عاشت الإكوادور على وقع احتجاجات عارمة، طالبت بإسقاط الحكومة والتراجع عن سياسات نيوليبرالية تستهدف القدرة الشرائية للفقراء وحقوق السكان الأصليين، خصوصا التراجع عن قرار رفع الدعم عن المحروقات، بعد قرار الحكومة الذي أدى إلى ارتفاع أسعارها بشكل خيالي. الاحتجاجات دفعت الرئيس اليميني الإكوادوري مورينو لينين إلى إعلان حالة الطوارئ لمدة ستين يوما من أجل قمع الحريات والتنكيل بالمحتجين والمحتجات. وترافق القرار مع نقل مقر الحكومة من كيتو العاصمة إلى مدينة غواياكيل بالجنوب الغربي للبلد في إجراء لم يسبق له مثيل، وفرض حظر التجوال قرب المؤسسات الحكومية، مع إنزالات كبيرة لقوات عسكرية والشرطة بالعاصمة كيتو التي كان النظام فقد السيطرة عليها، نتيجة الاحتجاجات العارمة التي قادها السكان الأصليون واليسار المعارض.
الاحتجاجات التي عاشت على وقعها عموم أرجاء البلاد، خصوصا كيتو ومناطق الأمازون التي استولى فيها المحتجون، خصوصا السكان الأصليون، على العديد من آبار ومحطات استخراج النفط، أدت إلى توقف إنتاج الذهب الأسود بنسبة 60 بالمائة تقريبا من أصل ما يقارب نصف مليون برميل التي تنتجها البلاد يوميا.وانطلقت الانتفاضة بداية شهر أكتوبر من السنة الماضية، وعمت أرجاء البلاد.
شارك في الاحتجاجات على وجه الخصوص السكان الأصليون (الهنود الأمريكيون) الذين يشكلون 25% من سكان الإكوادور البالغ عددهم 17.3 مليون نسمة، إضافة إلى مشاركة واسعة للعديد من القوى اليسارية والشيوعية والحركات النقابية والطلابية والفلاحين المتضررين من سياسات الحكومة اليمينية.
جاءت الاحتجاجات بعد قرار الحكومة رفع الدعم عن أسعار المحروقات، الذي ظل ساريا لأربعين سنة، وهو ما أدى إلى ارتفاع أسعارها بنسبة فاقت 120 بالمائة، القرار اتخذته الحكومة اليمينية باتفاق مع صندوق النقد الدولي مقابل منح الإكوادور قرضا بقيمة 4.2 مليارات دولار، في مقابل حزمة من الإجراءات الاقتصادية التقشفية، والاستفادة من قروض من مؤسسات دولية أخرى بقيمة 6 مليارات دولار، وهو ما أدى إلى تضرر عمال النقل والشباب والفلاحين الفقراء والعديد من شرائح المجتمع التي تعتمد على المحروقات لتشغيل المعدات الخاصة بالإنتاج، وتوفير الشغل لملايين السكان. الذين يعانون لسنوات من ضيق اقتصادي جراء ديون بلادهم المتراكمة بمليارات الدولارات.
تراكمت الأزمة نتيجة سلسلة من الإجراءات التي اتخذتها حكومة الرئيس لينين مورينيو، فحسب تقرير سبق وأن نشرته جريدة الأخبار اللبنانية، فإن مورينو “صعد إلى السلطة على أكتاف ناخبي اليسار وأنصار الثورة الثورة الشعبية في الانتخابات الرئاسية في نيسان/أبريل 2017، على أساسي برنامج سياسي، اقتصادي واجتماعي يقوم على الاستمرارية في نهج الرئيس كوريا التقدمي”.
ويضيف التقرير أن الرئيس بعد توليه مفاتيح قصر الكارونديلييه “نفذ انقلابا تاما على مضمون البرنامج الانتخابي، إذ شرع في سلسلة متلاحقة من الإجراءات، مدعوما من أثرياء البلاد وعسكرييها السابقين..أهمها إلغاء مفاعيل القوانين والتشريعات التي سنتها الحكومة السابقة، واستبدالها بسياسات تقشف نيولبرالية وقحة، تلغي الضرائب وبأثر رجعي عن الأثرياء ومصالح الرأسمالية الكبرى والشركات الأجنبية، وتقلص التقديمات الاجتماعية للطبقة العاملة، وتعفي رأس المال الأجنبي من الرسوم لـ15 عاما، وتخصخص مؤسسات القطاع العام”. وخلال الاحتجاجات، اعتبر السكان الأصليون للبلاد أن هذه الإجراءات هي جشع وتدمير واستغلال للموارد الطبيعية من قبل الدولة، ومحاولة إبادة لشعبهم، كما عبروا عن أن هذه الاحتجاجات هي دفاع عن أرضهم وحياتهم.
في السياق نفسه اتجه الرئيس الذي تراجعت نسبة شعبيته من 70 بالمائة سنة 2017 إلى 30 بالمائة هذه السنة، إلى اعتبار أن هذه الاحتجاجات ليست وليدة مطالب شعبية، بل مؤامرة خارجية يقودها الرئيس السابق رفاييل كوريا، الذي يعيش بالمنفى ببلجيكا، وأنه يقود ضده محاولة انقلاب مدعومة من طرف الرئيس الفينزويلي نيكولاس مادور، وهو ما اعتبره الرئيس السابق مجرد “هراء”. وأضاف كوريا – في مقابلة صحافية أوردها راديو (صوت أمريكا) – “يتعين إجراء انتخابات جديدة في الأكوادور من أجل تجاوز الأزمة الراهنة في البلاد، التي تشهد اضطرابات عنيفة نتيجة لرفع أسعار الوقود“؛ في حين اعتبر الرئيس الفينزويلي نيكولاس مادورو أن سبب الأزمة بالإكوادور هو تدخل صندوق النقد الدولي.
كما عبرت حركة آلبا ALBA، وهي تحالف شعبي كبير للحركات الاجتماعية بأمريكا اللاتينية عن دعمها للاحتجاجات ومواصلتها للتعبئة والاحتجاج دعما للمطالب المشروعة للشعب الإكوادوري، محملة النظام الإكوادوري وصندوق النقد الدولي مسؤولية الأوضاع والأزمة الحادة التي تعيشها البلاد. بينما سارعت الولايات المتحدة اللأمريكية إلى التعبير عن رفضها للاحتجاجات.
وفي بيان مشترك أعربت حكومات الأرجنتين والبرازيل وكولومبيا والسلفادرو وغواتيمالا والبيرو وباراغواي عن رفضها التام لمحاولات زعزعة استقرار أنظمة ديمقراطية، وعن دعمها التام لأي خطوات يتخذها مورينو؛ وهو ما يعبر عن انحياز الحكومات اليمينية بالجنوبية الأمريكية لبعضها البعض، وتوجسها من أي تغيير في اتجاه القوى الشعبية خصوصا اليسارية. هذه الحكومات هي نفسها المنخرطة في حصار اقتصادي مجرم من طرف الأمم المتحدة في حق شعب فينزويلا، بقيادة من الولايات المتحدة الأمريكية وحلفائها الغربيين، ويعري بوضوح أن الموقف الذي عبرت عنه هذه الحكومات لا يتعلق بموقف معاد للانقلابات، بل معاد للثورات المناهضة للإمبريالية الأمريكية واستغلال الشركات متعددة الاستيطان.
أدت موجة القمع إلى سقوط سبعة قتلى، وإصابة أكثر من 1340 متظاهرا ومتظاهرة واعتقال ما يفوق 1152 شخصا، حسب مصادر رسمية؛ في مؤشر يوضح التراجع الخطير للحريات بالبلد، ومضي الحكومة نحو الفاشية الجديدة على غرار الحكومات اليمينية المتطرفة بالعديد من بلدان أمريكا اللاتينية، بالإضافة إلى اليميني الفاشي دونالد ترامب بالولايات المتحدة الأمريكية.
وأعلنت، سابقا، الأمم المتحدة والكنيسة الكاثوليكية التي ترعى الاتفاقات بين السكان الأصليين والأمم المتحدة، أن اتحاد قوميات السكان الأصليين موافق على إجراء حوار مع الحكومة الإكوادورية، الذي انطلق يوم 13 أكتوبر من السنة الماضية.
وتوصل ممثلو السكان الأصليين والحكومة الإكوادورية إلى اتفاق بمقتضاه أعلنت الحكومة إلغاء حزمة التقشف التي كانت قد أشعلت الاحتجاجات وسحب اتفاق القرض الذي كانت الحكومة عقدته مع صندوق النقد الدولي، المعروف بالمرسوم أو المقرر 883، والتراجع عن رفع أسعار البنزين. وفي المقابل تدعو قيادة الاحتجاجات أنصارها إلى الانسحاب من الشوارع ووقف التظاهرات.
مباشرة بعد الاتفاق الذي تم عقده يوم 14 أكتوبر 2019، احتفالات حاشدة عرفتها مختلف أنحاء البلاد. “لقد انتصرنا“، تقول إحدى المتظاهرات.