التضخم ينخر الاقتصاد الأمريكي

مشاركة المقال

مدار + مواقع: 21 نيسان/ أبريل 2021

في وقت كان الإعلام الغربي يستعمل مصطلح التضخم من أجل وصف الوضع الاقتصادي لبلدان تعاني من الحصار، سواء من قبل الولايات المتحدة الأمريكية أو باقي القوى الغربية، مرجعا ذلك إلى عدم تتبع النموذج الاقتصادي العالمي الذي من شأنه أن ينقذ هذه البلدان من ويلات الفقر، لم يكن هذا الإعلام واعيا بأن هذا التضخم سوف يطرق وبشكل عنيف إحدى أقوى هذه البلدان.

تعتبر الولايات المتحدة الأمريكية نفسها أقوى الاقتصاديات، الأمر الذي يُحل لها فرض العقوبات وقمع الأصوات التي يمكن أن تقف في طريق تنفيذها، حتى لو أدى ذلك إلى معاناة ملايين من الناس، لكن ما لا يمكن أن تخفيه هو الترنح الذي أصبح يعاني منه اقتصادها بالخصوص، والدول الغربية بشكل عام.

ففي حين كان البعض في الولايات المتحدة يتحدث عن أن أرقام التضخم في الوقت الحالي تعتبر منطقية وستساهم في تجاوز الوضع الحالي الذي فرضه الوباء، تغيرت هذه المعنويات، لاسيما لدى المستثمرين الذين اعتبروا أن نسب التضخم المستقبلي وأسعار الفائدة المستقبلية تجعل من الضغوط التضخمية في بعض أجزاء الاقتصاد تقترب من التدمير.

حتى أثناء التباطؤ الاقتصادي الناجم عن التأثير الاقتصادي للوباء، من الواضح أن بعض الأسعار في طريقها إلى الارتفاع، إلى جانب الوفرة في القطاع المالي، إذ تشهد أسعار الأسهم والسندات ازدهارا، فيما تزداد أيضا بعض الأسعار المهمة في الاقتصاد الحقيقي بشكل كبير.

وكمثال على وقع ذلك في الحياة العامة فقد ارتفعت أسعار النفط بأكثر من 50 في المائة منذ العام الماضي، كما شهدت أسعار مواد البناء (الخشب، النحاس، الصلب وما إلى ذلك) ارتفاعا بنسبة تصل إلى 73% في عام واحد بسبب الطلب القوي وارتفاع تكاليف البناء. وواكبت ذلك أيضا زيادة في أسعار العقارات والإيجارات، إذ ارتفع متوسط سعر المنازل بنسبة 15% عام 2020. في حين شهدت كندا ارتفاعا في متوسط ​​أسعار المنازل بنسبة 23٪. بالإضافة إلى ذلك شهدت أسعار المواد الغذائية ارتفاعا أيضا بنسبة 3.8% ومن المرجح أن تستمر في اتجاهها التصاعدي عام 2021.

 والخطير في كل هذا أن بعض السيولة الإضافية التي تم ضخها في النظام وجدت طريقها إلى الاستثمارات الخاصة بالعملات المشفرة، وهي ظاهرة تذكرنا بـ “هوس التوليب “في هولندا أو ما سمي آنذاك “تداول الهواء” في القرن السابع عشر!.

في ظل هذا الوضع مازالت الأرقام الرسمية تشير إلى مستويات طبيعية للتضخم، وهو الأمر الذي عزاه الاقتصاديون إلى ثلاثة عوامل يمكن أن تفسر ذلك. أولا أن مؤشرات التضخم الرسمية هي مؤشرات متأخرة، لأن التحولات المهمة في أنماط الإنفاق الاستهلاكي يتم تعديلها كل عامين، لذلك خلال الجائحة الحالية وعلى الرغم من أن المستهلكين غيروا إنفاقهم الاستهلاكي بشكل كبير إلا أن هذا التحول لم ينعكس بعد في مؤشرات التضخم الرسمية.

وبالنسبة للعامل الثاني فهو متعلق بالانخفاض الشديد في الطلب والإنتاج والتوظيف الذي شهدته بعض القطاعات المهمة (السياحة، السفر، الفنادق، المطاعم، البيع بالتجزئة، الفن والثقافة وما إلى ذلك)، ومعها انخفضت أسعار خدماتها، ما أدى بشكل مصطنع إلى انخفاض مؤشرات التضخم الرسمية. وثالثًا، نظرا لتراجع أسعار النفط والبنزين بشدة خلال معظم عام 2020… لكن ومع الارتفاع المضطرد الذي شهدته الأسعار خلال الفترة الحالية فمن المؤكد أن يكون لها تأثير على المقاييس المستقبلية للتضخم.

وفي خضم هذه الأوضاع، طفت إلى السطح التجاذبات التي شهدتها العلاقة بين رئيس بنك الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي، جيروم باول، وكبار المستثمرين، والتي دارت حول عدم نية باول وضع حد للتضخم الحالي، وهو الأمر الذي يراه كثيرون تكرارا لفترة ما قبل 1980، عندما انتظرت البنوك المركزية طويلاً قبل محاربة التضخم الزاحف، ما دفع أسعار الفائدة عام 1980 إلى أعلى مستوياتها، التي كانت سببا في الركود الاقتصادي المهول 1980-1982.

إن الدين العام والخاص يسير في طريقه للوصول إلى أرقام مهولة مع نهاية عام 2021، كما أنه من المرتقب أن يؤدي الارتفاع التدريجي في أسعار الفائدة إلى حدوث فوضى من نواح كثيرة. كما أن من المفارقات أن أسعار الفائدة المنخفضة بشكل مصطنع للبنوك هي التي شجعت مثل هذا الإفراط في المديونية. واليوم، تجد تلك البنوك نفسها محاصرة في سياساتها السابقة، وتخشى أنه إذا عادت إلى أسعار الفائدة العادية فقد يؤدي ذلك إلى أزمة ديون عالمية.

وفي ظل هذه المستويات المهولة التي وصل إليها الاقتصاد الأمريكي، الذي له باع طويل في تصدير هذه المشاكل، سواء من خلال استثمار قوته على المستوى العالمي، أو من خلال بسط سياساته الاقتصادية وفرض عقوبات تستهدف إضعاف المنافسين، والصين أبرز مثال على ذلك؛ فمن المتوقع أن تواصل الولايات المتحدة على النسق نفسه.

مشاركة المقال

مقالات ذات صلة