الإمبريالية الخضراء ليست حلا لأزمة المناخ

مشاركة المقال

مدار: 05 كانون الثاني/ يناير 2022

برابير بوركاياستا*

تقدم البلدان الغنية عرضا ترويجيا على أساس عملها على معالجة تغير المناخ، دون أن تقوم بتقديم الموارد المالية اللازمة للدول الفقيرة قصد التحول إلى الطاقة المتجددة. إنهم لا يقعون في قبضتها.

لا تقتصر المواجهة من أجل وضع حد للاحتباس الحراري على توفير مسارات بديلة لوقف انبعاثات الكربون في جميع البلدان، بل يتعلق الأمر أيضا باستشراف أفضل السبل، لتلبية احتياجات الطاقة للشعوب في مختلف البلدان، أثناء العمل على تحقيق صافي انبعاثات صفري.

إذا كنا في طريق التخلي على الوقود الأحفوري، وهو الأمر الذي أصبح أمرا ملحا نظرا للتحديات البيئية الآنية، فإن البلدان في إفريقيا وجزء كبير من آسيا، بما في ذلك الهند، بحاجة إلى مسار بديل قادر على توفير الكهرباء لشعوب هذه البلدان. هذا الأمر يضعنا أمام سؤال: ما هو أفضل مسار بديل تتبعه البلدان الفقيرة لإنتاج الكهرباء – إذا لم تستخدم الوقود الأحفوري – التي يتم استخدامها من قبل البلدان الغنية؟ وهذا السؤال بدوره يثير تساؤلات حول مقدار تكلفة هذه الطاقة البديلة على البلدان الفقيرة، ومن سيتحمل ويدفع الفواتير المترتبة عن هذا التبديل إلى المصدر الجديد للطاقة.

لم تكن المناقشات حول هذا النوع من القضايا، ذات الصلة بحل أزمة المناخ، حاضرة ضمن جدول أعمال “كوب 26” والذي اختتم أشغاله في 13 من نونبر/ تشرين الثاني 2021.

تم فصل تمويل المسارات ذات الانبعاثات الكربونية المنخفضة عن الالتزامات نحو خفض انبعاثات الكربون، وهو الأمر الذي جعلنا أمام مستقبل مبهم، حيث فشلت البلدان المتقدمة في الوفاء بـ”تعهدها” السابق القائم على توفير التمويل للدول النامية قصد “مساعدتها على التكيف مع التغيرات المناخية والتخفيف من حدة التبعات المرتبطة بارتفاع درجة الحرارة”.

تعطينا بعض الأرقام المتوفرة مؤشرات لفهم مدى مساهمة الدول النامية في أزمة المناخ الحالية والانبعاثات الغازية المسببة للاحتباس الحراري، هذه الأرقام تبين أن الاتحاد الأوروبي بالإضافة إلى المملكة المتحدة تنتج أكثر من ضعف انبعاثات الكربون في القارة الإفريقية بأكملها، أخذا في الحسبان أن عدد السكان فيهما أقل من نصف سكان القارة الإفريقية؛ كما أن الولايات المتحدة والتي يقطنها أقل من ربع سكان الهند، تتسبب في انبعاثات كربون أكثر بكثير مما تصدره الهند – الضعف تقريبا.

تشير التقارير إلى أن تكلفة الكهرباء التي مصدرها الطاقة المتجددة قد انخفضت الآن إلى أقل من نظيرتها المعتمدة على الوقود الأحفوري، وهو الأمر الذي جعل، حسب التقارير ذاتها، جميع البلدان قادرة ولديها الإمكانية للانتقال والتحول من الوقود الأحفوري إلى مصادر الطاقة المتجددة، كل هذا يتم الحديث عنه دون معالجة أو التطرق لقضية التمويل.

صحيح أن تكلفة الكهرباء المولدة باستخدام مصادر الطاقة المتجددة أقل تكلفة في الوقت الحالي من الوقود الأحفوري، لكن وعلى الرغم من كل ذلك يتم تجاهل واقع أنه بالنسبة للدول الفقيرة فإن إجراء هذا التحول يستلزم بناء قدرات بثلاثة وأربعة أضعاف عما كان معمول به للتزود بنفس الكمية من الطاقة التي يتم التحصل عليها حاليا من محطات الوقود الأحفوري، وذلك راجع إلى أن عامل السعة أو عامل حمل المحطة (PLF) – مقدار الكهرباء التي تنتجها المحطة مقارنة بما يمكن أن تنتجه من خلال العمل المستمر بكامل طاقتها – لمصادر الطاقة المتجددة حوالي 20 إلى 40 بالمائة من الطاقة التي تعمل على الوقود الأحفوري، بالإضافة إلى أن الرياح لا تهب طوال الوقت ولا تشرق الشمس في الليل، وهذا يعني أنه سيتعين على الدولة بناء والرفع من طاقتها عدة مرات – وبالتالي استثمار المزيد من رأس المال – باستخدام المسار المتجدد لتوليد نفس الكمية من الكهرباء التي ستحصل عليها من محطات الوقود الأحفوري.

الاستعمار الأخضر

من الممكن ألا يمثل هذا المستوى من الاستثمار في مصادر الطاقة المتجددة من قبل الدول الغنية أي مشكلة لها، لكن بالنسبة للبلدان الفقيرة التي تحاول بناء وتشييد بنياتها التحتية من الكهرباء والطرق والسكك الحديدية والبنية التحتية العامة الأخرى بما في ذلك المدارس ومؤسسات الرعاية الصحية، فإن التحول إلى مصادر الطاقة المتجددة لن يكون سهلا بدون الدعم المالي من البلدان الغنية؛ هذا هو السبب الذي يجعل من مطالبة البلدان الغنية للدول الفقيرة بتقديم تعهدات بالوصول إلى صفر انبعاثات دون الالتزام بتزويدها بأي أموال نفاقا واضحا، وهو الأمر الذي يجعل البلدان الغنية أمام إمكانية – وعلى الأرجح ستفعل – أن تقوم في المستقبل القريب بتحويل أنظارها نحو البلدان الفقيرة وتقول بأن هذه البلدان قد التزمت بتحقيق صافي انبعاثات صفرية وعليها الآن الاقتراض من الدول الغنية بأسعار فائدة مرتفعة من أجل الوفاء بوعودها وإلا ستواجه عقوبات. بعبارة أخرى، سيؤدي هذا إلى شكل جديد من أشكال الاستعمار الأخضر.

المشكلة الثانية المتعلقة بالطاقة المتجددة كمصدر رئيسي للكهرباء هي أن هناك تكاليف إضافية كبيرة لإنشاء شبكة قصد تخزين الكهرباء على المديين القصير والطويل تحسبا للتقلبات اليومية والموسمية التي يمكن أن تقع، وعلى سبيل المثال في عام 2021 شهدت ألمانيا تباطؤا كبيرا في سرعة الرياح في الصيف مما أدى إلى انخفاض حاد في الكهرباء المولدة من الرياح، ولتجاوز هذه الإشكالية قامت ألمانيا بزيادة إنتاج الكهرباء من خلال محطات تعمل بالفحم وهو الأمر الذي أدى إلى زيادة كبيرة في انبعاثات الغازات المسببة للاحتباس الحراري، انطلاقا من هذا المثال وفي سيناريو مماثل في بلدان لا توجد فيها محطات تعمل بالفحم، ماذا ستفعل عندما تتقلب قدرة الطاقة المتجددة؟

هذه المؤشرات تضعنا أمام خيار أن التقلبات الطاقية اليومية التي تشهدها البلدان التي تستخدم مصادر الطاقة المتجددة، يمكن مواجهتها ببطاريات كبيرة الحجم، إلا أن اللجوء إليها أثناء التغيرات الموسمية يبقى في الغالب غير ممكن، وسيتعين على هذه البلدان لتجاوز هذا النوع من الإشكالات إما استخدام أنظمة التخزين التي يتم ضخها باستخدام الطاقة الكهرومائية أو تخزين الهيدروجين بكميات كبيرة من أجل استخدامه في خلايا الوقود، ويتمثل مخطط الطاقة الكهرومائية للتخزين في ضخ المياه إلى الخزان عندما يكون هناك فائض من الطاقة المتاحة للشبكة وبالتالي استخدامها لإنتاج الكهرباء عندما يكون هنالك عجز، في الوقت الذي لا يزال فيه تخزين الهيدروجين بكميات كبيرة بما يكفي لتلبية متطلبات الشبكة الموسمية فكرة أخرى تحتاج إلى استكشاف وتقييم جدواها الفنية والاقتصادية.

النقطة المهمة هنا والتي نريد التأكيد عليها هي أن التحول إلى شبكة تعتمد بالكامل على الطاقة المتجددة لا يزال بعيدا من الناحية التكنولوجية في الوقت الراهن، في ظل حاجتنا إلى تطوير تقنيات جديدة لتخزين الطاقة، كما أننا قد نحتاج إلى استخدام مراكز الطاقة المركزية – الأحفورية أو النووية – لتلبية التقلبات اليومية أو الموسمية حتى إيجاد بدائل أفضل وطرق تخزين عملية.

الاحتمال الآخر والذي يجدر أخذه بعين الاعتبار أيضا هو استخدام الوقود الأحفوري دون أن يتسبب في انبعاثات غازات الاحتباس الحراري، وهذا يعني عدم السماح لثاني أكسيد الكربون بالتسرب إلى الغلاف الجوي، من خلال ضخه في الخزانات الجوفية، أو ما يسمى باحتجاز الكربون وعزله. تم التخلي عن مشاريع احتجاز الكربون في البلدان الغنية ظنا منها بأن مصادر الطاقة المتجددة كفيلة بحل مشكلة انبعاثات الكربون، لكن أصبح من الواضح في الوقت الحالي أن وجود مصادر الطاقة المتجددة كمصدر وحيد للطاقة في الشبكة لا يكفي، وقد يحتاج العالم للبحث عن حلول أخرى أيضا.

ازدواجية معايير الدول الغنية

في الوقت نفسه، لا يبدو أن الطاقة النووية، إذا ما نظرنا إلى المدى القصير، تمثل حلا دائما للانتقال نحو مصادر طاقة أنظف حيث “لا يوجد وقت كاف للابتكار النووي لإنقاذ الكوكب” وفقا لمقال نشر في مجلة “فورين أفيرز”، مما يضعنا أمام معطى أن الغاز والنفط والفحم هي الحلول قصيرة المدى الوحيدة المطروحة أمامنا لمواجهة التقلبات طويلة وقصيرة المدى في إنتاج الطاقة، وهنا تتضح ازدواجية معايير الدول الغنية.

تمتلك البلدان الغنية مثل الولايات المتحدة وأوروبا موارد غاز كافية، لكن الدول الأكثر فقرا مثل الهند والصين ليست لديها هذه الإمكانية، وفي المقابل تتوفر على موارد مهمة للفحم. بدلا من مناقشة كمية الغازات الدفيئة التي يجب أن تنبعث من كل بلد، قررت الدول الغنية التركيز على مصدر الطاقة الذي يجب التخلص منه، نعم، يصدر الفحم ضعف كمية ثاني أكسيد الكربون مقارنة بمحطات الطاقة التي تعمل بالغاز لإنتاج نفس كمية الطاقة الكهربائية، ولكن إذا أنتجت البلدان ضعف كمية الكهرباء من خلال محطات الطاقة التي تعمل بالغاز مقارنة بنظيرتها المعتمدة على الفحم، فستظل تنتج نفس الكمية من انبعاثات الكربون. إذا كانت الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي والمملكة المتحدة تنتج انبعاثات كربونية أكثر من الهند أو إفريقيا – اللتين تحتويان على عدد أكبر من السكان – فلماذا تركز مطلبها فقط على التخلص التدريجي من الفحم حصرا، في حين لم يتم تحديد مثل هذه الأهداف من قبل الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي والمملكة المتحدة في سبيل التخلص التدريجي من انبعاثات الكربون الناتجة عن استخدام محطات توليد الطاقة التي تعمل بالغاز؟

هذا هو الوضع الذي تصبح فيه قضية العدالة الطاقية مهمة، لا سيما إذا أخذنا بعين الاعتبار أن استخدام الفرد من الطاقة في الولايات المتحدة يمثل تسعة أضعاف مثيله في الهند، بينما يبلغ استخدام الطاقة للفرد في المملكة المتحدة ستة أضعاف مثيله في الهند، كما أنه إذا استحضرنا دول إفريقيا جنوب الصحراء فإن بلدانا مثل أوغندا وجمهورية إفريقيا الوسطى حيث استهلاكها للطاقة أقل بكثير من ذلك، وبشكل أدق فإن الولايات المتحدة والمملكة المتحدة تستهلكان على التوالي 90 و60 مرة أكثر من هذه البلدان، وإذا ما أخذنا هذه الأرقام بعين الاعتبار، لماذا علينا أن نتحدث بعد ذلك فقط عن أنواع الوقود التي يجب التخلص منها وليس عن مقدار ما يجب على البلدان خفضه في ما يخص انبعاثات الكربون مقارنة بالسكان؟

أنا لا أطرح هنا قضية الحصة العادلة من مساحة الكربون، وإذا ما استخدمت دولة أكثر من حصتها العادلة من مساحة الكربون، فكيف يجب أن تعوض الدول الأفقر عن ذلك. أنا ببساطة أشير إلى أنه بالحديث عن صافي الانبعاثات الصفرية والتخلص التدريجي من بعض أنواع الوقود، فإن البلدان الغنية تواصل السير في طريقها الذي يعرف انبعاثات كربون زائدة، في حين توجه الأنظار نحو الآخرين.

قضية كونية

من الأمور التي تبرز نفاق القوى العالمية الكبرى في التعامل مع مثل هذه المواضيع، مثال النرويج، والتي في الوقت الذي تقوم فيه بتوسيع إنتاجها من النفط والغاز، قامت إلى جانب سبع دول أخرى من بلدان الشمال الأوروبي ودول البلطيق بالضغط على البنك الدولي من أجل “وقف تمويل جميع مشاريع الغاز الطبيعي في إفريقيا وأماكن أخرى بحلول عام 2025”، وفقا لمقال نشر في مجلة “فورين بوليسي” بعنوان “السياسات المناخية للبلدان الغنية هي استعمار باللون الأخضر”، كتبه فيجايا راماشاندران، مدير الطاقة والتنمية في معهد بريكثرو.

ففي الوقت الذي كانت فيه النرويج أكثر وضوحا في نواياها، اتخذت 20 دولة قرارات مماثلة في “كوب 26” لإنهاء “تمويل تطوير الوقود الأحفوري في الخارج”، وفقا لما تناولته صحيفة “الغارديان” البريطانية. وبالنسبة لهم، فإن مفاوضات تغير المناخ هي السبيل للحفاظ على مراكزهم المهيمنة في مجال الطاقة مع حرمان البلدان الأفقر والتي تحاول تزويد شعوبها بالطاقة المعيشية ليس فقط من تعويضات عن الأضرار المناخية ولكن أيضا من التمويل.

من خلال كل ما سبق وباستحضار الوضع العالمي، فإنه من الواضح أنه لا يوجد بلد في العالم له مستقبل إذا لم يتم وضع حد لاستمرار انبعاث غازات الاحتباس الحراري. ولكن في نفس الوقت إذا لم تجد الدول الغنية أيضا طريقا للدول الفقيرة تتمكن عبره من تلبية الحد الأدنى من احتياجاتها من الطاقة، فسوف تشهد هذه البلدان انهيار مساحات شاسعة قائمة على الطاقة. هل من المنطقي الاعتقاد بأن البلدان الواقعة في إفريقيا جنوب الصحراء يمكنها الاستمرار في العيش على 90 من استهلاك الطاقة في الولايات المتحدة دون أن تكون هناك عواقب على جميع البلدان؟

قد يقول رئيس الوزراء الهندي ناريندرا مودي وأتباعه بأن الهند في طريقها لأن تصبح دولة متقدمة، وحتى قوة عظمى، والحقيقة هي أنه في ظل معدل استهلاك الفرد للكهرباء، فإن الهند في الواقع، أقرب إلى إفريقيا منها إلى الصين أو نادي الدول الغنية والولايات المتحدة والمملكة المتحدة ودول الاتحاد الأوروبي. إن الحديث عن معالجة تغير المناخ بدون عدالة طاقية ليس سوى نسخة جديدة من الاستعمار، حتى لو كان يرتدي اللون الأخضر. يسمي راماشاندران هذا على حقيقته، حيث كتب: “إن السعي وراء الطموحات المناخية على ظهر أفقر شعوب العالم ليس مجرد نفاق – إنه استعمار غير أخلاقي وغير عادل وأخضر في أسوأ حالاته”.

* تم إعداد هذا المقال في إطار شراكة بين “نيوز كليك” ومشروع “غلوب تروتر“.

مشاركة المقال

مقالات ذات صلة