقي ممنهجة، بحق المئات من العائلات الفلسطينية، بالإضافة الى تهديد عائلات أخرى تسكن في منطقة سلوان، كمقدمة لمشروع ما يسمى بالتهويد الكبير لمدينة القدس، الأمر الذي أدى الى اندلاع مواجهات مع الاهالي، سرعان ما امتدت واتسعت لتشمل مختلف الاراضي الفلسطينية المحتلة، بالإضافة الى رفع سقف المواجهة، من خلال التدخل السريع والمباشر، للمقاومة الفلسطينية المسلحة، من قطاع غزة، مما أطلق جولة مواجهة عسكرية، امتدت (11) يوما، كان للمقاومة الفلسطينية، الصوت الأعلى والمبادرات الغير متوقعة، والمؤلمة للكيان الاسرائيلي بمختلف مؤسساته السياسية والعسكرية والأمنية

لم تستجب المناطق الفلسطينية المحتلة فقط، الى نداءات العائلات الفلسطينية، والاستغاثة التي أطلقها المصلين من باحات المسجد الاقصى، بعد أن تحول الى ساحة حرب حقيقية، استخدمت خلالها الشرطة الاسرائيلية جميع  أساليب الارهاب المنظمة، بل التقطت الفطرية الوطنية، للجاليات الفلسطينية، هذه الموجات الصوتية، وحللتها في مختبرات الوطنية الفلسطينية، لتتلمس انطلاقا من وحدة المصير، بين أبناء الشعب الفلسطيني أينما كانوا، خطورة ما يجري في مدينة القدس المحتلة، وما يحضر في سياق مشروع التصفية، للمشروع الوطني الفلسطيني، الذي يستهدف الفلسطينيين بمختلف تجمعاتهم داخل الاراضي الفلسطينية المحتلة وخارجها في دول اللجوء والمهجر، الامر الذي حول العواصم الغربية، الى ساحات تصدح بالهتافات الفلسطينية، ولوحات تضامنية غير مسبوقة، مع الشعب الفلسطيني، وهذا ما  أثار رهبة قادة الاحتلال الاسرائيلي، وأربك سير عملياتهم العسكرية، مما دفع بالعديد من وسائل الإعلام الصهيونية، أن تصف ما يحدث من تحركات عالمية، مناهضة للعدوان الصهيوني، ومؤيدة لنضال الشعب الفلسطيني وحقوقه الوطنية، بحدث تاريخي ومأساوي، أفشل نظرية القبة الحديدية السياسية الاسرائيلية، التي تباهت بها المؤسسة الامنية والسياسية والاعلامية الاسرائيلية لعقود من الزمن.

خرجت الجاليات الفلسطينية، التي راهن العدو الصهيوني أولا، وأنظمة التطبيع العربي ثانيا، وجميع أعداء الشعب الفلسطيني ثالثا، على خروجها من معادلة الكل الفلسطيني، بالآلاف ومعهم آلاف المتضامنين والمؤيدين للشعب الفلسطيني،  محدثين صدمة ليس فقط للمؤسسة الاسرائيلية على اختلاف اختصاصاتها، بل أيضا لأصدقاء الشعب الفلسطيني، خاصة وأن هذا الزخم والتحشيد يخرج  بعد  الأحداث المأساوية، التي شهدتها المنطقة العربية، منذ اندلاع التحركات الشعبية وتدحرجها الى مواجهات مسلحة، في أكثر من دولة عربية، مما انعكس بشكل مباشر على اللاجئين الفلسطينيين، الذين وجدوا أنفسهم في قوارب الهجرة، متوجهين الى مصير مجهول ومظلم، مما عزز عند الكثير من المتربصين بالشعب الفلسطيني،  فرضية تنكر هؤلاء المعذبين والمقهورين، لقضيتهم الوطنية، والذوبان في برجوازية ورفاهية الحياة الاوروبية، وبعض العواصم العالمية، وبعد مسار من محاولة تصوير عزلة الشعب الفلسطيني، من خلال مسلسل التطبيع المذل، الذي سلكته بعض الانظمة العربية، وتصوير الاعلام التابع لهذه الانظمة، القضية الفلسطينية، في أسفل اهتمامات الشعوب العربية، بل ومحاولة إحداث شرخ بين الشعب الفلسطيني والشعوب العربية، وهذا ما سقط تحت أقدام أبناء وبنات الجاليات الفلسطينية، وخاصة فئة الشباب متحدثي اللغات المحلية، الذين كان لهم الحضور البارز والمؤثر، مما  أجبر العالم بأسره الى الالتفات، لما يجري على الأراضي الفلسطينية، بل وتشكيل رأي عام عالمي، مندد ومستنكر للإجرام الصهيوني المرتكب بحق الشعب الفلسطيني، والمطالبة العلنية، بضرورة تحمل المجتمع الدولي لمسؤولياته اتجاه، نظام الفصل العنصري، وجريمة الاضطهاد والتطهير العرقي، التي تحاول دولة الاحتلال الاسرائيلية، ارتكابها بحق الشعب الفلسطيني، مما شهد أيضا صوتا عاليا ولافتا، للعديد من الفنانين العالميين والممثلين، والرياضيين، والأكاديميين، المؤثرين في الرأي العام الغربي خاصة وسط فئة الشباب، وعلى وجه الخصوص في  الولايات المتحدة الامريكية والقارة الاوروبية، وهذا ما دفع بصحيفة الجيروزليم بوست،  (JERUSALIM POST)، التركيز على هذه التحركات، وانتقاد  فشل “إسرائيل”، المتزايد في كسب تأييد الرأي العام العالمي، في حين تكتسب القضية الفلسطينية أكثر فأكثر دعما عالميا من الوزن الثقيل، بالإضافة الى إشارة صحيفة نيويورك تايمز (THE NEW YORK TIMES)، لحالة  الترقب التي تسود دولة الاحتلال الإسرائيلية، حول مصير رئيس حزب الليكود ورئيس الوزراء الاسرائيلي  “بنيامين نتنياهو”، في حين أن الفلسطينيون يحتفلون بوحدتهم وتضامن العالم معهم.

تأتي هذه الاشارات الصحفية، بالإضافة الى الحديث المستعر في الأوساط الاسرائيلية، حول تعاظم التأييد العالمي للقضية الفلسطينية، ونقاط الفشل التي وقعت بها الدبلوماسية الاسرائيلية، التي حاولت لمدة زمنية طويلة، الدفاع عن خروقات دولة الاحتلال للقانون الدولي، واستمرارها الاعتداءات الممنهجة بحق الشعب الفلسطيني، لتدلل على الخشية الاسرائيلية،  من النمو اللافت للتأييد العالمي، للشعب الفلسطيني وقضيته، خاصة على صعيد المستوى الشعبي العام، والشخصيات المؤثرة (فنانين، صحافيين، أدباء، أكاديميين، الخ…)، وانكشاف زيف الرواية الصهيونية المضللة، التي روجت لها الحركة الصهيونية، والاعلام الصهيوني الامبريالي، لطمس حقيقة هذا الكيان المجرم، ومشروعه الذي يتعدى أيضا أرض فلسطين، ككيان فصل عنصري، وتطهير عرقي لاإنساني، يمارس جميع أشكال جرائم الحرب والابادة بحق شعب اعزل

إن الانتصارات التي تحققها القضية الفلسطينية، على مستوى كسب التأييد الشعبي العالمي، يأتي في سياق مسار الكفاح والنضال الفلسطيني الطويل، وبفعل الصمود الأسطوري للشعب الفلسطيني، وتمسكه بكافة حقوقه الوطنية، ورفضه التخلي عن حقه في أرضه واستقلاله وعودته.

كما تعاظم بفعل التطور التكنولوجي على مستوى (الاعلام البديل)، وتوفر الهواتف الذكية والشبكة العنكبوتية، للاستخدام الشعبي العام، مما كسر احتكارية نقل الأخبار وفبركتها من قبل الإعلام الإمبريالي الصهيوني، بحيث أضحت الحقيقة تنقل وبشكل مباشر الى أوسع رأي عام عالمي

وهذا ما يدفعنا للتأكيد على أمرين فائقي الأهمية:

أولا: أهمية حركة المقاطعة العالمية، وإستراتيجيتها في قلب الرأي العام العالمي لصالح قضية فلسطين، وهذا ما نلمسه اليوم من خلال حملة التضامن العالمية الآخذة بالنمو

ثانيا: الدور الجوهري والمحوري، الذي تلعبه الجاليات الفلسطينية حول العالم، في إعلاء شأن القضية الوطنية، وفضح جميع الانتهاكات الصهيونية بحق شعبنا، وقدرتها على تحريك الشارع واستثماره لصالح تشكيل قوة ضغط عالمية على هذا الاحتلال المجرم، أي أهمية (الديبلوماسية الشعبية الفلسطينية) وإستراتيجيتها في مسار حركة التحرر الوطني

استطاعت الجاليات الفلسطينية، مرة أخرى أن تشكل صوت فلسطين الصادح، ودرع الحقوق الوطنية المشروعة للشعب الفلسطيني، في العواصم الغربية، كما أثبتت فشل جميع المخططات، الهادفة الى تجزئة الشعب الفلسطيني، والنيل من وحدته  وتماسكه، حول قضيته الوطنية أينما كان، ومن جهة أخرى القدرة العالية للجاليات الفلسطينية، على لعب دور متقدم، وأن تكون الجاليات شريكا أساسيا، في أدارة أي معركة، يخوضها الشعب الفلسطيني، للحفاظ على أرضه وحقوقه الوطنية، من خلال إحداث صدمة إيجابية، لدى الرأي العام العالمي، واستثماره لصالح فضح الانتهاكات الاسرائيلية، وتشكيل قوة ضغط على عواصم هذه البلدان، وخاصة الاوروبية، للالتفات لما يجري على الاراضي الفلسطينية، فالجاليات الفلسطينية اليوم، تشكل درعا متقدما للشعب الفلسطيني وحقوقه الوطنية، وتمثل رأس حربة خوض معركة انتزاع حقوق الشعب الفلسطيني الوطنية، وهي شريكة أساسية لا فقط في إدارة دفة الصراع، بل وأيضا في صناعة نصر شعب فلسطين القادم.

مشاركة المقال

مقالات ذات صلة